الدراسات البحثيةالمتخصصة

الجيوبولتيك والذكاء الاصطناعي، تداخل الأبعاد وتأثيرها على العلاقات الدولية

Geopolitics and Artificial Intelligence: The Intersection of Dimensions and Their Impact on International Relations

اعداد : أ.د أحمد شاكر العلاق – جامعة الكوفة، العراق

المركز الديمقراطي العربي : –

  • مجلة الدراسات الاستراتيجية للكوارث وإدارة الفرص : العدد السادس والعشرون حزيران – يونيو 2025 – المجلد  7 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي المانيا- برلين.
  • تعنى المجلة مجال الدراسات التخصصية في مجال إدارة المخاطر والطوارئ والكوارث ،قضايا التخطيط الاستراتيجي للتنمية،  الجيوبولتيك، الجيواستراتيجية، الأمن الإقليمي والدولي، السياسات الدفاعية، الأمن الطاقوي والغذائي، وتحولات النظام الدولي، والتنافس بين القوى الكبرى، إضافة إلى قضايا التنمية، العولمة، الحوكمة، التكامل الأقتصادي ، إعداد وتهيئة المجال والحكامة الترابية , إضافة إلى البحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland
ISSN 2629-2572
Journal of Strategic Studies for disasters and Opportunity Management

 

للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –

 

ملخص :

العلاقة بين الجيوبولتيك والذكاء الاصطناعي أصبحت محورية في دراسات العلاقات الدولية المعاصرة، يبحث هذا الترابط في كيفية تأثير التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، على الديناميكيات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الدول.

في سياق الأبعاد الجيوسياسية، تتعلق الجغرافيا السياسية بكيفية تفاعل الدول استناداً إلى موقعها الجغرافي ومواردها الاقتصادية وقوتها العسكرية، وكل هذه العوامل تتأثر بالتطورات التكنولوجية.

كما يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تعزيز القدرات العسكرية والاستخباراتية وتحسين عمليات صنع القرار السياسي. فتطبيقاته في تحليل البيانات والنمذجة التنبؤية والأمن السيبراني تعيد تشكيل موازين القوى بين الدول. وبالتالي فقد أدى دمج الذكاء الاصطناعي في الجغرافيا السياسية إلى ظهور سيناريوهات جديدة مثل الحرب السيبرانية والتنافس على الريادة التكنولوجية، مما يعود بالنفع على الدول التي تتبنى هذه التقنيات بسرعة.

Abstract

The relationship between geopolitics and artificial intelligence has become central to contemporary international relations studies. This interplay examines how technology, particularly AI, influences political, economic, and military dynamics among nations.

In the context of geopolitical dimensions, geopolitics concerns how states interact based on their geographical location, economic resources, and military power, all of which are increasingly shaped by technological advancements.

AI plays a crucial role in enhancing military and intelligence capabilities and improving political decision-making processes. Its applications in data analysis, predictive modeling, and cybersecurity are reshaping global power balances. Consequently, the integration of AI into geopolitics has led to emerging scenarios such as cyber warfare and competition for technological dominance, benefiting nations that rapidly adopt these innovations.

المقدمة

يشكل التداخل بين الجيوبولتيك والذكاء الاصطناعي محوراً رئيسياً في تشكيل المشهد العالمي المعاصر، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية فعّالة تؤثر على المعادلات السياسية والاقتصادية والعسكرية العالمية.

في عصر المنافسة المتزايدة، يظهر تأثير الذكاء الاصطناعي جلياً في مجالات متعددة، من صياغة القرارات السياسية إلى تطوير المنظومات الدفاعية وإدارة الموارد وتوجيه السياسات الاقتصادية هذا التأثير يرسم خارطة جديدة للعلاقات بين الدول، حيث تصبح القدرات التكنولوجية عاملاً حاسماً في تحديد مكانة كل دولة على الساحة العالمية.

ومع تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي، تبرز تحديات جوهرية تتعلق بالأمن السيبراني والاستخدامات العسكرية، فالقدرة على شن هجمات سيبرانية متطورة واستخدام التكنولوجيا في المجال العسكري يثير مخاوف حول احتمالات تصعيد النزاعات كما تطرح الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعي أسئلة أخلاقية مهمة حول المسؤولية وآليات المساءلة، وتزداد المشكلة تعقيداً مع اتساع الفجوة التكنولوجية بين الدول المتقدمة والنامية، مما يخلق تحديات تتعلق بالعدالة العالمية والقدرة على المنافسة هذا الواقع يستدعي تطوير أطر جديدة للتعاون الدولي وآليات تنظيمية تضمن استخدام التكنولوجيا بشكل يعزز الاستقرار العالمي.

إن فهم هذه التحولات وتأثيراتها على المستقبل الجيوبولتيكي يتطلب دراسة معمقة وتحليلاً شاملاً لآثار الذكاء الاصطناعي على الأمن والسياسة في القرن الحادي والعشرين فالتحدي الأكبر يكمن في إيجاد توازن بين التقدم التكنولوجي وضمان السلام والاستقرار العالمي.

المحور الأول: الذكاء الاصطناعي والجيوبولتيك، المفهوم والتطبيق

الذكاء الاصطناعي عبارة عن برامج حاسوبية رقمية تقوم بمهام كان الانسان يقوم بها، وهو قدرة الحاسوب على أداء مهام عالية الدقة من حيث المدخل والمخرج وتنفيذ مهام تتطلب ذكاءً بشرياً او يفوقه في بعض الحالات بمختلف مجالات الحياة. اذن هو محاكي لقدرات بشرية قد تصل الى المشاعر والتعلم وابداء الرأي وطرح الأفكار.

 كان المختصون يقومون بكل ما يتعلق بالبرامج والتطبيقات منذ انشائها الى تحديثها وتطويرها واخيراً اتاحتها على شبكات الانترنيت، أصبح الذكاء الاصطناعي يقوم بكل تلك المهام، بل انه تجاوز في كثير من الأحيان قدرة وإمكانية بعض المختصين في مجالات عملهم. وان الهدف من كل ذلك هو تكوين او انشاء أنظمة وبيانات متاحة للتعلم الذاتي من دون تدخل بشري وبقدرات فاقت قدرات البشر، وذلك عن طريق ضخ كميات كبيرة وعالية الدقة من المعلومات والبيانات على الحاسوب تجعله قادر على الإجابة عن أي تساؤل وفق أنماط وخوارزميات حتى يتمكن مستقبلاً العمل بشكل مستقل.

يمكن للذكاء الاصطناعي ان يوفر الوقت والجهد الذي يُبذل من قبل مختصين في سبيل انشاء بيانات او برمجيات تخص قاعدة معرفية معينة، فبدل من كل ذلك الوقت يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي ان تُنشئ تلك البيانات في دقائق ان لم تكن في ثواني([1]).

مجالات الذكاء الاصطناعي كثيرة ومتعددة فهو لم يقتصر على استخراج البيانات المعرفية التعليمية او صنع المحتوى المرئي او المسموع او المقروء، بل تجاوزه الى القيام بمهام عملية بديل عن الأشخاص كما في برمجة المعامل والمصانع او أداء مهام وظيفية كالأرشفة او صناعة الأكواد البرمجية او صناعة المواقع الالكترونية وسواها ومن دون أخطاء او قد تقل نسب الأخطاء بدرجة عالية جداً قياساً بالنتائج المترتبة على عمل البشر.

إن التطور المذهل والسريع الذي تشهده أدوات الذكاء الاصطناعي في يؤدي في نهاية المطاف التي زعزعة الثقة لدى الكثير من المختصين بمجالات عملهم وتخصصاتهم وبالتالي نفور واسع من قبل المبرمجين وارباب الالكترونيات الى العزوف عن خوض غمار هذا المجال، لأنه في ظل وجود ثورة الذكاء الاصطناعي أصبح وجود الكثيرين من هؤلاء المبرمجين لا فائدة منه، لان البديل الأفضل والاحسن موجود وبشكل مجاني([2]).

إذن يمكن القول ان الذكاء الاصطناعي تقنية واسعة النطاق تستخدم في جميع قطاعات الحياة، ومنها قطاع التعليم اذ تُستخدم عدة أنواع من تقنية الذكاء الاصطناعي في التعليم تشمل بشكل أساسي اكتشاف الانتحال، وسلامة الامتحانات وأنظمة إدارة التعلم، ونسخ محاضرات أعضاء هيئة التدريس، ولوحات المناقشة عبر الإنترنت المحسنة، وتحليل مقاييس نجاح الطلاب، والبحث الأكاديمي. في الوقت الحاضر، تنشر شركات تكنولوجيا التعليم (EdTech) الذكاء الاصطناعي العاطفي لقياس التعلم الاجتماعي والعاطفي، اذ يُطلق على الذكاء الاصطناعي وطرق الحوسبة العاطفية والتعلم الآلي مجتمعة اسم “الذكاء الاصطناعي العاطفي”([3]).

في عام 1943، ابتكر((Warren McCulloch (وارن ماكولوتش) و ((Walter Pitts (والتر بيتس) نموذج الخلايا العصبية الاصطناعية، وفي عام 1944، حدد كل من العالمين ((when J. Neumann (ج. نيومان) و((O. Morgenstern (مورجنسترن) نظرية القرار، التي وفرت اطاراً كاملاً ورسمياً لتحديد تفضيلات الوكلاء، وفي عام 1949، قدم ((Donald Hebb (دونالد هيب) قاعدة تغيير القيمة لاتصالات الخلايا العصبية الاصطناعية التي توفر فرصة التعلم([4]) أثرت هذه التطورات النظرية بشكل كبير على مسار الذكاء الاصطناعي، حيث قدمت المفاهيم والأطر الأساسية التي سيتم البناء عليها في العقود اللاحقة([5]).

كان أول برنامج ذكاء اصطناعي يعمل في الولايات المتحدة برنامجاً للعبة الداما، كتبه (Arthur Samuel) (آرثر صامويل) في عام 1952 والذي يُعد النموذج الأولي لجهاز (IBM 701) تولى صامويل أساسيات برنامج لعبة الداما وعلى مدار سنوات قام بتوسيعه بشكل كبير وفي عام 1955، أضاف صامويل ميزات مكنت البرنامج من التعلم من الخبرة وهي التحسينات التي أدت في النهاية إلى فوز برنامجه بمباراة واحدة ضد بطل لعبة الداما السابق في ولاية كونيتيكت في عام 1962م. ([6])

وفي عام 2019م, أطلقت شركة مايكروسوفت نموذج اللغة التوليدية Turing) Natural Language Generation) الذي يحتوي على 17 مليار معلمة تفوقت خوارزمية التعلم العميق الخاصة بـ (Google AI) ومركز (Langone) الطبي على أخصائيي الأشعة في اكتشاف سرطانات الرئة المحتملة, ومنذ عام 2020م, طورت جامعة أكسفورد اختباراً للذكاء الاصطناعي سُمي (Curial) للتعرف بسرعة على فيروس (COVID-19) لدى مرضى غرفة الطوارئ, وشهد العام نفسه أطلاق شركة (Open AI) برنامج (GPT-3 LLM) الذي تكون من 175 مليار معلمة لتوليد نماذج نصية تشبه نماذج النصوص البشرية, كما أعلنت شركة Nvidia)) عن الإصدار التجريبي من منصتها (Omniverse) لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد في العالم المادي, وفي عام 2021م قدمت شركة (OpenAI) نظام الذكاء الاصطناعي المتعدد الوسائط (Dall-E) الذي يمكنه إنشاء صور من المطالبات النصية.  ابتكرت جامعة كاليفورنيا في سان دييغو روبوتًا ناعمًا رباعي الأرجل يعمل بالهواء المضغوط بدلًا من الإلكترونيات. وفي عام 2023م, طورت شركة OpenAI)) برنامج (GPT-4 LLM) متعدد الوسائط الذي يستقبل كل من النصوص والمطالبات المصورة. ([7])

أولا: مفهوم الجيوبولتيك وأهميته في فهم العلاقات الدولية

الجيوسياسية أو الجيوبولتيك مصطلح ينطبق في المقام الأول على تأثير الجغرافيا على السياسة، فهـو علم دراسة تأثير الأرض على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات وفق منظور مستقبلي والمصطلح يشير إلى الروابط والعلاقات السببية بين السلطة السياسية والحيز الجغرافي، في شروط محددة. والبعض يعرفه على أنه مجموعة من معايير الفكر الاستراتيجي والصفات المحددة على أساس الأهمية النسبية للقوة البرية والقوة البحرية في تاريخ العالم، ودراسة الجغرافيا السياسية ينطوي على تحليل الجغرافيا والتاريخ والعلوم الاجتماعية مع سياسة المكان وأنماط بمقاييس مختلفة وقد تم صياغة المصطلح لأول مرة من قبل العالم السويدي (رودلف كيلين) للدلالة على دراسة تأثير الجغرافيا على السياسة، بعد ذلك اتخذ معاني مختلفة([8]).

وقد تعددت التعريفات المقدمة لعلم الجيوبولتيك ولعلَّ سبب هذا الاختلاف والتعدد يعود إلى عاملين أساسيين: أولهما، تعدد الاتجاهات الفكرية، وثانيهما، اختلاف الفترات الزمنية والأحداث الدولية . اذ عرفّهُ البعض على انه “دراسة البيئة الطبيعية للدولة، وأنَّ أهم ما تُعنى به الدولة هو القوة، كما أنَّ حياة الدول تعتمد على التربّية والثَّقافة والاقتصاد، والحكم وقوّة السلطان”، فيما عرفه الاخر بأنه “العلم القومي الجديد للدولة، وهي عقيدة تقوم على حتمية المجال الحيّوي بالنسبة لكل العمليات السياسية”، والقسم الاخر قال انه “دراسة العلاقات الموجودة بين تسيير أو قيادة القوة على المستوى العالمي والإطار الجغرافي الذي تمارس فيه”([9])

كما هو معلوم ان للجغرافيا دور حاسم في تحديد التوجّهات الكبرى للسياسات الخارجية للدول عبر التاريخ، فسلوك الدولة سِلمًا أو حربًا، تحدّده الجغرافيا أيضًا في كثير من الأحيان ولعلّ المثال الأبرز في التاريخ الحديث هو ذلك المتعلّق بالتوجه البحري لبريطانيا العظمى والتوجّه البري القاري لألمانيا التوسعية منذ الحرب العالمية الأولى فقد ساهمت الجغرافيا – بالنسبة إليهما كليهما – في صنع التوجه الخارجي لكل منهما، إذ واجهت ألمانيا كلًّا من الشرق والغرب في حروب مضنية وفي غياب سلاسل جبلية تحميها، حيث أصابها بالعطب والعجز فعملت مجبرة على التحوّل من النزعة العسكرية إلى نزعة ناشئة للسلام فقط من أجل أن تحمي أمنها وتكيّفه مع موقعها الجغرافي الصعب أمّا بريطانيا فقد صنعت جغرافيتها المُحاطة بمياه عازلة لها توجّهها المحيطي الأكثر من ذلك فقد ساهمت بشكلٍ كبير جغرافية البلدين في صنع نظامهما السياسي الداخلي([10]).

ثانيا:أسس علم الجيوبوليتيك

  • الموقع الجغرافي للدولة، للموقع الاستراتيجي أهمية في زمن السّلم للسيطرة الحركة التجارية أمّا في زمن الحرب فيؤثر بقواعده العسكريّة.
  • شكل الدولة ومساحة رقعتها، سواء من حيث قصر الحدود أو مساحة الدولة حيث تمتاز الدولة العظمى بأتساع وكبر المساحة.
  • المناخ، ويحدّ كثيرًا من انتقالات البشر في المناطق التي تشتد برودتها كالجهات القطبيّة والمناطق التي تتصف بارتفاع حرارتها.
  • السكان، حيث إنّ النّصر في أوقات الحرب هو بعدد من يمكن حشدهم من الرجال في ميدان القتال.
  • الموارد الطبيعية، يعد المكون الاقتصادي للدولة من العوامل والأُسس الحيوية للقوة السياسيّة وجيوبولتيكيا الدولة([11]).
  • أنماط الدراسات الجيوبولتيكية:
  • الجيوبولتيكس المنهجي: إشارة الى الفكر الجيوبولتيكي التقليدي، وهي مؤسسة فكرية واسعة للجيوبولتيكس.
  • الجيوبولتيكس العملي: ويرتبط هذا النمط بالسياسات الجغرافية، ذات العلاقة بالممارسات اليومية للسياسة الخارجية للدول التي تشكل الهيكلية العامة لتصورات السياسة الخارجيّة، وفق تطور الأحداث قبل صياغة قرار الولايات المتحدة للتدخل في البلقان.
  • الجيوبولتيك الشّعبي: هو ذلك النمط من الجيوبولتيكس الذي تعالجه أو تثيره الصحافة ووسائل الأعلام الأخرى، التي بدورها تمثل الثقافة الشعبية بهذا العلم. بمعنى أنّه الفهم الجمعي أو القومي أو ألأممي للأمكنة والشعوب والإحداث العابرة للحدود الجغرافية او السياسيّة.
  • الجيوبولتيك التركيبي : يهتم هذا النمط بدراسة العمليات والنزاعات التي تحدد كيف يجب ان تمارس كل الدول سياساتها الخارجية. وهذه العمليات والنزعات تشمل اليوم، العولمة، المعلوماتية وانتشارها المطلق العنان، بفعل نجاح الثورة العلمية – التكنولوجية وثقافتها حول العالم([12]).

المحور الثاني: تأثير الذكاء الاصطناعي على الاستراتيجيات الجيوبولتيكية للقوى الكبرى

إن الانتشار السريع للتقنيات التي تندرج تحت مظلة الذكاء الاصطناعي  يُشكّل النظام العالمي الناشئ في العلاقات الدولية ومن المتوقع أن يُمهد السباق العالمي على الذكاء الاصطناعي الطريق لصعود وهبوط جديد للقوى العظمى في النظام الدولي، على غرار التأثير الذي أحدثته الثورات الصناعية الثلاث السابقة، اذ تُحدد الأدبيات الخاصة بالعلاقات الدولية ثلاث قوى رئيسية – الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا – باعتبارها المتنافسين الرئيسيين في هذا السباق وتتميز الثورة الصناعية الرابعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي بطبيعتها الفريدة، بسبب الاختلاف الواضح في النهج الذي اعتمدته هذه القوى الثلاث في دمج الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وتعكس استراتيجيات الذكاء الاصطناعي لهذه الدول قدراتها ونواياها تجاه كيفية توظيف هذه التكنولوجيا لتعزيز مكانتها وهيبتها كقوى مؤثرة في النظام الدول([13]).

فلقد استولى الذكاء الاصطناعي، وشبكة الجيل الخامس، والأمن السيبراني، والروبوتات، وأشباه الموصلات والمعالجات الدقيقة، والحوسبة السحابية، والقتال السحابي والشبكات الرقمية على الأنشطة البشرية، وبالتالي الديناميكيات الجيوسياسية الدولية. وجميع العواقب اللاحقة لـ “الاندفاع” التكنولوجي (السياسي والاستراتيجي والاقتصادي والاجتماعي) تشمل الدول والمنظمات الدولية والشركات الخاصة، اذ يتم تحويل ديناميكيات المنافسة والتعاون الدولي. تهدف هذه المقالة إلى تقديم تأثير التقنيات الحديثة على الديناميكيات الجيوسياسية المعاصرة([14]).

لقد منح التفوق المبكر في تقنيات الفضاء مكانة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي كقوتين عظميين خلال حقبة الحرب الباردة ومع ذلك، تغير المشهد بشكل ملحوظ بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية عام 2002. حيث رأت القوى الكبرى، بما في ذلك روسيا والصين، أن هذه الخطوة تُعد ذريعة للولايات المتحدة لعسكرة الفضاء الخارجي ويُقال إن التجربة الصينية المضادة للأقمار الصناعية عام 2007 كانت مدفوعة بحاجتها إلى تأسيس قدرة ردع فضائي في هذا السياق([15]).

بالمقابل يُظهر تحليل الدول الرائدة وقدراتها في الأمن السيبراني المدعوم بالذكاء الاصطناعي مشهدًا يتسم بمنافسة شديدة وتطورات ملحوظة خلال السنوات الأخيرة. اذ برزت الولايات المتحدة والصين وروسيا والعديد من الدول الأوروبية كقوى رائدة في هذا المجال، حيث أظهرت تقدمًا كبيرًا في البحث والتطوير ودمج الذكاء الاصطناعي في الأنظمة الدفاعية، فعلى سبيل المثال تُعد الولايات المتحدة قوة رائدة في مجالي الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، حيث استثمرت بكثافة في كلا القطاعين، مما أدى إلى إنشاء نظام بيئي قوي يشمل مؤسسات بحثية وشركات ناشئة وشركات سيبرانية كبرى. كانت وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) في طليعة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الأمن السيبراني، كما دمجت وزارة الدفاع الأمريكية تقنيات الذكاء الاصطناعي في جوانب مختلفة من الدفاع الوطني، بما في ذلك استخبارات التهديدات وتحليل البرمجيات الخبيثة والاستجابة التلقائية للحوادث السيبرانية. بالإضافة إلى ذلك، يلعب المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) دورًا أساسيًا في وضع معايير الذكاء الاصطناعي للأمن السيبراني، كذلك أظهرت الصين نموًا سريعًا في قدرات الذكاء الاصطناعي، مدعومًا باستثمارات ضخمة في البحث والتطوير جعلت الحكومة الصينية الذكاء الاصطناعي أولوية استراتيجية([16]) وتهدف إلى أن تصبح قوة عالمية رائدة في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 في مجال الأمن السيبراني، ركزت الصين على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي للكشف عن التهديدات، مع التأكيد على تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل أمن الشبكات واكتشاف التسلل لقد  ساهمت الصناعة السيبرانية المزدهرة في الصين، إلى جانب دعم الحكومة، في تعزيز مكانة البلاد كقوة رئيسية في مجال الأمن السيبراني المدعوم بالذكاء الاصطناعي علاوة على ذلك أظهرت روسيا خبرة كبيرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي لكل من العمليات السيبرانية الدفاعية والهجومية، اذ قامت المؤسسة العسكرية الروسية بدمج الذكاء الاصطناعي في جوانب متعددة من الدفاع السيبراني، بما في ذلك التحليل التلقائي للتهديدات السيبرانية وتعزيز الوعي الموقعي. كما أظهرت روسيا براعة ملحوظة في حروب الفضاء السيبراني المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما أثار مخاوف بشأن إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في حملات سيبرانية تخريبية ومدمرة([17])

عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الدبلوماسية والذكاء الاصطناعي، فمن المفيد التمييز بين الذكاء الاصطناعي كأداة دبلوماسية، والذكاء الاصطناعي كموضوع دبلوماسي، والذكاء الاصطناعي كعامل لديه القدرة على تشكيل البيئة التي تحدث فيها الدبلوماسية، كأداة دبلوماسية، يتم تحليل استخدام الذكاء الاصطناعي في المهام اليومية للمفاوضين والدبلوماسيين عندما يتم تحليل الذكاء الاصطناعي كموضوع للدبلوماسية، فهو مسؤول عن أجندة سياسية محددة تشمل موضوعات اقتصادية وتجارية، فضلاً عن حقوق الإنسان والديمقراطية والأخلاق وبالتالي فإن لديه القدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي بالكامل، حيث تساعد معالجة اللغة الطبيعية وتحليل المشاعر الدبلوماسيين على فهم الرأي العام العالمي والاستجابة له، كما تعمل منصات التفاوض التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على تسهيل حل النزاعات وصياغة المعاهدات وتعزيز التواصل والتعاون بين الدول، ولكنه يطرح أيضًا تحديات تتعلق بالشفافية والثقة([18]).

كذلك أحدث دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية ثورة في الحرب الحديثة، اذ تعمل أنظمة الأسلحة المستقلة، مثل الطائرات بدون طيار والجنود الآليين، على تعزيز الدقة والحد من الخسائر البشرية وتعمل أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحسين الوعي بساحة المعركة واتخاذ القرار بالإضافة إلى ذلك، تعمل أدوات الأمن السيبراني المدعومة بالذكاء الاصطناعي على حماية البنية التحتية الحيوية والشبكات العسكرية من التهديدات السيبرانية، مما يجعل الذكاء الاصطناعي لا غنى عنه في استراتيجيات الدفاع الوطني([19]).

من بين الاستخدامات العديدة المختلفة للذكاء الاصطناعي في الدبلوماسية، يمكن أن يكون أحد الأمثلة العملية للغاية هو القدرة على تقديم تحليلات وصفية لحدث ما في أوقات الأزمات للسفارات والدبلوماسيين الذين يتجنبون حواجز اللغة، ويمنحون التواصل في الوقت الفعلي ومع ذلك، لا يزال يتعين ملاحظة أنه نظرًا للمستوى العالي من عدم اليقين في عملية صنع القرار في أوقات الأزمات واحتمال حدوث خطأ ما أو اختراقه، فإن تكامل الذكاء الاصطناعي في هذا المجال بالذات يهدف في الوقت الحالي إلى النجاح فقط إذا احتفظ البشر بسلطتهم في اتخاذ القرار بشأن العملية ،ومن الأمثلة الأخرى الجديرة بالذكر هو الشؤون القنصلية فقد نجحت العديد من البلدان بالفعل في اختبار بعض الأتمتة في عملياتها باستخدام الذكاء الاصطناعي على وجه التحديد، بدأت دول مثل كندا وألمانيا والمجر وهولندا بالفعل في تطبيق الذكاء الاصطناعي في إجراءات التأشيرة والهجرة، بما في ذلك المجالات الحساسة مثل اكتشاف الاحتيال في الهوية([20]).

مجال آخر محتمل لأدوار الذكاء الاصطناعي هو التنبؤ (Prediction) وليس التحليل فقط بمعنى آخر، في حين أن التطبيقات التحليلية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى تبسيط العمليات الحالية، قد توفر الأنظمة الذكية فرصًا لصانعي السياسات لفهم الأحداث المستقبلية المحتملة، وكانت إحدى الأمثلة في الساحة الدولية هي إمكانية نمذجة المفاوضات المعقدة. بالإضافة إلى استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لمراقبة الامتثال وتحسين كفاءة الاتفاقيات الدولية المعقدة، قد تستفيد الأطراف المتفاوضة (سواء اقتصادية أو استراتيجية) من أساليب التعلم الآلي (Machine Learning) للتنبؤ بمواقف وتكتيكات الأطراف الأخرى ([21])

وفي ظل تلك المعطيات يتعين على المؤسسات العسكرية أن تتكيف بسرعة مع هذه التقنيات الجديدة، حتى لو أدى دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى خفض القوى العاملة وفقدان المهارات داخل القوات المسلحة فإن تعزيز قدرات الجنود البشر من خلال علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي قد يوفر قدرات جديدة تعوض عن هذا الانخفاض في المهارات، ولكنه سيثير أيضا المخاوف بشأن الخصوصية والاستقلال الفردي، وعلى نطاق أوسع، قدرة العمل البشري على التأثير على مستقبله وبيئته وسوف يشتد السباق نحو التفوق التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري بين الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية، حيث يسعى كل منها إلى اكتساب ميزة اقتصادية وجيوسياسية، بما في ذلك الوصول إلى الموارد النادرة التي تمكن تطوير هذه الأنظمة، لذا فأن إن ظهور هذه التقنيات من شأنه أن يعيد تنشيط ديناميكيات القوة، واستراتيجيات الدفاع، والتكتيكات العسكرية وسوف تتضخم هذه الديناميكيات بفعل القصص التي تحكي نجاح أنظمة الذكاء الاصطناعي والتي تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين تثير تساؤلات حول السيادة والتبعية التكنولوجية وسوف تندلع معركة من أجل النفوذ المعياري في الفضاء الإلكتروني، مع ظهور روايات متباينة حول كيفية الاستجابة للهجمات الإلكترونية ويشكل الانفجار النوعي والكمي للذكاء الاصطناعي تحديا للنظام القائم ويضعف المنظمات الدولية ومصداقيتها، مما يفضي إلى صعود جهات فاعلة غير حكومية ذات أجندات متنوعة ([22]).

شكل رقم (1) تأثير الذكاء الاصطناعي على الجيوبولتيك والعلاقات بين الدول الكبرى

المحور الثالث: التحديات الجيوبولتيكية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي.

قد تنبع التحديات الأمنية التي تؤدي إلى تآكل القوة أيضًا من الانتشار الواسع النطاق للتكنولوجيات في المجال التجاري على سبيل المثال، كانت المركبات الجوية غير المأهولة تقنية ساعدت الولايات المتحدة بشكل كبير في تحقيق أهدافها العسكرية خلال الحرب العالمية على الإرهاب ومع ذلك، أصبحت الطائرات بدون طيار في الآونة الأخيرة “سلاحًا متطورًا مفضلًا للمنظمات الإرهابية” التي تستخدمه بشكل غير متماثل للتغلب على التفوق التقليدي للدولة القومية وقد ظهرت مثل هذه التأثيرات المترتبة على الانتشار التكنولوجي التي تؤدي إلى تآكل قوة الدولة القومية من خلال تفاقم نقاط الضعف الأمنية في الخطاب المتطور حول الذكاء الاصطناعي والعلاقات الدولية وعلى المدى الطويل، من المرجح أن يؤدي اعتماد الناس على الذكاء الاصطناعي إلى بعض التهديدات الوجودية مثل كارثة البطالة والمخاطر الأخلاقية والمخاوف المتعلقة بالخصوصية الشخصية التي غالبًا ما يذكرها العلماء في الأدبيات([23]).

ان دمج الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني يطرح مجموعة من المعضلات الأخلاقية والمخاطر الأمنية ونقاط الضعف التي تتطلب فحصًا دقيقًا ويتطلب التصدي لهذه التحديات تعاونًا بين صناع السياسات، وخبراء الأمن السيبراني، وباحثي الذكاء الاصطناعي ومن خلال اعتماد تدابير استباقية وممارسات أخلاقية في الذكاء الاصطناعي، يمكن للمجتمع تعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني مع التخفيف من الأضرار المحتملة ([24]).

كما قد يثير الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية مخاوف أيضًا، حيث سيأتي وقت حيث سيتم تحديد السياسة الخارجية بشكل مثالي بواسطة الذكاء الاصطناعي، مع مجرد إشراف من البشر لا تزال هناك بعض نقاط الضعف عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، يشعر العديد من الباحثين بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي في بعض السنوات يمكن أن يمثل مخاطر محتملة على البشرية ([25]).

يُهدد ظهور الذكاء الاصطناعي بإحداث اضطرابات في الديناميكيات الجيوسياسية الراسخة وفتح بُعد جديد للمنافسة بين القوى الدولية الكبرى تشير الأبحاث السابقة إلى أن الجغرافيا السياسية تحتوي على العناصر الأساسية للعلاقات الدولية، والتي يمكن أن تتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت أنشطة الكيانات السياسية في الدول شفافة وعامة وبالتالي قد يؤدي الاستخدام غير المناسب لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل تبادل المحتوى بلا حذر، إلى إيذاء المشاعر العامة أو التأثير على الصفقات السياسية والدبلوماسية، ولوحظ أن الشخصيات السياسية في دول مختلفة كثيرًا ما تتبادل التصريحات عبر منصات التواصل الاجتماعي ُعد وسائل التواصل الاجتماعي تقنيات مُحوسبة تعتمد على الإنترنت للتواصل بكميات ضخمة لذلك، تُنتج هذه المنصات تدفقًا هائلًا للمعلومات، مما يُضفي أبعادًا جديدة على العلاقات الدولية والتأثير السياسي([26]).

إن التداعيات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي معقدة بقدر ما هي بالغة الأهمية وتشمل معضلة الذكاء الاصطناعي قضايا تتراوح من المراقبة والخصوصية إلى الأسلحة ذاتية التشغيل والتحيزات في اتخاذ القرار وهذه التحديات الأخلاقية ليست مجرد قضايا محلية بل لها تداعيات دولية تؤثر على مناقشات حقوق الإنسان العالمية والقانون الدولي، إن استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة، على سبيل المثال، قد يساعد في منع الجريمة، ولكنه يثير أيضا مخاوف كبيرة بشأن الخصوصية، مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات الدولية وعلى نحو مماثل، قد تعيد أنظمة الأسلحة المستقلة تعريف الحرب، مما يدفع إلى حوار دولي عاجل حول قواعد جديدة للاشتباك([27]).

وبحسب المختصون هنالك تحديات كثيرة تعترض استخدام الذكاء الاصطناعي في التنافس الدولي وصعود القوى العالمية ولعل في مقدمتها:

  • إساءة الاستخدام: تتمتع قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة غالبًا بطبيعة ثنائية الاستخدام، إذ تنطوي على وعود إيجابية، ولكنها قد تحمل أيضًا مخاطر كبيرة. على سبيل المثال:
  • يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي كواجهة دردشة لزيادة الإنتاجية أو جمع المعرفة، لكنه قد يُستخدم أيضًا في:
    • إنشاء وتعزيز المعلومات المضللة.
    • تقديم إرشادات لصنع أسلحة خطيرة.
    • شن هجمات إلكترونية.
    • التلاعب بالأسواق.
    • استخدامات ضارة أخرى.
  • عدم القدرة على التنبؤ والتحيز([28]): غالبًا ما تفتقر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في مجال التعلم العميق (Deep Learning)، إلى الشفافية وتحتوي على انحيازات مدمجة. وقد يؤدي ذلك إلى نتائج تمييزية، بما في ذلك:
  • تطبيق القانون.
  • الرعاية الصحية.
  • التوظيف.
  • الخطر الوجودي: يشعر العديد من المستثمرين والخبراء بالقلق إزاء إمكانية حدوث “انفجار ذكاء”، حيث قد يُشكّل الذكاء الاصطناعي مخاطر جوهرية على المجتمع البشري. ضمن هذه الأوساط، هناك قلق من أن الذكاء الاصطناعي المتقدم بما يكفي قد يعمل وفقًا لأهداف لا تتوافق مع القيم الإنسانية العالمية، مما قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة وتهديدات وجودي([29]).

كما يمكن القول انه اصبح الذكاء الاصطناعي أداة مهمة لتسريع التنمية الاقتصادية للدولة ولكن الذكاء الاصطناعي قد يخل بالتوازن الجيوسياسي من خلال جلب مستوى من التعقيد فريد من نوعه في تاريخ الجغرافيا السياسية العالمية والواقع أن الشرط الأساسي للتحول إلى قوة عظمى يكمن في قدرة الدولة على إنشاء عملاق رقمي يغذي أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بالكثير من البيانات وتتمثل ميزة هذه الاستراتيجية في أنها تسمح لأول مرة في التاريخ بتزويد هذا العملاق الرقمي نفسه بتمويل مجاني يمكن أن يأتي حتى من دول أجنبية. بعبارة أخرى، بيانات من المستخدمين الأجانب الذين يستهلكون أيضًا الخدمات التي يقدمها عملاق رقمي محلي وبالتالي، قد تتأثر الجغرافيا السياسية للدول بالسكان أنفسهم على سبيل المثال، تستفيد أقوى الدول في العالم اليوم، مثل الولايات المتحدة والصين، بشكل كامل من هذه الاستراتيجية. وهذا يسمح لها بالحصول على ميزة اقتصادية، أيضًا على الساحة الدولية([30]).

شكل رقم (2) التحديات الجيوسياسية الناشئة عن الذكاء الاصطناعي

الخاتمة

تمثل العلاقة التفاعلية بين الجيوبولتيك والذكاء الاصطناعي بُعداً محورياً في العلاقات الدولية المعاصرة فمع تزايد اعتماد الدول على الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، تتشكل ديناميكيات القوة التقليدية من جديد. هذا التحول يقدم فرصاً وتحديات تتطلب تعاملاً دقيقاً، من جانب، تستطيع الدول التي تنجح في دمج الذكاء الاصطناعي في استراتيجياتها تحقيق مزايا كبيرة، مما يحسن عمليات صنع القرار وكفاءة العمليات ولكن من جانب آخر، يثير هذا السباق التكنولوجي مخاوف حرجة، تشمل تهديدات الأمن السيبراني، والمعضلات الأخلاقية المتعلقة باستخدام الأنظمة المستقلة، واحتمالية تصاعد النزاعات الناجمة عن سوء الفهم أو العواقب غير المقصودة.

علاوة على ذلك، تسلط الفوارق الناشئة في الكفاءة التكنولوجية الضوء على الفجوة المتزايدة بين الدول المتقدمة والنامية. فقد تجد الدول المتخلفة صعوبة في تأكيد نفوذها في عالم تحدد فيه البراعة التكنولوجية القوة الجيوسياسية.

في النهاية، يعد فهم العلاقة المعقدة بين الجيوبولتيك والذكاء الاصطناعي أمراً حاسماً لصناع السياسات والباحثين والمواطنين العالميين على حد سواء من الضروري تعزيز التعاون الدولي وتطوير أطر تنظيمية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ولصالح الجميع. ومع المضي قدماً، سيكون المشاركة الاستباقية والحوار أمرين حيويين في تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من مخاطره، سعياً نحو مستقبل تعمل فيه التكنولوجيا كمحفز للسلام والاستقرار في الساحة الدولية.

قائمة المراجع والمصادر

)[1](Floridi, L. (2023). The ethics of artificial intelligence: principles, challenges,andopportunities.OxfordUniversityPress. https://doi.org/10.1093/oso/9780198883098.001.0001

)[2]( Renda, A., Engler, A., & Centre for European Policy Studies (Brussels, Belgium). (2023). What’s in a name? : getting the definition of Artificial Intelligence right in the EU’s AI Act. CEPS. https://www.ceps.eu/ceps-publications/whats-in-a-name/

)[3](Ahmad, S.F., Han, H., Alam, M.M. et al. Impact of artificial intelligence on human loss in decision making, laziness and safety in education. Humanit Soc Sci Commun 10, 311 (2023). https://doi.org/10.1057/s41599-023-01787-8

)[4](Benko, A., & Lányi, C. S. (2009). History of artificial intelligence. In Encyclopedia of Information Science and Technology, Second Edition (pp. 1759-1762). IGI global.‏Berrondo-Otermin, Maialen, and Antonio Sarasa-Cabezuelo. 2023. “Application of Artificial Intelligence Techniques to Detect Fake News: A Review” Electronics 12, no. 24: 5041. https://doi.org/10.3390/electronics12245041

)[5](José María Guerrero,Chapter 5 – The history of modern artificial intelligence, Editor(s): José María Guerrero,Mind Mapping and Artificial Intelligence,Academic Press,2023,Pages 129-158,ISBN 9780128201190,https://doi.org/10.1016/B978-0-12-820119-0.00007-8.

)[6](Copeland, B. (2024, June 20). history of artificial intelligence (AI). Encyclopedia Britannica. https://www.britannica.com/science/history-of-artificial-intelligence

)[7](22-Karjian, Ron.(2023). The history of artificial intelligence: Complete AI timeline. https://www.techtarget.com/searchenterpriseai/tip/The-history-of-artificial-intelligence-Complete-AI-timeline

)[8] ( Haverluk, T. W., Beauchemin, K. M., & Mueller, B. A. (2014). The Three Critical Flaws of Critical Geopolitics: Towards a Neo-Classical Geopolitics. Geopolitics19(1), 19–39. https://doi.org/10.1080/14650045.2013.803192

([9]) مخلوف، مريم. (2018). الجيوبوليتيك. الموسوعة السياسية

https://2u.pw/UNxFb

([10])  خشيب، جلال. (2021). الجيوبوليتيك في القرن الحادي والعشرين: انتصار الجغرافيا وعودة عالم ثيوسيديدس. مركز دراسات الوحدة العربية. https://2u.pw/VBfgMELi

([11]) نادية مصطفى الصالح، أهمية الجيوبولتيك في النظام العالمي، مجلة أوراق ثقافية، السنة السادسة، العدد 31،أيار 2024،ص 454

([12])  المصدر نفسه، ص 454-455.

)[13](  Vijayakumar A. (2023). Potential impact of artificial intelligence on the emerging world order. F1000Research11, 1186. https://doi.org/10.12688/f1000research.124906.2

)[14]( Alba-Iulia Catrinel POPESCU.(2021). THE GEOPOLITICAL IMPACT OF THE EMERGING TECHNOLOGIES. Carol I National Defence University Publishing House.

)[15](  Ibid.

)[16]( Nikhitha Nelson.(2023). The Geopolitics Of Artificial Intelligence. https://tdhj.org/blog/post/geopolitics-artificial-intelligence/

)[17]( Vance, T. R. Geopolitical Implications of Artificial Intelligence in Cybersecurity: A Comprehensive Analysis.‏

)[18](Deependra Singh.(2024). AI and its impact on Geopolitics. https://www.linkedin.com/pulse/ai-its-impact-geopolitics-deependra-singh-suaxc

)[19](Ibid.

)[20]( Gabriel Silini, Lorenzo Molina.(2024). The geopolitical effects of Artificial Intelligence: The implications on International Relations. mondointernazionale.org. https://2u.pw/t9zwmee1

)[21] (MASEVSKI, S., & STOJANOVSKI, S. (2023). ARTIFICIAL INTELLIGENCE: GEOPOLITICAL TOOL OF MODERN COUNTRIES. Contemporary Macedonian Defense/Sovremena Makedonska Odbrana23(44).‏

)[22]( Emmanuel R. Goffi, Fabian Toux.(n.d). Anticipating the Geopolitical Impact of Advanced AI. https://radar.gesda.global/the-relation-of-advanced-ai-to-the-future-of-peace-and-war

)[23](  Vijayakumar A.

)[24]( Vance, T. R

)[25](Gabriel Silini, Lorenzo Molina .

)[26] ( MASEVSKI, S., & STOJANOVSKI, S.

)[27]( Deependra Singh .

)[28](  The Interplay Between Artificial Intelligence and Geopolitics.(n.d). Geopolitical Report ISSN 2785-2598 Volume 41 Issue 19 SpecialEurasia OSINT Unit. https://www.specialeurasia.com/2024/04/22/artificial-intelligence-2/

)[29]( Lucas Greenbaum, Frank Long, and Wilson Shirley.(2023). The generative world order: AI, geopolitics, and power. https://www.goldmansachs.com/insights/articles/the-generative-world-order-ai-geopolitics-and-power

)[30](Leaders George Krasadakis.(2023) How is AI Changing the Global, Geopolitical System?. https://medium.com/60-leaders/how-is-ai-changing-the-global-geopolitical-system-528e8ac29c1f

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى