الدراسات البحثيةالعسكريةالمتخصصة

الأسلحة المستقلّة: بين التحوّلات العسكرية وتحديات تطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني

Autonomous Weapons: Military Transformations and Challenges of applying the Principles of International Humanitarian Law

اعداد :نيفين عبد الله مرعش – باحثة قانونية وطالبة دكتوراه في القانون الجنائي في المعهد العالي للدكتوراه في الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، الجامعة اللبنانية – سنّ الفيل.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة :

في عصر تسارعت فيه التطورات التكنولوجية وتغيّر فيه وجه الحروب بشكل جذري، برزت الأسلحة المستقلة كأحد أبرز معالم هذا التحوّل الذي يعيد رسم ملامح ميادين القتال. تعرف الأسلحة المستقلة أيضًا بـ “الأسلحة ذاتية التشغيل” أو “الخوارزميات القاتلة”، وهي تشكّل أنظمةً مؤتمتةً قادرةً على رصد الأهداف وتقييم التهديد واتّخاذ القرار بالقتل دون أيّ تدخل بشري مباشر. ولقد تزايد في الآونة الأخيرة الاستخدام الضاغط لهذه الأسلحة في ميدان النزاعات المسلّحة، الدولية منها وغير الدولية. خلق ذلك مخاوف استراتيجية وقانونية، وفتح الباب أمام نمط جديد من الصراعات تتولاه أنظمة آلية تتميز بدرجة عالية من الدقة تتجاوز القدرات البشرية في بعض المجالات. إزاء هذا التطوّر السريع لأسلحة وأساليب النزاعات المسلّحة، لم يعد من السهل على القانون الدولي الإنساني ضبط الثغرات القانونية التي طرحها هذا التطوّر إبّان التحوّل من الجيوش العسكرية إلى الآلات المجنّدة.

فمن الناحية الاستراتيجية، أصبحت المنظومات المستقلة محورًا أساسيًا في إدارة الحروب، فهي تؤثّر ليس فقط في التكتيك العسكري، بل وفي هيكلية الاستراتيجيات العسكرية الحديثة أيضًا ([1]). بالتالي، شكّلت الأسلحة المذكورة عاملًا حاسمًا في إعادة تشكيل أساليب القيادة والسيطرة في الجيوش الحديثة، ما رفع من دقّة الخطط العسكرية، وعزّز التفاعل مع متغيرات ساحة المعركة بشكل سريع وفعّال. هذا وقد أكّد الباحث والكاتب الألماني كريستيان بروس أنّ التقنيات التكنولوجية الناشئة ستغيّر من طريقة خوض الحروب، إلّا أنّها لن تغيّر من طبيعتها العنيفة، لا بل ستزيد من حدّتها ([2]).

تأسيسًا على ذلك، وفي ظلّ مساهمة هذه المنظومات الحديثة، شأنها شأن العقل البشري، في جزء أساسي من عمليات تحليل البيانات واتّخاذ قرارات الاستهداف في النزاعات المسلّحة المعاصرة ([3])، نتجت عن مساهمتها هذه أخطاء وآثار سلبية جسيمة. من هذا المنطلق، نشأت صعوبات جمّة في تفسير وتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني على هذه المنظومات التقنية التي تلعب دورًا فاعلًا في ساحة المعركة. فلقد أثار استخدام الأسلحة موضوع الدراسة تساؤلات كثيرة ارتبطت بصورة مباشرة بمبادئ القانون الدولي الإنساني التي تهدف إلى حماية المدنيين وتقنين استخدام القوة في النزاعات المسلّحة. بناءً على ذلك، ومع تطوّر منظومات القتال المعاصرة، تبرز أسئلة هامة تتمحور حول التحديات القانونية والأخلاقية التي قد تطرأ نتيجة استخدام الجندي الآلي في النزاعات المسلّحة. وعليه، فإنّ التطورات المتسارعة في مجال منظومات القتال المستقلة تثير تساؤلات جوهرية حول مدى كفاية الأطر القانونية القائمة لضبط استخدامها، وهذا ما تقصده هذه الدراسة من خلال طرح الإشكالية التالية.

إشكالية الدراسة:

بتحليل أساسيات الموضوع، يمكن القول إنّ إشكاليات الدراسة إنّما تدور حول تساؤلين أساسيين هما التاليان: كيف ساهمت الأسلحة المستقلة في قلب موازين القوّة العسكرية المعاصرة، وما مدى كفاية قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني الحالية لضبط استخدامها؟ بمعنى آخر، هل تكفي قواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئه الحالية لضبط استخدام هذه الأسلحة، أم ثمة حاجة لتطوير قواعد جديدة تتعامل مع خصوصياتها وتحدياتها؟

أهمية الدراسة:

تكمن أهمية هذه الدراسة في تأكيد ما قد ينبثق عن استخدام الأسلحة المستقلة في ميادين المعارك من أضرار جسيمة تلحق بالفئات المحمية بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، سيّما اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949، والبروتوكولين الإضافيين الملحقين للعام 1977. فتشكّل أنظمة الأسلحة المذكورة آلات مبرمجة، قد تخطئ في إصابة الأهداف وتحقّق آثارًا غير مشروعة في ساحات المعركة، كالخسائر البشرية والأضرار بالأعيان المدنية. أمام ذلك، تحتّم الضرورة بيان مدى إمكانية تطبيق مختلف القواعد القانونية المعنية بالنزاعات المسلّحة على هذه الأنظمة غير التقليدية، التي تعدّ أكثر الأسلحة إثارةً للجدل في العصر الراهن.

خطة الدراسة:

تأتي هذه الدراسة لتتناول مدى كفاية قواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئه لضبط استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل، بحيث تقتضي التحوّلات العسكرية الراهنة دراسة مسائل ترتبط بطبيعة السلاح الذكي كجندي آلي يحارب في ساحة المعركة ومدى خضوعه للقيود والمبادئ المفروضة دوليًا. وستتم مناقشة هذه الإشكالية في دراسة تقوم على محاور ثلاثة. يتناول الأوّل ماهية الأسلحة المستقلة وخصائصها التي تميّزها عن سائر أسلحة النزاعات المسلّحة. فيما يركز المحور الثاني على دور هذه الأسلحة في تصعيد وتأجيج الصراعات المعاصرة، مع بيان أبرز نماذجها الفاعلة في هذا المجال، من مسيّرات إلى روبوتات قتالية. أمّا عن المحور الثالث، فيخصّص لدراسة أبرز الإشكاليات القانونية المثارة في هذا الميدان، سيّما تلك المتعلّقة بمدى امتثال الأسلحة موضوع البحث لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني.

منهج الدراسة:

ستعتمد هذه الدراسة المنهج التحليلي، وذلك عبر بيان مدى مسايرة قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني للابتكارات التكنولوجية المستقلة غير التقليدية التي تشهدها النزاعات المسلّحة، بحلّتيها الدولية وغير الدولية. فستقوم هذه الدراسة بتحليل دور الأسلحة المستقلة في إعادة تشكيل واقع الميادين العسكرية من جهة، وفي مراجعة القواعد الدولية والمبادئ الراعية للنزاعات المسلّحة المنبثقة عن القانون الدولي الإنساني من جهة ذلك. كلّ ذلك بهدف التوصل إلى تحديد آليات تعزيز هذه المبادئ وتقديم المنافذ الملائمة لضمان تطبيقها في ظلّ التغيرات الراهنة.

المحور الأوّل: ماهية الأسلحة المستقلة وسماتها المميزة في النزاعات المسلّحة المعاصرة.

ترتكز النزاعات المسلّحة المعاصرة في هجماتها العسكرية على خوارزميات قاتلةٍ قادرةٍ على اتّخاذ قرارات مستقلّة تقوم على تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تمكّن الجيوش من برمجة الأسلحة المستخدمة ذاتيًا للاشتباك. فتتميّز المعارك الحالية، إلى جانب العمليات التقليدية، بالمركبات غير المأهولة التي يتم التحكّم بها عن بعد، والأسلحة التي تعمل بصورة مستقلة عن التدخل البشري، ما يعزّز من فعالية النزاع ويقلّل من المخاطر البشرية في صفوف العدوّ ([4]). بالتالي، أصبح المجال العسكري أولى المجالات المعنية بأنظمة الذكاء الاصطناعي لتعزيز القدرات الهجومية والدفاعية، ودرء أي خطر يهدّد كيان الدولة ومكانتها ([5]).

من هذا المنطلق، ولفهم موقع الأسلحة المستقلة في النزاعات المسلّحة المعاصرة، يجب بدايةً الوقوف على مفهوم هذه الأسلحة وأبرز خصائصها، بوصفها أحدث وسائل القتال. لذلك، ستتم دراسة هذا المحور في فقرتين، نناقش في الأولى مفهوم الأسلحة المذكورة آنفًا، فيما نناقش في الثانية أهم سماتها التي تميّزها عن غيرها من الأسلحة المستخدمة.

أوّلًا: تعريف الأسلحة المستقلة الفاعلة في ميدان النزاعات المسلّحة المعاصرة.

بدأ الاهتمام بمنظومة الأسلحة المستقلة عندما ثبتت زيادة استخدامها فى ميدان التسليح العسكري، ما زاد من التعقيدات، وأدّى إلى خرق مبادئ النزاعات المسلّحة ([6]). أمام هذه الخروقات، سعى العديد من الجهات القانونية الدولية إلى توضيح مفهوم الأسلحة ذاتية التشغيل لما تجسّده آثارها من خطورة جسيمة. بناء عليه، اعتبرت اللّجنة الدولية للصليب الأحمر أنّ مصطلح منظومات الأسلحة التلقائية هو «مصطلح يشمل كافّة منظومات الأسلحة، سواء كانت تعمل في الجوّ أو على البرّ أو في البحر بتلقائية وظائفها الحساسة، مؤكّدة أنّ الأسلحة المستقلة هي تلك التي تبحث أو تكشف أو تتعقب وتهاجم القوّات وتدمّر أهدافًا دون تدخل بشري يذكر ([7]).» وعلى صعيد آخر، عُرفت الأسلحة المستقلة بأنّها «أي منظومة أسلحة تتميز بدرجة من الاستقلالية في وظائفها الحاسمة المتمثلة في اختيار الأهداف ومهاجمتها، ويشمل ذلك منظومات الأسلحة القائمة وتلك التي من المقرر تطويرها في المستقبل ([8]).» كما كان لوزارة الدفاع الأميركية دورٌ في تعريف هذه الأسلحة كالتالي: «الآلة أو الجهاز الذي يعمل تلقائيًا أو بالتحكم عن بعد ([9]).» أمّا عن الاتّحاد الأوروبي، فلقد عرّف قرار البرلمان الأوروبي الصادر في 12 أيلول من العام 2018 الأسلحة ذاتية التشغيل بأنّها «تلك التي تعمل دون سيطرة بشرية، يقوم مغزاها الأساسي على وظائف حاسمة متمثّلة في اختيار الأهداف الفردية وشنّ الهجوم ضدّها ([10]).» وبالمثل، ترى منظّمةwatch  Human rights بأنّ الجيل الثاني من الأسلحة في الترسانات العسكرية قد يكون الروبوتات القاتلة المستقلة؛ تعرف هذه الأخيرة بأنّها «آلات قادرة على اختيار أهداف محددة وتدميرها دون تدخل بشري إضافي ([11]).» بينما يذهب البرلمان الأوروبي إلى القول بأن الأسلحة ذاتية التشغيل «هي أنظمة أسلحة ذاتية، يمكن أن تنفذ عمليات قتل دون تدخل العنصر البشري، وهي تولّد مخرجات كالمحتوى أو التنبؤات أو التوصيات أو القرارات التي تؤثر في البيئات التي تتفاعل معها ([12])

من مراجعة مختلف هذه التعاريف، يتبيّن تركيزها على الشقّ التقني للأسلحة المستقلة، بحيث تم ربطها بصورة مباشرة بالوظيفة التلقائية البعيدة عن التدخل البشري. جاءت هذه التعاريف بمعظمها مفتقرة لجوانب عدّة، أهمها الجوانب السلوكية التي تقوم عليها هذه الأسلحة، والآثار الخطيرة التي قد تنبثق عنها. يعود السبب برأينا في غياب هذه الجوانب إلى ما يعتقده المجتمع الدولي من أنّ استخدام منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل ليس سوى استخدام لوسيلة من وسائل الحرب، لا يختلف في المبدأ عن استخدام أي سلاح آخر. كما نعتقد أنّ عدم تركيز معظم التعاريف على الآثار الخطيرة لهذه الأسلحة إنّما يعكس نقصًا في تحليل المخاطر القانونية والإنسانية التي قد تنشأ. فالمعضلة لا تقتصر على الاستخدام التكنولوجي لهذه الأسلحة، بل تشمل التأثيرات الخطيرة التي قد تترتب على استخدامها في النزاعات المسلّحة المعاصرة والتي قد تطال مختلف فئات المدنيين. تبعًا لذلك، وفي ظلّ النقص المشار إليه، فإنّنا نعطي الأسلحة المستقلة التعريف التالي: «هي أنظمة تسليح عن بعد، تتخّذ قرارات حاسمة بشأن تحديد الأهداف، واستهدافها، وتنفيذ الهجمات بشكل مستقلّ، دون تدخل بشري في مختلف مراحلها الحيوية. تعمل هذه الأنظمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تمكّنها من أداء مهام قتالية بشكل ذاتي في بيئة القتال، بهدف تحسين دقّة الهجمات وتقليل الأضرار البشرية في صفوف العدوّ والأضرار الجانبية في صفوف المدنيين في مختلف النزاعات المسلّحة.»

ثانيًا: سمات الأسلحة المستقلة الفاعلة في ميدان النزاعات المسلّحة المعاصرة.

تتميّز الأسلحة المستقلّة بسمات عدّة، تأتي الاستقلالية في طليعتها. يقصد بالاستقلالية العمل دون تدخّل بشري بدرجة من الأوتوماتيكية، فترتبط هذه الأسلحة بالعديد من السلوكيات التي تضعها في جانب الأدوات الأوتوماتيكية الخاصة ([13]). تزوّد أنظمة هذه الأسلحة بالخدمات العسكرية التلقائية التي تسمح لها بالعمل باستقلالية خارج البيئات المنظّمة، ممّا يساعدها على أداء دورها بفعالية في أماكن غير ملائمة للبشر كمواقع الكوارث النووية والفضاء الخارجي والسيبراني ([14]). تكتسب هذه الأسلحة الوعي والإدراك عبر البيانات التي يتم إدراجها مسبقًا وبرمجيات التعلم الآلي والشبكات العصبية الاصطناعية، التي تجعلها قادرةً على التحليل بصورة مستقلة ([15]). ونظرًا لحساسية وأهمية سمة الاستقلالية التي تتمتّع بها الأسلحة المشار إليها، أصدرت الولايات المتّحدة الأميركية في شباط من العام 2012 سياسة خاصة بتصنيفها وفق معيار إدارتها الذاتية، فحدّدت لها ثلاث فئات أساسية.

تقوم الأولى على نظم الأسلحة ذات الاستقلالية التامة، التي يكون التحكم البشري فيها مستبعدًا. يكون المشغّل البشري في هذا المستوى خارج دائرة التحكّم في السلاح أو في قراراته ([16])، بحيث يعتمد السلاح في هذا الإطار على فهم البيئة والميدان العسكري الذي يعمل بهما ووضع التصورات المناسبة لهما، ثمّ يحدّد مسار العمل والاختيار من بين البدائل المتاحة أمامه. من ثمّ، يتّخذ السلاح المستقل الخيار الملائم دون الاعتماد على الرقابة والسيطرة البشرية ([17]). هذا ويشير معظم الدراسات إلى أنّ الأسلحة القائمة على الاستقلال التام لا تزال محدودة العدد والاستعمال ([18]). وتعتبر القذائف الجوالة أو المتسكّعة ([19]) أبرز الأمثلة على هذه الأسلحة، فهي قذائف تلاحق الأهداف المتنقّلة تلقائيًا وتدمّرها دون أيّ تدخل بشري ([20]).

أمّا عن الفئة الثانية من الأسلحة التي تناولتها سياسة الولايات المتحدة الأميركية، فتشمل أنظمة الأسلحة شبه المستقلة التي تعمل تحت إشراف بشري والتي تعرف بأنظمة التحكّم الجزئي. تسمح هذه الأنظمة للجيوش بالإشراف على الأسلحة المستخدمة لناحية بدأ تشغيلها أو إنهائه، مع الاعتراف لها بقدرٍ عالٍ من الاستقلالية ([21]). توضيحًا لذلك، يبرمج المشغّل الأهداف النهائية لمنظومة الأسلحة ويفعّلها ويشرف على طريقة عملها، على أن تعمل فيما بعد بصورة مستقلة، فتكون قادرة على ترجمة هذه الأهداف إلى مهام تنّفذها تلقائيًا. بالتالي، يقتصر دور المشغّل في هذه المرحلة على تشغيل وإيقاف عمل المنظومة إذا ما تبيّن له إمكانية فشل العملية حؤولًا دون الضرر المحتمل. لكن لا يفوتنا أن ننوّه أنّ القدرة على إلغاء الهجوم كثيرًا ما تكون محدودةً، إذ تقاس عمليات اتّخاذ القرارات عادةً بالنانو ثانية، فيتعذّر عمليًا على المشغّل الوصول إلى الأسس المعلوماتية لتلك القرارات في الوقت المناسب. بالتالي، يكون المشغّل البشري في هذه الحالة خارجًا عن دائرة التحكم بالسلاح ما قد ينتج عنه آثارٌ خطيرة. وفي واقع الأمر، يعمل معظم الأسلحة المستقلة في نزاعات اليوم بطريقة التحكم الجزئي، فعادةً ما يتم التعامل مع هذه الفئة من الأسلحة كملحقات بشرية وليس كقوّة قاتلة مستقلّة تمامًا ([22]). كما يشير بعض الدراسات إلى كثرة استخدام هذا النوع من الأسلحة في النظم الدفاعية العسكرية، إذ يَستعمل حوالي 30 دولة ([23]) أنظمة دفاعية تعمل تحت إشراف إنساني وتتمتّع بقدرة عالية من الاستقلال ([24]).

وفيما يختصّ بالفئة الثالثة للأسلحة المستقلة، فتقوم على الأنظمة الخاضعة كليةً إلى التحكّم البشري، وهي أدنى فئات الأوتوماتيكية والأتمتة، إذ يكون المشغّل البشري في دائرة السيطرة والتحكم وإعطاء الأوامر ([25]). يقتصر دور السلاح في هذا المجال على التعامل مع هدف معين أو مجموعة من الأهداف المحدّدة يتم اختيارها مسبقًا ([26]). بالتالي، ترتكز هذه الفئة على منح السلاح الذكي قدرة على اختيار الهدف أو القيام بأي وظيفة بأمر من المشغّل البشري دون إمكانية التصرف في ساحة المعركة. تستخدم هذه الفئات من الأسلحة عادةً في إطار النظم الدفاعية التي يمكن نشرها في بيئات بسيطة كنظم ثابتة وتفعيلها لإصابة الأجسام بدلاً عن البشر ([27]). وتعتبر طائرة Predator ([28]) غير المأهولة أبرز تجسيد لهذا النوع من الأسلحة. تعمل هذه الطائرة وفق نظام سلاح أوتوماتيكي يبقى الإنسان فيه ضمن الحلقة، ويتم التحكم بها عن بعد عبر طيار بشري قابع على الأرض ([29]). ورغم الاستخدام المتزايد للأسلحة المستقلة بمختلف فئاتها، يبقى من الصعب عمليًا التمييز بين مختلف مستويات الاستقلالية التي تتمتّع بها. فلقد أفرز نشر أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل تعقيدات كبيرة، سيّما لناحية تحديد نطاق وحدود المشاركة البشرية في تشغيلها ([30]).

أمّا عن صفة التعلّم والتكيّف والتأقلم، فتحتاج الأسلحة المستقلة نوعًا من الذكاء يسمح لها بالإدراك واستخدام معلومات معقّدة وتحليلها لتنفيذ المهمة الموكلة إليها باستقلالية. لذلك، يقوم العلماء والقادة الاستراتيجيين اليوم بتزويد الأسلحة الحديثة بأنظمة فائقة التعقيد لتمكينها من اتّخاذ قرارات بمعزل عن أي تدخل بشري مفرط. هذا وتُعرف خاصية التعلّم السريع بما أطلق عليه تقنيًا التعلّم الآلي العميق ([31]). في هذا الصدد، أشارت دراسات اللّجنة الدولية للصليب الأحمر إلى وجود منظومات أسلحة مزوّدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على التعلّم عبر المحاكاة أو التجربة المباشرة في ميدان المعركة أو عبر الطريقتين معًا. يشرف القادة الاستراتيجيون في هذه الحالة على التعلّم، بعد أن يمدّوا الأسلحة بكافة البيانات الأمنية والعسكرية اللازمة التي يتعرّف عليها فيما بعد النظام الذكيّ ([32]).

بالمقابل، يمكن أن يقع التعلّم دون اتّصال بشبكة المعلومات الدولية عبر مجموعة بيانات ثابتة يتم تزويد السلاح بها مسبقًا، بحيث يكتفي السلاح في هذه الحالة بالتعلّم وفق البيانات المتوافرة وتحليلها دون التمكّن من الاستمرار في التعلّم، فيصل إلى حدّ العلم الذي وضعه له المشغّل البشري. أمّا في حال اتّصال أنظمة الأسلحة المستقلة بشبكة المعلومات الدولية، فإنّها تستمر في التعلّم، وفي هذه الحالة فقط تتغير مدخلات البيانات بصورة متواصلة، فتستمر هذه الأنظمة في تحديث بياناتها وتحليلها ما يمكّنها من تكييف قدراتها وقراراتها مع مدخلات البيئة المحيطة بها ([33]). ويؤكّد العديد من الدراسات أنّ النظام المرتبط بشبكة المعلومات الدولية، الذي يستمر في التعلم وتقليب البيانات وتحليلها، يصبح بعد فترة وجيزةٍ مختلفًا تمامًا عن النظام الذي تم تفعيله مسبقًا من المشغّل البشري. فالمسألة تصبح أكثر تعقيدًا في مجال الأسلحة ذات الأنظمة التكنولوجية التكيفية، التي تتأقلم والبيئة التي تحيط بها وتتصرّف بصورة ميكانيكية تلقائية كاملة أو شبه كاملة ([34]). يتم استخدام هذا النوع من الأنظمة لإطلاق السلاح داخل النطاق المحدّد له، فيستمر في تحديث سلوكياته عبر التجربة، ليصبح قادرًا على تجنّب الخطأ في اختيار الهدف ومهاجمته وإطلاق النار عليه في عملياته اللاحقة ([35]).

بناء على ما ذُكر، تشكّل الأسلحة المستقلة هذه، بمختلف خصائصها، ثورة تكنولوجية في النزاعات المسلّحة، فإنّ استنادها إلى الذكاء الاصطناعي وقدرتها على اتّخاذ قرارات قتالية بشكل مستقلّ أو شبه مستقلّ يعزز من فاعليتها ويقلّل من المخاطر البشرية. ومع ذلك، تثير هذه الأسلحة تحديات قانونية وأخلاقية معقدة، سيّما فيما يتعلق بدرء المخاطر وحماية المدنيين. إلّا أنّه ومن المهم لشرح دور هذه الأسلحة الحديثة أن يستمر نقاشنا في المحور الثاني حول أبرز نماذجها وتطبيقاتها العملية في النزاعات المسلحة المعاصرة.

المحور الثاني: نماذج الأسلحة المستقلة كعوامل تصعيد في النزاعات المسلّحة المعاصرة.

تتّخذ الأسلحة ذاتية التشغيل نماذج متعدّدة تستخدم بوتيرة متزايدة في ميادين النزاعات المسلّحة الحديثة، وتعتبر الطائرات دون طيّار والروبوتات القتالية أكثرها استخدامًا. تبعًا لذلك، ستتم دراسة هذا المحور عبر فقرتين اثنتين. تتناول الأولى الطائرة المسيّرة بوصفها التطبيق الأبرز للأسلحة المستقلة والأكثر استخدامًا في النزاعات المسلّحة المعاصرة. فيما تتفرّد الثانية في دراسة واقع استخدام الروبوت القتالي في نزاعات اليوم بوصفه التطبيق الأخطر للأسلحة المستقلة ذاتية التشغيل.

أوًلًا: الطائرة المسيّرة: التطبيق الأبرز للأسلحة المستقلة في النزاعات المسلّحة المعاصرة.

تجسّد الطائرات المسيّرة أو الطائرات دون طيار أو الدرونزDrones) ) نتيجة حتمية للتطوّر التكنولوجي المتنامي، وانعكاساته على مجالات متعدّدة، أهمّها المجال العسكري. فلقد اعتبر تبني المسيّرات واستقلالها في الميدان العسكري عاملين فعالين لإضعاف قوّة العدّو واستنزاف قدراته، لما يلعبه المجال الجوي من دور جوهري في حسم النزاعات المسلّحة. تباينت التعاريف بشأن هذه الطائرات ([36])، سيّما في ظلّ غياب تعريف دوليّ مقبول عالميًا، فسعى العديد من الفقهاء والمنظّمات الدولية المختصة إلى محاولة تعريفها. عرّف البعض هذه الطائرات بأنّها «طائرات ذات أشكال تقليدية مختلفة، تتم السيطرة عليها عن بعد، من خلال برامج محدّدة لذلك، أو أجهزة تحكّم خاصّة ([37]).» فيما عرّفها آخرون كالتالي: «مركبات جوّية تطير من دون طاقم بشري، بحيث تطير مستقلّة بذاتها أو توجّه عن بعد، وتستخدم القدرة الجوية الديناميكية التي تسمح برفعها؛ كما تستطيع هذه المركبات أو تحمل حمولة قاتلة أو مهلكة أو غير ذلك ([38]).» هذا وعرّفت منظمة الطيران الدولي المدني إيكاو ICAO الطائرة المسيّرة بأنّها «الطائرة بدون طيّار التي لا تسمح بتدخل الطيار في إدارة الطيران ([39]).» كذلك، عرّفت وكالة سلامة الطيران الأوروبية EASA الطائرة دون طيّار بأنّها «مجموع من عناصر نظام فردية ومحطّات تحكّم وصلات القيادة والسيطرة وعناصر الانطلاق والعودة ([40]).» من مراجعة مختلف هذه التعاريف، يظهر اتّسامها بالطابع العمومي، فهي تتحدّث عن وظائف الطائرات المسيّرة بشكل عام، دون التركيز على تطبيقاتها العسكرية أو المدنية، كاستخدامها في الحروب والمهام الأمنية. لذلك، ارتأينا تعريف الطائرات دون طيّار كالتالي: «مركبات جوية تعمل دون طاقم بشري، تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم عن بُعد؛ تُستخدم في التطبيقات المدنية والعسكرية، وتتراوح وظيفتها بين جمع المعلومات الاستطلاعية والمراقبة والتصوير وتنفيذ الهجمات العسكرية. يفرض استخدام هذه الطائرات في الحروب تحديدًا دقيقًا لكيفية ترتيب المسؤوليات الجزائية المترتبة عن أي ضرر قد ينتج.»

تستخدم الطائرات المذكورة بشكل واسع في النزاعات المسلّحة، سيّما تلك ذات الأغراض العسكرية ([41])، وتتنوّع في المجال العسكري بين طائرات بالغة الصغر أو صغيرة، وثانية متوسطّة الارتفاع، وثالثة ذات ارتفاع عالي. يقوم التمييز بين هذه الأنواع من المسيّرات العسكرية على معيار مدى القدرة على التحليق والارتفاع ([42]). هذا ويبقى استخدام مختلف المسيّرات على اختلاف ارتفاعاتها خاضعًا في المبدأ لأحكام المادة 8 ([43]) من اتفاقية شيكاغو المعنية بالطيران المدني للعام 1944. أكّدت هذه الاتفاقية على حظر تحليق أي طائرة بدون طيار فوق أراضي دولة متعاقدة دون الحصول على إذن خاص من تلك الدولة ووفقًا لشروط هذا الإذن. وفي مستهل الحديث، تساهم المسيّرات في رصد المواقع المستهدفة ومراقبة التحركات العسكرية ومناطق التوتر في العالم. يحمل العديد من المسيّرات كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأجهزة ملاحة جوية GPS وأجهزة ليزر، أضف إلى أنظمة الأقمار الاصطناعية ([44])، فعادًة ما تعدّ هذه الطائرات لغرض الاستطلاع الجوي ومراقبة الحدود الأرضية والبحرية للدول المعادية.

هذا وقد تمّ توسيع دائرة استخدام الطائرات دون طيّار العسكرية، حتى تمّ الاعتماد عليها في العديد من المهام العسكرية والقتالية والهجومية، كاستهداف المواقع، وضرب الأهداف، عبر تسليحها وتزويدها بالقنابل والصواريخ. فلقد استخدم العديد من المسيّرات العسكرية في ضرب الأهداف العسكرية، كما حصل من قبل الولايات المتحدة الأميركية مثلًا في حروبها ضدّ أفغانستان في العام 2001، والعراق في العام 2003، واليمن منذ العام 2015 ([45]). ولهذه الطائرات أيضًا دور فعّال في النزاعات المسلّحة، عبر أدائها أخطر المهام العسكرية، فهي تعد الأنسب لتنفيذ العمليات طويلة المدة التي تتطلّب أكثر من 30 أو 40 ساعة. كما تعد هذه المسيرات الأنسب للطيران في السحب النووية بعد انفجار القنبلة مباشرة نظرًا لقدرتها على البقاء لفترات طويلة في بيئات خطرة دون تعريض الطيارين للمخاطر ([46]). في الإطار عينه، لعبت الطائرات دون طيّار دورًا فعالًا في الحرب الروسية الأوكرانية، فلقد نجح الجيش الروسي في فرض حظر جوي شبه كامل على أوكرانيا بالاعتماد على الطائرات المسّيرة القائمة على نظام التحكُم الآلي. ربط هذا الأخير بين المعلومات والقيادة والأسلحة المُستخدمة في بيئة القتال، ما أتاح للقائد العسكري تقدير الحالة القتالية بشكل دقيق في لحظة اتّخاذ القرار. كما ساهم هذا النظام في دمج منظومتي الدفاع الجوي الروسي S400 وPantsir-S، وربطهما بالقوات الجوية والبحرية الروسية. ولقد سبق للجيش الروسي اختبار طائرات هذه المنظومة قبل حربه على أوكرانيا، إذ أجرى عليها العديد من التدريبات في شبه جزيرة القرم خلال العام 2019 ([47]). وفي النزاع المسلّح السوري، استُخدمت أسراب من الطائرات دون طيّار، علمًا أنّ موسكو قد فشلت في بعض الحالات في استخدام الذكاء الاصطناعي بنفس الفعالية، فلم تستطع التصدي لكافّة هجمات الطائرات مُنخفضة الارتفاع وصغيرة الحجم التي استُخدمت في سوريا منذ العام 2011 ([48]).

بناءً عليه، تُعتبر الطائرات المسيرة النموذج الأبرز والأسهل انتشارًا بين الأسلحة المستقلة في النزاعات المسلّحة المعاصرة، لما توفره من قدرة عالية على تنفيذ مهام الاستطلاع والهجوم بدقة وفعالية، مع تقليل المخاطر البشرية. ورغم هذه التطبيقات العملية للمسيّرات في الميدان العسكري، فلا مناص من القول إنّ استخدام الأسلحة المستقلة لا يقتصر عليها، فللروبوتات القتالية دورها كسلاح فتّاك في هذا المجال، وإن لم تستخدم فعليًا بعد، فوجودها المستقبلي محتّم المصير. بناء عليه، ستتم دراسة واقع الروبوتات القتالية واستخدامها في النزاعات المسلّحة بوصفها أخطر الأسلحة ذاتية التشغيل المعاصرة.

ثانيًا: الروبوت القتالي: التطبيق الأخطر للأسلحة المستقلة في النزاعات المسلّحة المعاصرة.

يعتبر الروبوت القتالي أحدث الأسلحة العسكرية المستقلة الذي يترتب على استخدامه خسائر فادحة تلحق بالمدنيين والأعيان المدنية، لما قد ينتج عن أعماله من أخطاء ضخمة ([49]). لكن رغم الدور الذي يلعبه الروبوت القتالي في ساحات المعارك الحديثة، لم تتناوله الدول في تنظيماتها لعدم تقييد استخدامه، علمًا أنّه سلاحٌ غير مشروع تتّصف معظم أعماله بالعشوائية ([50]). وعن تعريف الروبوتات القتالية، فعرّفها بعض فقهاء القانون بأنّها «أسلحة ذاتية التحكم، تتّخذ القرار فى ميدان القتال دون تدخل الإنسان ([51]).» من جهة ثانية، عرّفت لجنة حقوق الإنسان في العام ٢٠١٣ الروبوتات القاتلة بأنّها «منظومات سلاح آلية، تستطيع حال تشغيلها أن تختار الأهداف وتشتبك معها، دونما حاجة إلى تدخل إضافي من العنصر البشري الذي يشغلها ([52]).» أمّا عن اللّجنة الدولية للصليب الأحمر، فلقد عرّفت الروبوتات القاتلة كالتالي: «الأسلحة التي يمكنها اختيار الأهداف ومهاجمتها بشكلّ مستقلّ ([53]).» في هذا السياق، تُعتبر هذه التعريفات غامضة ومبسطة، إذ تتجاهل الجوانب التي تظهر طبيعة استخدامات الروبوت القاتل وآليات اتّخاذها القرارات الداخلية المرتبطة بالعمليات العسكرية. كذلك، لم تتعامل هذه التعريفات مع التحديات الأخلاقية والقانونية المترتبة على استخدام هذه الأنظمة في النزاعات المسلّحة. لذلك، يمكن تعريف الروبوتات القاتلة بأنّها «أسلحة آلية قادرة على اتّخاذ قرارات مستقلّة بشأن تحديد الأهداف والاشتباك معها، دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر. تعتمد هذه الأنظمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والبرمجة المسبقة، وتمارس عمليات البحث، والتعقب، والتفجير، والتدمير. تتمتّع هذه الروبوتات بقدرة عالية على التفاعل مع البيئة المحيطة بها، علمًا أنّه قد ينتج عن استخدامها آثارٌ عشوائية جسيمة، ما يثير تحديات قانونية وأخلاقية.»

هذا وتمتاز الروبوتات القتالية بصورة جوهرية بسمة الفتك، التي تعني التهديد الخطير في ميدان المعركة والتسبّب بالموت والأضرار البشرية والمادية، التي يصعب تحديدها بصورة دقيقة أثناء القتال ([54]). تتبلور هذه السمة بصورة مباشرة بالاستخدامات المتنوعّة للروبوتات القتالية التي تتنوّع بين استخدامات هجومية، وخدمات معاونة من مراقبة واستطلاع. كما تُستعمل هذه الروبوتات في الخدمات اللوجستية والمجال الطبّي العسكري ونقل الجرحى، وغيرها من خدمات المعارك ([55]). وتلعب الروبوتات القتالية دورًا في تنفيذ عمليات القتال الجويّ عبر قصف الأهداف الأرضية وتعقّبها ومساندة الطائرات الهجومية المسيّرة. أضف إلى ذلك، يساهم الروبوت القتالي في التشويش على منصات إطلاق الصواريخ وبطاريات الدفاع الجوّي ([56]). تطبيقًا لذلك، صنعت روسيا روبوتات قتالية عرفت بروبوتات “Krot” أو الخلد الانتحارية أثبتت جدارتها في الحرب على أوكرانيا التي بدأت في العام 2014 واشتّدت في العام 2022 مع الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا. ساهم هذا الروبوت القتالي في تدمير مواقع القوات الأوكرانية في منطقة العمليات العسكرية الخاصة، وقد تمّ تجهيزه بمحرّك كهربائي يسمح له بالتحرّك بسرعة عالية وحمل ما يصل إلى 6 ألغام مضادة للدبابات من نوع TM-62، على أن يتم التحكم به لاسلكيًا عبر قنوات مشفّرة. هذا ويستعين مشغل الروبوت بالطائرات المسيّرة لرصد الأهداف بهدف توجيهه نحو الهدف بصورة دقيقة. ولقد تأكّد أنّ الجنود الروس المشاركين في العمليات العسكرية الخاصة بأوكرانيا باتوا يعتمدون بشكل متزايد على الروبوت “Krot”، الذي تمت صناعته في ورشات عسكرية ميدانية. ولقد أثبت الواقع العملي ما لهذه الروبوتات من قدرات في تدمير المخابئ ومراكز الاتصالات والتحكم التابعة للقوات الأوكرانية ([57]).

لكلّ ذلك، أصبح واضحًا أنّ الروبوت القتالي العسكري بات شبيهًا بالإنسان، قادرًا على التحرّك في ميادين القتال المعاصرة، فضلًا عن قدرته على استخدام مختلف الأسلحة الخطيرة. كما بات واضحّا أنّه وحتّى تاريخ اليوم، يعمل معظم الأسلحة المستقلة تحت إشراف بشري وإن كان بصورة ضئيلة. فرغم ما تتّسم به هذه الأسلحة من دقّة في تحديد الأهداف المتوخاة، فإنّها تبقى في الكثير من الأحيان عشوائية الأثر ما قد يحيّدها عن العمل الموكل إليها. فهي في نهاية المطاف آلات مبرمجة، قد تخطأ في إصابة الأهداف وتحقّق آثارًا غير مشروعة في ساحات المعركة، كالخسائر البشرية والأضرار بالأعيان المدنية. بالتالي، يقتضي الأمر ضرورة دراسة كيفية التعامل قانونًا مع هكذا أنواع من الأسلحة كأدوات غير تقليدية قلبت موازين القوى في النزاعات المسلّحة. وهذا ما سيشكل موضوع دراسة المحور الثالث والأخير من هذه الدراسة.

المحور الثالث: تحديات القانون الدولي الإنساني في ضبط استخدام الأسلحة المستقلة.

يلزم القانون الدولي الإنساني الدول بضرورة وجود العنصر البشري عند استخدام الأسلحة المستقلة، بحيث يتوجب على الجيوش المتحاربة الاستعانة بالمقاتلين البشر دون غيرهم في مختلف عملياتها العسكرية. أكّدت على ذلك المادة الأولى ([58]) من اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي المعنية بقوانين وأعراف الحرب البرية للعام 1907 عندما نصّت على أنّ المقاتل في النزاعات المسلّحة يجب أن يكون مقاتلًا خاضعًا لقيادة شخص مرؤوس. بالاستناد إلى المادة المذكورة يمكن القول إنّها تفترض بصورة جوهرية أن تبقى كافة صور الأسلحة المستخدمة في النزاعات المسلّحة خاضعة لسيطرة الإنسان، بحيث يكون لهذا الأخير القرار النهائي في إطلاق النار وإصابة الأهداف. إلّا أنّ الواقع العملي، الذي أكّد اللّجوء المتزايد إلى الأسلحة ذاتية التشغيل، سيّما تلك التي تراجعت في استخدامها السيطرة البشرية، يفترض دراسة تحديات إخضاع منظومات هذه الأسلحة لمختلف المحظورات والقيود الدولية والمبادئ الأساسية التي يفرضها القانون الدولي الإنساني والمنطبقة على النزاعات المسلّحة.

أوّلًا: مدى امتثال الأسلحة المستقلة لقيود الحظر المحدّدة وفق القانون الدولي الإنساني.

أمام غياب النصوص الصريحة التي تلزم الدول باقتناء واستخدام أسلحة معينة بذاتها أو التي تنظّم درجة القوة المسموح بها ضد الأهداف العسكرية المشروعة، لا يجب إنكار القواعد المعنية بحظر تطوير أنواع معينة من الأسلحة ([59]). يكمن السبب في ضرورة التقيّد بهذه القواعد الخاصة في السعيّ إلى تحقيق غايات القواعد الدولية المعنية المتمثّلة بصورة جوهرية بتوفير أكبر قدر من الحماية للمدنيين. تعتبر قاعدة حظر استخدام الأسلحة التي تسبّب آلامًا لا مبرر لها أولى القواعد التي تفرضها قواعد القانون الدولي الإنساني وتنطبق على الأسلحة المستقلة. فلما كان القانون الدولي الإنساني يهدف إلى حماية ضحايا النزاعات المسلّحة من كافّة الأضرار، كان من البديهي أن تفرض على الأطراف المتحاربة قيود تحول دون إمكانية استخدام أسلحة ومعدات تسبّب آلامًا غير ضرورية. يقوم هذا الحظر أو التقييد على منع استعمال الأسلحة التي تنتج بطبيعتها آلامًا لا مبرر لها للمقاتلين، وذلك وفقًا لمعيار حظر المعاناة التي تتجاوز الغاية من تدمير أو تعطيل الهدف العسكري ([60]). يعد هذا الحظر أحد أبرز قواعد القانون الدولي العرفي التي لا يجوز الخروج عنها، كما يشكل قاعدة دولية يتعين على جميع الدول مراعاتها ([61]). هذا وعرفت محكمة العدل الدولية قاعدة حظر الآلام التي لا مبرر لها في رأيها الاستشاري للعام 1996. أشارت المحكمة إلى أنّ تحديد مدى شرعية استخدام الأسلحة النووية أو التهديد بها يقوم على القاعدة الإنسانية التي تمنع استخدام الوسائل والأساليب التي تحدث آلامًا تتجاوز الغاية المشروعة من الحرب أو تفوق الأهداف العسكرية المشروعة ([62]).

من زاوية أخرى، ورغم الإقرار الثابت بالحظر المذكور، يبقى تطبيقه على المنظومات القتالية ذاتية التشغيل الحديثة صعبًا، فلم يتم التمحيص فيه حتّى الزمن الراهن، وذلك بسبب الصعوبات التي يواجهها القانونيون ومصمّمو هذه الأسلحة لناحية تحديد درجة الإصابة أو المعاناة البشرية الحاصلة ([63]). لذلك، وفيما يتعلّق بمعرفة النقطة التي يمكن عبرها تحديد مقدار الألم الذي يتجاوز ما هو ضروري لتحقيق الهدف العسكري، تم تحديد معيارين يمكن الركون إليهما لتحديد هذا المقدار. يرتبط الأوّل بطبيعة الآلام التي يتسبّب بها السلاح ذاتيّ التشغيل للأشخاص، فيما يقوم الثاني على تحديد نطاق المعاناة، أي بيان عدد الضحايا المصابين بهذا السلاح مقارنةً بالميزة العسكرية التي يحقّقها استخدامه. فإذا ثبت تجاوز عدد الضحايا الميزة المبتغاة بصورة غير مقبولة، وجب القول إنّ استخدام هذا السلاح هو استخدام غير مشروع وجريمة حرب معاقب عليها ([64]).

ولقد بات من الطبيعي القول إنّ خضوع الأسلحة المستقلة في الوقت الراهن لمختلف أحكام قيد حظر المعاناة المحدّد في القواعد القانونية المعنية، يستتبع التسليم بخضوعها لمبدأ حظر استخدام الأسلحة عشوائية الأثر. فرغم أنّ قواعد القانون الدولي الإنساني لم تضع تعريفًا واضحًا للأسلحة عشوائية الأثر، إلّا أنّ هذا لا ينفي تعدادها للحالات التي يمكن من خلالها استنتاج عشوائية آثار السلاح المستخدم. ورد هذا التعداد بصورة واضحة في الفقرة 4 ([65]) من المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف كالتالي: الهجمات التي لا توجه إلى هدف عسكري محدّد، والهجمات التي تستخدم طریقة أو وسیلة للقتال لا یمكن أن توجه إلى هدف عسكري محدّد، والهجمات التي تستخدم طریقة أو وسیلة للقتال لا یمكن حصر آثارھا على النحو الذي یتطلبه ھذا البروتوكول، فتصيب الأھداف العسكریة والأشخاص المدنیین أو الأعیان المدنیة دون تمییز.

هذا وجاءت الفقرة 5 ([66]) من المادة 51 عينها لتضيف إلى الهجمات العشوائية نوعًا آخر يتمثّل بالهجوم قصفًا بالقنابل، أيًا كانت الوسائل. يعالج هذا القصف عادةً عددًا من الأهداف العسكرية المتباعدة والمتميّزة بعضها عن البعض الآخر والواقعة في مدينة أو بلدة أو منطقة أخرى تضم تركزًا من المدنيين أو الأعيان المدنية على أنّها هدف عسكري واحد. كذلك أشارت الفقرة المذكورة إلى الهجوم الذي يمكن أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابتهم أو أضرارًا بالأعيان المدنية، أو يحدث خلطًا بين هذه الخسائر، ويفرط في تجاوز ما يمكن أن يسفر عنه الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة. وفي إطار الأسلحة موضوع البحث، فإنّ النظرة الأولى توحي بأنّها لا يمكن أن تكون عشوائية بطبيعتها نظرًا لارتكازها على أحدث التقنيات التكنولوجية. إلّا أنّ المسألة تتعلّق في هذا المجال بالظروف المحيطة التي لا يمكن فيها توجيه السلاح بطريقة تتلاءم مع متطلبات التمييز بين الهدف المدني والعسكري. فإنّ السلاح ذاتي التشغيل، يعتبر سلاحًا كسائر الأسلحة التقليدية، قد ينتج عنه معاناة تلحق بهدف يحميه القانون، كما في حالة الطائرات المسيّرة التي قد تخطأ التصويب فتصيب أهدافًا مدنية إلى جانب الخسائر العسكرية الواقعة ([67]).

أمّا عن قاعدة الحظر الأخيرة التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني، فتتمثّل بقاعدة مراجعة الأسلحة المنصوص عنها في المادة 36 ([68]) من البروتوكول الإضافي الأوّل. تلتزم الدول وفق البروتوكول المذكور بإجراء المراجعة القانونية اللازمة للأسلحة والأساليب القتالية المستخدمة، وتقييم مدى مشروعية استخدامها ومطابقتها للقواعد المفروضة. أكّدت على ذلك المادة 36 المذكورة التي أشارت إلى وجوب تحقّق الدول ممّا إذا كان السلاح أو الأداة أو أسلوب الحرب المستخدم محظورًا بمقتضى نص قانوني. تفسيرًا لذلك، يجب على الدول المتحاربة إجراء استعراض قانوني للأسلحة في حالة الدراسة أو التطوير أو اقتناء سلاح جديد أو أداة أو أسلوب جديد للحرب لضمان الامتثال التام للقانون الدولي واجب التطبيق ([69]). وفي العام 2006، أعدّت اللّجنة الدولية للصليب الأحمر دليل المراجعة القانونية للأسلحة والوسائل وأساليب الحرب الجديدة، لمساعدة الدول على وضع آليات منظّمة لمراجعة الأسلحة الحديثة عبر تحسين وتفعيل الإجراءات الوطنية ([70]). إلّا أنّ أبرز التحديات التي قد تواجه المراجعة القانونية للأسلحة المستقلة يكمن في مدى إمكانية برمجة خوارزميات الذكاء الاصطناعي للمطابقة بين التعليمات المزوّدة سابقًا والهدف المرجوّ، والتأقلم مع البيئة الحربية والانطلاق في الوقت المناسب ([71]). ولعلّ هذا ما يشكّل معضلة تواجه تمام عملية المراجعة المحدّدة في المادة 36 المذكورة بغية تطبيق قواعد الاستهداف بنفس دقّة القوّات البشرية.

بناءً على ما سبق ذكره، إنّ القيود التي يجب أن تخضع لها الأسلحة المستقلة، لا تتعارض وإنتاجها أو تطويرها، سيّما في ظلّ التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي الذي ترتبط به ما يجعلها تمتلك مزايا لا يملكها البشر. فعادةً ما تمنح هذه المزايا الأسلحة المذكورة قدرة على الالتزام بالقيود أكثر من المقاتل البشري. إلّا أنّه وفي جميع الحالات، يجب أن يبقى دائمًا القرار النهائي للهجوم والتحديد بيد المشغل البشري، دون أن يُترك للأسلحة موضوع الدراسة مجالٌ مفتوحٌ خشية انتهاكها القواعد القانونية وارتكابها جرائم حرب ذات آثار خطرة.

ثانيًا: مدى امتثال الأسلحة المستقلة لمبادئ القتال المحدّدة وفق القانون الدولي الإنساني.

لا يعتبر اختيار الدول لأساليب ووسائل القتال عمليةً مطلقةً، فقد يكون السلاح المستقل بطبيعته محظورًا أو قد يشكل استخدامه انتهاكًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، فيخضع بالتالي لمبادئ رئيسية نص عليها القانون المذكور. لذلك، وبما لا يدع مجالًا للشكّ، يتطلّب اكتمال دراسة مدى خضوع الأسلحة المستقلة للقواعد الدولية المعنية بالنزاعات المسلّحة، بيان مدى امتثال منظومات هذه الأسلحة لأهم مبادئ القانون الدولي الإنساني، من تمييز وتناسب وإنسانية وضرورة عسكرية واحتياط. وهذا ما سيتم تناوله فيما يلي.

  • هل تستطيع الأسلحة المستقلة التمييز بدقة بين الأهداف العسكرية والمدنية دون تدخل بشري؟

يعتبر مبدأ التمييز أحد أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تحكم سير النزاعات المسلّحة، وهو ينبثق عن القانون الدولي الإنساني العرفي ([72]) الذي يطبّق بصورة متساوية على النزاعات المسلّحة الدولية والداخلية ([73]). يقصد بمبدأ التمييز ضرورة التفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين، والتفريق بين الأعيان المدنية وتلك العسكرية، وعدم مهاجمة الأعيان المدنية بأية حالة من الأحوال ([74]). ورد هذا المبدأ في المادة 48 ([75]) من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف، التي أكّدت على وجوب تمييز المتحاربين بين القوات العسكرية المشاركة في النزاع المسلّح والمدنيين الذين لا علاقة لهم بالنزاع، وبين الأعيان المدنية وتلك العسكرية.

ويشكّل امتثال المنظومات القتالية المستقلة لمبدأ التمييز أكبر التحديات، فالتمييز بين العسكري والمدني مسألةٌ صعبةٌ تحدَّد عادةً وفق ظروف النزاع. وتتعقّد المسألة عندما تتعلّق بالأهداف ذات الاستخدام المزدوج، كشبكات الطاقة والبنية التحتية المعلوماتية مدنية الطابع، التي تُستخدم كأغراض عسكرية في الحرب ([76]). بالتالي، إنّ وضع مبدأ التمييز موضع التنفيذ يتطلّب مهارةً وإدراكًا عاليين كتلكما التي يتمتّع بهما العقل البشري ([77]). ويشير معظم الدراسات إلى وجود ثلاثة عوائق أساسية تتعلّق بقدرة أنظمة الأسلحة المستقلة على الالتزام بمبدأ التمييز. يتمثّل الأوّل في ضعف إدراك الآلة. فرغم اقتراب التكنولوجيا الحالية من تحقيق التمييز بين الكائن البشري والكثير من الكائنات الأخرى، يبقى ضعف قدرة الآلة على التمييز بين البشريين ذاتهم من مدنيين وعسكريين سيّد الموقف ([78]). ويؤكّد بعض خبراء الذكاء الاصطناعي بقاء هذا التحدّي قائمًا دون التغلّب عليه ([79]). كما زاد من حدّة التحدّي غياب تعريف قانوني دوليّ دقيق لمصطلح “المدني”. فبدلًا من تعريف ما هو “المدني”، قام البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف ([80]) بسرد ما ليس عليه المدني فعليًا، إذ وصل الأمر إلى اختزال التعريف كالتالي “الشخص الذي ليس مقاتلًا” ([81]). لا يوفر هذا الوصف للمبرمجين تعريفًا عمليًا واضحًا، يسمح ببرمجة السلاح بأمر واضحٍ ويزوّده بمعلومات كافية لتحديد ما إذا كان الشخص مدنيًا أم لا، بالتالي ما إذا كان يجب استخدام القوة ضدّه أم لا.

هذا ويتمثّل التحدي الثاني بصعوبة تفاعل الأسلحة المستقلة مع البيئة الحربية المحيطة. فيستمر في البيئة الحربية تطوير الوحدات العسكرية، ما يجعل هذه الأسلحة غير قادرة على تقييم كافة البيانات اللازمة لتفسير الظرف المحيط بها بصورة دقيقة، ما يحملها على الخطأ في تقدير وتقييم المعلومات وارتكاب هجوم عشوائي ([82]). وعن التحدّي الثالث، فيرتبط بالبرمجيات ذاتها، التي كلّما زاد تعقيدها، كلّما نقصت درجة تنبئها بالسلوكيات غير المشروعة التي يمكن أن تصدر ([83]). أمام هذه التحديات، يبقى مبدأ التمييز في الآونة الراهنة مرتكزًا على حالات ترتبط مباشرة بالنوايا البشرية، علمًا أنّ الواقع المستقبلي، قد يثبت خلاف ذلك، فتصبح الأسلحة المستقلة كافية لتحقيق مبدأ التمييز والاعتبارات الإنسانية. إذ إنّه ومع التقدم المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، قد تصبح الأنظمة المستقلة في المستقبل أكثر قدرة على التمييز الدقيق بين الأهداف العسكرية والمدنية، ما قد يساهم في تعزيز الامتثال لمبادئ القانون الدولي الإنساني وتقليل الاعتماد على التدخل البشري المباشر.

  • هل تحسب الأسلحة المستقلة الخسائر الجانبية وتُوازنها مع الفائدة العسكرية قبل الاستهداف؟

يقضي مبدأ التناسب بتوجيه الهجمات إلى القواعد العسكرية، بما يتلاءم والميزة العسكرية التي ستحقّقها، فلقد أوجد القانون الدولي الإنساني قاعدة التناسب كأساس لتحديد مدى مشروعية الهجوم. يخضع المبدأ المشار إليه عادةً لتقدير القادة البشر في ساحات المعارك، بحيث تستند التفسيرات القانونية السائدة إلى مفاهيم معيّنة كمفهوم المنطق السليم للأمور وحسن النية ومعيار القائد العسكري العاقل الذي يوضع في ظروف المهاجم ([84]). يفهم من ذلك أنّه يجب النظر إلى الموقف بنفس الطريقة التي ينظر إليها القائد العسكري المتبصّر، وذلك في ضوء المهارات الشخصية والخبرة والمعرفة والظروف القائمة في ذلك الوقت ([85]). في ضوء ما ذُكر، يقع التخوّف في عدم قدرة الأسلحة ذاتية التشغيل على الخضوع لمبدأ التناسب في الهجوم. فالالتزام بهذا المبدأ يتطلّب تقييمًا واضحًا لمستوى الضرر الذي قد يلحق بالمدنيين والأعيان المدنية، وللميزة العسكرية المتوخاة من استخدام السلاح. هذا وتبقى المسألة صعبة في إطار استخدام الأسلحة موضوع الدراسة، نظرًا للتبدّل المتواصل في ساحات القتال المرهون بخطط القائد الموصولة مباشرةً بالتقنيات التكنولوجية. فتكون بالتالي عملية مقارنة الميزة العسكرية المتوقعة بالأضرار المحتملة عملية تعتمد بصورة أساسية على تقديرات القادة الشخصية ([86]).

دفع ذلك البعض إلى تأكيد أنّ أبرز التحدّيات التي ستواجه التزام الأسلحة ذاتية التشغيل بمبدأ التناسب لا تتعلّق بتقييم المخاطر التي يتعرّض لها المدنيون والأعيان المدنية، وإنّما بالميزة العسكرية المتوقّعة من الهجوم ([87]). يعود السبب في ذلك إلى التبدّل المتواصل والتقلّبات التي يجريها القادة العسكريون عند استخدامهم لهذا النوع الحديث من الأسلحة. فبحسب هؤلاء، يمكن من الناحية النظرية تصميم السلاح المذكور ليتوافق مع مبدأ التناسب عن طريق برمجة خوارزمياته، فيقوم من تلقاء نفسه بالتحليل والتقدير. إلّا أنّ الواقع العملي يؤكّد حتّى تاريخنا هذا عدم قدرة البشر ذاتهم في الكثير من الأحيان على تقدير مدى تناسب الهجوم، فكيف سيستطيع المبرمجون إعداد أسلحة تقوم ذاتيًا بتقدير هذا التناسب ([88]). تأكيدًا على ذلك، يذكر الأستاذ في الكلية الحربية البحرية في أميركا  Michael Schmitt أن مبدأ التناسب يعتبر من أكثر المبادئ تعقيدًا في القانون الدولي الإنساني، مؤكًدًا أنّه من المستبعد برمجة أسلحة تتعامل مع كافة ظروف النزاعات المسلّحة بصورة مطلقة، ما سيجعل من الواقع الحربي الحالي والمستقبلي عرضةً لتجاذبات استراتيجية وقانونية كثيرة ([89]). لذلك، يمكن القول إنّ تحقيق مبدأ التناسب في استخدام الأسلحة المستقلة يبقى تحديًا قانونيًا وتقنيًا مستمرًا يتطلب تطويرًا دائمًا للتقنيات الذكية، مع ضرورة الحفاظ على إشراف بشري دقيق لتلافي الانتهاكات المحتملة.

  • هل تسبّب الأسلحة المستقلة معاناة غير ضرورية ولا إنسانية تلحقها بالفئات المحمية قانونًا؟

يعرف مبدأ الإنسانية، بوصفه أحد أهم مبادئ القانون الدولي الإنساني، ب “شرط مارتينز”. استُخدمت عبارة مبدأ الإنسانية وإملاءات الضمير العام للمرة الأولى في اتفاقية لاهاي للعام 1899، وذلك بموجب الاقتراح الذي تقدّم به الفقيه الروسي فيودور مارتينز خلال مفاوضات مؤتمر لاهاي بشأن قواعد تقييد الحرب وخفض الإنفاق على الأسلحة وتحقيق السلم ([90]). ومن ثمّ تمّ التأكيد على هذا المبدأ في ديباجة ([91]) اتفاقية لاهاي التي أكّدت على وجوب التزام الدول بقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام. ولقد تناولت الفقرة الثانية ([92]) من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأوّل مبدأ الإنسانية مشيرةً إلى وجوب شموله كافّة المقاتلين والمدنيين الذين قد لا يشملهم هذا البروتوكول أو القواعد القانونية الأخرى المعنية بالنزاعات المسلّحة. كما ورد هذا المبدأ لما له من أهمية قصوى في ديباجة ([93]) البروتوكول الإضافي الثاني المعني بالنزاعات المسلّحة غير الدولية، التي أكّدت على وجوب التقيّد بكافة مبادئ الإنسانية وقواعد الضمير العام في النزاع غير الدولي.

يتناول شرط مارتينز في جوهره الحالات التي لا تتضمّنها اتفاقيات دولية معيّنة، بحيث يشمل ويحمي كافّة المحاربين والمدنيين غير المحدّدين في نصوص قانونية، بموجب مبادئ القانون الدولي المنبثقة عن الأعراف المستقرّة ومبادئ الإنسانية التي يمليها الضمير العام ([94]). يكمن الهدف الجوهري لهذا الشرط في توفير حماية إضافية للحالات غير المنصوص عنها قانونًا، بهدف سدّ الثغرات التي تعتري القانون الدولي وتعزيز حماية المدنيين من التطوّرات التكنولوجية غير المشمولة قانونًا. كما يمكن القول إنّ شرط مارتينز يفيد الحؤول دون الاحتجاج بأي وسيلة أو أسلوب قد لا يكون مشمولًا صراحة في المعاهدات الدولية ذات الصلة، ودون التذرّع بارتكاب أعمال حربية قد لا تذكرها القواعد الدولية بصورة صريحة ([95]).

وفيما يتعلّق بالأسلحة المستقلة، وقع خلاف فقهي حول مدى إخضاعها لمبدأ الإنسانية. فيعترف البعض بوجود رابطة وثيقة بين مبدأ الإنسانية والأسلحة ذاتية التشغيل، إذ ينظر هؤلاء إلى شرط مارتينز كجزء من القانون الدولي العرفي الذي يواكب بجزء منه التطّورات التكنولوجية. ويؤكّد هؤلاء على إلزامية المراجعة القانونية للأسلحة المذكورة بغية التحقّق من مدى ملاءمتها للقواعد الإنسانية وقواعد الضمير العام ([96])، فإذا ثبت عدم الملاءمة، اعتُبر استخدام هذه الأسلحة غير مشروع، وبالتالي جريمة حرب معاقب عليها ([97]). بالمقابل، اعتبر آخرون أنّ شرط مارتينز لا يمكن أن يكون معيارًا بحدّ ذاته مستخدمًا لتقييم مشروعية أسلحة وأساليب النزاعات المسلّحة. فأكّد هؤلاء أنّ الشرط المذكور ليس سوى آلية تستخدم لتذكير الدول المتحاربة بانطباق مبادئ القانون الدولي العرفي في ظلّ غياب النصوص القانونية الراعية لاستخدام أسلحة التكنولوجيا الحديثة ([98]).

ويعتبر الرأي الأوّل الأقرب للواقع القانوني، سيّما إذا ما تمّ الاستناد إلى ما أشارت إليه محكمة العدل الدولية لناحية دور مبدأ الإنسانية في معالجة ومواكبة التطوّرات التكنولوجية. ولا يمكن إنكار أنّ الأسلحة المستقلة تعتبر اليوم أكثر الأسلحة تطوّرًا في مجال التكنولوجيا العسكرية الحديثة. لكن رغم إمكانية تطبيق شرط مارتينز على هذه الأسلحة، لا يمكن انكار ما قد يواجهه هذا التطبيق من تحدّيات تقوم بصورة أساسية على معايير مبدأ الإنسانية التي تعتمد على احترام الحقّ في الحياة والكرامة الإنسانية وسلامة البدن والنفس، وغيرها من مقوّمات مبدأ الإنسانية المرتبطة بالطبيعة البشرية فحسب ([99]). وبالتالي، يظلّ تطبيق مبدأ الإنسانية على الأسلحة المستقلة تحديًا مستمرًا، يستوجب تطوير أطر قانونية واضحة تواكب التطور التكنولوجي السريع، مع التأكيد على ضرورة إشراف بشري يضمن احترام حقوق الإنسان وكرامته.

  • هل توازن الأسلحة المستقلة بين ضرورة استخدام القوّة المفرطة والضرورة العسكرية المشروعة؟

يقصد بمبدأ الضرورة العسكرية ([100]) التزام أطراف النزاع المسلّح باستخدام القوة الضرورية لتحقيق هدف القتال الذي يتمثّل في إخضاع العدوّ وشلّ قدراته الحربية. فلا يمكن أن يتصوّر قيام نزاع مسلّح دون أن تكون هزيمة العدوّ ضرورةً عسكريةً يتوق إليها قادة وجيوش الدول المتحاربة. من ثمّ، فإنّ كلّ استخدام للقوة يتجاوز تحقيق الهدف الجوهري من القتال، يدخل في خانة جرائم الحرب ([101]). تناولت اتفاقيات جنيف للعام 1949 مبدأ الضرورة العسكرية في مختلف موادها القانونية، فأكّدت على هذا المبدأ المادة 50 ([102]) من الاتفاقية الأولى المعنية بتحسين حال الجرحى والمرضى في القوات المسلّحة. حدّدت هذه المادة السلوكيات الخارجة عن إطار مبدأ الضرورة العسكرية والتي لا يُبرر ارتكابها في النزاعات المسلّحة. وبحسب مبدأ الضرورة العسكرية، يسمح للدول المشاركة في النزاع المسلّح استخدام الدرجة والنوع من القوّة، التي لا تحظرها القوانين، والتي تكون ضرورية لتحقيق الغرض المشروع من النزاع، دون إهدارٍ للأرواح والموارد المدنية ([103]).

على صعيد الأسلحة المستقلة، تعتبر القوّة التي تمارسها هذه الأسلحة غير محدودة مقارنةً بالقوة اللازمة لتحقيق الغرض المشروع من النزاع، بحيث يصبح منحها كميات غير محدودة من القوّة انتهاكًا لمبدأ الضرورة العسكرية ([104]). بناءً على ذلك، تم اقتراح العديد من الطرق لتقييد استخدام هذه الأسلحة وفق مقتضيات الضرورة العسكرية، كان أبرزها تلك المحدّدة بسياسة الولايات المتحدة الأميركية، التي قضت باستخدام منظومات القتال الذكية فقط لتطبيق القوّة غير الفتاكة وغير الحركية، كبعض أشكال الهجمات السيبراني ([105]). من الطرق الأخرى التي اقتُرحت أيضًا طريقة حصر استخدام الأسلحة المستقلة في البيئات التي من المحتمل ألّا تحتوي على المدنيين والأعيان المدنية، أو التي قد تحتوي على أعداد قليلة نسبيًا، أو أن توكل إلى هذه الأسلحة مهامٌ من المرجح أن تشكل خطرًا ضئيلًا على الممتلكات المدنية فقط ([106]).

يعود الهدف من هذه المقترحات إلى تأكيد وجوب استخدام الأسلحة موضوع الدراسة بطريقة تتجنب القتل والتدمير غير الضروريين، وبشكل يتوافق مع الضرورة العسكرية، بحيث لا تمارس هذه الأسلحة قوّة أكبر ممّا هو ضروري. ولا بدّ من التنويه إلى أنّه ولتطبيق مبدأ الضرورة العسكرية، يجب على الدول أن تُظهر بدايةً أن استخدامها المقترح للأسلحة المستقلة سيساهم في تحقيق أهدافها العسكرية المشروعة بأقلّ تكلفة من الأرواح والأعيان المدنية. كما أنّه وللالتزام بهذا المبدأ، يجب على الدول أن تثبت أنّ الاستخدام المقترح للقوّة مسموح به بموجب سائر قواعد قانون النزاعات المسلحة ([107]). فيظلّ احترام مبدأ الضرورة العسكرية في استخدام الأسلحة المستقلة ركيزة أساسية لضمان شرعية العمليات العسكرية وتقليل الأضرار الجانبية، مما يستدعي رقابة دقيقة وإطارًا قانونيًا واضحًا يحكم توظيف هذه التكنولوجيا المتقدمة.

  • هل تتّخذ الأسلحة المستقلة الاحتياطات اللازمة في العمليات العسكرية لتفادي الأضرار الجسيمة؟

نصّت المادة 57 ([108]) من البروتوكول الإضافي الأول على مبدأ الاحتياط، بحيث أكّدت على وجوب اتّخاذ الدول المتحاربة الإجراءات اللازمة في إدارة العمليات العسكرية وبذل العناية المستمرة واتّخاذ الاحتياطات المستطاعة لتجنّب إصابة السكان والأعيان المدنية عند استخدام أي سلاح كان. يصطدم مبدأ الاحتياط بطبيعة النزاع المتبدلة التي تجعل من الصعب اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد هوية المقاتل مباشرةً، سيّما عند انخراطه في صفوف المدنيين ([109]). ويعتبر من أهم الإجراءات التي يفرضها مبدأ الاحتياط تمكين السلاح المستقلّ من إلغاء الهجوم عند توقّع حدوث خطر مرتقب. أكّدت على ذلك المادة 57 ([110]) من البروتوكول الإضافي الأوّل، عندما نصّت على وجوب تقييم توقيت وطريقة الهجوم، وإلغائه وتعليقه عندما يتبيّن إمكانية إصابته لأهداف محمية قانونية، كالعسكري الذي يعلن استسلامه. فإذا ما ثبت للقادة أنّ هجومًا معينًا قد تتجاوز أضراره الميزة العسكرية المتوخاة، وجب عليهم اتّخاذ الإجراء اللازم لوقفه أو تعليقه. ولا يمكن أن ننكر أنّ هذا الالتزام يعتبر مشكلة بالنسبة للأسلحة المستقلة ذاتية التشغيل، فرغم كلّ التطورّات التي زُوّدت بها، لا تزال هذه المنظومات غير قادرة على اتّخاذ القرار المناسب الذي يلغي الهجوم. فبمختصر الأحوال يصنّف مختلف هذه الأسلحة ضمن الأسلحة شبه المستقلة، التي يبقى بموجبها قرار التشغيل والايقاف في يدّ المشغّل البشري ([111]).

كذلك يشير مبدأ الاحتياط إلى وجوب توجيه الإنذار المسبق، إذ فرض البند (ج) ([112]) من الفقرة 2 من المادة 57 على المتحاربين إصدار إنذار مسبق لهجماتهم، بالوسائل المناسبة، ما لم تحل دون ذلك ظروف خارجة عن إرادتهم، كحالات تعطّل أجهزة الإنذار نتيجة الهجمات السيبرانية ([113]). وفي مطلق الأحوال، ونظرًا للتحديات التي قد تواجه تقيّد الأسلحة المستقلة بالالتزامات المشار إليها، سيكون من المستحسن توخي المزيد من الشفافية بشأن التدابير الاحتياطية المتخذة. فطالما لا يزال هذا النوع من الأسلحة غير قادر على التمييز بين المدني والعسكري في المقام الأول، يبقى من الطبيعي ألّا يتم التسليم المطلق بخضوعه وتحقيقه أبرز مرتكزات مبدأ الاحتياط. لذلك، تبقى الحاجة ملحة لتعزيز الرقابة الإنسانية على تشغيل الأسلحة المستقلة، وضمان اتّخاذ الاحتياطات القانونية والأخلاقية اللازمة للحد من الأضرار الجانبية وحماية المدنيين في النزاعات المسلّحة.

الخاتمة:

عالجنا في دراستنا لموضوع “الأسلحة المستقلّة: بين التحوّلات العسكرية وتحديات تطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني“، سلسلة من النقاط والثغرات القانونية التي تدور بمعظمها في فلك موقع الأسلحة المستقلة في منظومة قواعد القانون الدولي الإنساني. وفي ضوء دراستنا هذه، تبيّن أنّه وفي ظلّ التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال التسليح المعاصر، تمثل الأسلحة المستقلة ذاتية التشغيل تحديًا قانونيًا وأخلاقيًا كبيرًا بمواجهة القانون الدولي الإنساني. فلقد تبين من خلال الدراسة الراهنة أنّ منظومات الأسلحة المستقلة، سواء كانت الطائرات المسيّرة أو الروبوتات القتالية، تمتلك قدرات تقنية متقدّمة ترفع من فاعليتها في ميادين النزاعات المسلّحة المعاصرة. لكن، رغم ما حقّقته الثورة التكنولوجية من تطوّرات فاعلة في مجال منظومات التسليح، لا يخفى ما يثيره استخدام الأسلحة القتالية المستقلة من تساؤلات حاسمة بشأن مدى التزامها بمبادئ القانون الدولي الإنساني، كالتمييز، والتناسب، والإنسانية، والضرورة العسكرية، والاحتياط. فإنّ غياب التدخل البشري المباشر في بعض مراحل استخدام هذه الأسلحة يفاقم من مخاطر الأضرار الجانبية غير الضرورية، ويزيد من احتمالية ارتكاب انتهاكات قد تصل إلى مفهوم جرائم الحرب. هذا ويشكّل عدم وضوح الأطر القانونية والتنظيمية الدولية في شمول أنظمة الأسلحة المستقلة وضبط استخدامها عقبة أمام مساءلتها ومحاسبة المسؤولين عن استخدامها أو سوء استعمالها.

من هذا المنطلق، يتضح من الدراسة أن ضمان التوازن بين تطوير هذه التقنيات الحديثة واستخدامها بما يحفظ كرامة الإنسان وحماية المدنيين، يتطلب تعزيز الرقابة القانونية الدولية وتطوير آليات المراجعة الدقيقة، بالإضافة إلى إبقاء السيطرة النهائية بيد العنصر البشري. كما تبرز الحاجة الملحة إلى وضع أطر قانونية دولية واضحة تنظم استخدام الأسلحة المستقلة، وتحدّ من مخاطرها على حقوق الإنسان وانتهاكاتها للقواعد الدولية. فختامًا، يبقى احترام قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني وعدم التفريط بها، السبيل الأمثل لمواجهة تحديات منظومات أسلحة غير تقليدية، وضمان استخدامها كوسيلة لتعزيز السلام والأمن، لا كأداة تزيد من معاناة البشر في ساحات النزاعات المسلّحة.

نتائج الدراسة:

استخلاصًا لكلّ ذلك، يمكن تلخيص نتائج الدراسة على الشكل التالي:

  • أحدثت الأسلحة المستقلة، سيّما الروبوتات القتالية والطائرات المسيّرة، تحوّلاً جوهريًا في طبيعة النزاعات المسلّحة المعاصرة، ممّا يستدعي مراجعة شاملة للإطار القانوني الدولي القائم.
  • لا يزال القانون الدولي الإنساني مفتقرًا إلى نصوص قانونية واضحة وصريحة تنظّم استخدام الأسلحة المستقلة، ما خلق فراغًا قانونيًا أعاق التقيّد الصارم بمبادئه الأساسية.
  • لا تزال قدرة الأسلحة المستقلة على التمييز بين المدنيين والمقاتلين محدودة لعلّة ضعف الإدراك الحاسوبي وصعوبة برمجة خوارزميات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع التعقيدات والظروف المتغيرة لساحات القتال. يحول ذلك عمليًا دون إمكانية تطبيق مبدأ التمييز بصورة فعالة.
  • تسبب الأسلحة المستقلة أضرارًا جانبية غير متناسبة وغير إنسانية، خصوصًا في ظلّ غياب التدخل البشري المباشر الذي يسمح بتقييم دقيق للتهديدات والبيئة المحيطة، ما يعيق التطبيق الفعال لمبدأ التناسب.
  • إنّ إبقاء القرار النهائي بشأن إطلاق النار واستخدام القوة بيد المشغل البشري، يعد أمرًا حاسمًا لضمان الالتزام بمبدأ الضرورة العسكرية وتقليل المخاطر الناتجة عن عدم التوازن الذي قد يخلقه استخدام الأسلحة ذاتية التشغيل.
  • يعتبر تعزيز آليات المراجعة القانونية للأسلحة المستقلة الحديثة حاجة أساسية، بما في ذلك مراجعة برمجيات الذكاء الاصطناعي المضافة للأسلحة، لضمان توافقها مع القواعد الدولية وتفادي الاستخدام المفرط للأسلحة غير المشروعة.
  • لا تزال الجهود الدولية، رغم أهميتها، غير كافية في وضع أطر قانونية ملزمة تنظم استخدام الأسلحة المستقلة، مما يوجب تعاونًا دوليًا أوسع لتطوير معايير قانونية وأخلاقية واضحة.

توصيات الدراسة:

بعد عرض أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة، بات من الضروري إيراد أبرز التوصيات التي تتناسب والموضوع، والمستقاة من الإشكاليات المطروحة، بغية السعي إلى إيجاد الحلول المناسبة ضمن هذه التوصيات التي نوردها كالتالي:

  • العمل على صياغة اتفاقيات دولية واضحة تنظم استخدام الأسلحة المستقلة، مع تحديد مسؤوليات الدول والمشغلين لضمان التزامهم بالقانون الدولي الإنساني.
  • التأكيد على ضرورة إبقاء القرار النهائي لاستخدام القوة في النزاعات المسلّحة بيد الإنسان، لضمان احترام مبادئ التمييز والتناسب والإنسانية والضرورة العسكرية والاحتياط.
  • تشجيع الدول على اعتماد آليات دولية ومحلية صارمة لمراجعة الأسلحة المستقلة قبل اعتمادها واستخدامها، بهدف تقييم مدى توافقها مع القواعد القانونية الدولية.
  • دعم تطوير برمجيات ذكية قادرة على التقيّد بمبادئ القانون الدولي الإنساني، مع تقليل احتمالات الخطأ والتسبب بأضرار غير مقبولة.
  • دعوة الدول إلى تبادل المعلومات والخبرات حول استخدام الأسلحة المستقلة، والتعاون في وضع معايير تشغيلية وقانونية موحدة تحمي المدنيين.
  • تدريب القادة العسكريين والمشغلين بشأن الجوانب القانونية والأخلاقية لاستخدام الأسلحة المستقلة، لتمكينهم من اتخاذ قرارات مدروسة في ساحات القتال.
  • دعم دور المنظمات الدولية واللّجنة الدولية للصليب الأحمر بوصفها حارس القانون الدولي الإنساني، في متابعة تطورات الأسلحة المستقلة وتقديم التوصيات الملائمة بشأن استخدامها.

لائحة المراجع:

([1]) شهلاء عبد الجواد: “استخدام الأسلحة الذكية في الحرب والقانون الدولي الإنساني“، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، العدد 37، المجلد 10، كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة كركوك، العراق، 2021، ص 55.

([2]) كريستيان بروس: “حروب المستقبل: كيف تحافظ واشنطن على تفوقها العسكري في عصر الذكاء الاصطناعي“، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدم، أبو ظبي، 19 مايو 2019، منشور في: https://futureuae.com/.

([3]) جستن ماك كليلاند: “استعراض الأسلحة وفقًا للمادة 36 من البروتوكول الإضافي الأوّل“، مجلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، العدد 850، 2003، ص 10، منشور في: https://www.icrc.org/.

([4]) إيهاب خليفة: إيهاب خليفة: “الحرب السيبرانية: الاستعداد لقيادة المعارك العسكرية في الميدان الخامس“، الطبعة الأولى، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة، العربي للنشر والتوزيع، مصر، 2020، ص 116.

([5]) أحلام بو خميس: “مجلة طبنة للدراسات العلمية الأكاديمية”، المجلد 7، العدد 1، المركز الجامعي سي الحواس بريكة، الجزائر، 2024، ص 1055.

([6]) د. عبد لله علي عبد الرحمن العليان: “دور القانون الدولي الإنساني في حظر وتقييد الأسلحة ذاتية التشغيل“، مجلة كلیة الشريعة والقانون – دقھلیة، العدد الرابع والعشرون، الإصدار الأوّل، الجزء الأوّل، جامعة الأزهر، مصر، 2022، ص 394.

([7])تقرير عن القانون الدولي الإنساني وتحديات النزاعات المسلحة المعاصرة“، قوة الإنسانية، المؤتمر الدولي الثاني والثلاثون للصليب الأحمر والهلال الأحمر، الوثيقة 32IC/15/xxx، وثيقة أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تشرين الأول 2015، جنيف، ص 64، وثيقة منشورة في: https://www.icrc.org//.

([8]) تيم مكفارلاند: “الأسلحة ذاتية التشغيل والتحكم البشري“، مجلة الإنساني، مجلة تصدر عن المركز الإقليمي للإعلام، القانون الدولي الإنساني، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 3 أيلول 2018، منشور في: https://blogs.icrc.org/alinsani/.

([9]) Erin A. McDaniel: «Robot wars: legal and ethical dilemmas of using unmanned robotic system in 21st century warfare and beyond», A thesis presented to the Faculty of the U.S. Army Command and General Staff College in partial fulfillment of the requirements for the degree master of military art and science, general studies, Fort Leavenworth, Kansas, 2008, p 3.

([10]) Paragraph B of the European Parliament resolution of 12 September 2018 on autonomous weapon systems 2018.

([11])فجوة المحاسبة المتعلقة بـالروبوتات القاتلة – العقبات الحائلة دون المسؤولية القانونية تبرز ضرورة الحظ“، Human Rights Watch، بيان صحفي، 8 نيسان 2015، منشور في: https://www.hrw.org/ar/.

 ([12])Federico Santopinto: «L’UE, l’intelligence artificielle militaire et les armes létales autonomes», programme industrie de défense et de sécurité, Institut de relations internationales et stratégiques IRIS, Avril 2024, p 3.

([13]) شريف درويش اللبان: “تكنولوجيا الاتصال المخاطر والتحديات والتأثيرات الاجتماعية“، الطبعة الأولى، سلسلة العلوم والتكنولوجيا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2000، ص 223.

([14]) محمد صلاح الدين عباس حامد – أحمد عهدي عبد الغني: “الروبوت الصناعي“، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2009، ص 11.

([15]) د. لمياء محمد عبد السلام جودة: “ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في التسليح العسكري في ضوء مبادئ القانون الدولي الإنساني“، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، دورية علمية محكمة نصف سنوية تصدر عن كلية الحقوق – دامعة مدينة السادات، العدد 4، المجلد 10، جمهورية مصر العربية، ديسمبر 2024، ص 2281.

([16]) د. أحمد سعد علي البرعي: “مشاريع التسليح الذكي من وجهة نظر الفقه الإسلامي والقانون الدولي“، لمجلة الأكاديمية للأبحاث والنشر العلمي، مجلة علمية دورية محكمة شهرية، الإصدار الثالث والأربعون، السالمية، الكويت، 2022، ص 143.

([17]) «Autonomous Systems: Social, Legal and Ethical Issues», The royal academy of engineering, Carlton House Terrace, London, 2009, p2, published in: https://raeng.org.uk/.

([18]) Vesa Kyyrönen: «Machines Making Decisions – The Applicability of State Responsibility Doctrine in the Case of Autonomous Systems», master’s thesis, public international law, faculty of law, University of Helsinki, 2015, p 14.

([19]) تختلف القذائف الجوالة عن القذائف الموجّهة لناحية الهدف والبقعة الجغرافية. تطلق القذائف الجوالة في منطقة جغرافية محدّدة ومن ثمّ تقوم بالبحث تلقائيًا عن الأهداف داخل تلك المنطقة كرادارات العدوّ أو دباباته أو صواريخه، وذلك بعد تحليل البيانات وفق البرمجيات السابقة التي ارتبطت بها. في حين يقوم توجيه القذائف الموجّهة بصورة مباشرة نحو هدف واحدٍ معيّن بالذات قابع في منطقة محدّدة. وردت هذه المعلومات فيما يلي:

Paul Scharre – Michael C. Horowitz: «An Introduction to autonomy in weapon systems», project for ethical autonomy – working paper, center for a new American security, 2015, p 13 – 14, published in: https://s3.us-east-1.amazonaws.com/.

([20]) د. حسني موسى رضوان: “أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل في ضوء مبادئ القانون الدولي الإنساني“، مجلة كلية الشريعة والقانون الدقهلية، العدد 24، الإصدار الأوّل، الجزء الرابع، جامعة الأزهر، مصر، 2022، ص 2776.

([21]) Erika Steinholt Mortensen: «Autonomous weapon systems that decide whom to kill», master of law thesis, faculty of law, The Arctic university of Norway, Norway, 3 May 2016, p 20.

([22]) Erin A. Mcdanielk: «Robot wars: Legal and ethical dilemmas of using unnamed robotic systems in 21st century warfare and beyond», Op. cit, p 26.

([23]) من هذه الدول إسرائيل، مصر، المملكة المتحدة، البحرين، فرنسا، أميركا، روسيا، الصين.

([24]) Paul Scharre – Michael C. Horowitz: «An Introduction to autonomy in weapon systems», Op. cit, p 12.

([25]) Jack M. Beard: «Autonomous Weapons and Human Responsibilities», Georgetown Journal of International Law, vol 45, 2014, p 627, published in: https://papers.ssrn.com/.

([26]) Jon Harper: «Pentagon updates guidance for development, fielding and employment of autonomous weapon systems», Defensescoop, SNG, Scoop news group, 25 January 2023, published in: https://defensescoop.com/.

([27]) دعاء جليل حاتم: “الأسلحة ذاتية التشغيل في ضوء مبادئ القانون الدولي“، مجلة العلوم القانونية، عدد خاص، كلية القانون، جامعة بغداد، العراق، 2020، ص 284.

([28]) طائرة predator هي طائرة دون طيّار غير مأهولة، صناعة شركة General Atomics Aeronautical Systems العسكرية التي تقوم بتصميم وتصنيع المسيرات وأنظمة الرادار للجيش الأمريكي والتطبيقات التجارية حول العالم. يتم التحكم بهذه الطائرة عن بُعد من قبل طيار على الأرض وبالتالي تظل تحت السيطرة البشرية. وردت هذه المعلومات في:

Bradan Thomas: «Autonomous weapon systems: the anatomy of autonomy and the legality of lethality», Houston journal of international law, vol 37, issue 1, 2015, p 240 – 241, published in: https://papers.ssrn.com/.

([29]) Bradan Thomas: «Autonomous weapon systems: the anatomy of autonomy and the legality of lethality», Op. cit, p 240 – 241.

([30]) Jack M. Beard: «Autonomous Weapons and Human Responsibilities», Op. cit, p 628.

([31]) د. حسني موسى رضوان: “أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل في ضوء مبادئ القانون الدولي الإنساني“، المرجع السابق، ص 2779.

([32]) ICRC: «Autonomy, artificial intelligence and robotics: Technical aspects of human control», Geneva, August 2019, p 15, published in: https://www.icrc.org/.

([33]) ICRC: «Autonomy, artificial intelligence and robotics: Technical aspects of human control», Op. cit, p 16 – 17.

([34]) Maziar Homayounnejad: «Lethal Autonomous Weapon Systems Under the Law of Armed Conflict», King’s College London, London, 2018, p 40 – 41.

([35]) Richard S. Sutton – Andrew G. Barto: «Reinforcement Learning: An Introduction», second edition, A Bradford Book, The MIT Press, Cambridge, Massachusetts, London – England, 2014 -2015, p 2.

([36]) آثرت جهات إنفاذ القانون في كثير من الدول استخدام مصطلحات مختلفة للتعبير عن الطائرات دون طيّار، كمصطلح: “المركبة الجويَّة من دون طيار (Unmanned Aircraft Vehicles UAV)، ومنظومة جوية من دون طيار (Unmanned Aircraft System UAS) أو منظومة جوية موجّهة عن بعد (Remotely Piloted Aircraft Systems RPAS). وردت هذه المعلومات فيما يلي: “إطار الانتربول لمواجهة حوادث الطائرات المسيّرة“، مختبر الأدلة الجنائية الرقمية التابع لمركز الإنتربول للابتكار، خاص بالمستجيبين الأوّل والعاملين في مجال الأدلة الجنائية الرقمية، سنغافورة، 2020، ص 13، منشور في: https://www.interpol.int/.

([37]) د. مخلد الطراونة: “الطائرات المسيّرة أو دون طيّار – دراسة معمّقة من منظور قواعد القانون الدولي“، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2022، ص 24 -25.

([38]) د. أمل خلف سفهان الحباشنة: “المسؤولية الجزائية الناتجة عن استخدام الدرونز في النظام السعودي“، المجلة الجزائرية للأبحاث والدراسات، الإصدار السابع، العدد خمسة وستون، الجزائر، 2024، ص 350.

([39]) «Unmanned Aircraft Systems (UAS)», International Civil Aviation Organization, approved by the Secretary General and published under his authority ICAO, AN/90, Montréal – Quebec – Canada, 2011, p (ix), published in: https://www.icao.int/.

([40]) «Policy Statement Airworthiness Certification of Unmanned Aircraft Systems (UAS)», Doc # E.Y013­01, European Aviation Safety Agency, 2009, p 3, published in: https://www.easa.europa.eu/.

([41]) د. طاهر شوقي مؤمن: “النظام القانون للطائرات دون طيّار الدرونز Les drones“، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، العدد الثاني، الجزء الأوّل، السنة الثامنة والخمسون، يوليو 2016، ص 317- 318.

([42]) د. عبد القادر محمود الأقرع: “النظام القانوني للطائرات بدون طيار في ضوء قواعد القانون الدولي: مع الإشارة إلى دورها في الحرب الإسرائيلية على غزة“، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، دوريو علمية محكمة، العدد الثالث، المجلد العاشر، سبتمبر 2024، ص 528.

([43]) Article 8 of the convention on international civil aviation done at Chicago on the 7th day of December 1944.

([44]) عامر عبد الله أحمد الدرادكة: “المسؤولية الجزائية عن الاستخدام غير المشروع لتقنيات الذكاء الاصطناعي – دراسة مقارنة“، أطروحة مقدمة استكمالًا لمتطلبات دكتوراه الفلسفة في تخصص القانون العام في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، كلية الدراسات العليا، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، عمان – الأردن، 2023، ص 34.

([45]) زكي محمود: “الروبوت المقاتل الأميركي والحرب العراقية“، الطبعة الأولى، دار الروضة للنشر والتوزيع، القاهرة، 2003، ص 60.

([46]) حسام عبد الأمير خلف: “القتل المستهدف باستخدام الروبوت (الطائرات دون بدون طيار) في القانون الدولي“، مجلة العلوم القانونية، العدد 1، المجلد 29، كلية القانون، جامعة بغداد، العراق، 2014، ص 4.

([47]) Lieutenant General A.V. Sergeantov – Major General A.V. Resin – Reserve Colonel I.A. Terentiev: «Transforming the content of war: contours of future military conflicts», No. 6, Artificial intelligence and autonomy in Russia, special issue, A biweekly newsletter on AI and autonomy developments in Russia, CNA Russia Studies Program, 8 September 2022, p 8, published in: https://www.cna.org/.

([48]) Derek Gatopoulos – Suzan Fraser: «Cheap but lethal Turkish drones bolster Ukraine’s defenses», AP – The associated press, an independent global news organization dedicated to factual reporting, 17 March 2022, published in: https://apnews.com/.

([49]) حسام عبد الأمير خلف: “القتل المستهدف باستخدام الروبوت (الطائرات دون بدون طيار) في القانون الدولي“، المرجع السابق، ص 6.

([50]) Patrick Lin – George Bekey – Keith Abney: «Autonomous Military Robotics: Risk, Ethics, and Design», the Department of the Navy, Office of Naval Research, 20 December 2008, p 25, published in: https://ethics.calpoly.edu/.

([51]) Vishnu Nath – Stephen E. Levinson: «Autonomous Military Robotics», Springer Briefs in Computer Science, New York, 2014, p 10, published in: http://www.coep.ufrj.br/.

([52]) علي فرجاني: “تحديات دخول الروبوتات العسكرية فى سباق التسلح التكنولوجي“، مجلة السياسة الدولية، دورة متخصصة في الشؤون الدولية تصدر عن مؤسسة الأهرام، مصر، 03/09/2023، منشور في: https://www.siyassa.org.eg/.

([53]) Daniele Amoroso: «Jus in bello and jus ad bellum arguments against autonomy in weapons systems: A re-appraisal», Question of International Law Journal QIL, vol 43, 2017, p 9, published in: https://www.qil-qdi.org/.

([54]) Tobias Vestner: «From Strategy to Orders: Preparing and Conducting Military Operations with Artificial Intelligence», Geneva center for security policy GCSP, 10 January 2023, p 6 – 7, published in: https://dam.gcsp.ch/.

([55])  د. عبد القادر محمود محمد الأقرع: “روبوتات العسكرية في الحروب المستقبلية ومدى خضوعها لأحكام القانون الدولي الإنساني“، المجلة القانونية، مجلة علمية محكمة متخصصة في الدراسات والبحوث القانونية، العدد 3، المجلد 8، جامعة القاهرة، نوفمبر 2020، ص 916.

([56]) حسام عبد الأمير خلف: “القتل المستهدف باستخدام الروبوت (الطائرات دون بدون طيار) في القانون الدولي“، المرجع السابق، ص 10.

([57])روبوتات الخلد الروسية تدمر مواقع العدو في منطقة العملية العسكرية الخاصة“، RT عربية، العلوم والتكنولوجيا، 31/10/2024، منشور في: https://arabic.rt.com/.

([58]) المادة 1 من اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي المعنية بقوانين وأعراف الحرب البرية للعام 1907.

([59]) دعاء جليل حاتم: “الأسلحة ذاتية التشغيل في ضوء مبادئ القانون الدولي“، المرجع السابق، ص 291.

([60]) هادي المالكي – محمود جعفر: “مدى مشروعية استخدام الطائرات من دون طيار في إطار القانون الدولي الإنساني“، مجلة العلوم القانونية، العدد 2، المجلد 30، كلية القانون، جامعة بغداد، العراق، 2015، ص 233.

([61]) ليث الدين صلاح حبيب الباجلاني: “الحماية الدولية لضحايا النزاعات المسلحة من غير الأسرى“، رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير قسم القانون العام، كلية القانون، جامعة بغداد، العراق، 2006، ص 61.

([62]) رأي استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية، تقارير العام 1996، “معاهدة عام 2017 بشأن حظر الأسلحة النووية“، قسم الدراسات الاستراتيجية في القانون الدولي الإنساني، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، icrc، جنيف، ص 4، منشور في: https://www.icrc.org/.

([63]) Vincent Boulanin – Laura Bruun – Netta Goussac: «Autonomous weapon systems and international humanitarian law», Identifying Limits and the Required Type and Degree of Human–Machine Interaction, Stokholm international peace research institute – Sipri, June 2021, p 24, published in: https://www.sipri.org/.

([64]) حيدر كاظم عبد علي – محمد عبد الرضا ناصر: “وسائل القتال الحديثة (دراسة في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني)“، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، العدد 45، كلية القانون، جامعة بابل، العراق، 2018، ص 200.

([65]) الفقرة 4 من المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف للعام 1977.

([66]) الفقرة 5 من المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأوّل من اتفاقيات جنيف للعام 1977.

([67]) Kenneth Anderson – Matthew C. Waxman: «Law and Ethics for Autonomous Weapon Systems – Why A Ban Won’t Work and How the LAWS of War Can», national security and law essay series, Faculty publications, Columbia law school, 2013, p 11, published in: https://scholarship.law.columbia.edu/.

([68]) المادة 36 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف للعام 1977.

([69])تقرير اجتماع الخبراء غير الرسمي لعام ٢٠١٤ بشأن نظم الأسـلحة المستقلة الفتاكة“، اجتماع الأطـراف المتعاقدة السامية في اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينـة يمكــن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، دورة عام 2014، البند الثامن من جدول الاعمال المؤقّت، نظم الأسلحة المستقلة الفتاكة،CCW /MSP/2014/3، جنيف، 13 – 14 تشرين الثاني 2014، ص 19.

([70]) Bc. Ivana Kudláčková: «Lethal Autonomous Weapons Systems: (Non)-Compliance with International Humanitarian Law», Diploma Thesis, Brno, 30 June 2018, p 16 – 17, published in: https://is.muni.cz/.

([71]) Belal Ali Abu Hasballah: «International regulation of autonomous weapons», Global Journal of Arts Humanity and Social Sciences, vol 3, issue 12, GSAR, 2023, p 1470, published in: https://gsarpublishers.com/.

([72]) جون ماري هنكرتس – لويز دوزوالد بك: “القانون الدولي الإنساني العرفي“، المجلد الأول، القواعد، Comite international ICRC، جنيف، 2016، ص 3، منشور في: https://www.icrc.org/.

([73]) Michael Gervais: «Cyber-attack and the laws of war», Berkely Journal of international law, academic journal, vol 30:2, UC Berkeley School of Law, California, 2012, p 565.

([74]) د. خالد روشو: “الضرورة العسكرية في نطاق القانون الدولي الإنساني“، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبي بكر بلقايد، الجزائر، 2012 – 2013، ص 142.

([75]) المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف للعام 1977.

([76]) Markus Wagner: «The Dehumanization of International Humanitarian Law: Legal, Ethical, and Political Implications of Autonomous Weapon Systems», Vanderbilt journal of transnational law, vol 47, issue 5,  article 4, November 2014, p 1391, published in: https://scholarship.law.vanderbilt.edu/.

([77])تقرير المقرّر الخاص المعني بحالات الإعدام خـارج نطـاق القـضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا كرستوف هاينز“، مجلس حقوق الإنسان، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الدورة الثالثة والعشرون، البند ٣ من جدول الأعمال، A/HRC/23/47، الجمعية العامة للأمم المتحدة، 9 نيسان 2013، ص 15، منشور في: https://documents.un.org//.

([78]) د. حسني موسى رضوان: “أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل في ضوء مبادئ القانون الدولي الإنساني“، المرجع السابق، ص 2802.

([79])  تأكيدًا على ذلك، تعتبر الطائرة المسيّرة الإسرائيلية هاربي Harpy أكثر الذخائر العسكرية تطوّرًا، تعمل على كشف إشارات الرادارات، ثمّ تبحث عن قاعدة البيانات الخاصة بها لمعرفة ما إذا كان الرادار معادٍ أم لا تمهيدًا لقصفه. لكن رغم تطوّر هذه الطائرة وتزوّدها بأحدث تقنيات الاستشعار، لا تزال غير قادرة على معرفة ما إذا كان الرادار المرصود قائمًا في قاعدة صواريخ عسكرية مضادة للطائرات أو على سطح مدني. وردت هذه المعلومات في:

Jarna Petman: «Autonomous weapons systems and international humanitarian law: out of the loop?», The Eric Castren Institute of International Law and Human Rights, Helsinki, 2017, p 34 -35, published in: https://um.fi/documents/.

([80]) المادة 50 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف للعام 1977.

([81]) Kelly Cass: «Autonomous Weapons and Accountability: Seeking Solutions in the Law of War», Loyola of Los Angeles law review, vol 48, article 13, number 3, spring 2015, p 1036.

([82]) Jarna Petman: «Autonomous weapons systems and international humanitarian law: out of the loop?», Op. cit, p 27.

([83]) Kenneth Anderson – Daniel Reisner – Matthew Waxman: «Adapting the Law of Armed Conflict to Autonomous Weapon Systems», international law studies, vol 90, U.S Naval war college, the Stockton Center for the Study of International Law, 2014, p 394, published in: https://digital-commons.usnwc.edu/.

([84]) Henry Shue & David Wippman: «Limiting Attacks on Dual-Use Facilities Performing Indispensable Civilian Functions», Cornell international law journal, vol 35, issue 3, article 7, winter 2002, p 561, published in: https://scholarship.law.cornell/.

([85]) إيزابيل روبنسون – إيلين نول: “التناسب والاحتياطات الواجب اتخاذها في الهجوم: التداعيات والآثار الارتدادية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان“، مختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر، المبادئ التوجيهية للعمل في المجال الإنساني، وثيقة رقم X181638311500051S10، 2016، ص 119، منشور في:  https://international-review.icrc.org/.

([86]) Markus Wagner: «Autonomy in the Battlespace: Independently Operating Weapon Systems and the Law of armed conflict», International Humanitarian Law and the Changing Technology of War, Martinus Nijhoff Publishers, March 2013, 112, published in: https://www.researchgate.net/.

([87]) Marco Sassóli: «Autonomous Weapons and International Humanitarian Law: Advantages, Open Technical Questions and Legal Issues to be Clarified», international law studies, U.S Naval war college, vol 90, 2014 p 331, published in: https://digital-commons.usnwc.edu/.

([88]) Kelly Cass: «Autonomous Weapons and Accountability: Seeking Solutions in the Law of War», op. cit, p 1038.

([89]) إسحاق العشاش: “نظم الأسلحة المستقلة الفتاكة في القانون الدولي: مقاربة قانونية حول مشكلة حضرها دوليًا“، مجلة جيل حقوق الإنسان، مجلة علمية محكمة تصدر دوريًا، مركز جيل البحث العلمي، بالجزائر العدد 30، فرع لبنان، 2018، ص 164.

([90]) Marco Sassóli: «Autonomous Weapons and International Humanitarian Law: Advantages, Open Technical Questions and Legal Issues to be Clarified», Op. Cit, p 333.

([91]) الفقرة 7 من ديباجة اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية للعام 1907.

([92]) الفقرة 2 من المادة 1 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف للعام 1977.

([93]) ديباجة البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف.

([94]) Marco Sassóli: «Autonomous Weapons and International Humanitarian Law: Advantages, Open Technical Questions and Legal Issues to be Clarified», Op. cit, p 334.

([95]) Paragraph 55 of the commentary on the 1st article if the Additional protocol to the Geneva Conventions relating to the Protection of Victims of International Armed Conflicts (Protocol I) 1977.

([96]) «A guide to the legal review of new weapons, means and methods of warfare – Measures to implement article 36 of additional protocol of 1977», ICRC, International Committee of the Red Cross, Geneva, January 2006, p 17, published in: https://www.icrc.org/.

([97]) «Losing Humanity The Case against Killer Robots», IHRC, International human rights clinic IHRC, human rights watch, Printed in the United States of America, 2012, p 25 – 26.

([98]) Michael N. Schmitt: «Autonomous weapon systems and international humanitarian law: a reply to the critics», Harvard National Security Journal Feature, Harvard Law School, Central Archive at the University of Reading, 2013, p 32, published on: https://centaur.reading.ac.uk/.

([99]) V: «Heed the call: A Moral and Legal Imperative to Ban Killer Robots», International human rights clinic IHRC, Human rights watch, Printed in the United States of America, ISBN: 978-1-6231-36468, August 2018, p 19, published in: https://www.hrw.org/.

([100]) تعرف الضرورة العسكرية بأنّها «الحالة التي لا تسمح للقوات المتحاربة باختيار وسيلة أخرى سوى استخدام القوة العسكرية، وبشكل مؤقت، ووفق ضوابط وقيود محددة، ويشترط في هذه الوسيلة ألّا تكون محرّمة دوليًا، وألّا تمسّ المدنيين والأعيان المدنية.» ورد هذا التعريف في: إياد محمد أبو مصطفى: “مبدأ الضرورة العسكرية، وانتهاكات قواعد القانون الدولي الإنساني دراسة تطبيقية على مخالفة إسرائيل لمبدأ الضرورة العسكرية خلال حرب مايو2021م“، مجلة جامعة الأزهر، العدد 2، المجلد 23، سلسلة العلوم الإنسانية، غزّة، ديسمبر 2021، ص 340.

([101]) د. خالد روشو: “الضرورة العسكرية في نطاق القانون الدولي الإنساني“، المرجع السابق، ص 83.

([102]) المادة 50 من اتفاقية جنيف الأولى بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى في النزاعات المسلّحة 12 آب 1949.

([103]) Kelly Cass: «Autonomous Weapons and Accountability: Seeking Solutions in the Law of War», Op. cit, p 1033.

([104]) Noel Sharkey: «Automating Warfare: Lessons Learned from the Drones», Journal of Law, Information and Science, 2012, p 143, published in: https://www.austlii.edu.au/.

([105]) Kelly Cass: «Autonomous Weapons and Accountability: Seeking Solutions in the Law of War», Op. cit, p 1034.

([106]) Kenneth Anderson – Matthew C. Waxman: «Law and Ethics for Autonomous Weapon Systems – Why A Ban Won’t Work and How the LAWS of War Can», Op. cit, p 13.

([107]) Benjamin Kastan: «Autonomous weapons systems: a coming legal singularity?», Journal of law – technology & policy, vol 45, 2013, p 59, published in: https://papers.ssrn.com/.

([108]) المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأوّل لاتفاقيات جنيف للعام 1977.

([109]) Jonathan David Herbach: «Into the Caves of Steel: Precaution, Cognition and Robotic Weapon Systems Under the International Law of Armed Conflict», Amsterdam Law Forum, Amsterdam law forum, VU university, Amsterdam, summer issue 2012, p 4, published in:  https://amsterdamlawforum.org/.

([110]) البند (ب) من الفقرة 2 من المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأوّل من اتفاقيات جنيف للعام 1977.

([111]) دعاء جليل حاتم: “الأسلحة ذاتية التشغيل في ضوء مبادئ القانون الدولي“، المرجع السابق، ص 290.

([112]) البند (ج) من الفقرة 2 من المادة 57 من البروتوكول الإضافي الأوّل من اتفاقيات جنيف للعام 1977.

([113]) ماركو ساسولي: “الأسلحة الذاتية التشغيل والقانون الدولي الإنساني: مزايا وأسئلة تقنية مطروحة ومسائل قانونية يجب توضيحها“، القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلّحة المعاصرة، إعداد عمر مكي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف، 2020، ص 161، منشور في: https://www.icrc.org/..

3.5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى