سطوة الجائحة وديناميات السلطوية الجديدة

اعداد : عثمان الزياني- المغرب.
المركز الديمقراطي العربي : –
- مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية : العدد السادس والعشرون شباط – فبراير 2025– المجلد 7 ، مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
- تعنى المجلة في مجال الدراسات والبحوث والأوراق البحثية في مجالات الدراسات الدستورية والعلوم الإدارية المقارنة – نشر البحوث في اللغات ( العربية – الفرنسية – الإنجليزية )
للأطلاع على البحث “pdf” من خلال الرابط المرفق :-
ملخص :
باتت المجتمعات الحديثة تتطور بشكل مستمر نحو مستقبل يكتسي بعدا عالميا ويزداد ترابطًا أكثر من أي وقت مضى، ودون شك أضحى هذا الاتجاه يعج بالتحديات المرتبطة بإدارة الأزمات. إذ يسرت الاتصالات الحديثة دينامية الأزمات عبر الحدود الوطنية، واقتحمت حتى البنيات السميكة لمضامير السياسة. فمن الممكن أن يتضخم منسوب سرعة الأزمات وتتقدم بشكل غير منتظر، على الرغم من أنه قد يبدو أن احتواؤها بسيطا وهينا للوهلة الأولى. وهذا ما يفضي إلى القول أن الأزمات غالبا ما تكون غير عادية وتستوجب اهتمامًا كبيرًا. وفي هذا الخضم غالبا ما يتم التفرقة، في سياق أدبيات تدبير حالة الطوارئ، بين مفهوم الأزمة التي يمكن التكهن بها، والتي “تمنح الفرصة للمؤسسات للتأهب والتهيؤ مسبقا والتعلم والاستفادة من دروس التجارب السابقة” [[1]]، وتلك التي تكون أزمة جديدة، إذ يُنظر إليها على أنها وضع فريد من نوعه، حيث لا توجد خبرة سابقة يمكن الاعتماد عليها لحسن تدبيرها وإدارتها. ولعل ما يميز الأزمة الجديدة لوباء كورونا عن غيرها، هو طبيعتها غير المألوفة والعابرة للحدود، وتفشيها على نطاق واسع، وما ترتب عنها من نتائج وتحديات جسام، مست مختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. [[2]]
وهذا التوجه دون شك شكل أرضية مرجعية وتسويغية/تبريرية للكثير من قادة وحكومات العالم، إذ أمام التحديات الجسام التي طرحها الوباء، لجأوا دون مواربة أو انتظار إلى تعليق النظام القانوني، وهو الأمر الذي أدى إلى حلول حالة من “الفوضى” في تدبير مكافحة الجائحة، والتي لم يراعى فيها حتى مفهوم الحق، وتم انتهاكه عمدا، وحتى عن غير قصد. وعلى الرغم من أن هذه النظرة الغائية الضيقة والزائفة أدت إلى الحصول على بعض النتائج المرجوة والإيجابية على المدى القصير في مكافحة الوباء، إلا أن الواقع أثبت عدم وجاهة هذه الحجة وقصر بعد نظرها، وفقدانها للمصداقية؛ لكن يبقى تأثيرها على المدى الطويل هو أكثر خطورة، وغير عقلاني وغير رشيد في سياق الواقع القائم، وآثاره الداهمة والمقوضة للحق، والذي يتجاوز أيضا مبدأ الفصل ما بين السلطات، ويعبث بالحقوق الأساسية. وعليه إذا كان القانون الوضعي ينص بالفعل على مقتضيات قانونية تعرض جملة من المعايير والقيود التي يجب مراعاتها لتدبير ومعالجة أزمة “كوفيد19″، إلا أنه في الغالب لم يتم الأخذ بها أو العمل على حسن تطبيقها، إذ تم تجاهلها أو تجاوزها. ففي ظل ضيق الوقت والطابع الفجائي للجائحة، انجلت نزوعات تخلو من السعي وراء تحقيق المصلحة العامة أو الخير العام، مما أدى إلى تعليق النظام القانوني أو خرقه، مع ما رافق ذلك من مس تعسفي بالحقوق والحريات العامة.
وفي نفس المساق التحليلي، يمكن القول على أن وضعية تعليق النظام القانوني والاشتغال بمنطق استثنائي في ظل جائحة “كوفيد19″، يتجسد في تمفصلاته، سيناريو معبر عن حالة من “اللامعيارية Anomia”، حيث تتجسد حالة من الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار، وتُمارَس السلطوية وتترسخ أكثر بديناميتها المجحفة، بفعل التعسف والشطط، والغلو في تغييب أو تعليق النظام القانوني، أو عن طريق النهج السلطوي والاستبدادي، الناتج عن المغالاة في الانحراف عن القانون ومختلف تطبيقاته. وهذه الوضعية سبق أن عبر عنها ” كانط Kant” “بالحالة البربرية”، أو ترسيخ “قانون الغاب” بلغة “طوماس هوبزThomas Hobbes”، حيث تحوز السياسة على التعالي والقوة والنفوذ بدون الاستناد إلى أي قانون وضعي أو أخلاقي. وهنا تبرز مشكلة عويصة غالبا ما تكون ملازمة لحالة الطوارئ، وهي كونها تعبر عن نقطة عدم التوازن بين القانون والحقيقة السياسية، التي تقع تمامًا في سياق حالات غير عادية مثل: الحرب الأهلية والتمرد والثورة، والتي تعبر حتما عن مأزق غامض وملغز وملتبس عند تقاطع القانوني والسياسي.
[1]– Howitt, A. M. , & Leonard, H. B. (2009), Managing crises: Responses to large scale emergencies. CQ Press, Ed.2009.
[2]– Baubion, C. (2013). OECD risk management: Strategic crisis management (No. 23). OECD Publishing.from: https://www.oecdilibrary.org/docserver/5k41rbd1lzr7en.pdf