الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

نزع سلاح حزب الله : بين ضرورات السيادة اللبنانية ومعادلات الردع الإقليمي

بقلم ألاستاذ التدريسي : أحمد عبد السلام هورامي  – الجامعة المستنصرية / كلية العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

   منذ تأسيس حزب الله اللبناني عام 1982 ، برز الحزب كأبرز القوى السياسية والعسكرية في لبنان ، وقد اعتبر خليفة حركة امل العسكرية وتلقى الدعم الفني والمالي والعسكري من إيران ومن حكومة حافظ الاسد آنذاك في سوريا ، وقاد الحزب العديد من المناوشات العسكرية ضد العدو ( الاسرائيلي ) وأجبرها في العام 2000 على الانسحاب من الجنوب اللبناني مع إحتفاظ الحزب بترسانته العسكرية مبررا تلك الخطوة في ذلك الوقت لإغراض الدفاع والردع والذوذ عن حدود لبنان بوجه آالة الحرب (الاسرائيلية) ، غير ان تلك الخطوة اثارت حفيظة العديد من القوى السياسية المتنوعة في لبنان التي ابدت مخاوفها ان إستمرار وجود السلاح خارج المنظومة الامنية والعسكرية للدولة قد يصبح تهديد داخلي يتقاطع مع اشكاليات ( السيادة الوطنية) ومع حسابات الامن الاقليمي والمصالح الدولية . واليوم يطرح موضوع نزع سلاح حزب الله نفسه كقضية شائكة تتجاوز حدود لبنان ، لتصبح جزءا من صراع اوسع على النفوذ في الشرق الاوسط ، حيث تتداخل الحسابات المحلية بالمعادلات الاقليمية والدولية.

لقد اسفرت الحرب الاهلية في لبنان والتي استمرت حوالي الــــ 15 عام (1975-1990) والتي انتهت بتوقيع إتفاق الطائف الذي وضع الحد لتلك الحرب الاهلية المدمرة التي اثرت على لبنان ، ومن ضمن بنود ذلك الاتفاق التي اتى متوافقا مع الدستور اللبناني هو حصر السلاح في يد الدولة واجهزتها الامنية والعسكرية المختلفة حصرا لضمان وحدة القرار العسكري والسياسي ، غير ان حزب الله رأى في سلاحه انه الركيزة الاساسية في ردع ( اسرائيل ) ومنع قيامها من اي عمل عسكري حربي في المستقبل خصوصا في ظل ضعف تسليح الجيش اللبناني في ذلك الوقت مقارنة مع خبرة وترسانة حزب الله العسكرية . ورغم معارضة العديد من القوى السياسية لوجود سلاح حزب الله في ذلك الوقت غير ان الحزب احتفظ بسلاحه ولم يسلمه لاي جهة حكومية في لبنان .

وبعد الاحداث الاخيرة في سوريا من سيطرة قوات الجولاني ( احمد الشرع ) على الاراضي السورية وهزيمة القوات النظامية لبشار الاسد وهروب الاخير الى روسيا ، انسحب قوات حزب الله من الاراضي السورية ومن المناطق الحدودية بسبب الضغوطات والتغيرات الجديدة اضافة الى قيام الطيران الحربي (الاسرائيلي ) بالعديد من عمليات القصف طالت افراد وقيادت حزب الله لعل اهمهم السيد حسن نصر الله الامين العام للحزب والذي قضى بسبب ضربة جوية مركزة .

فقد اصبح الحديث عن نزع سلاح حزب الله محورا اساسيا لحكومة ( نواف سلامة ) الجديدة والتي تحضى بدعم عربي ودولي والتي اعلنت صراحة انها سوف تقوم بخطوات عملية لنزع سلاح حزب الله من الجنوب اللبناني تنفيذا لقرارات دولية حالية وسابقة ولمنع انزلاق لبنان الى اتون حرب جديدة مع ( اسرائيل ) قد تكون الحجة لتدمير لبنان بعمليات عسكرية همجية خصوصا ان الكيان الصهيوني لا يتلزم بأي معايير انسانية او دولية .

عقبات امام عملية نزع السلاح

  • ان حزب الله اللبناني ما زال يمتلك ترسانة صاروخية وعسكرية غير معلن عنها رغم العلميات الممنهجة التي قامت بها جيش الاحتلال ( الاسرائيلي ) في قصف البنى التحتية للحزب .
  • الانقسام السياسي والطائفي بين التنوع اللبناني حيث انه منقسم على مسألة نزع سلاح الحزب بين مؤيد ومعارض لتلك العملية حيث ان اي خطوة غير توافقية سوف تكون محفوفة بالمخاطر . حيث يرى المؤيدون لسلاح حزب الله ( ضمن بيئة الحزب وحلفائه ) ان السلاح هو رادع استراتيجي يحمي لبنان من الاعتداءات ( الاسرائيلية ) او اي تهديد إرهابي اخر ، في حين ان المعارضون لوجود سلاح حزب الله ( قوى 14 اذار سابقا ) يرونها مصدر لتهديد السيادة اللبنانية وسبب لعزل لبنان دوليا ويعمق الانقسام الطائفي ويضع القرار العسكري خارج يد المؤسسات الشرعية .
  • الوضع الامني على الحدود حيث ان استمرار التوتر مع (اسرائيل ) يوفر للحزب المبرر الكافي للاحتفاظ بسلاحه لإغراض الردع امام جيش العدو.
  • تمسك أيران الداعم الرئيسي للحزب بسلاحه وعدم موافقتها علنا حول اجراءات لبنان بنزع سلاح الحزب ، اذ اوفدت ( علي لاريجاني ) أامين عام المجلس القومي الايراني الى لبنان للقاء القيادات السياسية في خطوة عدت رفض ايران الصريح لتلك الاجراءات والقيام بمفاوضات مع القيادة السياسية لغرض الابقاء على ترسانة الحزب العسكرية . كما ان ايران تعتبر الحزب ذراعها المتقدمة على حدود ( اسرائيل ) و أداة من ادوات نفوذها في المنطقة .
  • الرفض الصريح للشيخ ( نعيم قاسم) الامين العام لحزب الله من القاء السلاح وتسليمه الى القوات الحكومية في لبنان ، حيث عبر في خطابه الاخير عن رفض الحزب وقياداته تسليم السلاح الى القيادة السياسية في لبنان وان الحزب سوف يسلم سلاحه فقط الى ( الامام المهدي ) في خطورة اثارت اعتبارات دينية بحتة .

السيناريوهات المحتملة :

  • الحوار الوطني الشامل : اي بمعنى الحفاظ على القرار الوطني ودمج سلاح حزب الله وقواته مع افراد الجيش اللبناني في إطار تسوية سياسية وضمن خطة زمنية تضمن بقاء عناصر الحزب في اطار قوة دفاع وطنية مع تحويل السلاح الثقيل والترسانة الصاروخية الى الجيش اللبناني ولكن هناك رفض عربي لتلك الخطوة .
  • التسوية الاقليمية : اي ربط نزع سلاح حزب الله بتفاهمات اوسع تشمل ربما الملف النووي الايراني وقضية الصراع العربي _ الاسرائيلي واتفاقات ابراهام .
  • الحفاظ على الوضع القائم : اي استمرار الجمود السياسي وبقاء الحزب مسلحا وهو السيناريو الاكثر قربا في الوقت الحالي نظرا لتعقيدات الملف.
  • التصعيد والمواجهة : هو السيناريو الاخطر ، اذ قد يقود رفض القيادة السياسية لحزب الله نزع السلاح الى حرب أهلية او مواجهة جديدة شاملة مع العدو (الاسرائيلي ) .

ان نزع سلاح حزب الله ليس مجرد مسألة امنية او عسكرية او سياسية ، بل هو قضية سياسية جيوستراتيجية معقدة تمس جوهر التوازنات الداخلية في لبنان ومعادلات النفوذ في الشرق الاوسط ، ان اي محاولة لحل هذا الملف المعقد تتطلب رؤية شاملة تجمع بين الاصلاح السياسي الداخلي وتقوية مؤسسات الدولة وبين الضمانات الامنية الحقيقية وتفاهمات اقليمية ودولية . ويظل مسألة سلاح حزب الله رهينة التطورات المتسارعة في المنطقة وبين مسار المفاوضات النووية لايرانية الى احتمالات الحرب او السلم مع ( إسرائيل ) مرورا بمدى قدرة اللبنانيين على التوصل الى صيغة حكم قادرة على فرض سلطة الدولة على كامل التراب الوطني وتحقيق المصالحة الشاملة بين كافة الطوائف في لبنان .

3.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى