احدث الاخبارعاجل

الأزمة الدبلوماسية الروسية وتأثيراتها الإقليمية والإقتصادية

اعداد : فؤاد الصباغ – باحث اقتصادي دولي – المركز الديمقراطي العربي

كان الشغل الشاغل للعالم في الأمس القريب الخروج من الأزمة الإقتصادية و الحد من عدوي إنتشارها و ها هو اليوم أصبح العالم كله مشغول بالأزمة الدبلوماسية الروسية. مما لاشك فيه أن توتر العلاقات الدولية اليوم بين ثنائية القطبين و هما الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا الإتحادية لها تأثيرات سلبية علي جميع الدول التي لها ثوابت و قيم في إدارة شؤون علاقاتها الخارجية.

إذ أن هذه الأزمة علي وشك أن تتحول إلي أزمة دبلوماسية عالمية أو حرب سياسية باردة أو حتي إلي أزمة إقتصادية.

ومنذ إغتيال الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في عقر دار دولة الديمقراطية و ملجأ المعارضين المملكة المتحدة البريطانية تصاعدت التوترات في العلاقات الدبلوماسية من خلال طرد العديد من البعثات من جانب الطرفين.

و أخيرا تم طرد 60 دبلوماسي روسي من القنصلية المتواجدة بولاية سياتل الأمريكية و في المقابل تم طرد 60 دبلوماسي أمريكي من موسكو. بالإضافة إلي ذلك تم طرد العديد من البعثات الدبلوماسية الفرنسية و الألمانية و بعض دول الإتحاد الأوروبي. إن تصاعد هذه الأزمة الدولية في العلاقات الدولية و إنتشارها عبر ظاهرة عدوي الطرد الدبلوماسي و التضامن مع بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية لها مخاطر كبيرة خاصة علي الجانب الإقتصادي و أيضا تشكل مصدر قلق في الأسواق المالية العالمية حيث تنقص نسبة الثقة في التداول و تزداد عملية سحب المضاربين لودائعهم نظرا لتهاوي أغلب المؤشرات نتيجة لهذه الأزمة الدبلوماسية و السياسية.

إن العمل الذي قامت به روسيا الإتحادية تجاه المملكة البريطانية مخالفا للقانون الدولي و إنتهاك صارخ لسيادة دولة أخري. كما أن جميع الأبحاث الأمنية تؤكد تسمم العميل المزدوج السابق بنوعية من غاز الأعصاب المحرمة دوليا و بالتالي هنا القضية تحولت إلي إنتهاك سيادة دولة أخري و تنفيذ عملية إجرامية بواسطة أسلحة كمياوية محرمة دوليا. لكن هنا في الجانب المقابل من حق روسيا الدفاع عن نفسها لأنها أصبحت ضحية كشف أسرار أمن دولة إلي دولة أخري و بالتالي تتحول القضية إلي دفاع عن نفس و قضية أمن دولة. أما بخصوص تضامن بعض الدول الأوروبية من خلال التحالف مع بريطانيا و الولايات المتحدة و النسج بالمثل عبر طرد العديد من الدبلوماسيين لا يعتبر مبرر لأنه يقسم العالم و يزرع النقمة و الحقد بين الشعوب و خاصة أن روسيا مقبلة علي إحتضان تظاهرة عالمية تجمعهم لغة كرة القدم و السلام و المحبة من خلال التنافس النزيه علي كأس العالم.

فتصاعد هذه الأزمة الدبلوماسية أسقط جميع الأقنعة عن بعض الدول التي تكن حقد و كره للإتحاد السوفياتي سابقا و للدور الروسي الفعال علي الساحة الدولية.

إلا أن هذا الصراع علي النفوذ و نظرية القطبين التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية و تضاعفت بعد الحرب الباردة لم تصمد طويلا أمام قوة الولايات المتحدة الأمريكية و التحالف الأوروبي البريطاني, بحيث مثلت الضربة التي تلقتها روسيا ضد حليفتها دولة العراق بقيادة حزب البعث الإشتراكي سنة 2003 و إنهيار نظام العقيد معمر القذافي الشرس سنة 2011 و سقوط سورية بيد الأطماع الدولية منذ سنة 2013 و تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة كلها تدل علي مؤشرات سلبية حول ضعف قوة النفوذ الروسي في إحداث توازن حقيقي للقوي العالمية. إن الأحداث الأخيرة تؤكد أن العالم أصبح أحادي القوي بقيادة زعيمة العالم الحر الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت تقود تحالف دولي كبير للسيطرة علي العالم.

إذ بعد مقتل الجاسوس سكريبال إتضح للعالم أنه لا توجد علاقات جيدة تربط الولايات المتحدة الأمريكية  مع روسيا خاصة من خلال حملات طرد البعثات الدبلوماسية أو أيضا من خلال حملات التحقيق القضائي حول قرصنة الإنتخابات الأمريكية الأخيرة و الإعتداء علي سيادة أكبر و أقوي دولة في العالم خلال أكبر تظاهرة للتنافس علي أهم سلطة سياسية و هي السلطة التنفذية. أيضا قرصنة العديد من البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون و تقديمها لويكيليكس لنشرها و هي تعد وثائق أمن دولة سرية للغاية.

إن نتائج تقلص النفوذ الروسي بأوروبا و أيضا في بعض الدول العربية الإشتراكية السابقة و المتحالفة مع النظام الروسي تشير علي أنه هناك بوادر في الأفق حول تصاعد هذه الأزمة الدبلوماسية للتحول إلي أزمة إقتصادية أو حرب نفوذ للسيطرة علي العالم.إذ في هذا الصدد قامت روسيا بتجربة الصاروخ البالستي الجديد المعروف بإسم “شيطان 2” و الذي هو قادر علي تدمير المملكة المتحدة البريطانية و فرنسا في ثواني معدودة. كما توجه الدب الروسي الجريح من هذه الأحداث مؤخرا نحو بيروت لتنظيم صفوفه و التحالف مع حزب الله و إيران لإستراجاع السيطرة علي النفوذ في سورية.

أما من الجانب الإقتصادي فمن المعروف أن سلاح غازبروم الروسي المزود الرئيسي لدول الإتحاد الأوروبي يعتبر من أهم الأوراق الإقتصادية التي تعتمد عليها روسيا.

بالإضافة إلي ذلك تعتبر الأسواق المالية الأوروبية القلب النابض للإقتصاد الأوروبي و أي إضطراب سياسي أو عدم إستقرار في العلاقات الدولية له تأثير سلبي علي الوضع العام الإقتصادي و المالي. و كذلك من المعروف في السياسة الإقتصادية أن كل عدم إستقرار سياسي أو أمني إقليمي يؤدي بالنتيجة إلي عدم إستقرار إقتصادي و خاصة عدم إستقرار مالي بالأسواق المالية العالمية, بحيث تلعب الثقة و المعلومة دور هام في المالية العالمية.

بالتالي يعتبر النظام الرأسمالي هشا و حساسا للغاية لأنه غير قابل للصمود أمام تدهور أسواق رؤوس الأموال مما يؤثر سلبا علي إستقرار الودائع بالبنوك و صرف العملات. فهل سيستعمل قيصر روسيا الأوراق الإقتصادية لقلب الطاولة علي هذا التحالف الدولي الذي خلق هذه الأزمة الدبلوماسية؟ و هل يعتبر غازبروم الروسي الشريان الحيوي للإتحاد الأوروبي؟ و ما مدي قدرة النظام المالي العالمي الصمود إذا تحولت هذه الأزمة إلي أزمة عدم إستقرار مالي في الأسواق المالية الدولية؟

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى