الدراسات البحثيةالمتخصصة

 الاتجاه الشعبي اليمني نحو تصورات في حلّ الازمة وعملية الاستقرار : استطلاع وتحليل

اعداد : علي حسن شعثان – باحث وكاتب ـ رئيس منتدى العُلا للدراسات –  اليمن

  • المركز الديمقراطي العربي

 

ملخّص الدراسة:

تقف هذه الورقة تحليلياً على نتائج استطلاعية اُجريت محلياً، لغرض استيضاح رأي الشعب اليمني عن قرب لا النخبة القيادية، وذلك حول واقع الصراع الدائر، وكذا التعرّف على أيّن من التصورات المقترحة له من الصدارة النسبية ما يعلّله، وعلى الرّغم من تعدّد الجهود المحلية والمساع الاقليمية والدولية في شأن التوفيق فيما بين الاطراف المتصارعة، فأن كل تلك الخطوات لم تثمر على أرض الواقع في إيقاف الصراع ولو حتى زمنياً، بقد ما يتم تناولها إعلامياً وخصوصاً تلك المساع الدولية، لسبب جوهري يتمثل في متغيرات حقبة القرن الواحد والعشرين كمرحلة جديدة، برزت على صورة التنافس فيما بين الثنائية القطبية والهيمنة الاحادية، ولها من المآلات الاقليمية ما يبرهن واقعها عن طريق الاحداث .

ومع هذا فمن الإجحاف انّ تهندس قوى المؤثرات الخارجية من خلال مبادراتها المقدّمة لما يوافق فيما بين الاطراف المتصارعة ويوقف الصراع اليمني، دون إستشافة ما ترغبه القاعدة الشعبية من حلول قبل القيادة المتصارعة، فتغييب الآراء الشعبية حال عملية التوافق له من الأثرّ ما يترتّب في عدم الاستقرار الدائم وتحقيق التنمية، بحيث يتعيّن أنّ يُتعامل مع ما استنتجته هذه الورقة من تحليلٌ وخلاصة، بنوعً من الإثراء البحثي وتقديم المزيد من المقترحات الفردية او الجماعية والهادفة الى رئب الصدع وإصلاح الشأن الداخلي في إعادة هيبة الدولة، ورعاية الحقوق العامة للبلد فيما بين الحاكم والمحكوم من محاولة رفع مستوعى الوعي السياسي والاجتماعي .

مقدمة:

افرزت الاعتصامات في الجمهورية اليمنية عام 2011 لاعبين جدد (الشباب، النساء، الحوثيين، السلفيين، الحراك الجنوبي السلمي) لم يسبق ان خاضوا معترك الحياة السياسية من قبل، ولم يشاركوا ضمن الحوارات الوطنية السابقة بصورة مستقلّة عن أي تنظيم سياسي، ومن توازن الحشد والتأليب فيما بين الموالاة والمعارضة اُسفر عن التوقيع في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية، اقرّت من ضمن بنودها بإجراء انتخاباتٌ رئاسية مبكرة وحوار وطني شامل لمناقشة جملة من القضايا العالقة وهندسة مسار بناء الحكم السياسي بصورة مشتركة من قبل جميع الاطياف السياسية والشرائح الاجتماعية بالإضافة الى مكوّني الشباب والمرءة، وقد شخّصت تلك القضايا إجمالاً في تسعة من المحاور الاساسية وعلى تسع فرق عمل وزّعت بين مجموع الاعضاء البالغ عددهم 565 عضواً، وبعد الجلسة الختامية للمؤتمر في 25 كانون الثاني/ يناير 2014 وصدور “وثيقة الحوار الوطني الشامل” كمخرجات اولية يُستقى منها مواد الدستور الجديد للبلد، تساءل أغلب اليمنيين عن مدى الإمكانية في تنفيذ تلك المخرجات وما الضمانات الممكنة في تحقيقها، وفعلاً لم يستتب الوضع السياسي للمهام التنفيذية من معضلات داخلية، بحيث تفاقمت الاحداث المسلحة فيما بين “الحوثيين” المتخذين لحركتهم مسمّى أنصار الله، وبين طلاب الجماعة السلفية المعروف مقرّهم بمركز دار الحديث في مديرية دماج محافظة صعدة  (معقل الحوثيين)، خلصت هناك بنقل طلاب المركز من محافظة صعدة الى محافظة الحديدة عن طريق وساطة اميركية (1)، ثم أنّ التفاقم لم يخمد بالمرّة ليمتدّ شرره الى مناوشة قبليّة مع اولاد الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر في محافظة عمران ومن ثم الى تماحك مسلّح مع الفرقة الاولى مدرّع بقيادة اللواء على محسن الاحمر على مشارف امانة العاصمة صنعاء والمحسوب سياسياً على تجمّع حزب الإصلاح، افضى ذلك الى السيطرة على العاصمة من قبل الحوثيين يوم .

1ـ للمزيد ينظر: علي شعثان، المؤثرات الخارجية في المماحكات اليمنية، سياسات عربية العدد12 كانون الثاني/يناير2015،صـ110

21أيلول/ سبتمبر2014، وحسب المحلّلين ذلك كتهيئة إشراك لدور المؤثّر الإيراني جنباً الى دور المؤثّر السعودي، بحيث تمّ على الفور تقديم ثمان وعشرون رحلة اسبوعياً بين اليمن وإيران ـ لم يكن هناك أي رحلات بين البلدين ـ، أحتمل الكثير من السياسيين والعامة انها كانت تحمل أسلحة او مستشارين وخبراء عسكريين .

ومع كل ذلك تم في مساء السيطرة اجتماع “الحوثيين” وإخوان اليمن(الإصلاحيين) كفرقاء سياسيين، بالإضافة الى قاده بعض الاحزاب السياسية الفعّالة، بمنزل الرئيس عبدربه منصور هادي وبحضور المبعوث الاممي في حينه الى اليمن (جمال بن عمر، مغربي الجنسية) لتبديد الخلاف ومعالجة الامور حيث تم التوقيع على اتفاقٌ بمسمى السلم والشراكة الوطنية (2)، لتبارك دول مجلس التعاون الخليجي ذلك الاتفاق كإقرارً بالأمر الواقع، غير أنّ زمن المباركة لم يطول بالتراجع الذي أبداه وزير الخارجية السعودي في تصريحاته، وكذا البيان الذي اصدره وزراء مجلس التعاون الخليجي عقب اجتماعهم في جدة، والرافض في مضمونه لما جرى في اليمن، من تعليل (بحسب وصفه) أنّ أمن اليمن من أمن الخليج (3) .

ورغم توقيع فرقاء العمل السياسي في اليمن على وثيقةٌ للسلم والشراكة فأنّ الحال السياسي لم يستتب ولم تتوقف المماحكات بحيث ظلت الازمة تتصاعد على مسلسل متسارع ومسالك غير متوقّعة الى ان أُدخلت البلاد الى مربّع الاحتدام العسكري على صورةٌ مذهبية وواقع تشطيري (يحذّر اغلب اليمنيين من مغبّة قد تهندسها القوى الخارجية لمبتغى فكّ الارتباط) من تشكيل حكومتين لم يُعترف دولياً بالأخرى عن الأولى، بحيث انتاب المملكة العربية السعودية كدولة مجاورة لليمن، القلق الشديد من خشية ما قد تحدثه المترتبات التابعة لقيام الحوثيين بالتوسّع العسكري في البلد على حساب هيبة الدولة، وانشأت للمساندة التي  طلبها الرئيس هادي تحالفٌ عسكري بقيادتها يضم لسبب التفريخ المتعمّد من قبل القوى المهيمنة على توجهات المنطقة بعضً من الدول العربية والاسلامية، ليجابه الحوثيين والرئيس الاسبق “صالح”، حيث تحالف الاخير مع الحوثيين بعد إعلان عاصفة الحزم ودخول علاقته مع السعودية مرحلة من الفتور والشك، في حين أن إيران كدولة خارجية تساند طرف الحوثيين وتطمح الى مدّ النفوذ في

2ـ محمد جميح، المشهد اليمني بعد سقوط صنعاء، سياسات عربية العدد11 تشرين الثاني/ نوفمبر2014

3ـ المرجع السابق

المنطقة، نشّطت دبلوماسيتها من حسابات المكسب والخسارة على مستوى الدور الاقليمي، ووجّهت برسائلها في إيقاف الحرب بحيث لم تعمل على أرض الواقع شيئاً كما ولم تظهر ردّة فعل إيجابي (4) .

وحول الخطوط العريضة لمستقبل الشرق الاوسط سارعت الامم المتحدة الى بذل المساع في سبيل إيقاف الحرب وانهاء الازمة، غير أنّ تلك المسارعة لم توفّق في مهامها بإشارة الى أنّ ما تختلف حوله الاطراف اليمنية في عملية التصالح يوحي الى فاعلية المؤثر الخارجي ومدى الرضوخ اليمني للمقترحات المعروضة (5) .

اهداف الدراسة:

ثمّة اهداف للدراسة نلخص مُجملها في:

  • دراسة منحى النسبة السكانية ذات التنوّع المذهبي والتعدّد السياسي نحو مبتغى التوافق ورئب الصدع
  • تعليل الاسباب والعوائق التي تقف حائلاً دون تحقيق مصالحة وطنية بين المكونات السياسية
  • التعرّف على مدى قدرة البلد في تجاوز المعضلات الداخلية والمؤثرات الخارجية، مع تقديم المقترحات والتوصيات المتصلة

اهمية الدراسة:

من حيث أهمية الوضع القائم وتحالفه الخارجي بالنسبة للأزمة اليمنية، تكمن أهمية هذه الدراسة في العديد من النقاط منها:

  • تعتبر قراءة تحليلية في مدى حلّ الازمة وعملياتها الممكنة، من تناول التصوّرات المقترحة محلّياً في إطار الجهود الوطنية
  • خيوط التعايش وضرورة المصالح البشرية هي من تربط النسيج الاجتماعي على مستوى الاقليم الواحد ذو التنوّع الايدلوجي والتعدّد السياسي، غير انها تتآكل بفعل المماحكات السياسية، لذا فأن دراسة الدوافع واسبابها تُعد من المتداركات الحتمية في المحافظة على الوحدة الاجتماعية
  • يُستشف من هذه الدراسة اهم محددات الخيار الشعبي نحو التوافق السياسي من مبدأ إيقاف الحرب وحل الازمة

4ـ ينظر: محمد الحوثي، مسار المواقف الإقليمية والدولية من العدوان على اليمن، مقاربات سياسية العدد الأول (يوليوـ ديسمبر 2016) مركز الدراسات الاستراتيجية والاستراتيجية اليمني، صنعاء، صـ 99

5ـ محمد جميح، المشهد اليمني …..، سياسات عربية، مرجع سابق

مشكلة الدراسة:

حُدّدت مشاكل هذه الدراسة في: أثر تغييب الآراء الشعبية حال سبيل حلّ الازمات الداخلية أثناء الجهود الوطنية او المساع الدولية، وما يترتب على إنهاء الصراع الداخلي من مساع دولية دون قياس نسبة الإرادة الشعبية تجاه مضمون المبادرة، وهذا ما تحاوله الدراسة من توضيح وعرض سؤالين :

  • هل للآراء الشعبية وشراكتها المجتمعية في الوطن العربي عموماً واليمن على وجه الخصوص، من إفساح وتقبّل حال جهود المصالحة الوطنية (أنّى ذلك!) فيما بين الاطراف المتناكفه سياسياً قبل المتصارعة عسكرياً ؟
  • هل فعلاً أنّ مماحكات الداخل هي ثغرة تتنافس قوى النفوذ الخارجي من خلالها على تحقيق مخططاتها المرسومة ؟

منهجية الدراسة:

خطّت هذه الدراسة على ثلاثة مناهج بحثية للتوضيح:

  • المنهج التحليلي/ ويقضي بإخضاع نتائج الاستطلاع للعملية التحليلية وعدم الاكتفاء بما يشير الى الضاهر العام لحصيلة الاتجاهات
  • المنهج الوصفي/ لطبيعة البنية السكانية من حيث الشرائح الاجتماعية ومشاربها الفكرية، وكذا الفئات المستهدفة
  • المنهج التاريخي/ وقد اُستخدم للتوضيح او كإشارة تدوينيه للأحداث الدائرة منذ العام 2011

اولاً: لماذا الاستطلاع؟

في سبيل حلّ الازمة اليمنية وإيقاف الحرب الدائرة تعددت ولا زالت على افتقاد للعملية التكاملية كلاً من الجهود الوطنية والمساع الاقليمية والدولية، غير أنّ هذا التعدّد لم يُفلح في مهامه ولم يتمكّن حتى من إخضاع الاطراف المتصارعة الى هدنة طويلة الامد، لسبب أدلجة الخلاف القائم مذهبياُ على شراكة خارجية تتمثّل في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية “سنّه”، والوقوف الحذر الذي تبدية إيران “شيعه” الى جانب الحوثيين كاهتمام متجانس (6)، ما يُحسب عربياً من الوقوف الإيراني أنّ في تمكّن “الحوثيين” من الاستحواذ على مقاليد الامور السياسية، إلهاماً للمجموعات الشيعية في المنطقة وبالذات اللذين على الارض السعودية (من حيث الجوار) صوب التململ، وأنّ تم الاستحواذ فيعني استكمال إيران من السيطرة على ثلاث مخانق مائية تتحكم في تجارة النفط (باب المندب، مضيق هرمز، قناة السويس) .

كما أنّ هناك من يُتكهّن بأن إيران تقف مع الحوثيين في البلد المجاور للسعودية (اليمن)، ناتج من ردّة فعل المساندة السعودية للمعارضة في سوريا، وهذا ليس بالمقنع، فإيران طموحة الى مد النفوذ ودعم الاطراف المئدلجة على أفكارها في المنطقة العربية كفرصةٌ تتساير والمآلات الاقليمية جرّاء المتغيرات الدولية الراهنة: فمنذ انتخاب الإيرانيين لحسن روحاني رئيساً في حزيران/ يونيو من العام 2013، استطاعت إيران ومن خلال ديبلوماسيتها الخارجية ان تمرر علاقاتها مع الأمريكان من حالة التعقيد الى حالة التقارب وإذابة الجليد، بمفصح انه لا عداء في السياسة دائم ولا صداقة وانما المصالح هي المحك، فتم نقل إدارة الملف النووي الإيراني من اجتماعات مجلس الامن القومي الامريكي الى اختصاص وزارة الخارجية، معلّلين انّ في سياسة الامريكان نهج الانكفاء وتقاسم المصالح وفق نظرية حل المشاكل الدولية دبلوماسياً وعدم التورط في منازعات خارجية لم تكن مهددةٌ للمصالح الاميركية بطريقة مباشرة (7) .

ومن هذا فأنها ـ أي الازمة اليمنية ـ شيّقة المهام من حيث سبل التصالح الوطني ومدى الوصول الى حلً سريع دون ان تهندس قوى النفوذ لمصالحها، ما يستلزم للتدارك ولو جزئياً إستشافة آراء القاعدة الجماهيرية كاستفتاء شعبي ودراستها بخصوص أيّن من التصورات المقترحة قد تساعد على ايقاف الحرب وتأسس لمرحلة انتقالية، كي تتبلور وغيرها من الدراسات والابحاث على شكل مسودّة اولية يستقى منها ما يتكامل وكلاً من الجهود المحلية والمساع الإقليمية والدولية .

6ـ بحسب مصادر الأعلام الرسمي لحكومة الوفاق التي شُكّلت عقب أزمة 2011 برئاسة محمد سالم باسندوة، اُعلن عن تمكّن الاجهزة الامنية من إلقاء القبض عن السفينة الإيرانية جيهان1قبالة السواحل اليمنية، محمّلة بالعتاد العسكري للحوثيين

7ـ ينظر، التقارب الأميركي الإيراني: أسبابه وفرص نجاحه، سياسات عربية العدد5 تشرين الثاني/ نوفمبر2013، صـ25

ولهذا فقد أنجز منتدى العُلا للدراسات، خلال الفترة 7/9/2016 وحتى 3/11/2016، استطلاعٌ للرأي العام الشعبي في اليمن، مقتصراً حال النزول الميداني لسبب الصراع المحتدم والنفقات المالية، على بعضً من المحافظات الشمالية (امانة العاصمة والمحافظة صنعاء، عمران، حجة، ذمار)، ومستهدفٌ لشرائح متعددة من حيث التنوع المذهبي والتعدد السياسي، تماشياً وواقع الميول الجماهيري نحو العلاقات الدولية ونزاعها القطبي فيما بين الروس (من الشرق) والأمريكان (من الغرب)، والتي يمحورّ تكتلها في المنطقة العربية فاعليّن رئيسيين (إيران، السعودية)، بحيث اُخذ في الاعتبار بمستوى الريف والحضرّ وعيناته الفئوية، ليشمل الطلاب والمثقفين وأصحاب المهن المختلفة من كلا الجنسين، كما احتوى مضمون النتيجة العامة على آراءٌ لعيّناتٌ من أهالي منطقة تعز كمحافظة مشتعلة الحرب(8) وبعضً من المحافظات الجنوبية حال تواجدهم أثناء النزول الميداني في المناطق المشمولة بالاستطلاع وخصوصاً أمانة العاصمة اليمنية صنعاء .

وقد بلغ حجم العينة المستجيبة اجمالاً 870 شخص، بنسبة تجاوب 85%، جرّاء الاحترازات المُبدية من قبل بعض المستجيبين، والموحية الى ظروف الهاجس الامني من فقدان الثقة بين البائن والمستبين في مثل حالات الحرب الداخلية المرتكزة على خلاف مُأدلج (9)، كما ان للامية وخصوصاً الاستيعابية منها ما يعيق جهود العملية الاستبيانيه، بإشارة الى أنّ بنية النظام السياسي في الجمهورية اليمنية هشّ واجه ولا يزال يواجه في طريق العبور الى تشكيل الدولة الخاضعة لأحكام الدستور والقانون العديد من التحديات والاعباء، لعل أهمّها يتمثّل في تحديات الحق السلطوي من ناحية الإمامة وأدبيتها المغلّفة بالخطاب الديني بالإضافة عبئ

8ـ تعتبر محافظة تعز أولى المحافظات اليمنية الآهلة بالسكان والكادر الوظيفي، ولأبنائها التواجد الكبير في أغلب المرافق الحكومية وفي جميع المحافظات، غير أنّ من ظروف الحرب واحتدامها على ساحة المحافظة لم يُتمكّن من إجراء عملية الاستطلاع هناك

9ـ على تعاون مشترك مع أحد المراكز ذات العلاقة بأمانة العاصمة صنعاء اُستطلعت مجموعة من العينات على تباطء يفصح عن ذلك الاحتراز

النفوذ القبلي من ناحية الوساطة ونفوذها المشيخي، ناهيك عن تعرّض البلد لمؤثرات النفوذ الخارجي بانتهاز البنية المتنوعة مذهبياً والمتعددة سياسياً طمعً في جغرافيته وموقعه المتميّزين، والذي في مثل هذه البنية الاجتماعية والسياسية أنّ تفشّها اللاوعي وتقهقرت سبله الداعمة تتخذها قوى النفوذ الخارجي من العوامل الداخلية المساعدة في تحقيق المخططات، وكل ما قيل او يُقال عن اليمنيين لا يفنّد انهم طامحون الى بناء الدولة المدنية الحديثة (10)، كما لا يفنّد انهم ومنذ القدم رضخوا الى شكل الدولة بالمعنى الذي اوجد الحضارات المخلّدة لذلك الرضوخ (معين، حمير، سبأ، قتبان، اوسان) من مسلك العدالة والسلم الاجتماعي آنذاك .

ثانياً: مضمون الاستطلاع ونتائجه 

رُسمت ورقة الاستطلاع بمضمون خمس عشر تصوّر من عباراتٌ بعيدة كل البعد عن ثقافة الغالب والمغلوب، موزّعةٌ على عدّة مجالات من حيث التصورات المقترحة، ووضع امامها لما يوافق رأي المستجيب وقناعته الذاتية اربعة من الخيارات (أوافق، أعارض، لا أعرف/ رفض،  تصوّر الآخر)، مُستخدماً حال التفريغ والتحليل معيار القياس النسبي على خيار الموافقة فقط، آخذاً فريق المسح الميداني عند الإجراء الاستبياني بطريقة المقابلات الوجاهيّة للأفراد من خلال التجمعات (مقايل القات المشهور بها اليمن) وداخل الاماكن التعلمية (مراكز وجامعات)، بواقع مئة وثلاثة من اللقاءات والرصد الاستجوابي .

وبناءً على كل ما تلقّاه فريق المسح من ردود تعليلية، كالتي اوردها من عارض تصور اختيار مرجعية دينية والاخذ بتوصياتها اولاً بأول من قول ان الخلاف الحاصل يعود في الاصل الى هفوات هذه الشريحة حالما تفتي في السياسة من مبدأ فقهيّ (11)،

10ـ للاستزادة ينظر: حمود العودي، المشهد الوطني في اليمن، خلفياته، مستجداته، أبعاده المستقبلية (مركز “دال” للدراسات والانشطة الثقافية والاجتماعية، صنعاء، اكتوبر2014)

11ـ في 2007 نفّذ منتدى العُلا للدراسات، استطلاعً للرأي اليمني حول توقعات العامل الرئيسي في لمّ شمل الأمة، النتيجة حمّلت علماء الدين والمفكرين المسؤولية، ينظر صحيفة الاضواء “اليمنية” العدد 142 الصادرة في 31/3/ 2007

(يُستفتى فقهاء الشريعة حول المسائل الدينية لا حول المصائر السياسية)، تتبدّى الاسباب التي دفعت بالمستجوب الى التأشير على خيارً دون آخر، بحيث أظهرت النتيجة العامة للاستبيان أنّ مدى التقارب النسبي فيما بين المناطق المشمولة بالاستطلاع يفصح عن رغبة الجماهير اليمنية نحو السلام العادل من مبدأ الاستقلال الذاتي، (يدلّل هذا على ان الحرب فرضتها مآلات المتغيرات الدولية في الوقت الراهن)، وبالنظر الى الجدول والشكل المرفقين تتّضح الصدارة في إيقاف الحرب وتهدئة الاوضاع على مبدأ التشاور الداخلي (بأشراف منظمة التعاون الاسلامي)، كاتجاهً عام يرفض المقترحات الخارجية، وقد جاء في مضمون النتيجة أنّ دفة الادارة الحكومية في ضرف ما يعقب حل الازمة وانهاء الاقتتال الداخلي، تتمثل في  تشكيل حكومة كفاءات وطنية انتقالياً، لا شراكة سياسية تحاصصها الاطراف المتصارعة، وقد شدّد الكثير من حيث التعليل على تعيين مجلس رئاسي وليس رئيس ونائب فقط، ومن ثم يُهيئ لانتخابات نيابية تُستهلّ في بداية جلسات المجلس المُنتخب تعدّل بعض مخرجات الحوار الوطني المختلف حولها فيما بين الاطراف المتصارعة، بحيث يقود ذلك التعديل الى صياغة دستورً جديد للبلاد، يعقبها استفتاءً شعبي ليُشرع في مزاولة الحياة السياسية من ضوء ما اُقرّ في الدستور .

الجدول (1): مضمون ورقة الاستطلاع ونتائجه:

  • ضع خيار فقط لكل تصور من التصورات المرسومة بما يوافق رأيك في جهود حل الازمة وعملية الاستقرار، من حيث الاهمية واسبقية الإجراء
التـــــــــــصـورات الاسـتـبـيـــانـيه اوافق اعارض لا اعرف/رفض تصوّر آخر
إيقاف الحرب وتهدئة الاوضاع مع التشاور في الداخل 75% 10% 7% 8%
تشكيل حكومة كفاءات وطنية انتقالياً 74% 11% 8% 7%
إجراء انتخابات نيابية بأشراف دولي 72% 15% 8% 5%
تعديل بعض مخرجات مؤتمر الحوار والعمل بها 70% 22% 8% 0
الاخذ بمبادرة ترسم من قبل منظمات المجتمع اليمني 62% 20% 9% 9%
مبادرة الاطراف في تشكيل حكومة شراكة سياسية 60% 22% 11% 7%
الاخذ بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل 58% 23% 12% 7%
التشاور في ظل إشراف منظمة التعاون الاسلامي 57% 27% 11% 5%
الاخذ بمسودة شعبية تثرى عن طريق وسائل التواصل 52% 28% 12% 8%
اختيار مرجعية سياسية والاخذ بتوصياتها 50% 31% 9% 10%
جمع المرجعية الدينية والسياسية والاخذ بتوصياتهما 47% 37% 11% 5%
اختيار مرجعية دينية والاخذ بتوصياتها 45% 39% 8% 8%
التشاور في ظل إشراف الجامعة العربية 44% 40% 9% 7%
التشاور في ظل إشراف الامم المتحدة 19% 59% 13% 9%
الخضوع للمشاورات من مبادرة دولة خارجية 16% 61% 12% 11%

 

ثالثاً: تحليل الاتجاهات على نسبة الموافقة وتعليل الصدارة

يمتّ هذا التحليل الى تحديد المراتب النسبية للتصورات من حيث خيار الموافقة ويعلل اكثرها نسبياً في حصيلة الرأي العام الشعبي المأخوذة من أوساط الفئات المستهدفة بالاستطلاع، وسواءً كانت الصدارة النسبية تُصنف على خانة الايجاب او السلب فأن محدداتها بالمجمل تحتّم على الفاعلين من الداخل وكذا المؤثّرون من الخارج، ضرورة استلهام ما ابدته قواعد تلك النسبة .                                                 فقد تصدّر ما نسبتهم 75% من مجموع المستجيبين بالتأشير على خيار الموافقة نحو تصوّر إيقاف الحرب وتهدئة الاوضاع في ضلّ مشاوراتً داخلية، تجنباً لما يشير الى الارتهان في أحضان القوى الخارجية ومطامعها المغلّفة بشمّاعة المبادرات(12) .

بيد ان ما يساعد في إنجاح المصالحة الوطنية ويحقّق من مسارها السياسي، هو الرضوخ الى أسس الاتفاق الموقّع فيما بين الاطراف المتصارعة لإنهاء الازمة من مبدأ العدل وإزالة آثار صراعات الماضي القريب بقانون العفو العام المتكافئ (13)  (يتطلّب قانون العزل السياسي طرف ثالث)، وفي هذا السياق أفاد ما نسبتهم 74% من مجموع المستجيبين عن الشروع في تشكيل حكومة كفاءات وطنية انتقالياً، لا شراكة سياسية، من تعليل ان نزعة الانضواء السياسي تطغي على مبدأ الولاء الوطني حال الصراعات الداخلية، وخصوصاً عندما تقترن المكابرة السياسية بخلفيات المناكفة الايدلوجية .

بينما أفاد 72% من المستجيبين كمرتبة ثالثة أنّ ظروف مرحلة الفترة الانتقالية جرّاء فقدان الدولة لهيبتها وخلخلة بنائها المؤسسي (14)، لا يتمثّل فيها بناء ما خرّبته الحرب من أهمّية بقدر ما يمثله  تكوين السلطة التشريعية للدولة، وذلك وفق بنود ما سيقرره الاتفاق الذي ستبرمه الجهات الموقّعة كأطراف نزاع، على أنّ تهيّئ تلك الفترة في إجراء انتخابات نيابية بإشرافٌ دولي،

12ـ محمد الحوثي، مسار المواقف الإقليمية والدولية …..، مقاربات سياسية، مرجع سابق

13ـ لمقاصد الحرب وأخطائها مترتبات تتناقلها العامة على محمل الحساسية النفسية، وذلك مثلاً كتفجير منازل الخصوم من قبل الحوثيين وأنّ كانت غير ثكنات عسكرية، والحاصل على سبيل الاشارة لمنزل نقيب المعلمين اليمنيين في محافظة عمران (عنتر الذيفاني) هذا من جانب، ومن الآخر ضرب الطيران للتجمعات البشرية والحاصل على سبيل الشائع لتجمّع العزاء بالصالة الكبرى في أمانة العاصمة صنعاء

14ـ من واقع الحال السياسي في الداخل اليمني هناك سلطتان على شطريّ البلد تسيّران دفة الإدارة الحكومية، فالرئيس هادي نقل المهام من العاصمة السياسية صنعاء في الشمال الى العاصمة الاقتصادية عدن في الجنوب لسبب سيطرة الحوثيين، وشكّل حكومة برئاسة أحمد بن دغر، كما أنّ الحوثيين وتحالفهم يديرون مهامهم من صنعاء على مسمى المجلس السياسي الأعلى وحكومة إنقاذ وطني برئاسة عبدالعزيز بن حبتور

لغرض إقرار التوجهات العامة للدولة من قبل الجميع وضمان طبيعة العلاقة المرنة وشراكتها فيما بين مؤسسات الحكومة والتشريعات الدستورية، بدلاً من ان يكون الحال تسلّطي او تنافسي فيما بين الايدلوجيا المُسيّسة التي اوصلت البلد الى الازمة الراهنة .

ومن أجل مأسسة العمل الحكومي والشروع فيه، يترتب عقب الانتخابات النيابية ما أفاد عنه 70% من المستجيبين، في تعديل بعض مخرجات الحوار الوطني داخل البرلمان المنتخب والقيام بمهام المصالحة الكبرى وتنشيط العمل السياسي وحالته الحاقنة للعمل الوطني . وفي سياق معرفة الرأي العام حول المبادرات وخصوصاً الوطنية منها، فأن 62% من المستجيبين أفادوا بأنّ ما يساعد من عملية الاستقرار الدائم في البلد هو الاخذ بمبادرة تُثرى مضامينها الاولية من قبل منظمات المجتمع اليمني تعزيزاً لمبدأ الديمقراطية من خلال اطرّ بعيدةً كل البعد عن التنظيمات السياسة وتماحكها، فبلوغ المصالحة الوطنية الى واقع الحقيقة أمرً ليس بالهيّن تتطلّب كل الإجراءات الممكنة، غير ان هناك من عارض ذلك التصوّر بمنطق أنّ المنظمات الفعّالة لها من الميول السياسي ما يمت الى الاطراف المتصارعة بصلة، كما أنّ لها علاقة ارتباط مع منظماتٌ خارجية .

وفيما يتعلّق بالاتّجاهات العامة نحو كيفية العمل الحكومي خلال الفترة الانتقالية، فقد أفاد 60% من مجموع المستجيبين بأنّ ما يبرهن مسار التصالح الوطني ويبشّر بصدق النوايا هو تشكيل حكومة شراكة سياسية، لماذا؟: كي تتقاسم على حداً سواء كل الاطراف المتصارعة وفصائلها السياسية التابعة والمتغنّية في حب الوطن تحمّل أعباء الفترة الانتقالية، بتصوّر ان ما يساعد في ذلك هو رسم برنامج العمل الحكومي من ضوء مخرجات الحوار الوطني، وهذا ما أفاد عنه 58% من مجموع المستجيبين .

ومما لا شك فيه ان التشاور ومباحثات الاستقرار من جلسات داخل اليمن او في الخارج يستلزمه الاشراف والمتابعة من قبل المنظمات الدولية، فقد أشّر 57% من مجموع المستجيبين كمرتبة ثامنة من حصيلة الاستطلاع على تصوّر ان تتحاور الاطراف اليمنية داخلياً في ظل إشراف منظمة التعاون الاسلامي، مستبقاً لتصور الإشراف من قبل جامعة الدول العربية والحاصل على نسبة 44% والمرتبة الثالثة عشر من بين المراتب، وذلك الاستباق يتناغم وتعدّد قومية المؤثّرات الخارجية في إشارة الى الجمهورية الإيرانية ـ فارسية ـ، والمملكة العربية السعودية ـ عربية ـ وكليهما أعضاء في المنظمة،

بحيث انه يصعب الارتكاز على بعض الرّوى المحلية وتحييد الاخرى، علاوةً على أهمية الاخذ بالسياق الاسلامي وعلاقته الدولية (15)، بينما تدنّى الى المرتبة الرابعة عشر بنسبة 19% خيار تصور ان تشرفّ هيئة الامم المتحدة على سير عملية التشاور فيما بين الاطراف، وهذا ما يظهرّ من كنان اليأس لدى المواطنين العرب بما فيهم اليمنيين تجاه هذه المنظومة الدولية جراء مواقفها السلبية نحو القضية الفلسطينية خصوصاً وبقية قضايا الامة عموماً، غير أنّ 16% وهي المرتبة الاخيرة من بين مراتب النتيجة العامة للاستطلاع، أفادوا بان تأثير الخارج له من الفاعليّة في الوقت الراهن ما يحتّم سيّر المشاورات اليمنية على ضوء المبادرات المقترحة من قبل الدول الخارجية، وهذا هو الحاصل قبلّ اليمنيون ام لا .

ولمبدأ إشراك الآراء الجماهيرية في إثراء عملية المصالحة ـ وهذا مُستبعد من حيث البنية الاجتماعية وطبيعة الصراع ـ، أشار ما نسبتهم 52% كمرتبة تاسعة، على تصور الأخذ بمسودة شعبية تُثرى مضامينها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إنشاء الصفحات الخاصة لذلك الغرض (16)، في حين ان تصوّر الأخذ بتوصيات مرجعية سياسية عليا تُشكّل من قبل الاطراف المتصارعة ومن يميل اليها من المكونات السياسية، حاز علي نسبة 50%، كما أفاد حول مقترح الجمع بين المرجعيتين الدينية والسياسية ما نسبتهم 47% ولم يتعدّ النصف من تعليل ان المرجعية الدينية متعددة الانضواء السياسي (17) من جانب ومن جانب ثان هي من تتغذّى معنويات المقاتلين في الصراع الدائر من خطابها التعّبوي، وبجدارة الفصل بين المرجعيتين وافق 45% على تصور اختيار المرجعية الدينية، والى هذا ومن مجموع حاصل النتيجة الاستبيانيه يبدو جليّاً بأن الرأي العام الشعبي في اليمن يعدّ

15ـ في كتابه الحرب والسلم بين الأمم، رايمون آرن: يختزل دينامية العلاقات الدولية في جدلية الصّراع والتعاون، غير أنّ التنازعية هي الطابع الغلب على هذه الدينامية

16ـ طلب رئيس الوزراء اليمن الاسبق خالد بحّاح ومن خلال صفحته على الفيس بوك، عن سيرّ ذاتية (cv) ترشّح مقدّميها بالمفاضلة لشغل منصب وزير في حكومته

17ـ في إشارة الى تفريخ مكوّنات الانضواء الإداري للعلماء والدعاة اليمنيين بحسب الميول السياسي في البلد، فهناك جمعية علماء اليمن وهي الأم تميل الى النظام السابق، وكذا هيئة علماء اليمن تميل الى منظومة أحداث 2011، كما أنّ الحوثيين في الراهن تميل اليهم رابطة علماء اليمن.

مسألة المناكفة السياسية ذو الخلفية الايدلوجية أكبر عائق امام مبتغى الاستقرار الدائم وبناء أجهزة الدولة، وأن ما يعالج ذلك هو: مدى استعداد الاطراف المتصارعة للدخول الى المصالحة الوطنية وتقديم التنازلات السياسية فيما بينها، باعتماد خطاب متّزن من قبل كل الاطراف يقوم على العقلانية والتسامح وعدم تأجيج مشاعر الكراهية.

وحول تعليل الصدارة النسبية للاستطلاع التي أظهرتها النتيجة المستقرءة سلفاً كما أشرنا في حاصل 75% بالتأشير على خيار الموافقة نحو تصور إيقاف الحرب وتهدئة الاوضاع مع التشاور في الداخل اليمني، والتي عارضها 10% من تعليل عدم الإمكانية في الوقت الراهن، بينما 7% ابدوا بخيار الرفض من إيعاز أنّ الخلاف القائم يرتكز على معضلات داخلية لا تتجاوب وذلك التصوّر، كما أنّ 8% ادلوا على خيار التصور الآخر، بأقوال مفصحة عن انّ معضلات الداخل اذا اقترنت بمؤثرات الخارج (18)، لا يتهيّأ في إيقاف الحرب والتشاور الداخلي، مالم تُحجّم كل الاطراف المتصارعة لتلك المؤثرات بحقيقة حب الوطن، فأنّ كل ذلك يمتّ من حيث التعليل الى فطرية الاستقلال البشري وعدم الارتهان، كما ويفصح عن نيّة التعاون الدولي من مبدأ التكافؤ والاحترام المتبادل للخصوصيات الاجتماعية والسياسية وغيرها، ففي نشيد السلام الوطني للجمهورية اليمنية ما يحمّس من رفض الوصاية وأطرها المتعدّدة بمقطوعة: لن ترى الدنيا على أرضي وصيا، مرتقبين بناء النظام السياسي والاجتماعي للبلد بالاتفاق المحلّي وليس بالموافقة المرتهنة الى المبادرات الخارجية (19)  .

ومن حيث الإثراءات الداعمة والمتصلة بخيار الموافقة، إسهاماً ـ بحسب منطق الكثير ـ في تعزيز مبدأ التهدئة وتحقيق الاستقرار الدائم، فقد رُكّبت اهمّها في العبارات التالية:

18ـ بالإشارة في الوضع الراهن الى قيادة المملكة العربية السعودية للتحالف العسكري المساند للرئيس هادي، ومناشط إيران على الجانب الدبلوماسي والدعم الخفي للحوثيين

19ـ فرّق (دليل “برجهوف” لإدارة وتسيير اجتماعات الحوار) بين مصطلحي الاتفاق والموافقة، بتعريف أنّ الاتفاق يكون من قبل جميع الاطراف بخيار أنفسهم، بينما الموافقة فتعني أنّ الاطراف موافقة على القرار رغم انه لم يكن خيارهم الاول.

  • صياغة بنود المصالحة الوطنية من وحي الضمير الانساني المستشعر حقيقةً جُرم نزيف الدماء، لينفّذ تلك البنود مجلس رئاسي معين، مع التأكيد على إلغاء جميع القيود المتخذة بحق البلد اليمني تحت مضامين البند السابع
  • طي صفحة الحرب بما يضمن المُشيّ قدماً نحو الاستقرار الدائم من خلال آليات ديمقراطية مُحدّدة تنفذها مجموعة من الإجراءات
  • تشكيل حكومة كفاءات وطنية انتقالياً، يُرشح اعضاءها أكاديمياً، بحيث تُحيّد المؤسسة العسكرية حياد تام ويديرها مجلس مدني في زمن الفترة الانتقالي

وهذه الإجراءات وأنّ تُعتبرّ مجرد رؤى شعبية، الّا إنّ واقع المصالحة الوطنية سياسياً يحتّم ذلك وستتضمّن في بنودها ما يشير الى هذا الفحوى حال إنهاء الازمة سواءً على جهود محلية كانت او مساع دولية .

 رابعاً: قراءة في المساع الدولية

ما أنّ تمكّن “الحوثيين” من دخول العاصمة اليمنية صنعاء ما أنّ سارعت قوى العمل السياسي الى التوقيع (بحضور المبعوث الأممي) على اتفاق السلم والشراكة الوطنية من أجل الوطن بحسب التصريحات السياسية، غير أنّ من تخلخل الثقة فيما بين الاطراف الموقعة على الاتفاق تضمّن نص البند الخامس عشر مما تم التوقيع عليه على مطالبة الاطراف من مساعد امين عام الامم المتحدة ومبعوثه الخاص الى اليمن، بأهمية مواصلة دعم الأمم المتحدة في تنفيذ بنود هذا الاتفاق (20)،

20ـ محمد الحوثي، مرجع سابق صـ129

وهذا ما يشير الى أنّ حدة الخلاف ارهنت بالفرقاء السياسيين الى احضان المجتمع الدولي (21)، وغيّبت ولازال من دور الجهود المحلية في إصلاح الشأن، والتي على تلك الشاكلة تنشط في الوقت الراهن بعض المنظمات المدنية والوجاهات السياسية والاجتماعية في تناول المشهد الوطني واحداثه الدامية، لغرض تقديم المقترحات الهادفة الى رأب الصدع وإنهاء الصراع (22)، بحيث تم التواصل داخلياً مع قيادات من الأطراف المتصارعة وكان من حيث المبدأ ومن قبل الجميع الترحيب بالجهود الداعية الى وقف الاقتتال، الّا انه لم يثمر ذلك التواصل تنفيذياً على أرض الواقع لحجم الازمة وصلتها بمجرى المتغيرات الدولية في الراهن (23) .

والى ذلك يُبات جلياّ من خلال استعراض العديد من القرارات الاممية والمبادرات الدولية الهادفة الى تحقيق الاستقرار وإنهاء الحرب في اليمن وفق نظرية التسوية السياسية بين الاطراف المتصارعة، بأنّ هناك من الخفايا ما يمتّ الى حيثيات إنهاء الازمة على ما توافقه القوى المؤثرة وليس على ما تنشده الاطراف اليمنية .

ففي 20/3/2015 صدر بيان رئاسي لمجلس الأمن الدولي بخصوص ما يجري في اليمن ـ أي قبل عاصفة الحزم ـ، دعا جميع الاطراف اليمنية الى مفاوضات شاملة برعاية الامم المتحدة، من اجل مواصلة عملية الانتقال السياسي المبتدئة إجراءاتها منذ العام 2011، والتوصل الى حل توافقي على ضوء ما سبق من جهود محلية (مخرجات مؤتمر الحوار، اتفاق السلم والشراكة) وكذا مساع دولية (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية)، وعملت عاصفة الحزم وتحالفها العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية المساند لشرعية الرئيس هادي (24)، بالإضافة الى التصريحات الإيرانية المغذية للمعضلات الداخلية ذات التشعّب المذهبي،

21ـ بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2140) لسنة 2014، اُدرجت اليمن تحت مضامين البند السابع لهيئة الأمم المتحدة، ما تعلّل به المملكة العربية السعودية قيادتها للتحالف العسكري المساند لهادي، كما وتستند الى أحكام المادة الواحد والخمسون من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على انه (ليس في ميثاق الأمم المتحدة ما يضعف او ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى او جماعات في الدفاع عن انفسهم إذا أعتدت قوة مسلّحة على أحد أعضائها، وذلك الى أنّ يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلّم والامن الدولي …..)

22ـ تنشط تشابكياً في الوقت الراهن العديد من منظمات المجتمع المدني باليمن على جهود التصالح السياسي تحت شعار السلّم والمصالحة الوطنية

23ـ كون الاطراف اليمنية المتصارعة على مفترق من حيث الميول القطبي وسياسته المساندة، فرؤاهم الخارجية لا تنسجم مع البعض، فمن طلب التحالف العسكري يعتبره صدّ لمحاولة مدّ النفوذ الإيراني ذات العلاقة الشرقية مع الروس، بينما من يرحّب بالمشروع الإيراني لا يعتبره أكثر خطراً من الهيمنة الغربية الأميركية

24ـ بحسب تقرير (الاحاطة) المرفوع من قبل المندوب السابق للأمم المتحدة الى اليمن ـ جمال بن عمر ـ (كانت الاطراف المتصارعة ستتوصّل الى حلٌ سياسي) ينظر: محمد الحوثي، مرجع سابق

على قلب الموازين الدولية نحو الازمة اليمنية رأسٌ على عقب، ليُسحب المشروع الروسي المقدّم الى مجلس الامن الدولي فيما يخص مساع حل الازمة اليمنية (25)، وتُسعّر حدّة الخلاف بحربً ضروس على جبهات قتالية في المناطق الوسطى لليمن وشماله الشرقي ممتدّة الى جبهة الحدود مع المملكة العربية السعودية جراء الاسناد، بحيث أصدر مجلس الامن الدولي في الرابع عشر من أبريل 2015 القرار رقم (2216) بتضمّن ما يشير في طيّاته الى عدد من القرارات المتعلّقة بالأزمة السياسية في اليمن منذ العام 2011، منح للتحالف العسكري المساند غطائه القانوني.

والى ذلك نشطت الدبلوماسية الإيرانية كإبرازً للدور الإقليمي ليس الّا، وكشف وزير خارجيتها محمد جواد ظريف في 9/4/2015 عن مشروع مبادرة من أربع نقاط، تبعها اتصال رئيس مجلس الشورى ـ علي لاريجاني ـ مع رؤساء برلمانات العراق وسوريا ولبنان والجزائر للتباحث حول المستجدات في اليمن، كما قدّم ممثل إيران الدائم لدى الامم المتحدة ـ غلام علي خوشر ـ رسالة وجهها الى مجلس الامن تتضمن مبادرة لحل الازمة، وكل ذلك لم يحرك ساكنً في سبيل التصالح بقدر ما يصفه الاصدقاء قبل الخصوم من استغلالً فقط (26) . بيد أنّ المساع الدولية من جوانب متعدّدة لم تتوان في دعوة أطراف الصراع اليمني الى طاولة المحادثات، فأنعقدّ خلال الفترة 17ـ20/6/2015م مؤتمر جنيف1، بمباحثات يمنية خالصة تمثلت بحسب ما اعلن عنه مبعوث الأمم المتحدة الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ ـ موريتاني الجنسية ـ (خلفاً للمبعوث السابق جمال بن عمر)،’ في المؤتمر وحلفائه مع الحوثيين وحلفائهم من طرف، ومكون اللقاء المشترك وشركائه مع الحراك الجنوبي السلمي من طرف آخر، وقد أفتتح بان كي مون امين عام الأمم المتحدة ـ في حينه ـ مستهلّ المشاورات بحضر ست عشر دولة، لتُرفع جلسات المؤتمر دون أنّ يتم التوصّل الى حل، على بقاء أمل المواصلة للمشاورات في حسبان هيئة الأمم المتحدة، وأعلنت عن هدنة غير مشروطة تبدأ الجمعة 10/7/2015م وسترسل مندوبيها للمراقبة، الّا أنّ تلك الهدنة اُخترقت، وواصل المبعوث الأممي من مهامه ورحلاته بين دول المنطقة وكانت العاصمة العُمانية ـ مسقط ـ محطّ التشاور بين الاطراف اليمنية، ليفصح اعلامياً عن ما عرف بمبادئ مسقط والمتمثلة في عشرة بنود، لم تمرّر لأسباب مُبهمة زادت من تفاقم الحالة الانسانية في البلد،

25ـ محمد الحوثي، المرجع السابق

26ـ المرجع السابق

بحيث تقدّمت روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي بطلب عقد جلسة لمناقشة الوضع الانساني في اليمن وتم الانعقاد الغير مقدّم أي شيء يوم الثلاثاء 16/2/2016م، والى ذلك شدّد ولد الشيخ كمبعوث أممي الى اليمن على تجديد المباحثات وتهدئة الصراع، ليبدأ في 20/2/ 2016م مؤتمر جنيف2 بالتزامن مع بقاء الحرب واستمرار نزيف الدم، وينتهي بنفس المخرجات السابقة في عدم التقارب وخلق حالةٌ من التسوية السياسية، ما دفع بدولة الكويت الشقيقة من منطلق المحيط الإقليمي ومساعيها الاخوية الى تقديم مبادرة للنقاش، ابتدأت في 21/4/2016 جلسات الجولة الاولى واُختتمت دون أنّ تحرز أيّ تقدّم نحو ما يفرض على الاقل هدنة طويلة الامد .

ومن خطورة الازمة اليمنية على المحيط العام لم تتوقّف المساع الأممية في شأن التسوية السياسية بين الاطراف المتصارعة، فكثّف ولد الشيخ من زياراته المكوكية الى مقار القيادات المتصارعة في شمال اليمن (صنعاء) وجنوبه (عدن) بالإضافة دول الجوار الاقليمي لليمن لعرض سُبلّ المصالحة، وقدّم خلال زيارته الى صنعاء في 24/10/2016 ورقة مقترحة على اعتبار أنها تتضمّن مشروع حلً شامل وتمثّل أرضية للنقاش، وبعد إطّلاع وفد طرف صنعاء المتمثّل في المؤتمر والحوثيين ومن اليهم على مضمون الورقة والتشاور مع القيادات العليا حولها، أشار الى أنّ الأفكار المقترحة التي تضمّنتها الورقة  تعتبر معظم تفاصيلها مستوعبة لرؤية طرف واحد فقط في إشارة الى طرف عدن، وأن السلطة التنفيذية الجديدة (مجلس رئاسي ـ حكومة وحدة وطنية) يجب ان تكون توافقية (27)، ومع كل هذه المساع والمشاورات لم تتحقّق الحلول التي تحلم بها الجماهير اليمنية ، فالحرب لازالت (ساعة كتابة هذه الدراسة) والمساع كذلك ولكن على فحوى ما ترغبه قوى المؤثّرات الخارجية (28)، مشيرين الى أنّ هناك هندسة للمآلات الاقليمية على سياق المتغيرات الدولية الراهنة والتي من العرف التاريخي انها ـ أي المتغيرات ـ تحدث خلال كل حقبة زمنية .

27ـ صحيفة الميثاق “اليمنية” 31/10/2016 العدد 1830 صـ3

28ـ بالإشارة الى جلستيّ (لندن، جدّة) والمنعقدتين من قبل (السعودية، الامارات، بريطانيا، أميركا) بخصوص الصراع في اليمن دون مشاركة أيّ طرف من أطراف الصراع اليمني

النتائج والتوصيات:

يتضح من خلال هذه الدراسة بأنّ نسبة الموافقة نحو تصور إيقاف الحرب وتهدئة الأوضاع مع الخضوع للمشاورات في الداخل اليمني، حازت على تقدير جيد مرتفع وهذا ناتج من طموح ورغبة الجماهير اليمنية في حل الازمة دون وصاية خارجية باستثناء الضمانات الدولية على الاطار العربي والاسلامي، معللين بأنّ ما أعطته الحصيلة من نتائج ورؤى لجميع المشمولين بالاستطلاع تتقارب ورؤى الآخرين من أبناء اليمن، والى ذلك يتضح بأنّ واقع الاتفاق الذاتي من قبل الاطراف المتصارعة يغيب حال فقدان الثقة وتتساير حلول الازمة على مبدأ موافقة الاطراف بمقترحات القوى الخارجية المصحوبة بمطامح مدّ النفوذ او ما يعزّز من الهيمنة والمحافظة عليها .

وبالنظر الى جوانب الاحداث على مستوى المنطقة العربية عموماً تتكشّف مكامن التعقيد من بلورة الأطراف المتصارعة لخطابها الاعلامي ومساره التعبوي على صيغة الايدلوجيا ومناحيها القطبية (29)، وهذا ما قد يعدّد من الحسابات الدولية في شأن المصالحات الوطنية داخل الدول المتماحكة في المنطقة، لسبب محاولة إعادة بناء القطب الشرقي ونفوذه بزعامة روسيا عن طريق التدرّج المرحلي من خلال ذريعة محاربة الارهاب وتعاونه العسكري، والممكّن لموسكو من توسيع قائمة النفوذ وتضمين مناطق لم تكن في حسبان النفوذ اثناء سلطات الاتحاد السوفياتي (30) ، والى هذا فأنّ الجهود محلية صعبة النجاح .

وعليه توصي هذه الدراسة لغرض اثراء وتعزيز ما يحقّق من رؤى المصالحة الوطنية فيما بين الاطراف المتصارعة في اليمن، بضرورة: 

  • بحث سبل إيقاف الحرب وخطابها التعبوي من أوساط المقترحات المقدّمة، على اساس ان اليمن كل لا يتجزّأ وأنّ الأقلمة في فحواها ستكون إدارية لا سيادية بواقع ـ لوجهة نظرنا ـ ثلاثة أقاليم طبيعية متداخلة، وتمثيل سلطة المهام السياسية في مجلس رئاسي وحكومة كفاءات وطنية لمدّة محدّدة
  • تناول المصالحة من حيثياتها بالتأكيد على احترام وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل مع الاخذ بمقترح تعديل ما لا يجمع عليه اعضاء البرلمان المرتقب
  • دراسة إعادة بناء المؤسسة العسكرية والامنية ودمج المليشيا على اُسسً وطنية، بتبعية المجلس الرئاسي وحكومة الكفاءات الانتقالية حال التوجيه ولا علاقة لأي طرف بها
  • رسم ما يشكّل الحكومة الانتقالية على قاعدة الكفاءة الاكاديمية بتمثيل كل الاطراف المحلية بحسب قوامها في مؤتمر الحوار الوطني السابق مع الإضافة بعناية والاخذ بمبدأ النزاهة المشهودة للفرد المُرشّح
  • الاسترشاد بما يهيئ لانتخابات برلمانية يتولّى المجلس المنتخب هندسة أمور النظام السياسي، على اساس أنّ يخضع الجميع لمحددات قانونية تتغاضى وقانون العزل السياسي، كما وتفوّت من ثقافة الغالب والمغلوب
  • تفعيل ما يمكّن من دور جامعة الدول العربية او منظمة التعاون الاسلامي، في تنفيذ بنود المصالحة وتشكيل اللجان الإشرافية بمكوّن جميع دول الاعضاء، بدلً عن هيئة الامم المتحدة الذي من الواضح أنّ فاعلية القوى المهيمنة في نشاطها قد يؤثّر
  • معالجة الصراعات وخلفياتها الدافعة ـ ليس على المستوى اليمني فحسب ـ، المتمثّلة في أخطاء الخطاب الايدلوجي المقترن بعدم الوعي وسبله الداعمة، تستند الى الاسهام الدولي وعلى كافة الاطرّ في تنّقية الافكار من الشوائب والاهتمام بشؤون البناء الحضاري من خلال: كتلة اتحادية للبناء والسلم

Consortium agglomerate for building & safety “cabs”

لغرض تبدّيد الانطباع السلبي تجاه البعض والآخر وفق اُسسً منهجية تدعّم من سُبل التعايش الانساني المتكافئ، تحت شعار بالخطاب الايجابي نكبس بؤر الخلاف ونحقّق المصالح المشتركة، لأنه من الصعب حقاً ان تنجلي الازمات الدولية في الراهن ومآلاتها المرتقبة دون أنّ تُعلج الخلفيات الدافعة.

29ـ في شأن الأزمة اليمنية وصراعها الدائر أظهر تيار اليسار العالمي موقفه المساند للحوثيين كجماعة تميل الى قطبيتهم: للمزيد انظر، أنس القاضي، مواقف اليسار العالمي والأحزاب العربية والإسلامية من العدوان على اليمن، مقاربات سياسية مرجع سابق

30ـ نوار جليل هاشم، أمجد زين العابدين طعمة ـ الموقف الروسي من الثورات العربية، سياسات عربية العدد12 كانون الثاني/يناير 2015

3.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى