الشرق الأوسطعاجل

قراءة في انتخابات التجديد النصفية الأمريكية

بقلم: التجاني صلاح عبدالله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

تعتبر الولايات المتحدة من أكبر الفواعل المهيمنة في المجتمع الدولي بما تملكه من قوة اقتصادية ضخمة وقوة عسكرية ضاربة، وبهذا الاعتبار فإن الانتخابات النصفية الرئاسية التي انطلقت في الثامن من نوفمبر، ستظل سيرورتها باقية على كل الألسنة في المجتمع الدولي، وتظل أغلب الوحدات السياسية إن لم يكن كلها، في حالة متابعة وترقب لما تسفر عنه نتائج الانتخابات النصفية، التي ربما تنعكس مآلتها عليها بشكل أو بآخر.

الانتخابات الرئاسية الأمريكية تجرى كل أربع سنوات، يتنافس فيها الحزبين الرئيسيين: الحزب الجمهوري (المحافظون) والحزب الديمقراطي (الليبراليون أو اليساريون)، ولا ينتخب الرئيس مباشرة لكن عن طريق أعضاء المجمع الانتخابي الذي هو الجهة المناط بها اختيار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أما الانتخابات النصفية الأمريكية فتجرى بعد عامين من تسلم الرئيس منصبه، وتعتبر مؤشرا واستفتاء عاما على أداء الرئيس في الفترة الماضية، كما أنها ذات أهمية كبيرة في تحديد الاتجاه الذي تسير فيه الدولة.

لا يغيب عن الأذهان ما جرى في السادس من يناير 2021 عندما اقتحم المئات من أنصار “ترامب” مبنى الكونجرس، في مشاهد فوضوية وأعمال تخريب ونهب لم تألفها الولايات المتحدة، واجبروا الكونجرس وقتها على تأجيل جلسة التصديق على فوز “بايدن” مؤقتا، كان “ترامب” في ذلك الوقت يحلم بإطالة مدة بقائه في البيت الأبيض من خلال نشر الفوضى وإشاعة بطلان نتيجة المجمع الانتخابي، وأن “بايدن” في حقيقته ما هو إلا مزور كبير وداهية.

انقسم الأمريكيون آنذاك إلى فريقين: فريق يعتقد أن اقتحام الكاببيتول بهذه الصورة الفجة قد أصاب مصداقية الديمقراطية الأمريكية العريقة في مقتل، والفريق الآخر يرى أن التجربة الحالية بكل تفاصيلها تؤكد بقاء تلك الديمقراطية في مواجهة أكثر السيناريوهات قسوة وفظاعة، وأن هذا الاقتحام من هؤلاء الرجرجة الذين تغلبوا على الشرطة، واجبروا المشرعين أن يخرجوا من قاعة نتائج الانتخابات، إنما هو اختبار قاس لابد أن تتعرض له أي دولة تنادي بالديمقراطية!

الناخبون في الانتخابات النصفية سيقومون باختيار كل أعضاء مجلس النواب  435 مقعد أما مجلس الشيوخ فتجرى الانتخابات على 35 مقعد من أصل 100 وتستمر ولاية كل عضو فيه ست سنوات، كما يصوت الناخبون أيضا على حكام الولايات 36 مقعد من أصل 50  وهي تعتبر فرصة لانتخاب وزراء الدولة المحليين والمدعيين العامين والمجالس المحلية.

من الواضح أنه إذا خسر “بايدن” الأغلبية في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، فإنه سيترتب على ذلك إعاقة أغلب الإصلاحات التي كان يقصد تنفيذها في توازن سياسي جديد، ومعارضة سياسته الخارجية وربما تعديل مسارها، خاصة الملف النووي الإيراني والملف الأوكراني.

صحيح أن فشل “ترامب” الذريع في إدارة جائحة كورونا في الولايات المتحدة، كان ورقة ضغط تم استقلالها بشكل جيد في السباق الانتخابي  الرئاسي الأخير  من الحزب الديمقراطي، وكان من جملة الأسباب التي أتت به حاكما على الأمريكيين؛ إلا أن “بايدن “وبحسب استطلاعات الرأي العام تناقصت شعبيته بدرجة كبيرة، فقد أظهر استطلاع رأي أجرته ” رويترز” و” إبسوس” يوم 7 نوفمبر، أظهر تراجع شعبية “بايدن” إلى ٪39 في الوقت الذي يحتاج الأمريكيون فيه إلى رئيس يضع حلولا فورية لمشاكلهم، مثل التقليل من تكاليف الرعاية الصحية، ومساعدتهم في خلق فرص عمل جديدة، والتقليل من معدل الجريمة المتزايد، وخفض معدل التضخم الذي بلغ ٪8.2 .

تأتي انتخابات التجديد النصفية للكونجرس في ظل معطيات معقدة وواقع عالمي أكثر تعقيدا، فالحرب الأوكرانية الروسية لا يبدو لها نهاية في الأفق بعد أن دخلت الحرب شهرها التاسع، وبعد أن تصاعدت لهجات التهديد والوعيد بالنووي من الطرف الروسي، ومن المرجح أن يتناقص الدعم والمساعدات العسكرية لأوكرانيا في حال فوز الجمهوريون بانتخابات التجديد النصفي الحالية إذا لم يتوقف، الشيء الذي ربما يقلب الموازين العسكرية رأسا على عقب في الميدان.

ومن الواضح أيضا أن اللوبي اليهودي مثل لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية_الأمريكية (آيباك) التي تأسست عام 1953 وهي من أكبر جماعات الضغط المؤثرة على القرار الأمريكي، ومن أهم الجماعات التي يحرص الساسة الأمريكيين على حضورها والحديث أمام أعضائها عن دعمهم إسرائيل، من الواضح أن لهذا اللوبي الدور المؤثر الأكبر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والنصفية التجديدية، وهو في كل الأحوال  يدعم بصلابة وقوة الحزب الذي يعمل أكثر من اجل بقاء الكيان الإسرائيلي، ولا يخفى على أحد صفقة القرن التي تولى كبرها “ترامب” والتي كان نهايتها تحويل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس، في إشارة واضحة إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل، ليس على تل ابيب وحدها بل على القدس أيضا، وفي ذات السياق فقد وعدت “ليز تراس”  أيضا بصفقة قرن ثانية تماثل صفقة القرن الترامبية، إلا أن أحلامها ووعودها تبددت في الهواء بعد أن حاصرت بريطانيا الضوائق الاقتصادية والتي جعلتها تقدم استقالتها على مضض.

مع هذا فإن “بايدن “من جانبه يسلك ظاهريا طريقة الاتزان السياسي، فهو يدعو إلى التسوية السياسية، والتزام المفاوضات لحل النزاع العربي_ الإسرائيلي، لكنها في واقع الأمر لا تخرج من كونها مسكنات ومهدئات للطرف العربي، ودعوات تفاؤل في الوقت نفسه للطرف الإسرائيلي بما يخدم استقرار  اسرائيل وأمنها.  هذا الفرض في تقديري يزداد بدرجة كبيرة إذا تمكن الجمهوريون من مجلسي الكونجرس أو أحداهما، وتبعا لذلك فإن النزاع العربي_الإسرائيلي  لن يفارق التسكين والتهدئة والتطبيع إلا في بروز  قطب آخر  أكثر قوة ومنعة.

3/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى