الدراسات البحثيةالمتخصصة

جدلية الانتماء في المجتمع الفلسطيني: دراسة طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني من وجهة نظر الأسرى في السجون الإسرائيلية

Dialectic of belonging in Palestinian society: the study of the tyranny of party affiliation on national belonging from the point of view of the prisoners in Israeli jails

إعداد قادة أسرى حركة فتح في سجن جلبوع :  أ. ياسر أبوبكر   – أ. محمد يدك – أ. راتب حريبات

  • خاص – المركز الديمقراطي العربي

الملخص:

تهدف هذه الدراسة لتسليط الضوء على الانتماء الوطني عند أبناء الشعب الفلسطيني ومدى طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني من وجهة نظر الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية، وتحديدًا الذين أمضوا أكثر من عقودين ومحكوم عليهم مدى الحياة، وقد اعتمدت الدراسة على عينة من قادة الأسرى لثلاثة أحزاب فلسطينية – حركة فتح، وحركة حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- في سجن جلبوع الإسرائيلي.

Abstract

This study aims to shed light on the national affiliation of the Palestinian people and the extent of the tyranny of the party affiliation over the national affiliation from the point of view of the Palestinian prisoners who are in Israeli prisons, specifically those who have spent more than two decades and have been sentenced for life. The study relied on a sample of prisoners ’leaders from three parties Palestinian women – Fatah, Hamas, and the Popular Front for the Liberation of Palestine – in Gilboa Israeli prison.

المقدمة:

يتميز الشعب الفلسطيني بأنه مجتمع مؤطر بمعنى أن غالبيته العظمى تنتمي إلى إطار حزبي (تنظيمي) كأعضاء في أدنى الأحوال. وتشكل هذه الأحزاب (أو الفصائل أو التنظيمات الكل الفلسطيني) وسيلة ليعبرالفرد فيها عن انتمائه الوطني، والوطن يقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ سنة 1948، فقد جاءت هذه الفصائل تباعًا لهدف أساسي هو تحرير فلسطين من الاحتلال، وهو الهدف الذي يسعى له أبناء هذا الشعب.

ومن هنا بدأ مفهومي الانتماء الحزبي والانتماء الوطني يختلطان، ويطغى أحدهما على الآخر بصورة خلقت نوعًا من التداخل والجدل، وخاصة بعد كل حالة خلاف بين هذه الأحزاب، وآخرها وأهمها بعد حالة الانقسام بين أسرى حزبين (فتح وحماس) الذي قسم المجتمع الفلسطيني إلى قسمين وأدى إلى الانحراف عن الهدف الرئيسي- هدف تحرير فلسطين- إلى أهداف ثانوية تمثلت بنصرة حزب على حزب آخر، ليتراجع الانتماء الوطني لصالح الانتماء الحزبي وهو ما أثار جدلاً واسعًا وكثيرًا من الأسئلة ؟

1.    مشكلة الدراسة :

تتمحور مشكلة الدراسة في التعرف على موقف الأسرى الفلسطينيين في سجن جلبوع الإسرائيلي من الانتماء الوطني والانتماء الحزبي، وإلى أي مدى يطغي الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني، حيث تركز الدراسة على موقف الأسرى من الوحدة الوطنية التي تعرضت لضربة قاسمة بعد الانقسام الفلسطيني الفلسطيني الذي حصل سنة 2007، ومدى انعكاس الانقسام على وحدة الحركة الأسيرة ومدى تأثير الانقسام على الانتماء الوطني عند الأسرى في سجن جلبوع. وفي إطار هذه الإشكالية تسعى الدراسة إلى الإجابة عن السؤال الرئيس والأسئلة الفرعية التالية:

السؤال الرئيس، في إطار جدلية الانتماء الحزبي والانتماء الوطني في المجتمع الفلسطيني، إلى أي مدى يطغى الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني من وجهة نظر الأسرى؟

يفترض الباحثون في هذا الإطار أن هناك طغيانًا للانتماء الحزبي على الانتماء الوطني في المجتمع الفلسطيني.

وتتمثل الأسئلة الفرعية في التالية:

  • كيف يفهم الأسرى كوادر التنظيمات الفلسطينية في سجون الاحتلال بالمعنى العام (مفهوم الانتماء)؟
  • كيف يفهم الأسرى كوادر التنظيمات الفلسطينية في سجون الاحتلال مفهومي أو معنى الانتماء الحزبي والانتماء الوطني؟
  • كيف يرى الأسرى كوادر التنظيمات الفلسطينية في سجون الاحتلال أهم المظاهر السلبية المؤثرة في الانتمائي (الحزبي والوطني)؟
  • ما هي أهم طرق تعزيز الانتماء؟

2.    أهداف الدراسة :

  • تهدف هذه الدراسة إلى التعرف إلى أي مدى يطغى الانتماء الحزبي عن الانتماء الوطني من وجهة نظر الأسرى.
  • كما تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على موضوع مهم وهو الانتماء.

3.    أهمية الدراسة:

تكمن أهمية الدراسة كونها تدرس جدلية مهمة في المجتمع الفلسطيني هي جدلية الانتماء من وجهة نظر الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

4.    محددات الدراسة:

  • الحدود الزمانية: عقدت هذه الدراسة في الفترة ما بين الأول من أيار/مايو2020حتى الأول من حزيران/يونيو 2020.
  • الحدود البشرية: تناولت الدراسة عينة من كوادر الأسرى من ثلاثة فصائل رئيسية (فتح، وحماس، والجبهة الشعبية) في سجن جلبوع .
  • الحدود المكانية: أجريت هذه الدراسة في سجن جلبوع .

5.    مصطلحات الدراسة:

  • الانتماء الوطني:Allegiance National

هو الحالة الشعورية أو المدنية التي يعبر فيها الفرد عن حبه لوطنه ولشعبه وللكيان الممثل له، ويترجم فيها استعداده الدائم للتضحية عبر الدفاع عن وطنه ورفع الظلم والعدوان عنه ويثبت كل جهوده للمحافظة على الكرامة الوطنية له ولشعبه وروابطه. [1]

  • الانتماء الحزبي (التنظيم): Allegiance Organizational

الحالة التي يعبر فيها الفرد عن التزامه وإخلاصه للتنظيم وعن انضباطه للوائحها، ويظهر فيها استعداده للتضحية، ويسعى دومًا للارتباط بها والدفاع عنها ويبذل أقصى جهوده للمحافظة عليها.[2]

  • الأسرى الفلسطينيونPalestinian prisoners:

شريحة من شرائح الشعب الفلسطيني التي اتخذت من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي طريقًا لها ووقعت في الأسر أثناء ذلك، ومعظمهم ينتمون إلى أحزاب أو فصائل فلسطينية مقاومه للاحتلال، والمتمثلة بثلاثة تيارات أولها التيار الوطني وتتزعمه حركة التحرير الوطني الفلسطيني) فتح(، وثانيها التيار الاسلامي وتتزعمه حركة المقاومة الاسلامية )حماس)، وثالثها التيار اليساري تتزعمه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

  • سجن جلبوع: Jalboa Prison

هو أحد السجون الإسرائيلية المقام على أرض بيسان في فلسطين المحتلة سنة 1948على يد القوات الصهيونية التي أقامت كيانًا لها أسمته دولة إسرائيل، ويقبع فيه مجموعة من الأسرى الفلسطينيين المعتقلين على خلفية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

6.    إجراءات ومنهجية الدراسة:

‌أ.        منهجية الدراسة:

في هذه الدراسة تم استخدام المنهج التحليلي، لملائمته لطبيعة الدراسة وأهدافها، فهذا المنهج يصف الوضع الحالي للظواهر ويحللها ويفسرها.

‌ب.    مجتمع الدراسة وعينة الدراسة:

  • مجتمع الدراسة: الذي يسعى الباحث لتعميم النتائج عليه هم الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.
  • عينة الدراسة: عينة مقصودة مثلها مجموعة من أفراد مجتمع الدراسة المتاح في سجن جلبوع وهم الأسرى الكوادر والمؤهلين تنظيميًا من الفصائل الفلسطينية الثلاثة (فتح وحماس والجبهة الشعبية ).

‌ج.    أداة الدراسة:

بهدف سبر الأغوار لمفهوم الانتماء وتعدداته، قد لجأ الباحث إلى استنزاج آراء الأسرى الكوادر ونقاشها وتحليلها مستخدمًا أداة المقابلة معتمدًا على المادة النظرية التي استهل بها الدراسة كإطار ووصولاً إلى استنتاجات وتوصيات في إطار خاتمة البحث .

الفصل الأول:الإطار النظري والدراسات السابقة

الإطار النظري:

يسعى الباحثون في هذا الإطار إلى تسليط الضوء على عدد محدد من المصطلحات المتعلقة بالانتماء الوطني وبالشكل الذي يمكن الاستفادة منه في الدراسة، دون التوسع في التعريفات فهي متعددة ومختلفة نظراً لاختلاف الخلفيات العلمية والبيئية وواضعيها.

الانتماء والولاء :

تعريف الانتماء وانتمى هو إليه: انتسب، وفلان ينتمي إلى حسب:  يرتفع إليه، وفي الحديث: من انتمى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه أي انتسب إليهم ومال وصار معروفًا بهم. ويقال انتمى فلان إلى فلان إذا ارتفع إليه في النسب، وكل ارتفاع فيه انتماء.[3]

الانتماء اسم مصدر من انتمى وفي اللغة عرف الشخص بانتمائه إلى قبيلة (جماعة) كذا أو بانتسابه إليها [4]، أمّا اصطلاحًا فهو الانتماء: هو الارتباط الحقيقي، والاتصال المباشر مع أمرٍ مُعيّن تختلف طبيعته بناءً على الطريقة التي يتعامل فيها الفرد معه، ويعرف أيضًا بأنه التمسك، والثقة بعنصر من عناصر البيئة المحيطة بالأفراد، والمحافظة على الارتباط به وجدانيًا، وفكريًا، ومعنويًا، وواقعيًا مما يدلّ على قوة الصلة التي تربط بين الفرد، والشيء الذي ينتمي له، سواءً أكان انتماؤه لوطنه، أو لعائلته، أو لعمله، أو غيرهم.[5]  كما يشار إلى الانتماء بأنه عبارة عن الانتساب إلى جماعة (أو أمي أو وطني) أي أن يكون الشخص الواحد ضمن الكل سواءً بإرادته (الانتماء الطوعي للمؤسسات والجماعات، والتنظيمات) أو بدون إرادته (الانتماء القسري للأسرة والعائلة والقبيلة والبلد) [6]

أما الولاء في الإسلام فهو يتمثل في حب الله ورسوله والمؤمنين والانتماء إليهم ومناصرتهم والبراء من كل ما يعاديهم، قال تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” (التوبه :71 ) والولاء معنى روحي قلبي بالحب والتعاطف والرحمة، ومعنى حياتي عملي بالمؤازرة والنصرة والمعرفة.[7]

ومن آثار عقيدة الولاء والبراء في الفرد والجماعة (الأمة) تميز المؤمن بإيمانه وسلوكه، وتقوية روابط التماسك والإخاء بين أفراد الأمة، والمحافظة على هوية الأمة (الجماعة)، فهي كالسياج الذي يحمي هوية الأمة الدينية والثقافية والسياسية من التحلل والذوبان في المجتمعات الأخرى.[8]

ويشار إلى الولاء المهني بأنه الحالة التي يتمثل الفرد فيها بقيم المنظمة وأهدافها ويرغب في المحافظة في عضويته فيها، والولاء المهني صفة جماعية كما أنه صفة فردية على حد سواء، وهو ظاهرة نسبية كغيرها من المظاهر التي لا تخضع للملاحظة المباشرة، والتي تأتي من داخل الفرد ويمكن الإحساس به من خلال آثاره ونتائجه .[9]

في نظريته لتحقيق الذات أعد (ماسلو) هرمه للحاجات الإنسانية، الذي بدأه بالحاجات الجسدية صعودًا لحاجات الأمن، ثم حاجات الانتماء والحب ثم حاجات التقدير وصولاً لحاجة تحقيق الذات في قمة الهرم، ويقول ماسلو عن حاجات الانتماء “يصبح الفرد أشد رغبة للانتماء لجماعة ،وتكوين علاقات ألفة مع الآخرين”[10]، ويمكن القول الولاء والانتماء مفهومان يرتبطان يبعضهما البعض، ويشير أحدهما إلى الآخر، وهما يشيران إلى الحالة التي يعبر فيها الفرد عن انتمائه وإخلاصه لأهداف وقيم الجماعة التي ينتمي إليها ويسعى دومًا للارتباط بها والدفاع عنها .[11]

في أنواع الانتماء وتعدده :

ويطلق على الجماعة التي تتصف علاقات أفرادها (بالجماعة الأولية) وفيها يذوب الفرد في الكل ويصبح التعبير المشترك (نحن) وهو السائد، وهي أولى الجماعات التي ينتمي لها الفرد كالأسرة والعائلة والأصدقاء والجيران، ولكن عدا الأسرة والعائلة، فالجماعات الأولية تنحل تدريجيًا في المجتمعات الحديثة ذات الحراك العالي، أما (الجماعات الثانوية) فيندرج تحتها التنظيمات والمؤسسات الرسمية التي من أهم خصائصها البناء الاجتماعي الذي يحدد المسؤوليات في إطار بيروقراطي. أما (الجماعات الرجعية)، والتي قد تكون إطارًا فكريًا أو عقيديًا أو فنيًا، فإنه إلى جانب تأثير الجماعات الأولية والثانوية فإنها تؤثر في سلوك الفرد قيميًا، وقد تكون لها نوع من الشعارات والرموز سواءً في الملبس أو المظهر أو حتى الحديث الذي يدل على انتماء الشخص لهذه الجماعة[12]. نميز مما سبق ثلاثة أنواع من الانتماء:

  • أولاً الانتماء الأولي: الأسرة ثم العائلة والأصدقاء والجيران والوطن والدين وغيرهم، وقد يشار إليها بالانتماء الفطري أو القصري أو اللاإرادي.
  • ثانيًا الانتماء الثانوي: التنظيمات والمؤسسات الرسمية ذات الإطار البيروقراطي، وقد يشار إليها بالانتماء والولاء للمهن.
  • ثالثًا الانتماء المرجعي: للأطر الحزبية أو الفطرية أو العقائدية، ويشار إليها بالانتماء التنظيمي (الحزبي أو الإرادي).

وفي المقابل، أن الإنسان المنتمي لتنظيم سياسي هو أيضًا منتم لأسرته ومنتم لنادٍ رياضي ثقافي ولجماعة الأصدقاء و فوق كل ذلك فإن انتمائه الأكبر لبلده أمته يعني أن الولاء الأول وذا النسبة الأكبر للانتماء الأعم. [13] ومن حيث هو انتماء حسي مادي يعبر عنه بالانخراط في فعاليات ونشاطات المجموع أو شعوري فيما يعبر عنه بالتعبئة والدعاية أو المديح أو الإبراز أو الدفاع عن الجماعة، وهو انتماء متعدد قد ينمو ويطرب، وقد يضعف ويتشتت.[14]، فتعدد الولاءات وأوجه الشخصية تزيد من وعي الفرد بوجود بدائل متعددة للتفاعل والانتماء، بدلاً من الاقتصار على الانتماء إلى جماعة واحدة. [15] وقد تتصارع الانتماءات فتطغى إحداها على الأخرى مثل الانتماء المناطقي أو الطائفي أو الجزئي أو الانتماءات ما فوق الوطنية (العولمية أوالإنسانية) .[16]

يقول هشام شرابي”في إطار التقاليد الاجتماعية فإن سلطة الآباء وشيخ القبيلة والزعيم الديني، وليس الأمة أو الطبقة هي التي تحدد وجهة ولاء الأفراد وموضوعه …في الإطار الحزبي [17]، وتفرض التنشئة الاجتماعية، والمجتمع وتقاليده، والبيئة التي ينمو فيها الفرد  أفكاره، والانتماء الأساسي الذي ينطلق منه إلى باقي الانتماءات والولاءات[18]، كما أن الاشتراك في العولمة والمعلوماتية الإلكترونية والإعلام والتعبئة الفكرية (دينية حزبية او تنظيمية حزبية)، وازدياد دوائر الفرد بالبيئة المحيطة والزمان والمكان قد تفرض نفسها على فهم الفرد لمفهوم الانتماء أي كان نوعه وعلى تفضيل انتماء على آخر .وهكذا قد تتنوع وتتعدد وقد تتصارع أيضًا ويطغى أحدها على الآخر.[19]

في الانتماء الوطني:

يعرف الانتماء الوطني التنظيمي (الحزبي) في الحالة التي يعبر فيها الفرد عن التزامه وإخلاصه لأهداف ومبادئ المنظمة وعن انضباطه للوائحها، ويسعى للارتباط بها والدفاع عنها.[20] وفي الانتماء الوطني -كما نفهمه في البيئة الفلسطينية – يمكن القول بأنه حالة شعورية أو وجدانية يعبر فيها الفرد عن حبه لوطنه ولشعبه وللكيان الذي يمثل شعبه (منظمة التحرير الفلسطيني، أو دولة فلسطين المحتلة ممثلة برئيسها وبالسلطة التي تدير الدولة المفترضة) ويظهر فيها استعداده العملي والدائم للتضحية، وللدفاع عن وطنه وشعبه ودولته وتحريرهم من الظلم الواقع عليهم .

وفي تعريفه للانتماء الوطني يقول ياسر أبو بكر (أن الانتماء الوطني هو شعور داخلي وإحساس راق أساسه الحب وينمو في الفرد في بيئته المحيطية منذ الصغر ويبدأ بحب الوالدين وكل ما يتعلق بهما، والأخوة والعائلة والأهل والمدرسة والمنطقة، وينمو ويتوسع تصاعديًا ليشمل الوطن أرضًا وشعبًا وتراثًا وكل ما يتعلق به . وهو التعبير العملي عن طريقة الهوية والثقافة الوطنية التي يكتسبها الفرد من خلال هذا التصاعد. وإذا ما توفرت البيئة الحاضنة والمناسبة ( تنظيم أو حزب أو عقيدة) يصبح الوطن هو الانتماء (أو الحب الأساسي الذي سيطر على قلب الفرد ليس كشعور فقط بل على عقله كتفكير، ويطغى على باقي انتماءات الفرد، وينعكس على سلوك الفرد كحركة وعمل يدفعه إلى حالة من الاستعدادية الدائمة لتقديم أكبر جهوده للدفاع عن الوطن، والتضحية من أجله وبالذات إذا ما تعرض هذا الوطن للظلم أو العدوان أو الأزمة)[21]. وفي الحديث عن الانتماء الوطني تبرز مصطلحات عدة أبرزها الهوية الوطنية والثقافة الوطنية وتبرز أهمية التعرف عليهما والخوض فيهما من أجل شرح مفهوم الانتماء الوطني.

  • في الهوية الوطنية:

الهوية جزء لا يتجزأ من نشأة الأفراد منذ ولادتهم حتى رحيلهم عن الحياة، وهي عنصر أساسي من أجل تعزيز شعور مواطنيها بالانتماء وبأنهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه الوطن.[22] والهوية هي حالة وعي عند أفراد الجماعة وجوهر وروح الرموز التي يتناها معها أفراد الجماعة والتعبير عن انتمائهم ووعيهم كونهم جماعة مميزة عن غيرهم.[23]

والهوية في جانبها تعني دراسة الفرد وتفاعله مع الآخرين تجاه دور معين يقوم به داخل جماعة لها هويتها الثقافية في ظل سلطة عامة تحدد مجموعة من الأهداف التي تسير من خلالها حياة المجتمع بكافة أبعاده.[24] ويمكن أن نميز بين:

1-الهوية الذاتية (الفردية): هي مفهوم الشخص وتعبيره عن ذاته وعلاقته بالجماعات بمعنى كيف أنا لا أشبه الآخر. فهي تعبر عن مجمل انتماءاته المتعددة في المجتمع[25]، وقد ارتبط مفهوم الهوية منذ نشأته بالفرد ليتسع ويشمل الهويات الاجتماعية والثقافية والعقائدية بالشكل الذي يسمح بقدر من الاختلاف الفردي في نطاق الكل العام .[26]

2-الهوية الجماعية (قومية أو وطنية):

هي الوعاء الوطني الكبير لمشتركات الجماعة من حقوق (المجتمع المنظم -الأمة -الشعب) وشعور متجانس بحق الاعتراف بتعدد الانتماءات سواء الشخصية أو الجماعية وقد تكون جماعة عرقية أو دينية أو مصلحية متواجدة ضمن الوطن ولكل منها عدة انتماءات.[27]

إن هوية الجماعات الإنسانية المختلفة تختلف في مدى متانتها أو ضعفها: يتوثق هذا على عدد الصفات المشتركة بين أفراد الجماعة وعمق تاريخ الجماعة وتجاربها واعتزاز أفرادها برموز هذه الصفات والتجارب والتاريخ والثقافة.[28]

ويقول الدكتور سمير الخطيب: تختلف الهوية الفردية (الشخصية) اختلافًا جذريًا عن الهوية الجماعية (القومية) فالأولى مكتسبة ومتغيرة باختلاف الزمان والمكان وأما الثانية  فهي مسؤولة وموجهة يتم بناؤها عبر توجيه القيادة والاستراتيجيات المفروضة التي يعبأ الفرد بها .[29]

3-الهوية الإنسانية:

وتلتقي فيها هوية الأفراد والمجتمعات عند قضايا إنسانية تغيب فيها حدود الدولة والمجتمع والذات.[30] توجد عند كل إنسان (خريطة إدراكية) فيها صورة عن العالم المحيط بكل ما فيه والهوية صورة الفرد عن موقعه على هذه الخريطة (المستمرة عبر الزمان والمكان) والإنسان يكون هويته بشكل أساسي بالانتماء إلى أطر اجتماعية، وذلك يكون بهوية الفرد عدة مستويات هي (مستويات تنظيم المجتمع والبناء الاجتماعي نفسها، ويفّعل الفرد والمستوى المناسب من هويته (أي مستوى الشخص المناسب) حسب الأشخاص الذين يتفاعل معهم والإطار الاجتماعي الذي يتفاعلون ضمنه .[31]

إن الهوية الوطنية كيان جامع وأيضًا شعور بالانتماء للأمة وهي تعطي الشعور بالتجانس والتناغم من حيث وحدة أو تشارك العادات واللغة والثقافة ضمن (المجتمع السياسي) ذو المعالم والحدود الجغرافية.[32]

يرى الدكتور محمد عابد الجابري أن موضوع الهوية شديد الحساسية والدقة، لأنه تتداخل عند تناوله عدة عوامل، المعرفة بالسياسي والذاتي بالموضوعي، مع طغيان البعد الأرستقراطي (أيديولوجي)[33]، ويؤكد فيصل درّاج على العامل الثابت بما يتعلق بالهوية ويشير إلى أن التحدي الخارجي هو الذي يقرر طبيعة الهوية وقدرتها على المواجهة الفاعلة.[34]

يقوم النظام العالمي اليوم على نظام الدولة (القومية) أي أن الهوية هي هوية انتماء الدولة ال التي تعتبر أولى متطلباتها الوطن (الأرض)، الدولة (العنصر السياسي)، والأمة (الشعب).[35]

ومن أهم التحديات التي تواجه الهوية، العولمة والتكنولوجيا والسياسة، وفي مجتمع المعلوماتية والتدفق الحضري والتقاني تزداد إمكانية تعرض الهوية إما للتآكل أو الاندثار (أو التعديل). وعليه فإن التعامل مع تحدي العولمة والتكنولوجيا والمعلواتصالاتية يجب أن يكون واضحًا كي لا تذوب المساحة المعبرة عن الوطنية ونشوء المساحات الجديدة التي قد تسلب الشخص أو فئة من المجتمع أو تيار في الدولة ارتباطهم بالهوية الوطنية الجامعة. إن الهوية في صراع الانتماء أو بروز هويات ما دون الوطنية (القبيلة والعشائرية) أو ما فوق الوطنية (العولمية كالإسلاموية أو الماسيحينية أو القومية العنصرية أو الإسرافية أو الإنسانية ما دونها) قد تؤدي للاقتتال أو للاندثار أو لانسحاق الهوية، وأمامنا نموذج الانبهار بالآخر (الغربي أو الأمريكي) ونموذج التلاشي الطوعي أو الانسحاق الجبري، ومنه ما حصل بعد الحملة الفرنسية على العالم العربي وبداية البعثات وعصر الترجمة، ومنها ما حصل تحت ضغط الاحتلالات الاستعمارية لبلادنا.[36]

إن تفاعل الهوية مع ذاتها أو انفتاحها مع الهويات الأخرى قد تؤدي تأثيرها بصورة إيجابية أو بشكل سلبي قد تؤدي لتآكل الهوية بل وقد يسفر عنه تفعيل الهويات الثانوية على حساب الهوية الوطنية أن التزام شعور الفرد بهويته بفعل عوامل داخلية وخارجية يولد لديه ما يمكن أن نسميه أزمة الهوية التي يمكن أن تفرز أزمة وعي أو أزمة انتماء.[37]

  • الهوية الوطنية الفلسطينية:

بينما يرى شريف كناعنة أن الهوية الفلسطينية تبلورت في حرب 1948 وأثناء تجربة الشتات وما حل بالفلسطينيين من المصائب والمآسي، بعد ذلك مباشرةً وبشكل واضح تبلورت في أوائل السبعينيات بعد أن بدأ الفلسطينيون يتولون قضيتهم ويأخذون زمام أمورهم بأيديهم ويمرون بتجارب يعون بأنهم يقومون بها كفلسطينيين .[38]

فإن بكر أبو بكر رأى أن الحديث عن الهوية الوطنية الفلسطينية يعود بنا إلى أعماق التاريخ، ففلسطين تعود بنا إلى أبنائها الأوائل من القبائل العربية الكنعانية والفلستية، وبقبائل اللخميين وغيرها، إن الهوية الجامعة للفلسطينيين قديمة، وإن كان مفهوم الوطنية حديثاً حيث ارتبط بعصر القوميات في أوروبا، فقد برزت العديد من الشخصيات التي تركت أثرها على الهوية الفلسطينية (الحديثة) كالأمير ظاهر العمر الزيداني الذي أعطى فلسطين اليوم شكلها الجغرافي ورسم حدودها كجمهورية60 عامًا في القرن 18 في ظل مظالم الدولة العثمانية، وكعز الدين الذي كان له دوراً مهمًا في بلورة الوعي الفلسطيني القديم، وكياسر عرفات الذي كان له – ولحركة فتح (حركة التحرير الوطني الفلسطيني) تحديداً والثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1965 – الفضل الكبير في تمتين الكيانية عبر م.ت.ف (منظمة التحرير الفلسطينية) وإبراز الهوية الشخصية الوطنية عبر رموز كالكوفية الفلسطينية وغيرها من الشعارات والرموز مما كرس التميز للهوية الوطنية الفلسطينية.[39]

إن الهوية الجماعية في النظام العالمي اليوم هي هوية انتماء للدولة القومية (أما الذين لا ينتمون للدولة القومية يعتبرون أواغا)، كما يقول كناعنة ويضيف: (نحن الفلسطينيون ضمن هذه الفئة إذ ليس لدينا دولة قومية وحتى في المستقبل المنظور لن يكون) أما لماذا ؟ فيجيب: بأن الحركة الصهيونية لن تسمح بقيام كيان فلسطيني قابل للحياة، فإسرائيل مشروع لم يكتمل (لا دستور ولا حدود) وإن سمحت إلى تحوله تدريجيًا إلى مراكز اعتقال ثم لا عودة لللاجئين الذين يعيشون كأمة في الشتات ولذلك يقترح كناعنة إقامة دوله افتراضية:

  • أولى متطلباتها: الوطن (الأرض) (الوطن عند الفلسطينيين يعيش فيهم بدلاً من أن يعيشوا هم فيه)، و كل من يحمل فلسطين التاريخية بأرضها وتاريخها وتراثها في قلبه وضميره وعاطفته ويكن لها الحب والولاء والحنين ويصر على استعادتها هو أحد المواطنين في هذه الدولة.
  • المطلب الثاني: الدولة (أو العنصر السياسي) – م.ت.ف ولهذا النظام السياسي هدفان أساسيان هما إعاده اللحمة بين جميع الفلسطينيين، بحيث يتوجه كل فلسطيني نحو فلسطين التاريخية بعقله وقلبه و ضميره.
  • المطلب الثالث: الأمة وحتى يكون مواطني الدولة أمة يجب أن يكون بينهم رابط اجتماعي وثقافة مشتركة تجمع بينهم.[40]

استخلاص لبعض النقاط الأساسية حول الهوية الوطنية وهي :

  • الهوية الوطنية هي جزء لا يتجزأ من نشأة الأفراد منذ الولادة حتى آخر الحياة.
  • عنصر أساسي لتماسك الدولة وتعزيز شعور مواطنيها بالانتماء.
  • حالة وعي عند أفراد الجماعة وجوهر وروح الرموز التي تميز الجماعة عن غيرهم .
  • الوعاء الوطني لمشتركات الجماعة (المجتمع المنظم –الأمة-الشعب) في اللغة، والثقافات، والعادات وغيرها .
  • شعور متجانس يحقق الاعتراف بتعدد الانتماءات سواءً الشخصية أو الجماعية.
  • يمكن صقلها وتوجيهها.
  • صورة الفرد عن موقعه في العالم المحيط به المستمر عبر الزمان والمكان.
  • تتشكل هوية الفرد بشكل أساسي بالانتماء داخل أطر اجتماعية.
  • في الهوية الجماعية تبلور عبر الزمن معنى الوطنية في إطار حدود الدولة المحددة بغض النظر عن مقومات الشعب من حيث المذهب او الدين القومية او العشيرة.
  • الهوية الوطنية شعور بالانتماء للأمة وشعور بالتجانس والتشارك في العادات واللغة والثقافة ضمن المجتمع السياسي في الحدود الجغرافية .
  • من تحديات الهوية تداخل عوامل المعرفي بالسياسي والذاتي بالموضوعي مع طغيان العامل الايدلوجي .
  • تفاعل الهوية مع ذاتها أو انفتاحها على الهويات الأخرى بفعل العولمة أو التكنولوجيا والسياسة وقد يؤدي تطويرها إيجابياً أو بشكل سلبي يؤدي لتآكل الهوية إما طوعياً وإما جبرياً.
  • انعدام شعور الفرد بهويته يولد ما يسمى بأزمة الهوية وأزمة الانتماء .
  • الهوية الوطنية الفلسطينية هي حالة انتماء ووعي مستمر وحاضر:(قديم) يعود بنا إلى عمق تاريخ فلسطين بأبنائها الأوائل من القبائل العربية الكنعانية، و(حديث) تبلور مع نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 وبرز وتطور مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965 .
  • في الثقافة الوطنية :

يعرف إدوارد تايلور الثقافة بأنها “ذلك الكل المركب الذي يشتمل المعرفة، والمعتقدات، والفن، والقانون، والأخلاق، والتقاليد والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع “. [41]ويعرفها محمد عابد الجابري بأنها مجموعة من الذكريات والتصورات والقيم والعادات والتقاليد التي تتصف بها مجموعة من البشر والتي تشكل أمة أو شعباً بطريقة تعبر عن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة وقدرات البشر.[42]

وتشير الثقافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمشكلات الاجتماعية وطبيعي أن تتطور بتطور المجتمع فبدون ذلك يضل عقل المجتمع أسير ثقافة مضى زمانها ويجمد مجتمع خارج التاريخ.[43]

لذلك يبين عبد الرحمن منيف بأن “الثقافة هي الرصيد الروحي لحضارة من الحضارات وهي تراثها وطاقتها وقدرتها على التجدد والمتابعة والإبداع وهي القدرة على التحدي والاستمرار أي أن الثقافة تصنع عقل الأمة ووجدانها”.[44] أما الثقافة السياسية فقد عرفها دايمون بأنها “معتقدات الناس ومواقفهم ومثلهم وأحاسيسهم وتقيماتهم السائدة في النظام السياسي في بلدهم ودور الفرد فيه[45]، وميز( ألموند وفيربا) بين ثلاثة نماذج للثقافة السياسية[46]:

1-المتقوقعة: القائمة على الانتماءات الضيقة (القرابة والمنطقة والجغرافيا والدين) وهي ثقافة ضيقة الأفق نجدها في المجتمعات النامية.

2-الخاضعة: التي تشدد على خضوع المواطن للحكومة كالأنظمة الشيوعية.

3-الديمقراطية: التي تشدد على مشاركة المواطن في العملية السياسية كالأنظمة المتقدمة ذات البيئة الديمقراطية .

وفي القيم التقليدية هناك نزوح نحو الانطواء على أساس الأسرة والعائلة والقبيلة والحي والطائفة وهو ما يعزز قيم الأنانية والفردية والعصبية والطائفية والعقائدية، ويمنع نشوء مفهوم فاعل للمصلحة العامة والوطنية.[47] ويرى محمد الأزعر أن الثقافة السياسية العربية كرست ثقافة قيم الطاعة والولاء والتوحد والاعتماد على الجماعة دون ابتكار وتميز.[48]، والثقافة يمكن تقسيمها إلى جزئين:[49]

1-ثقافة رسمية (عليا): تعاليم الدين الرسمي – القوانين –الأدب والفن –وتضمن استمراريتها مؤسسات الدولة .

2-ثقافة شعبية (صغرى): نتاج عفوي جماعي معبر عن شعور وعواطف وحاجات وضمير الشعب بشكل عام وليس النخبة، وتنتقل من جيل إلى جيل عفوياً بالمشافهة أو المحاكاة أو الملاحظة أو التقليد .

ويعرف الثقافة الوطنية بأنها مجموعة من القيم الاساسية والمتطورة في نفس الوقت والمرتكزة على مبادئ الحق والعدالة والحرية والكرامة بما في ذلك مقاومة الظلم والدفاع عن الأرض والكرامة الوطنية.[50] إن الثقافة الوطنية تمثل الجبهة السلبية والعنف الحقيقي لقدرة أي شعب على الصمود والاستمرار، لذلك سيعمل الكثير من أجل شن تعنيف الثقافة الوطنية وإرباكها لتصبح عاجزة عن أداء دورها (تعزيز الانتماء الوطني).[51]

وعلى الرغم من تعاظم دور العولمة في عمليات التغيير الثقافي ودعوتها لثقافة كونية شاملة، وفي لقاء العولمة تتلاقى الثقافات وتحدث عملية تهديد للثقافة الوطنية[52] . حيث يبين أمين معلوف في هذا الصدد بأنه “لاشك عندي إن العولمة تهدد التنوع الثقافي، ولكن العالم اليوم يقدم للذين يريدون حماية الثقافات المهددة الوسائل الدفاعية، يمكن لأي إنسان الإفادة من التحولات التكنولوجية والاجتماعية، ولا أحد – ولا حتى أميركا تستطيع التحكم بها، فالعولمة ليست أداة “نظام جديد” قد أشبهها بحلبة ضخمة مفتوحة من كل الجهات، تدور فيها بصورة متزامنة آلاف المبارزات والمعارك، ويمكن لأي كان ولو وجهها حاملاً خطابه وأسلحته وسط تنافر الأصوات أن يفلت من كل سيطرة.[53] ويضيف معلوف: “وبصورة أشمل تقدم وسائل الاتصال الحديثة لأعداد كبيرة من معاصريها، لأشخاص يعيشون في كل الدول ويحملون كل التقاليد الثقافية، إمكانية الإسهام في تكوين ما سيعرف غداً بثقافتنا المشتركة”.[54]

ولذلك يلجأ الكثير للماضي (والماضي بالنسبة للشعوب ليس في الحقيقة ماضي أي أنه لا يموت لا يستمر ويمتد إلى الحاضر ومنه إلى المستقبل، والماضي ليس عنصراً قيادياً بالنسبة لهوية وثقافة وأيدلوجية الشعوب، إن الماضي هو السلطة التي تبرر الحاضر والمستقبل وتحكم على نوعيتها، ليس هناك شعب واحد في العالم يحمل تاريخه بل يعامله كعنصر محايد.[55] وفي إطار تجديد الثقافة الوطنية وجعلها أكثر فاعلية وحيوية لابد أن نستفيد من تجارب الماضي وأن نوظف العناصر الحية والايجابية فيها وفي الأيديولوجية باعتبارها (أسس من الأفكار والنظريات السياسية والحقوقية والدينية والأخلاقية والجمالية والفلسفية) وأن نفضح التزوير أو التلفيق الذي تلجأ إليه بعض المؤسسات والشخصيات الخاصة في مجال تسخير الدين لخدمة الاستغلال والاستعباد والرجعية والتخلف.[56]

والحقيقة أن جميع الشعوب تقريبًا تلجأ إلى حيلة فكرية أو نفسية في التعامل مع ماضيها وهي أن تأخذ أيدلوجياتها وأهدافها القومية والسياسية في الحاضر والمستقبل ثم تربطها مع طموحاتها على الماضي ثم تعود لتستعمل الماضي لتبرير الحاضر والتحضير للمستقبل ولقد بالغ الإسرائيليون بشكل خاص بذلك ولم يكتفوا باختلاق الماضي من أجل التأثير على الحاضر والمستقبل واستعماله لخلق ثقافة وتراث لهم بل إنهم لجأوا لسرقة عناصر تراث الشعوب الأخرى.[57]

وهكذا تصبح الثقافة الوطنية موجهة وواسعة وكبيرة بين خيارين وإرادتين خيار وطني دافعه الحرية والكرامة الوطنية ومقاومة التبعية وخيار العدو الذي يريد الهيمنة والاستغلال ومن خلال صراع الارادتين تتحدد المواقف ويحكم عليها وبذلك تتجاوز الثقافة مجرد تسجيل المواقف أو البراعات اللغوية والأسلوبية، لأن حقيقتها تتجلى في رفض ما يريدالعدو فرضه أو تكريسه.[58]

  • في الثقافة الوطنية الفلسطينية:

يعرف سلمان ناطور الثقافة العربية الفلسطينية بأنها “حاصلة للنتاج الحضاري والتاريخ التراثي لكل من عاش على هذه الأرض عبر آلاف السنين سواء من بقي فيها أو مر عليها، فهي ذات جذور أصيلة ومتنوعة وثرية، وفي مركزها ما أنتجته الثقافة العربية الوطنية الإسلامية التي كانت عبر أكثر من 15 قرنًا منفتحة على ثقافات الآخرين وتأخذ منها وتعطيها.[59]

لقد عرفت الثقافة الوطنية الفلسطينية حالات عديدة من النهوض والركود وتأثرت دائماً بالواقع السياسي سلبياً أو إيجابياً، وقد فرض الواقع السياسي مناخًا ثقافيًا خاصًا أثر على الثقافة الوطنية الفلسطينية يتبين ذلك من إجراء مقارنة بين فترة العشرين عاما قبل أوسلو مع العشرين عامًا بعد [60] ((أوسلو))[61].

لقد تنوعت مكونات الثقافة الوطنية الفلسطينية الحالية ما بين الثقافة العصبية والقبيلة وثقافة العيش في الماضي، والاحتكاك في التاريخ وثقافة الديمقراطية والسلام منذ أوسلو، وثقافة الانقسام إلى ثقافة العولمة التي انبثقت عنها ثقافة العنف وثقافة الاستغلال.[62]، ويكمن تحدي الفلسطينيين في سياق الاستلاب التاريخي للثقافة الفلسطينية تقوم إسرائيل الدولة المحتلة بالعمل على إنتاج ثقافات جديدة لإحلالها مكان الثقافة، أي استبدالها مكان الثقافة الوطنية الفلسطينية ودعم هذه الثقافات الجديدة بشتى السبل .[63]

وفي هذا الإطار، يشير ياسر أبو بكر إلى أهمية الأمن الفكري الذي يعرف بأنه تمتع الدولة والمواطنين بالقدرة على حماية موروثهم القيمي والاجتماعي والثقافي بعيداً عن التشويه والتغريب بفعل عوامل خارجية أو داخلية كالعولمة والاحتلال في الحالة الفلسطينية.[64]

كما يشير ياسر أبو بكر إلى الحرب الأخيرة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وضد هويته وثقافته الوطنية، وقد جاء في أهم نتائج دراسته[65]:

  • زرع بذور الفرقة بين الفلسطينيين وبين الفصائل .
  • بث مشاعر اليأس والإحباط.
  • التهكم والاستهزاء بالرموز الوطنية.
  • سلب التراث وتحريفه.

ويوضح كناعنة في هذا الصدد، بأنه على مستوى الثقافة الوطنية الفلسطينية نلاحظ أن كثيراً من الفلسطينيين أصبحوا أميين على مستوى الثقافة الوطنية وهم بحاجة إلى إعادة تأهيل ثقافي ومحو أمية، فمن أجل أن يبقى الشعب الفلسطيني شعباً واحداً له هوية موحدة وشخصية موحدة فإنه بحاجة إلى مشروع محو أمية وطنية ثقافية وتعزيز الهوية والانتماء الوطني[66]، ويركز كناعنة على أهمية شحن الرموز الوطنية بعد إيجادها وتعميمها على أفراد المجتمع عبر استراتيجيات تمكن أفراد المجتمع من تداول هذه الرموز.[67]

فشحن الرموز الوطنية يعني أن نجعلها تستثير في الفلسطينيين عواطف جياشة نحو الوطن ولها معاني إيجابية تستثير بأصحابها الثقة والاعتزاز بهويتهم وبانتمائهم الوطني بموضوع الرمز- بطل بطولات-معارك- قادة- شهداء- أسرى- مشاهير- ثورات- انتفاضات- مدن- قرى- ملابس كالكوفية–تاريخ فلسطين وغيره  تبعث فيهم روح التعاضد والتكاتف والتضحية.

ويرى بكر أبو بكر أن الثقافة الوطنية لها الدور الفاعل في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء الوطني باشتمالها على الرواية التاريخية والانتماء للرموز وقدرتها على مواجهة الخطر على الهوية الوطنية الثقافية من الجهل والتزمت.[68]

ومن المعاني التي من الضروري أن يستطيع الفلسطيني أن يقولها من خلال الرموز لتمكين الهوية والانتماء الوطني -:(الشعب الفلسطيني شعبٌ واحد أينما وجد، فلسطين هي الوطن الأم لهذا الشعب فيها تكون واكتسب شخصيته الوطنية وصفاته ومميزاته ولهذا الشعب ماضٍ عريق وتاريخ مجيد وهو حيٌ موجود في الحاضر وله طموحاته الوطنية القومية لا بد أن تتحقق نحو جزء من أمة كبيرة ومديدة، الأمة العربية الإسلامية وتمتاز بصفاتنا التي هي كذا وكذا وأنا عضو في هذا الشعب أحمل صفاته ومميزاته وأنا أعتز وأفتخر بذلك.[69]

عدد من المستخلصات في الثقافة الوطنية:

  • أن الثقافة هي الرصيد الروحي لحضارة من الحضارات في تراثها وطاقاتها وقدراتها على التجدد والمتابعة والإبداع والتحدي والاستمرار يكتسبها الانسان على شكل معرفة وفن ومعتقدات وقيم وتقاليد وأعراف وأخلاق وقانون وعادات في إطار أمة أو شعب.
  • أما الثقافة الوطنية فإنها مجموعة من القيم المرتكزة على مبادئ الحق والعدل والحرية والكرامة بما في ذلك مقاومة الظلم والدفاع عن الأرض والكرامة الوطنية.
  • والثقافة الوطنية هي السور الحامي للهوية الوطنية والأداة الفاعلة في تعزيز الانتماء الوطني لدى الفرد في إطار الأمة.
  • العولمة تهدد التنوع الثقافي ولها دور متعاظم في عملية تهجين الثقافة الوطنية لكنها لا تلغي خصوصيتها التي يمكن أن تساهم في تكوين ثقافة مشتركة (إنسانية).
  • الماضي عنصر مهم ومؤثر في هوية وثقافة وإيديولوجيا الشعوب فهي السلطة التي تبرر الحاضر وترسم المستقبل ومن المهم توظيف العناصر الحية والإيجابية فيها الاستلاب لصالح الثقافة الوطنية لفضح التزوير والتلفيق والسلب الذي قد تلجأ له بعض الأمم.
  • بالإضافة إلى تعريف سلمان ناطور:

يمكننا القول أن الثقافة الوطنية الفلسطينية هي الأساس المتين لبناء الانتماء الوطني والحفاظ على الهوية الوطنية من الجهل والتزمت والانحراف والتآكل.

  • الأمن الفكري الفلسطيني يعني زيادة القدرة على حماية الموروث الثقافي والقيمي والاجتماعي من التشويه الإسرائيلي، وبدعم ذلك السعي لمحو الأمية الثقافية الوطنية الفلسطينية وفي ذلك دور مهم في تعزيز الهوية والانتماء الوطني .

في التنظيم الحزبي في فلسطين يعتبر التنظيم بمفهومه الشامل سواء كان حزباً أو حركة في ظل غياب النظام السياسي، هو السلطة الحاكمة للمجتمع بكل ما تمثله السلطة من مسؤوليات، وفي فلسطين المحتلة كان لابد من وجود تنظيم (إطار منظم) يملأ حالة الفراغ السياسي الذي خلفه الاحتلال الصهيوني ويتولى مهمة تحمل المسؤولية في حماية الشعب الفلسطيني والحفاظ على هويته وإدارة شؤونه الداخلية ويعمل على تحرير الوطن والأرض والإنسان من الاحتلال الغاشم الذي تعرض له.

لقد عرف المجتمع الفلسطيني التجمعات المنظمة وشبه المنظمة سواءً كان على شكل جمعيات أو هيئات أو أحزاب أو حركات في فترة زمنية متقدمة تصل إلى القرن الثامن عشر إبان الحكم العثماني وإن لم تكن هذه الحركات تحمل مفهوم التنظيم في حينه إذ جاءت كرد فعل على سياسات التتريك التي أحضرتها الدولة العثمانية من البلاد العربية ولم تكن هذه الحركات تحمل فكرًا سياسياً أو قومياً.[70]

وبالعودة إلى التاريخ فإننا نجد أن الأحزاب والحركات الفلسطينية جاءت نتاج تطور للزعامة والهيمنة المحلية للعائلات الفلسطينية والصراعات العائلية التي برزت أيام الحكم العثماني وقد تجردت هذه التنظيمات من جمعيات خيرية وحركات سرية لأحزاب سياسية. أما هذه الأحزاب فقد كانت غايتها الأساسية هي السيطرة تحت مظلة العائلة إذ كان دور الحزب فيها يتمثل في تحويل العائلة من الصفة الاجتماعية إلى الصفة السياسية. سنعرض نبذة عن هذه الأحزاب وظروف تأسيسها:

  1. حزب الدفاع الوطني: أنشأه راغب النشاشيبي عقب هزيمته في انتخابات بلدية القدس عام 1934 وقد كان واضحاً أنه ليس حزباً سياسياً وإنما حزب عائلة النشاشيبي والعائلات المتحالفة معه .
  2. حزب الاستقلال: تأسس عام 1932 على يد شخصيات ذات جذور عائلية على رأسها عوني عبد الهادي.
  3. الحزب العربي الفلسطيني: تأسس عام 1935 وقد جاء كرد فعل على تشكيل حزب الدفاع، وأصبح الحزب لعائلة الحسيني ومن يحالفها.
  4. حزب الإصلاح العربي: تأسس من قبل مجموعة من الناقمين وعلى رأسهم حسين الخالدي
  5. حزب الكتلة الوطنية :وجاء ليسد الفراغ الناشئ عند انقسام الحزبين الكبيرين الدفاع العربي.

ولم تكن تلك الأحزاب تملك برامج سياسية رغم أهدافها العالمية التي تحمل الطابع الوطني وكانت هذه الأحزاب قد شغلت نفسها بالصراعات الداخلية واستنزفت طاقات الشعب في الانقسام والاقتتال الداخلي بدلاً من توجيه طاقتها لمحاربة العصابات الصهيونية التي كانت تعمل على احتلال فلسطين وكانت النتيجة أن انتهت تلك الاحزاب بعد أن أوصلت الشعب الفلسطيني إلى الكارثة الوطنية التي تمثلت في ضياع 78%من فلسطين سنة1948 على يد العصابات الصهيونية وإقامة ما سمي بدولة إسرائيل بعد أن هجّرت وشردت ما يقارب نصف الشعب الفلسطيني(ما يزيد 750 ألف) محولة إياهم إلى لاجئين في الدول العربية المجاورة (دول الفوق).

بعد سنة 1948عانى الشعب الفلسطيني من خيبة كبرى من الأحزاب وانصرف إلى لملمة شتاته ولعق جراحه وقد انخرط جزء من الشباب الفلسطيني في بعض الأحزاب العربية التي كانت قائمة آنذاك، الإخوان المسلمين والقوميين العرب والبعثيين وغيرهم إلا أن هذا الانضمام كان فرديًا ولا يمثل الشعب الفلسطيني حيث أن تلك الأحزاب لم تكن قادرة على تغطية الساحة الفلسطينية وفي نهاية الخمسينيات بدأ العمل على تأسيس تنظيم فلسطيني جماهيري عسكري خارج نطاق الزعامة التقليدية القائمة على تغطية الساحة الفلسطينية تمثل هذا التنظيم في حركة التحرير الوطني الفلسطيني( فتح)، وفي مطلع الستينيات كان العمل جذري على انجاح تنظيم فلسطيني ليس بمفهوم التنظيم الحزبي وإنما كمؤسسة لتنظيم الشعب الفلسطيني التي سميت (منظمة التحرير الفلسطينية) ويقول عبد الستار قاسم ” كان هناك محاولتان تمزجان على نار هادئة إحداهما ذات طابع قومي والأخرى ذات طابع قطري (وطني) وهما على التوالي منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني(فتح)”.[71]

ويمكن القول أن م.ت.ف لم تكن تمثل التنظيم كما ذكرنا سابقاً سواء كحزب أو كحركة وإنما تأسست لتشكل تجديداً وبديلاً لما عرف في تلك الفترة بالهيئة العربية العليا الفلسطينية وقد جاء إنشاؤها بدعم أساسه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبعده القادة العرب آنذاك لتكن كياناً يمثل الشعب الفلسطيني وأوعزت مهمة تشكيلها إلى أحمد الشقيري وتم ذلك في عام 1964.

وفي تلك الفترة كانت (فتح) قد أعلنت عن وجودها من خلال برنامج عملي وطني شامل عماده الأساسي الثورة والكفاح المسلح ورفضت المشاركة والانضمام لتلك المؤسسة المزعم تأسيسها بسبب افتقارها إلى برنامج تحرري يشتمل على الثورة والكفاح المسلح، بالإضافة إلى خضوع تلك المؤسسة أو الكيان (م.ت.ف) للوصاية العربية وعدم استقلال قرارها.

وفي عام1965 أعلنت فتح عبر سلسلة من العمليات العسكرية انطلاقة الثورة الفلسطينية مثبتة في ذلك هويتها كحركة تحرر بالمعنى العملي وكان ذلك ملهماً ومحفزًا بتشكيل عدد من التنظيمات الفلسطينية التي تبنت أسلوب العمل الثوري المسلح وسيلة مركزية في نهجها وسلوكها.

وكان أهم هذه التنظيمات الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين التي انبثقت من التنظيم القومي الأم حركة القوميين العرب .وعقب هزيمة حزيران سنة1967 واحتلال ما تبقى من الأراضي العربية الفلسطينية وتصاعد العمل الثوري الفلسطيني المسلح على يد الفصائل (التنظيمات الفلسطينية) بدأت مكانة (م.ت.ف) تتراجع كممثل للشعب الفلسطيني الذي اصطف بغالبيته العظمى خلف البندقية الفلسطينية المقاتلة ما دفع الشقيري إلى الاستقالة، وخلفه يحيي حمودي الذي بدأ على الفور العمل على عقد مؤتمر وطني مجرياً اتصالاته مع القوى الفلسطينية خارج القوى والفصائل الثورية.

وكان لدخول التنظيمات الفلسطينية إلى (م.ت.ف) دور مهم في إعاده ترتيبها إبتداءً من الانتماء الذي كان قومياً ليصبح وطنياً وانتهاءً ببرنامجها السياسي والنضالي وبذلك أصبحت (م.ت.ف) كيانًا فلسطينيًا بامتياز تضم تحت لوائها كافة شرائح المجتمع الفلسطيني وفي مقدمتها فصائل العمل الوطني الثوري والتي بلغ عددها في وقت ما أكثر من 40 فصيلاً مستحقةً بذلك شرعية التمثيل للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وقد اعترف فيها عربيًا بصفتها كيانًا شرعياً ووحيداً لتمثيل الشعب الفلسطيني، وكذلك اعترف بها عالمياً بهذه الصفة حين قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوجيه دعوة لرئيسها آنذاك الرئيس الشهيد ياسر عرفات بإلقاء خطاب أمامها في عام 1974 لتصبح منظمة التحرير الفلسطينية أول حركة تحرر تدخل الأمم المتحدة كعضو مراقب.

أما حركة حماس والجهاد الإسلامي فقد تم تشكيلهما في نهاية الثمانينيات مع بداية الانتفاضة عام 1987، وجاء تشكيل حركة حماس على يد أعضاء من الإخوان المسلمين العالمية المتواجدين في فلسطين لتكون بمثابة الجناح العسكري لها الذي تحول فيما بعد إلى حركة سياسيه قائمة بذاتها فلسطينية التنفيذ إخوانية الأهداف والمنشأ والامتداد.

بالعودة إلى الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية المعاصرة أو كما يطلق عليها فلسطينياً (الفصائل الفلسطينية) سواء منها الدينية الإسلامية أو الوطنية فإن الناظر للحالة الفلسطينية فيها يرى متاهاً من المركبات منها ما هو اجتماعي (عائلة) ومنها ما هو فكري أيديولوجي ومنها ما هو سياسي ناهيك عن تداخل المفهوم التنظيمي فيها ما بين الحزب أو الحركة والشمولي والديمقراطي فهي تجمع هذه المركبات بطريقة استثنائية، فمن حركة فتح ذات الطابع الوطني الديمقراطي إلى الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية ذو الطابع الماركسي إلى حركه حماس ذات الطابع الأيديولوجي العقائدي الشمولي إلى حركة الجهاد الإسلامي ذات الفكر الجهادي الديني، فهي جميعها تقدم نفسها باعتبارها تنظيمات ثورية تحررية وطنية وإسلامية حيث تأسست جميعها لأجل هدف أساسي هو تحرير الوطن.

حيث نرى أنه في حين يتصدر تحرير فلسطين الأولوية في مرتكزاتها ومبادئها وشعاراتها نجد سلوكها وممارساتها على الأرض تنصب على تثبيت مكانتها كتنظيمات (حركات أو أحزاب) وعلى المنافسة وكسب التأييد لها، بحيث تحولت من تنظيمات ثورية إلى أحزاب سياسية همها الأساسي التمثيل السياسي (السلطة) للشعب على حساب النضال الثوري لتحرير الوطن.

الدراسات السابقة:

في سعينا لفهم مفهوم الانتماء الوطني وما يتعلق به تناولنا كباحثين في الإطار النظري لهذه الدراسة أهم الدراسات السابقة، ويمكن أن نورد أهمها باختصار وكما يلي:

  • دراسة راتب حريبات ومحمد اليدك وعبد السلام اعمر بعنوان: “الانتماء ما بين الصعود والهبوط” مستوى الانتماء التنظيمي عند أسرى فتح وحماس والجبهة الشعبية في سجن جلبوع (2019)، والتي أظهرت عددًا من النتائج كان أهمها أن هناك اختلاف ما بين مستويات الانتماء التنظيمي عند أسرى فتح وحماس والجبهة الشعبية في سجن جلبوع لصالح أسرى الجبهة الشعبية.
  • دراسة بكر أبو بكر عام 2019 بعنوان “الهوية الوطنية من التطور إلى التمكين” وكان أهم نتائجها التالي:
  • أن الهوية الوطنية الفلسطينية إطار شامل جامع للكل الفلسطيني.
  • إن المشتركات التاريخية والجغرافية والعاطفية والروحية المرتبطة بالعنف القومي والديني لم تمكن الاستعمار والصهيونية من انتزاع العربي الفلسطيني من انتمائه لفلسطين.
  • دراسة شريف كناعنة “التراث والهوية”(2017) والذي جاء في أهم نتائج دراسته التأهيل الثقافي ومحو الأمية الوطنية، سعياً لتعزيز الانتماء الوطني لفلسطين، عبر إعادة إبراز الهوية بإحياء التراث والرموز الوطنية، وقد أوصى بمحو الأمية الوطنية مركزاً على أهمية شحن الرموز الوطنية بعد ايجادها وتعميمها.
  • دراسة عبد الرحمن منيف “بين الثقافة والسياسة” الذي أوصى بأهمية تجديد الثقافة الوطنية بجعلها أكثر حيوية وفاعلية.
  • دراسة رنا سلعوس “الولاء المهني عند المشرفين الأكاديميين في جامعة القدس المفتوحة” 2008 أشارت نتائج دراستها إلى ارتفاع مستوى الولاء المهني لدى المشرفين، وعدم وجود الفروق في مستوى الولاء عند متغيرات الخبرة والمؤهل والعمر.
  • دراسة ياسر أبو بكر “مخاطر الحرب النفسية الإسرائيلية على الأمن الحزبي الفلسطيني” 2013 والتي بينت أهم دوافع وأساليب وسمات الحرب النفسية والإسرائيلية وأشارت لأهمية الأمن الحزبي الفلسطيني في حماية الثقافة والهوية الوطنية.

الفصل الثاني: في جدلية الانتماء في المجتمع الفلسطيني

في تعريف الانتماء:

ليس هناك تعريف محدد للانتماء كونه من المفاهيم الأساسية التي لها علاقة بالإنسان مثل كل المفاهيم الإنسانية التي يصعب وضع معنى لها، والأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال ايضاً تتعدد تعريفاتهم لمفهوم الانتماء فجاءت كما يلي:

(قيمة اجتماعية يحددها الوجود الاجتماعي تبنى على شعور الفرد بأنه جزء من كيان لا يمكنه الانفصال عنه، وهو عمل قائم على اقتطاع جزء من حياته ووقته لخدمة الجماعة أو الكيان المنتمي إليه الفرد تحت شعار وقناعة أن مصلحة الكيان الاجتماعي هي مصلحة الفرد والعكس صحيح)[72]

وهو الارتباط الذي يجسد فيه الإنسان ذاته مرتبطاً بجملة من المفاهيم والقيم والعادات والأعراف والسلوكيات التي تفرض عليه ويتلقاها سواءً دون وعي وحرية الاختيار أو بالوعي والادراك.[73]

وهو شعور الفرد بأنه مرتبط بشكل تلقائي مع جماعة من الأفراد ارتباطًا كاملًا أو شعور بأن مصيره مرتبط مع هذه الجماعة.[74] وهو ربط المصير بالمصير.[75]

ويعرف كذلك على أنه مدى العلاقة والترابط بين الشخص والفكرة أو بين الشخص والمؤسسة والعقيدة والأيدولوجيا.[76] وهو العلاقة القائمة بين الفرد وإطاره الجماعي وهو سرعان ما يتحول حسب علماء النفس إلى( النحن).[77]

والانتماء بمعنى آخر هو العطاء، أن تنتمي هو أن تفكر بما سوف تعطي لما تنتمي إليه، أن تذوب في ذلك الذي تنتمي إليه فتصبح قطعة منه ومكون من مكوناته.[78] هو الحاضنة البيئية التي يمكن أن يعيش فيها الفرد أو الجماعة ويتكيف من خلالها مع الجماعة أو الآخرين.[79] هو إحساس الفرد بالحاجة إلى حاضن يريد الانضمام إليه من أجل الشعور بالأمن والأمان وهو علاقة اجتماعية إنسانية تتطور مع تقدم الحياة والعمر[80] كما أنه التعبير عن حالة البحث الطبيعة لدى البشر عن إطار جماعي يندمج فيه الإنسان[81].

الانتماء هو شعور داخلي وإحساس راق أساسه الحب، ينمو ويتوسع مع الفرد من بيئته المحيطة منذ الصغر وينمو ويتوسع تصاعدياً[82] وهو الشعور بالانجذاب إلى فكرة أو عقيدة أو قضية لمجموعة بشرية، والشعور بأنك جزء منها و تعبر عنك [83] وهو فكرة وممارسة قيمية توجه موقف تجاه تفكيرك.[84]

مما سبق نلاحظ التباين في تعريف المفهوم وذلك كونه كما ذكرنا من المفاهيم الإنسانية، وتعريفه يخضع للخلفية الفكرية الاجتماعية التي ينطلق منها الفرد في فهمه وتعريفه لها وفي حالتنا هذه يتعزز هذا القول من خلال ما نلمسه من تعددات لتعريفات الكادر التنظيمي للتنظيمات الفلسطينية المتواجدون في الأسر، تعريف متباين وفقاً للتعدد واختلاف المشارب الفكرية التي تنهل منها التنظيمات الفلسطينية ما بين ديني (حركة حماس) وعلماني (حركة فتح) ويساري ماركسي (الجبهة الشعبية)، وهو مفهوم يتراوح في تعريفه ما بين: قيمة وعمل واندماج وتبعية وعطاء وما بين علاقة وارتباط ومدى وفكرة وحاضنة وشعور وإحساس( حب وانجذاب).

وبناء على ما سبق يمكن تعريف الانتماء:

بأنه انتساب الشيء إلى مجموعة أو الارتباط بمجموعة ما والارتباط بها عبر منظومة من المركبات المشتركة المتشابهة بطريقة أو بأخرى، بمعنى تصنيف الأشياء ضمن مجموعات ذات خصائص مشتركة وبالتالي فإن أي شيء في الكون مهماً قل وعظم فإنه منتمٍ إلى مجموعة تعرفه وهو انتماء قصري تحدده طبيعة الشيء وتركيبته.

وإذا أسقطنا هذا المفهوم على الإنسان فيمكننا القول أن الانتماء هو انتساب الفرد إلى جماعة أو مؤسسة أو مكان أو فكرة أو عقيدة معينة (دين) من بين عدة جماعات أو مؤسسات أو أماكن أو الخ، وارتباطه بها عبر منظومة من المفاهيم والقيم والعناصر والمركبات النفسية والفكرية والحضارية وسلوكية بحيث يصبح جزءاً أصيلاً لهذه الجماعة ويمثل اتجاهاتها وتعكس اتجاهاته.

فيعرف الفرد باسمها كما نقول فقير في نسبته وانتمائه إلى جماعة، وفلسطيني نسبته إلى مؤسسة وساحلي أو جبلي نسبته إلى مكان، وإسلامي أو مسيحي الخ  في نسبته إلى عقيدة وغيرها من الجماعات ذات المركبات المشتركة التي تميزها عن غيرها من المجموعات.

ويتمثل الانتماء في دوائر حتى يصل إلى الدائرة الأشمل والأعم من الأصغر إلى الأكبر أو العكس حسب أولويات الفرد فالدائرة الأشمل لانتماء الفرد هي الإنسانية أما الدائرة الأضيق فهي الأسرة النووية (الوالدين) مروراً بدوائر انتماء متعددة من بينها دائرة الانتماء الوطني والانتماء الحزبي والذي هو موضوع بحثنا.

في الانتماء الوطني والانتماء الحزبي:

اذا اعتبرنا أن الانتماء بمفهومه العام والشامل هو حالة انتساب وارتباط وجداني في مجموعة ما، فإن الانتماء الوطني أو الانتماء الحزبي (التنظيمي) يحد هذه المجموعة بوصفها الوطن أو الحزب.

وسنعرض في هذا المجال تعريفات الانتماء الوطني والانتماء الحزبي من وجهة نظر أسرى الكادر التنظيمي في سجن جلبوع:

يقول الأسير ياسر أبو بكر في تعريفه للانتماء الوطني بأن البعض وصفه بأنه شعور راق أساسه الحب ينمو ويتوسع مع الفرد منذ الصغر تصاعدياً ليشمل الوطن وهو التعبير العملي عن الهوية والثقافة الوطنية وينعكس على سلوك الفرد كحركة تدفعه لحالة من الاستعداد الدائم لتقديم جهوده في الدفاع عن الوطن والتضحية من أجله، بينما يرى في الانتماء الحزبي أنه ارتباط طوعي لجماعة منظمة لها أهدافها ومبادئها المحددة التي تتفق مع توجهات الفرد ليصبح ضمن الجماعة، له ما لها وعليه ما عليها، بحيث يكون مستعدًا للتضحية من أجل الدفاع عن هذه الجماعة التي أصبح الفرد جزء منها.[85]

فيما يرى عثمان بلال أن الانتماء الوطني هو شعور بأنك جزء من مساحة جغرافية بتاريخها وتراثها وحاضرها والمأمول من مستقبل لها، وشعور يحمل صاحبه على الاهتمام بأمور وشؤون هذه المساحة بتركيبها والعمل على التقدم بها والبحث عن الأفضل لها، والانتماء الوطني أمر فطري مجبورة عليه النفس البشرية إبتداءً ثم ينمو ويصقل أو يشوه ويذوي تبعاً لظروف خارجية كالبيئة التربوية وجودة النظام السياسي أو الاقتصادي في الوطن، أما الانتماء الوطني فهو القناعة الدافعة لاتخاذ سلوك وممارسة عمل على أرض الواقع لصالح تحقيق أهداف وغايات أجمع عليها عدد من الناس.[86]

ويعرف محمد الدحنون الانتماء الوطني بأنه ارتباط الشخص الوطني بأرضه وشعبه بكل أبعاده وعلاقته مع رموزه واهتمامه بسلامته والاستعداد الدائم للدفاع عنه بالمال والنفس والإيمان التام بعدالة قضيته وحتمية النصر والثقة بقيادته ومؤسساته الوطنية، أما الانتماء الحزبي فهو ارتباط الشخص بالحزب وقناعته الراسخة بأن الحزب هو الجسد الأقرب لتحقيق الأهداف.[87]

ويرى وائل الجاغوب أن الانتماء الوطني هو متطلبات وارتباطات مع الوطن والأرض والإنسان ويتشكل من معطى موضوعي وذاتي، أما الموضوعي فيتمثل في إطار جغرافي ومجتمعي محدد وسياق تاريخي يتكون من الوعي والانتماء في إطارها، أما الذاتي فيتكون من وعي للعلاقة القائمة ما بين الفرد وواقعه ورؤيته لهذا الواقع تتم وفق منظومة من القيم والمفاهيم فهو شامل يرتبط بالأرض والإنسان والذاكرة والجماعة والدفاع عنها ويبرز في محطات محددة يتحدد خلالها، أما الانتماء الحزبي فيتم برؤية برنامج وخيارات وممارسة لفعل السياسة بوصفها فعل تغيير الواقع وهو حسب سياسة الأيدولوجيا مرتبط بمنظومة مفاهيم وقيم محددة وتكونها في هذا السياق يتم عبر رابطة الطبيعي بالوعي وهو إنتماء مبني على حرية الاختيار.[88]

بينما يقول أمجد عبيدي في هذا الصعيد أن الانتماء الوطني مسألة تتحدد وفق الأيدولوجيا التي يحملها الإنسان وهي في الحالة الفلسطينية تعني النضال الدؤوب المستمر بلا تراجع تحت أي مبرر للحصول على الأرض من المحتل أولاً، ثم الحفاظ على وحدة الأمة أو الشعب تحت راية النضال ضد المحتل والحفاظ على القيم الأخلاقية نضالياً وشعبيًا وحتى سياسياً في مرحلة النضال الوطني ثم مرحلة الانتقال( السلطة) ثم مرحلة التحرر الناجز، ويضيف في حديثه عن الانتماء الحزبي بأنه يقوم على أساس أن الحزب وسيلة لتحقيق الأهداف وليس غاية بحد ذاتها ويتحدد مستوى الانتماء له بمستوى اقترابه من الأهداف التي رسمها لنفسه أو بعده عنها.[89]

زياد حنني يقول: (أن الانتماء الوطني هو شعور الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من المجموع المكون لأفراد مجموعة ما تعيش على بقعة جغرافية ما وبأنه جزء من تاريخها وماهيتها وحاضرها وتطلعاتها بمعنى آخر هو الهوية، أما بخصوص الانتماء الحزبي فإنه المسافة الفاصلة بينه وبين الانتماء الوطني وهي مسافة ضيقة جداً يتداخل معها الوطني مع الحزبي.[90]

قتيبة مسلم يرى أن الانتماء الوطني شعور لاواعي بالارتباط ببقعة جغرافية ومجتمع شكل من الطفولة ثم يدخل في مرحلة الاختبار الطوعي ليحدد مدى نسبة انتمائه للوطن وكيفية التعبير عن هذا الانتماء الذي يخضع إلى قدرة الفرد ومستواه المعرفي وظروفه الاجتماعية والتي يتمثل أرقاها(التعبير عن الانتماء) في التضحية في سبيل الوطن وحريته وسيادته بالنفس والمال وهو التعبير الفاعل ويبقى مجرد شعور يتمثل حدها الأدنى برفض الخيانة وخدمة أي عدو يسعى لإيقاع الضرر بأي شيء له علاقة بالوطن وهو التعبير السلبي، وتلعب التربية والمحيط الأسري والمؤثرات المحيطة بالفرد دورًا في تعزيز وتعميق الانتماء الوطني وتصحيحه وكذلك القوى الوطنية ونشاطاتها وفعاليتها، أما الانتماء الحزبي فإن مقياس الانتماء له مرتبط بمدى قرب العضو أو تجسيده للأفكار والتقيد بحرفيتها.[91]

يقول رائد عبد الجليل أن الانتماء الوطني هو شعور الفرد بأنه مرتبط ارتباطاً كاملًا مع بقعة جغرافية من الأرض، مع تاريخها وشعبها ورموز هذا الشعب و كذلك شعوره بأن حاضر وماضي ومستقبل هذه البقعة من الأرض هي حاضره ومستقبله وماضيه أيضاً، أما الانتماء الحزبي فهو الشعور بأن الحزب يعبر عن توجه الفرد السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي.[92]

وفي نفس السياق يعرف عبد الكريم العموري الانتماء الوطني على أنه تقديم الولاء للوطن، وأن يكون الوطن هو الهدف الرئيسي، وتسخير كل الوسائل للدفاع عن الوطن وهو انتماء فطري، أما الانتماء الحزبي (التنظيمي) فهو إعطاء الولاء والقسم للتنظيم من خلال إايمانه بأفكار ومبادئ وقواعد ذلك التنظيم.[93]

وعلى نفس المنوال يعرف نادر صدقة الانتماء الحزبي بأنه حالة التطوع في البحث عن الإطار، ويتكون من مجموعة من العوامل التي حددت شخصية الإنسان وانحيازاته الفكرية والاجتماعية من خلال نضوج القناعات الرمزية الهادفة لدى المرء، وهو مرتبط بالعامل الموضوعي للطبيعة التي ينشأ فيها الفرد وشروط واقعه، أما الانتماء الوطني فهو عادةً ما يسبق الانتماء الحزبي ولأن الأخير أكثر خصوصية فهو ضمن الانتماء الوطني و جزء منه.[94]

أما راتب حريبات فيرى أن الانتماء الوطني هو انتساب الفرد إلى الوطن بكل تفاصيله وبكل جوارحه ويكون الفرد مستعداً استعداداً تاماً لتقديم الغالي والنفيس من أجل هذا الوطن والمحافظة عليه، ويكون حريصاً لتقديم كل ما يلزم من أجل رفعة هذا الوطن، أما الانتماء الحزبي فهو انضمام الفرد للجماعة وارتباطه بها من خلال الأفكار والمبادئ التي يتبناها الحزب ويدافع عنها ويعمل على نشرها في أوساط المجتمع الذي يعيش فيه ويبدي الاستعداد التام للتضحية في سبيل هذا الحزب، وهو على يقين أن هذا الحزب هو الذي يحقق أهدافه وطموحاته التي يرنوا لها.[95]

بناءً على ما تقدم من تعريفات يمكننا أن نجمل تعريفاً للانتماء الوطني يتمثل بأنه ارتباط وجداني لاارادي يولد مع الإنسان وينمو معه ويتطور مع تطور بنائه المعرفي بحيث يصبح مركباً أصيلاً في تركيبته النفسية والفكرية، وتحويل الوعي إلى سلوك واستعداد دائم للتضحية والدفاع عن الوطن بالمال والنفس، وكذلك إلى عمل سواءً كان ذلك العمل سياسيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا دائرته المركزية الوطن بكل مركباته وأبعاده سواءً منها الجغرافية أو الحضارية أو الاجتماعية (الشعب والأمة)، وكل ما يشتمل عليه الوطن من تاريخ وتراث وذاكرة ماضي وحاضر ومستقبل ليصبح التعبير العملي عن الهوية والثقافة الوطنية وهذا الشعور يحظى مستواه إلى البيئة المحيطة بالفرد إبتداءً من الأسرة حتى يصل المؤسسة الرسمية التي تمثله مروراً بالعائلة والحزب (التنظيم) سواء كان سياسياً أو اجتماعياً والذي كان من المفترض أن يكون معززاً للانتماء الوطني. أما الانتماء التنظيمي أو الحزبي يمكن اجمال تعريفه بأنه العلاقة التي تربط الفرد بإطار مرجعي منظم تحكمه اللوائح والقوانين والهيكلية التراتبية ومبادئ وقيم وأهداف يتبناها العضو ويسعى إلى تطبيقها كرؤية وعمل مجسداً من خلالها هويته الفردية أو ما يمكن أن يطلق عليه (الهوية الحزبية) من خلال التكامل مع أعضاء التنظيم أو الحزب والتمايز عبر العامة أو التنظيمات والأحزاب الأخرى بصورة يصبح فيها العضو هو الحزب والحزب هو العضو وهو انتماء واع اختياري [96].

أهم المظاهر السلبية التي تؤثر في الانتماء الحزبي ووسائل تعزيزه:

في مجال الاستعراض لأهم المظاهر السلبية التي تؤثر في الانتماء الحزبي ووسائل تعزيزه من وجهة نظر قادة الأسرى:

يؤكد عثمان بلال بأن “المظاهر السلبية للانتماء الحزبي تكمن في كون الانتماء الحزبي قائم على أساس القرابة والعائلة (العشائرية) ويعني طغيان الانتماء العشائري على حساب الانتماء الأيديولوجي الفكري، أما طرق تعزيز الانتماء الحزبي تتمثل في عملية تجديد الأفكار والوسائل الحزبيه وعملية تحديد الأهداف.[97]

أما حمزة الكالوتي فيقول لقد اصبحنا ننظر للانتماء نظرة المستفيد- نظرة تجارية بالإضافة إلى أنه أصبح يفتقر إلى الالتزام والقادة والقدوة وفقدانه الأهداف المرحلية التي تكفل الوصول إلى الأهداف المرحلية الاستراتيجية.[98] أما زياد حنني فيرى بأن أهم مظاهر الانتماء التنظيمي هو التعصب الحزبي وتغليب مصلحة الحزب على أي مصلحة أخرى، ويمكن الحد من هذه الظواهر من خلال التوعية والتواصل بين الأطر الحزبية والتنظيمية.[99]

وفي نفس الصدد يبين أمين كميل بأن سيطرة العائلة والقبيلة على تنظيم الشلليات والبلديات واقتصار التنظيم في شخص القائد وغياب الديمقراطية في العمل الحزبي خاصة في مجال التنظيم الرأسي وآلياته وغياب تبادل الأدوار هي من أهم المظاهر السلبية المؤثرة في الانتماء.[100]

وبهذا الخصوص يبين رائد عبد الجليل “أن الانتماء الحزبي بات يعلو على الانتماء الوطني وقد تحول الحزب إلى مكان للمنفعة الشخصية وتحول من وسيلة إلى هدف غلبت فيه المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية ولم يعد هناك احترام والتزام لبرامج التنظيم، وتفشت المحسوبيات وكثرت المرجعيات وظاهرة الشلليات والبلديات وتكتلات المصالح داخل التنظيم ويمكن تعزيز الانتماء الحزبي عبر تجديد البرامج وتطبيقها والقيام بجلسات تعبوية تعزز الأفكار الإيجابية لدى الأعضاء”.[101]

أما أمجد عبيدي يقول تحول الحزب الى هدف وغاية بحد ذاتها وطغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني، بالإضافة إلى أن الانتماء الحزبي أصبح انتماء قبلي تبعي ناهيك عن الانحراف عن الهدف الأساسي وهو المصلحة الوطنية وانتشار الفساد بكل أشكاله[102]، ومن وجهة نظره يتمثل تعزيز الانتماء الحزبي في المحافظة على الأهداف التي وجد لأجلها الحزب، وإجراء عملية تنقية وتجديد، وبناء الشخصية الثائرة والعقلية الواعية والثقافة العالية وتعزيز الوعي الثوري ومبدأ النقد الذاتي للفرد والحزب وتعزيز مفاهيم الحرية والعدل والمساواة وإقران الذات وتقديم الوطن على ما سواه وبناء القيم الأخلاقية والوطنية .[103]

وجهة نظر القيادي نادر صدقة أن  أهم العوامل السلبية في الانتماء الحزبي تتمثل في شعور الفرد (العضو) بالاستهداف والنبذ وغيرها من المضايقات على خلفية انتمائه، بالإضافة إلى المبالغة والتسرع في تقدير العامل الذاتي بدون تخطيط في محدوديات الموضوعي، ويضيف أنه يمكن تعزيز الانتماء الحزبي عن طريق صياغة برامج تحديد طموحات وتطلعات هادفة وناضجة تستطيع الصمود أمام تحديات الواقع وعوائقه، بالإضافة إلى تعزيز الوعي السياسي والفكري لدى العضو وتسليمه بمقومات الدفاع عن قناعات وانخراط العضو في الممارسة على الأرض.[104] ومن أهم المظاهر السلبية كما يقول الدحنون تغليب المصلحة الحزبية على مصلحة الوطن.[105] أو كما يقول العموري أن يكون الولاء في التنظيم لشخص بدرجة التقديس بالإضافة إلى التعصب الحزبي.[106]

وكذلك فقدان الحزب لبعده الوطني وتعارض الانتماء الحزبي مع الانتماء الوطني كما يصف وائل الجاغوب، ويضيف أما طرق تعزيز الانتماء الحزبي فتتم عبر الوعي والمتابعة وتمكين القيم والمفاهيم الوطنية والحزبية بالإضافة إلى نموذج وقوة المثال والمواجهة التي تصقل الانتماء.[107]

فيما يرى راتب حريبات بأن أهم المظاهر السلبية في الانتماء الحزبي هي طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني وهو انتماء قائم على أساس قبلي عشائري وبالإضافة إلى أن التنظيم تحول إلى مؤسسة نفعية مع ترهل البناء التنظيمي أما طرق تعزيز الانتماء الحزبي فيرى أنها تكون من خلال عقد جلسات تعبوية ونشر الوعي والمساواة بين الأفراد داخل التنظيم.[108]

في هذا الشأن يبين قتيبة مسلم أن العضو في الأحزاب الأيديولوجية والنظرية فإن العضو يتحول إلى كيان يردد سياسات وقرارات الحزب، ويرى أن مقياس الانتماء الحزبي مرتبط بمدى قرب العضو وتجسيده للأفكار والتقييد بحرفيتها، ويجمل أهم المظاهر السلبية في الانتماء الحزبي في:

  1. أن يكون الانتماء للإطار الحزبي على حساب الانتماء الوطني.
  2. جمود الفكر والرؤية وهدر طاقات الأفراد في أمور نظرية.
  3. عدم التقييم وتكلف القيادة والخطط والنشاطات.
  4. الانحراف السياسي للقيادة أو غياب الرؤية السياسية.
  5. انعدام الحياة التنظيمية وضياع العضوية وانتشار المحسوبية.

أما وسائل تعزيز الانتماء التنظيمي يجملها في:

  1. تعزيز الحياة التنظيمية السليمة والمساواة بين الأعضاء.
  2. التواصل الجيد والفعال بين كافه المستويات التنظيمية.
  3. أن تكون الانتخابات الدورية أساس اختيار القيادات.
  4. التركيز على الوعي السياسي وتقييم المراحل والنقد البناء.
  5. حماية العضوية حقوقها وواجباتها.
  6. تعزيز المصداقية في القرارات التنظيمية.
  7. اهتمام التنظيم بنقاء صفوفه وجدارة أعضائه وكفاءتهم وفعاليتهم.[109]

يتضح مما سبق أن هناك توافق بين الكادر التنظيمي المتنوع من حيث التأثير الواضح على طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني ورفضهم لذلك وبأنه يوجد فروق بين النظرية والتطبيق عند التنظيمات.

فهناك شبه اجماع على أن الحزب أو التنظيم في الحالة الفلسطينية وجد لأجل غاية ثانية هي تحرير فلسطين الوطن من الاحتلال، وأن الانتماء الحزبي من المفترض أن يكون وسيلة لشحذ وصقل الانتماء الوطني وإخراج الأخير من دائرة الشعور إلى حيز العمل والممارسة وتعزيز الانتماء الوطني كمركز رئيسي في الانتماء التنظيمي.

ويلاحظ مما سبق التباين الناتج عن الحالة التنافسية التي تعيشها التنظيمات الفلسطينية فيما بينها إذ أن البعض ركز على المظاهر السلبية التي يراها في التنظيم الآخر، والبعض الآخر تطرق إلى ما يعانيه تنظيمه من مظاهر سلبية خاصةً كادر التنظيمين الكبيرين (حركة فتح وحركة حماس) في إشارة واضحة إلى أن التنظيمات الفلسطينية فقدت بوصلتها التي تأسست لأجلها الأمر الذي ينعكس سلباً على بنيتها التنظيمية بشكل أدى إلى تفشي كثير من الظواهر السلبية في مجملها كما تحدثوا عنها على النحو التالي:

  1. تحول الانتماء الحزبي إلى منفعة شخصية سواء على مستوى المال أو المنصب .
  2. انعدام الحياة التنظيمية وسيادة المحسوبية وتفشي الفساد بكل أشكاله.
  3. طغيان الانتماء العائلي على الانتماء الحزبي .
  4. تغليب المصلحة الحزبية على مصلحة الوطن وطغيان التعصب الحزبي.
  5. تحول التنظيم من وسيلة إلى هدف وزجه في صراعات داخلية بعيداً عن الهدف الأساسي.
  6. الانتماء للشخصية القيادية في التنظيم وليس للتنظيم كفكرة وأيديولوجيا بمعنى تقديس القيادات .
  7. افتقار التنظيم للخطط وبرامج العمل سواء التنظيمية أو الوطنية.
  8. تعدد المرجعيات وانتشار ظاهرة الشللية والبلدية وتكتلات المصالح.
  9. استهداف الفرد أو العضو على خلفية انتمائه.
  10. تعارض الانتماء الحزبي مع الانتماء الوطني وطغيانه عليه.

أما أهم الطرق والوسائل لتعزيز الانتماء التنظيمي نجملها بناءً على ما سبق على النحو التالي:

  1. تجديد الأفكار والوسائل الحزبية وتحديد الأهداف .
  2. التوعية والتواصل في التنظيم وممارسة النقد والنقد الذاتي داخل الأطر الحزبية والتنظيمية.
  3. صياغة برنامج تعبوي وتحديد البرامج وتطبيقها وتعزيز الأفكار الإيجابية لدى الأعضاء.
  4. المحافظة على الأهداف التي وجد لأجلها التنظيم وإجراء عملية تنقية للصفوف.
  5. تعزيز مفاهيم الحرية والعدل والمساواة بين الأعضاء في التنظيم.
  6. تعزيز القيم الثورية والوطنية.
  7. إجراء انتخابات دورية لاختيار القيادات.
  8. تعزيز المصداقية في القرارات التنظيمية.
  9. انخراط العضو في الممارسة على الأرض.
  10. وجود القدوة والنموذج.

نلمس مما سبق اسقاطات الواقع الذي يعيشه الأسرى في سجون الاحتلال وما تعانيه الحالة التنظيمية في الأسر من ترهل ألقى بظلاله على إجابات الكادر التنظيمي سواء فيما يتعلق في المظاهر السلبية التي تؤثر في الانتماء التنظيمي أو في كيفية وطرق ووسائل تعزيز الانتماء الحزبي والتنظيمي.

في الانتماء الوطني وطرق ووسائل تعزيزه:

أن أهم ما يمكننا ملاحظته أن الأسرى لم يتطرقوا في إجاباتهم إلى المظاهر السلبية التي تؤثر في الانتماء الوطني وتركزت إجاباتهم حول الوسائل والطرق التي يجب أن تتخذ في سبيل تعزيز الانتماء الوطني وفيما يلي استعراض أهمها كما يراها الكادر التنظيمي في التنظيمات الفلسطينية المختلفة في سجن جلبوع:

  1. تسليط الضوء على قيمة الوطن الدينية بالإضافة إلى القيمة التاريخية وتغليب مصلحة الوطن والمحاسبة ومحاربة الفساد السياسي والاجتماعي .[110]
  2. التركيز على المناسبات الوطنية والمشاركة السياسية والتذكير في التاريخ الوطني وإحياء الرموز والاستثمار في المواطن في جميع مناحي الحياة.[111]
  3. إعاده تعريف المشروع الوطني أو الاتفاق على تعريفه وتقديم الوطن على ما سواه، وإحياء القيم الأخلاقية الثورية، ورفع الوصايا عن عقول الناس وأفكارهم، وبناء منظومة تعليمية لرفع مستوى وعي الأمة وبناء منظومة عادلة اجتماعية خالية من المحسوبية والفساد.[112]
  4. تقوية أواصر الترابط والتلاحم بين أبناء الشعب، والتركيز على التاريخ والثقافة والحاضر والتطلعات، وهذا الدور يمكن أن تقوم به الأحزاب وسائل الإعلام والمناهج الدراسية .[113]
  5. من خلال وسائل الإعلام وتقديم الخدمات الاجتماعية وزرع الرموز الوطنية واحترامها.[114]
  6. التربية التنظيمية القائمة على تعريف الفرد بوطنه وبناء المدارس والجامعات ونشر ثقافة التكافل الاجتماعي .[115]
  7. عبر بوابة الوعي وهي أكثر أهمية تحديداً بما يختص بالتوعية والوطنية خاصة جيل الشباب، لأنه الأكثر استهدافاً، وضرورة إعادة تقديم الرواية الوطنية الفلسطينية ورموز تأييد سيادتها.[116]

ويجمل مسلم من جهته أهم وسائل تعزيز الانتماء الوطني في النقاط التالية:

  • ‏عن طريق الإعلام بكل تفرعاته.
  • ‏عن طريق الحركة الطلابية ودورها الاستراتيجي في خلق الوعي والمبادرة.
  • ‏عن طريق الاجتماعات و النشاطات التنظيمية.
  • ‏طريق المعسكرات الصيفية والأعمال التطوعية
  • ‏عن طريق تضافر جهود كل المؤسسات المجتمعية والمدنية والرسمية بالتركيز على رموز الوطن وأهمية الانشداد للانتماء الوطني .[117]

أما نادر صدقة فيرى أن ذلك يتم عبر برنامج مركزي متطور وشامل يضمن:

  • ‏تعزيز الاستراتيجية السياسية العامة والعمل على تعزيز مقوماتها بحيث تعبر عن قيم الخيارات الوطنية
  • ‏بث الوعي الوطني كأولوية من البسيط إلى المركب من خلال المناهج الدراسية.
  • ‏تعزيز الممارسة على الأرض بأشكالها ووسائلها المختلفة.
  • ‏الدفاع عن حريات الاعتقاد الفكري والسياسي للجميع وعدم حصر الممارسة الوطنية بشكل محدد و تقبل الاختلاف.
  • ‏ضمان حقوق المشاركة السياسية بكافة ألوان الطيف السياسي على الأرض.
  • ‏ضمان الحقوق السياسية للمواطن كحقوق العمل والصحة والتعليم إلخ
  • ضمان فصل السلطات وبناء مؤسسات تشريعية وقضائية وتنفيذية حقيقية .[118]

‏مما سبق يلاحظ أن الأسرى لم يتطرقوا إلى المظاهر السلبية في الانتماء الوطني على اعتبار أنه قيمة ثانية والغاية المبتغاة وهو موجود لدى كل فرد من أفراد الوطن، حيث أكدت ‏تعريفاتهم ذلك، وهو انتماء فطري والمطلوب أن تتضافر كل الجهود من أجل تعزيزه هذا من جهةً، ومن جهة أخرى فإن الأسرى ضحوا بسنين عمرهم تعبيراً عن هذه القيمة وأما الحزب أو التنظيم هو وسيلتهم في التعبير عن انتمائهم الوطني وهو طريقهم للعمل والتضحية لأجل الوطن، ومن هنا جاء تركيزهم على المظاهر السلبية في الانتماء الحزبي ‏وطرق تعزيزه بحيث يصبح متكاملا مع الانتماء الوطني.

لقد سبق التطرق إلى أن الانتماء يتمثل في دوائر ينتقل فيها الفرد من الدائرة الأضيق إلى الدائرة الأوسع ‏بتأثير البيئة المحيطة ومدى التطور المعرفي لديه، وفي حالتنا هنا على الرغم من تأكيد الأسرى على دائرة الانتماء الوطني بأنها الدائرة الأوسع التي يجب أن تشمل في داخلها الانتماء الحزبي ورفضهم طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني إلا أن ما لاحظناه أن دائرة الانتماء الحزبي احتلت الأولوية لدى الأسرى ووجد الأسرى صعوبة في الانتقال منها للدائرة الأهم والأوسع والأكبر وهي دائرة الانتماء الوطني. مما يجعل طرحنا لجدلية الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني مشروعة .

في جدلية طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني:

يوضح آمين كميل أن الإشكالية تكمن في كون الأحزاب في الحالة الفلسطينية نشأت في ظل عدم وجود نظام خاص يخضع له الشعب الفلسطيني، وقد نشأت على عكس معظم الأحزاب ضمن وطن غير واضح المعالم والحدود الجغرافية والاجتماعية فقد كانت جزءًا من سوريا الكبرى وجزءًا من الدولة العثمانية كان يصارع ذاته، فيوماً إسلامياً وأخر قومياً مما كان له انعكاس مباشر في تشكيل الوعي الذاتي والجمعي للانتماء، ويضيف هنا بأن ‏الأحزاب الفلسطينية من المفترض أنها نشأت لاستعادة الوطن إلا أننا شكلناها لتكون لباساً وغطاءً للعائلة والقبيلة كالنشاشيبي والحسيني على سبيل المثال لا الحصر، أما اليوم فهي تقوم على أساس الشللية والبلدية وهي شكل آخر من أشكال العائلة والقبيلة أو حتى أنها أصبحت تأخذ شكل الشخصنة فأصبح الحزب هو شخص والشخص حزب وهذا بالتالي انعكس على ‏الشأن الوطني، ‏ونضيف أيضاً أن العمل الحزبي يجب أن يكون جزءًا من العمل الوطني وكذلك الانتماء ولكن للأسف فإن البعض فقد البوصلة وطغت المصالح الذاتية الشخصية على المصالح العامة.[119]

أما عبد ‏الكريم العموري فيبين أن هناك جدلية لازالت ‏قائمة بين الانتماء التنظيمي أو الانتماء الوطني والسبب يعود لوجود أفراد وأشخاص يميزون ويفضلون الحزب على الوطن، وبالتالي يكون هدفهم الرئيسي بناء وحماية التنظيم وليس الوطن بالإضافة إلى تقديس القيادات الحزبية والسعي لتحقيق بعض المكاسب والمنافع الشخصية، وهم مستعدون لقبول أي شيء من أجل بقاء التنظيم.[120]

والقيادي بلال عثمان بلال يرى أن هناك تشوهات مركبة لدينا في الحالة الفلسطينية في مجالات الانتماء الحزبي والانتماء الوطني (ويتساءل إلى أي مدى تنسجم تنظيماتنا مع الحزبية)؟. الانتماء الحزبي (التنظيمي) مبني على أساس القرابة والعائلة وليس على أساس الفكر الأيديولوجي، بالإضافة إلى أن الحالة الفلسطينية الراهنة تعاني من (انفصام الشخصية) إن صح التعبير الذي أنتج في النهاية تركيبة عجيبة (سيادة وطنية) تحت الاحتلال، وعمم هذه الحالة على الضفة والقطاع معاً مع تفاوت في الأشكال فلا نحن مستقلين بامتياز ولا نحن تحت الاحتلال بامتياز مما استدعى ارتباكاً في مفهوم السيادة الوطنية تنسحب على فهم وتعريف الوطن، ويضيف أن الحالة الحزبية على تشوهاتها باتت أكثر وضوحاً من الوطن للأسف وهذا يفسر طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني.[121]

وفي نفس السياق يبين محمد الدحنون أن المصالح الذاتية الآنية لبعض مهندسي عقول الشباب ضمن خلفيات دينية أو ماركسية أو علمانية هي المحرك الأساسي لخلق تلك الجدلية حيث بات الحزب هو الوطن وأصبحت المصالح الحزبية تتعارض مع الوطنية وبات علم الحزب فوق علم الدولة ونشيد الحزب هو الأهم و زعيم الحزب هو الناطق بالحق وبذلك يتحول الوطن ومصالحه وسلامته إلى العدو أمام الحزب، ويضيف أن حالة الاغتراب التي يعيشها الفرد في وطنه هي استراتيجية تحررية شاملة وواضحة عززت من هذه الجدلية.[122]

أما زكريا زبيدي فيرى أن موضوع الوطنية في الأحزاب جوهر ثابت بل إنه أيديولوجيا الأحزاب وفي الحالة الفلسطينية فإن التنظيمات ارتكزت بشكل أو بآخرعلى المكنون الوطني ‏بصرف النظر عن خلفياتها الفكرية سواء كانت دينية أو علمانية‏ اشتراكية والأحزاب والتنظيمات كانت عنصرًا ‏حاسمًا في تشكيل الوطنية في ‏المجتمع الفلسطيني التي يتضمنها ‏الدور ‏الرئيسي لمفهوم النزاع والتنازع حول ‏القيم التي تبنى عليها الوطنية ‏‏وبين قيم حزبية مركبة من الأيدولوجيا والقيم الوطنية، ‏وهذا ‏النزاع استنزف جهدًا كبيرًا كان من المفترض أن يصب في المركز الأساسي وهو الخلاص من هذا الاحتلال.[123]

‏وفي السياق نفسه، يرى نادر صدقة في جدلية طغيان الانتماء ‏الحزبي على الانتماء الوطني تتمثل في العلاقة بين الإنتمائيين فأحدهما يهيئ المساحة للآخر في تغذية متبادلة بينهما، وما حالة تفوق الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني عند البعض سواء وبشكل مركب من هذه التربية فولاء المرء وتشدده ‏لحزبه يأتي من منطلقات وقناعات ذاتية لديه في أن خياراته البرمجية والفكرية والحزبية هي الأنسب لخدمة المصلحة الوطنية وهي قناعات ذاتية ‏للتأثير على العامل الموضوعي تنحني أحيانا كثيرة منحنى التطرف لشدة الرغبة في التأثير .[124]

‏من جهة يبين أمجد عبيدي أن الانتماء الحزبي يطغى على الانتماء الوطني بكل وضوح وبشكل فائق، فالانتماء الحزبي في الحالة الفلسطينية يشبه إلى حد قريب الانتماء القبلي فهو انتماء مقدم على كافة الانتماءات.[125]

أما وائل الجاغوب فيرى أن الجدلية في كون الانتماء الوطني يتجلى في الانتماء الحزبي، أن العلاقة بين الانتماء الوطني والانتماء الحزبي هي علاقة تكامل، والحزب برنامج وفعل سياسي يهدف إلى تأسيس نموذج نرى به الخيار الأمثل ومحاولة وضع تعارض ما بين الانتماءين ويشير إلى خلل في خضم فكرة الانتماء الحزبي وما تمثله من فعل وقيمة كعمل جماعي وهذا التعارض قد برز نتاج أسباب متعددة منها استهداف فكرة الانتماء الحزبي ومن ورائها القيمة الجماعية لتعزيز البعد الفرداني وهو ما يحتاج إلى تطوير. فالانتماء الحزبي ممارسة لدور انتماء وطني حر وما قد يبرز من آراء بإطار البنية التنظيمية واختلافها يمس جمهورياً الانتماء الوطني.[126]

فيما يرى قتيبة مسلم بأن الجدلية تكمن في كون الأحزاب لا زالت أسيرة نظريات جامدة وأفكار اجتهادية تلائم واقعًا آخر، وهذا كله على حساب الانتماء الوطني الناجز وتراجع الانتماء الوطني لصالح الانتماء الحزبي في الوقت الذي يجب أن تكون الأولوية فيه للهدف الوطني وهو تحرير الوطن من المحتل.[127]

مما سبق يلاحظ استيفاق الآراء حول طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني رغم تباين تفسيرات واختلاف المسببات لهذه الحالة، رغم أن البعض يرى أن الحزب أو التنظيم هو المسؤول عن الحالة كون الحزب فقد بوصلته وأهدافه التي تأسس لأجلها وتحول من وسيلة إلى هدف وبالتالي أصبحت مصالحه هي الغاية التي يعمل الأعضاء على تحقيقها بغض النظر عن توافقها أو تعارضها مع المصلحة العامة (مصلحة الوطن)، بالإضافة إلى أن البناء التنظيمي للأحزاب والفصائل الفلسطينية بات هشاً مما عقد أهم مبادئ الانتماء الحزبي أو التنظيمي وهو مبدأ الانتماء والالتزام الذي أصبح قائماً على صلة القرابة والعائلة، وهناك من يرى أن السلطة الحاكمة سواءً في الضفة أو غزة هي التي أدت إلى بروز ظاهرة طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني خاصة أن كل من السلطتين ينتمي إلى تنظيم معين ويسعى إلى تشديد حكم سلطاته كحزب مما خلق هذا التداخل بين الحزب والوطن.

وهناك من يرى أن الجدلية مقصودة باستهداف الانتماء الحزبي وهذا ما لاحظناه عند كوادر الجبهة الشعبية الذين رأوا أن الحزبية الشديدة تأتي من قناعات أن الحزب هو الأنسب لخدمة للوطن وهو أداة لتحقيق الانتماء الوطني وهذا الرأي أعادنا مرةً أخرى للمربع الأول، وعكس واقع الحال في الساحة الفلسطينية الذي تجاهله البعض وهو حصر النفس في دائرة الانتماء الحزبي على حساب الظاهرة الأوسع من وجهة نظرنا ونظر مجموع الأسرى -دائرة الانتماء الوطني وهذا يوحي لنا إلى ما يمكن أن نصفه بحالة اغتراب لدى المواطن في إحدى أشكاله وهو اللامسؤولية وعدم الانتماء والقلق والعبث والعجز والذاتية وعدم الثقة والتشاؤم والاستياء.

وتكمن الجدلية في أن مستوى الانتماء الوطني كشعور وسمة سامية فوق كل الانتماءات لدى الأسرى مستوى مرتفع[128]، مقارنة مع مستوى الانتماء الحزبي أو تنظيمي عندهم[129] وهذا أيضًا شكل من أشكال الاغتراب الذي يتمثل فيه التناقض ما بين الشعور والسلوك(الممارسة والعمل). الخاتمة:

شكل موضوع الانتماء الوطني والانتماء الحزبي والجدلية بينهما هاجساً لدى الأسرى الفلسطينيين على اختلاف تياراتهم الحزبية الوطنية التي مثلتها فتح، والإسلامية التي مثلتها حماس، واليسارية التي مثلتها الجبهة الشعبية.

وكانت النتيجة التي توصلنا إليها بعد استعراض ونقاش وتحليل هذا الموضوع ووجهات نظر كادر الأسرى أن هناك شبه اجماع على أن هناك طغيان للانتماء الحزبي على الانتماء الوطني في المجتمع الفلسطيني برغم اختلاف تفسيرات أسباب ذلك، وعلى اعتبار أن الانتماء الوطني أعم وأشمل وأسمى وأهم من الانتماء الحزبي الذي يعتبره الأسرى وسيلة لتحقيق هدف أسمى يتمثل في تعزيز الانتماء الوطني المتمثل في النضال الدؤوب لتحرير فلسطين.

وعلى الرغم من أن قلة قليلة من الأسرى رأت أن الانتماءين الحزبي والوطني متوازيان ولا تداخل بينهما، إلا أنه عندما تطرق كادر الأسرى إلى أهم المظاهر السلبية المؤثرة في الانتماء أشاروا إلى السلبيات المؤثرة على الانتماء الحزبي وتجاهلوا التطرق لأي من السلبيات المؤثرة على الانتماء الوطني في تعبير واضح إلى نوع من القدسية تم إضفاؤها على الانتماء الوطني فهو الأسمى والأهم كما قلنا سابقاً.

ولا نبالغ إذا قلنا بأن وجهة نظر الأسرى يمكن تعميمها على المجتمع الفلسطيني، فهناك حالة من الطغيان للانتماء الحزبي على الانتماء الوطني يؤكدها الانقسام بين فتح وحماس (بين الضفة وغزة) وغياب قصري للوحدة الوطنية في الساحة الفلسطينية.

تطرقنا سابقًا إلى أن الانتماء يمتمثل في دوائر من الأضيق إلى الأوسع، الدائرة الأضيق فيه هي الدائرة الذاتية والتي يكون فيها انتماء الفرد لذاته ومصالحه الشخصية متقدمة على غيره من الانتماءات في الدوائر الأوسع ما يعني أن يبقى مجال الفكر والعمل والعطاء محصوراً في مجال هذه الدائرة الضيقة.

وكلما اتسعت الدائرة بالانتقال من الدائرة الأضيق إلى الدائرة الأوسع فإن مجال الفكر والعمل والعطاء وبالتالي مجال التضحية يصبح أكبر وأوسع، فمعطيات الدراسة تبين أن دائرة الانتماء عند الغالبية العظمى لا تتجاوز دائرة الانتماء الحزبي للفرد ولذلك فإن مجال فكره وعمله وعطائه وحتى تضحياته وزاوية رؤيته وتقديره للأمور بقيت محصورة في هذه الدائرة، مما يفسر طغيان الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني الذي يمثل الدائرة الأوسع ويؤكد فرضياتنا بأننا اليوم بحاجة إلى أن نجعل دائرة الانتماء الحزبي في الدائرة الأوسع وهي دائرة الانتماء الوطني الذي يعني توسيع مجالات الفكر والعمل والعطاء والتضحية كما قلنا ويوسع أيضا مجال قدرتنا على إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنجاز التحرير من الاحتلال وإنجاز الدولة.

ولكن يبقى السؤال كيف يمكننا تحقيق ذلك؟ وهو السؤال الذي يحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث ويضاعف المسؤولية على قادة التنظيمات الفلسطينية تجاه الشعب الفلسطيني وحريته؟

[1] محمد يدك واخرون، الانتماء الوطني ازمة واغتراب (مستوى الانتماء الوطني عند الاسرى الفلسطينيون في سجن جلبوع) دراسة جامعية، 2020، ص19.

[2] راتب حريبات واخرون، الانتماء ما بين الصعود والهبوط (مستوى الانتماء التنظيمي عند الاسرى الفلسطينيون في سجن جلبوع) دراسة جامعية، 2019، ص15.

[3] لسان العرب، لابن منظور، الجزءالسادس، دار الجيل، دار لسان العرب، 1988.

[4] اتصال هاتفي مع الخارج من الانترنت من موقع موضوع,,2020/4/14معنى الانتماء https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%A1

[5] المصدر السابق

[6] بكر ابو بكر، الهوية الوطنية من التطور الى التمكين (كتاب قيد النشر، 2019)، ص16

[7] سلمان العودة، اسئلة العنف (بيروت :جسور للترجمة والنشر، 2015),ط2، صص 252- 253.

[8] حمزة ذيب وآخرون، كتاب التربية الاسلامية للصف الثاني ثانوي(فلسطين :وزارة التربية والتعليم العالي )، 2012، ص63.

[9] رنا سلعوس، (مستوى الولاء المهني عند المشرفين الأكاديميين في جامعة القدس المفتوحة )المجلة الفلسطينية للتربية المفتوحة عن بعد، المجلد الاول، العدد الثاني(2008)، صص 90-86.

[10] انس شكشك، الهندسة النفسية، (رام الله فلسطين :دار الشروق، 2012)، صص111-113.

[11] راتب حريبات وآخرون، الانتماء ما بين الصعود والهبوط,دراسة جامعية، سجن جلبوع، 2019، ص19.

[12] ياسر ابو بكر، (ملخص كتاب مبادئ علم الاجتماع بجامعة القدس المفتوحة) تلخيص غير منشور، سجن بئر السبع، 2016)، صص16-18.

[13] بكر ابو بكر، البرنامج التعبوي، الثقافة الوطنية للاعضاء، (حركة فتح، مكتب التعبئة والتنظيم، فلسطين) لجنة اعداد الكادر، ط1، 2017، ص34.

[14] بكر ابو بكر، الهوية الوطنية ، مصدر سابق، ص16.

[15] ابراهيم عيسى عثمان، الفكر الاجتماعي، (رام الله فلسطين، دار الشروق،ط1، 2009)، ص202.

[16] بكر ابو بكر، الهوية الوطنية، مصدر سابق، ص16.

[17] هشام شرابي، النظام الابوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، ( 1993(، ص64.

[18] راتب حريبات وآخرون، مصدر سابق، ص23

[19] المصدر سابق، ص10

[20] المصدر سابق، ص22

[21] ياسر ابو بكر، قيادي في حركة فتح واسير منذ سنة 2002، مقابلة في سجن جلبوع بتاريخ 1/4/2020.

[22] نها بكر، مقال بعنوان الهوية المصرية بين الزخم والتآكل، مجلة تسامح، العدد السادس والخمسون، أذار 2017، ص39.

[23] شريف كناعنة، التراث والهوية، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، البيرة فلسطين، ط1، 2017، ص118

[24] اسامه مجاهد، مفهوم الهويه في خطاب الفصائل الفلسطينيه، مجله صامد، الجزء الخامس، العدد 142، 2005، صص33-32.

[25] بكر أبو بكر، الهوية الوطنية من التطور الى التمكين،  مصدر سابق، ص8.

[26] عزيز شموط، سيكولوجية الهوية، مجله رؤى، العدد 27، 2008، ص75.

[27] بكر ابو بكر، مصدر سابق، صص9-13.

[28] شريف كناعنة، التراث والهوية، مصدر سابق، ص120

[29] بكر ابو بكر، مصدر سابق، ص11.

[30] بكر ابو بكر، مصدر سابق، ص11.

[31]شريف كناعنة،  مصدر سابق، ص 270.

[32] بكر ابو بكر،الهوية الوطنية مصدر سابق، ص10

[33]المصدر السابق، ص11.

[34] فيصل دراج حول الهوية الوطنيه، ص35.

[35] شريف كناعنة، مصدر سابق، صص274-278.

[36]  بكر ابو بكر، الهوية الوطنيه، صص17-13.

[37] بكر ابو بكر، مصدر سابق، ص39.

[38] شريف كناعنة، مصدر سابق، ص125.

[39] بكر ابو بكر، الهوية الوطنية، مصدر سابق، صص 20-19.

[40] شريف كناعنة، مصدر سابق، صص272-271-

[41] عماد موسى، (نحو انتاج مشروع ثقافي وطني فلسطيني )مجلة تسامح عدد 56، أذار2017، ص252.

[42] المصدر السابق، ص 252.

[43] المصدر السابق، 152

[44] عبد الرحمن منيف، بين الثقافة والسياسة المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص69.

[45]محمود معياري الثقافة السياسية في فلسطين، دراسة ميدانية، معهد ابراهيم ابولغد للدراسات الدولية، جامعة بيرزيت، رام الله، ط1، 2003، ص13.

[46] المصدر السابق، ص14.

[47] المصدر السابق،  ص23، انظر: برهان غليون الديمقراطية العربية مواطن رام الله، 1993، ص137.

[48] المصدر السابق،  23، ونظر أيضًا:  محمد الازهر النظام السياسي والتحول مواطن رام الله: 1993، ص45.

[49] شريف كناعنة، مصدر سابق، ص120

[50] عبد الرحمن منيف، مصدر سابق، 32

[51] المصدر السابق، ص22

[52] محمود معياري، مصدر سابق، ص19

[53] امين معلوف، الهويات القاتلة، ترجمة نهلة بيضون، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2004، ص 176

[54] المصدر السابق، ص177

[55] شريف كناعنة، مصدر سابق، ص 131

[56] عبد الرحمن منيف، مصدر سابق، صص40-38

[57] شريف كناعنة، مصدر سابق، ص31

[58] عبد الرحمن منيف، مصدر سابق، ص23

[59] عماد موسى، نحو انتاج مشروع وطني، مصدر سابق، ص120

[60] عماد موسى، نحو انتاج مشروع وطني، مصدر سابق، ص153

[61]  اوسلو: المقصود فيها اتفاق مبادئ السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين والذي وقع في 1993/9/13واقترح على تسميه اتفاق اوسلو لان المفاوضات في هذه المدينه(( اوسلو))

[62] عماد موسى، نحو انتاج مشروع وطني، مصدر سابق، صص153,154

[63] المصدر سابق، ص159

[64] ياسر ابو بكر، ( مخاطر الحرب النفسية الإسرائيلية على الأمن الحزبي الفلسطيني )، رسالة ماجستير جامعة النجاح الوطنية، 2014، ص47

[65] المصدر سابق، صص81-78

[66] شريف كناعنة، مصدر سابق، صص98-96

[67] المصدر السابق، صص 137-134

[68] بكر ابو بكر، مصدر سابق، صص 33-23

[69] شريف كناعنة، مصدر سابق، ص137

[70] عبد الستار قاسم، الموجز في القضية الفلسطينية، ط1، 2002، صص71-72

[71] عبد الستار قاسم، الموجز، مصدر سابق، ص134

[72] امجد عبيدي، كادر تنظيمي في حركة حماس اسير منذ سنة 2002 محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال.

[73] قتيبة مسلم، كادر تنظيمي في حركه فتح اسير منذ سنة 2001 محكوم 35 عام بتهمة مقاومة الاحتلال.

[74] رائد عبد الجليل، كادر تنظيمي في حركه فتح اسير منذ سنة 2002محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومه الاحتلال.

[75] عثمان بلال، كادر تنظيمي في حركه حماس اسير منذ سنة 1998 محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال.

[76] محمد الدحنون، كادر تنظيمي في حركه فتح اسير منذ سنة 2004 محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومه الاحتلال.

[77]  زكريا زبيدي، عضو من المجلس الثوري لحركة فتح اسير منذ سنة 2019 بتهمة مقاومة الاحتلال.

[78] حمزة الكالوتي،  كادر تنظيمي في حركة حماس معتقل منذ سنة 2001محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال.

[79] عبد الكريم العموري، كادر تنظيمي في حركة فتح معتقل منذ سنة2002 محكوم 19 عام بتهمة مقاومة الاحتلال

[80] راتب حريبات،  كادر تنظيمي في حركة فتح معتقل منذ سنة 2002 محكوم 22 عام بتهمة مقاومة الاحتلال

[81]   نادر صدقة، كادر تنظيمي في الجبهة الشعبية معتقل منذ سنة 2002محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال.

[82]  ياسر ابو بكر، كادر تنظيمي في حركة فتح معتقل منذ سنة 2002محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال

[83] زياد حنني، كادر تنظيمي في حركة فتح معتقل منذ سنة 2002 محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال

[84] وائل الجاغوب، كادر تنظيمي في الجبهة الشعبية معتقل منذ سنة 2001 محكوم مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال

[85] ياسر ابو بكر، مصدر سابق.

[86] عثمان بلال، مصدر سابق

[87] محمد الدحنون، مصدر سابق.

[88] وائل الجاغوب، مصدر سابق.

[89] امجد العبيدي، مصدرسابق.

[90] زياد حنني، مصدرسابق.

[91] قتيبة مسلم، مصدر سابق.

[92] رائد عبد الجليل، مصدر سابق.

[93] عبد الكريم العموري، مصدر سابق.

[94] نادر صدقة، مصدر سابق.

[95] راتب حريبات، مصدر سابق.

[96] قول لويس الرابع عشر، (انا الدولة الدولة انا)

[97] بلال عثمان، مصدرسابق

[98] حمزه الكالوتي، مصدرسابق

[99] زياد حنني، مصدرسابق

[100] امين كميل، مصدرسابق

[101] رائد عبد الجليل، مصدر سابق.

[102] امجد عبيدي,، مصدر سابق.

[103] المصدر السابق.

[104] نادر صدقه، مصدر سابق.

[105] محمد دحنون، مصدرسابق.

[106]عبد الكريم العموري، مصدر سابق.

[107] وائل الجاغوب، مصدر سابق.

[108] راتب حريبات، مصدر سابق.

[109] قتيبة مسلم، مصدر سابق.

[110] حمزة الكالوتي، مصدر سابق.

[111] امين كميل، مصدر سابق.

[112] امجد عبيدي، مصدر سابق.

[113] زياد حنني، مصدر سابق.

[114] رائد عبد الجليل، مصدر سابق .

[115] راتب حريبات، مصدر سابق

[116] وائل الجاغوب، مصدر ساق.

[117] قتيبة مسلم، مصدر سابق.

[118] نادر صدقة، مصدر سابق.

[119] امين كميل، مصدر سابق.

[120] عبد الكريم العموري، مصدر سابق.

[121] عثمان بلال، مصدر سابق.

[122] محمد الدحنون، مصدر سابق.

[123] زكريا زبيدي، مصدر سابق.

[124] نادر صدقة، مصدر سابق.

[125] امجد عبيدي، مصدر سابق.

[126] وائل الجاغوب، مصدرسابق.

[127] قتيبة مسلم، مصدر سابق .

[128] انظر محمد يدك واخرون، في الانتماء الوطني ازمة واغتراب دراسة جامعية مستوى الانتماء الوطني عند الاسرى الفلسطينيين في سجن جلبوع، سجن جلبوع،  فلسطين، 2020، ص75.

[129] انظر راتب حريبات واخرون، الانتماء ما بين الصعود والهبوط دراسة جامعية بعنوان مستوى الانتماء التنظيمي عند اسرى الفلسطينيين في سجن جلبوع، سجن جلبوع، فلسطين، 2019، ص37.

نبذة مختصرة: أ ياسر أبوبكر، وأ محمد يدك، وأ راتب حريبات، أسرى فلسطينينون منذ ما يقارب عقدين من الزمن، محكوم عليهم مدى الحياة “مؤبد”، تعرضوا للعديد من محاولات الاغتيال، لهم العديد من الدراسات المنشورة، حاصلين على درجة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس، ومن قادة الحركة الأسيرة ومسؤولي حركة فتح في السجون الإسرائيلية.

5/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى