الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية: تحليل سيناريوهات محتملة

اعداد : م. م. أحمد عقيل عبد / الجامعة المستنصرية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تستمر الحرب الروسية – الأوكرانية في ظل واقع ضبابي لا يتضح فيه أي حل قريب في الأفق مما يجعل المراقبون والمحللون لهذه الحرب الجارية أمام سيناريوهات متعددة. وانطلاقاً من ذلك، تبحث هذه الورقة في أبرز السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحرب التي يخوضها الروس والأوكرانيون في الوقت الحاضر، فضلاً عن تحليل تلك السيناريوهات بناءً على المعطيات التاريخية والميدانية.

السيناريو الأول: التوصل إلى تسوية (الحل الكوري نموذجاً)

يرى هذا السيناريو بأن الحرب الجارية سوف تنتهي بتقسيم الأراضي الأوكرانية بين الروس وحكومة كييف، وهو ما يعني الحفاظ على الوضع الراهن مع وقف لاطلاق النار والذهاب نحو ما يعرف “بالحل الكوري” الذي يفرض واقعاً مشابهاً للوضع في شبه الجزيرة الكورية بعد الحرب الكورية (1950-1953) والذي ستكون فيه أوكرانيا مقسمة إلى حكومتين أحداها تابعة لروسيا والأخرى وهي حكومة كييف ستكون محمية بضمانات من قبل الولايات المتحدة وحلفاؤها. وبالنظر إلى المطالبات الأوكرانية، نجد أن حكومة كييف ترفض مثل هذا الحل خاصة بعد أن قالت الحكومة الأوكرانية إنه يجب سحب جميع القوات الروسية كشرط أساسي لأي مفاوضات، وجدير بالذكر أنها قد تلقت دعم كبير لموقفها هذا من العديد من القادة الأوروبيين.

وبالعودة إلى التأريخ، نجد هناك ما يشبه هذا الحل، وهو حالة فلندا خلال الحرب الباردة، حيث بعد ضم الاتحاد السوفيتي جزءاً من شرق فنلندا، تم التوصل إلى تسوية تمثلت بنوع فريد من الحياد اتبعته فلندا عرف “بالفلندة” وهو ترتيب عملي سمح لفنلندا بالبقاء ديمقراطية مستقلة مقابل تصميم سياساتها الداخلية والخارجية لتلائم مطالب الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. وبالنظر إلى شروط الرئيس بوتن للسلام وهي: إن تكون أوكرانيا محايدة تماماً، ومحدودة في قوتها العسكرية، ومجبرة على الاعتراف بضم روسيا لجميع الأراضي المحتلة، واتباع السياسات التي توافق عليها روسيا فقط. نجد أن هذه الشروط يمكن أن تكون أساساً لهذا الحل، يمكن البناء عليه مستقبلاً.

جدير بالذكر، إن أي تسوية تتضمن الحفاظ على الوضع الراهن ومن ثم تسمح لروسيا بحيازة جزء من الأراضي الأوكرانية، لن تهدئ مخاوف الغرب من احتمال قيام بوتن بـ “عملية عسكرية خاصة” أخرى لاحتلال بقية أوكرانيا، ومع ذلك، حتى مع مثل هذه التسوية، ستستمر أوكرانيا في مواجهة جار روسي معادٍ لها. كما سيتعين على الغرب العمل مع كييف حتى يتمكن من الحفاظ على قوة عسكرية حديثة قادرة على ردع هجوم روسي جديد في المستقبل سواء على أوكرانيا أو أي دولة أوربية أخرى. سيعتمد هذا السيناريو أيضاً على الوعود الروسية بعدم غزو المزيد من الأراضي وضمها مرة أخرى – وهي وعود لا قيمة لها بعد فشل الاتفاقات السابقة. وبالتالي، فإن أي تقسيم فعلي لأوكرانيا من المرجح أن يوفر للبلاد شكلاً من أشكال الضمانات الغربية على طول حدودها ضد المزيد من التعديات الروسية. ومع ذلك، سيكون من الصعب تنفيذ ذلك، حيث سيُنظر إليه في موسكو على أنه تهديد مباشر، والذي قد يؤدي بدوره إلى عمليات توغل جديدة.

السيناريو الثاني: احتلال أوكرانيا بالكامل

يرى الأوكرانيون الحرب التي يخوضونها حرب وجودية، إذا خسروها، فإن ديمقراطيتهم قد ولت. ولكن وبالرغم من الروح القومية التي يتمتع بها الأوكرانيون. ينبغي عدم تجاهل حقيقة اعتماد أوكرانيا في حربها ضد الروس على المساعدات والدعم المالي والعسكري الغربي، ومن ثم فإن تقليص الدعم الغربي يعرض أوكرانيا لخطر الأبتلاع من قبل روسيا وخسارة كافة أراضيها في وقت قصير. إذ أن التفوق العددي لروسيا – يزيد عدد سكانها عن ثلاثة أضعاف عدد سكان أوكرانيا – يمكن في مرحلة ما أن يطغى على قدرة أوكرانيا على مواصلة الحرب. فعلى الرغم من خسارة روسيا في ظل الدعم الغربي الكبير لأوكرانيا لعشرات الآلاف من الجنود فضلاً عن كميات هائلة من المعدات العسكرية، إلا أنها لا تزال مصممة على الأنتصار في الحرب، ويتضح ذلك من خلال الهجمات المستمرة على السكان المدنيين في أوكرانيا والبنية التحتية الحيوية.

إن استمرار الحرب لوقت طويل يضع الالتزامات الغربية بتوفير الدعم العسكري لأوكرانيا أمام اختبار حقيقي خاصة في حال إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أو ظهور أزمة إقتصادية أو وباء جديد يجبر الدول الغربية على تقليص دعمها لأوكرانيا، مما يجعل الاستمرار في دعم أوكرانيا تحدياً كبيراً للغرب يتزايد بمرور الشهور والسنوات.

ومع ذلك، ينبغي عدم تجاهل حقيقة أن الدول الغربية تخشى من أن طموحات بوتن قد لا تكون لها حدود، إذ أن النجاح الروسي في أوكرانيا قد يشجع قادة الكرملين على غزو بولندا أو أعضاء الناتو الآخرين، واحداً تلو الآخر، في ظل انقسام الدول الغربية وعدم تمكنها من مواصلة دعم أوكرانيا في حربها. كما أنه قد يشجع قادة الصين على غزو تايوان الذين يراقبون مدى فاعلية المواقف الغربية تجاه الهجوم الروسي على أوكرانيا.

السيناريو الثالث: الانهيار العسكري لروسيا وخسارة الحرب

تكبد الجيش الروسي في أوكرانيا خسائر فادحة وبالتأكيد هذه ليست النتيجة التي كان يتوقعها الرئيس بوتن اثناء اتخاذه لقرار الحرب التي لا زال يصر على تسميتها “بالعملية العسكرية الروسية” لكي يحافظ على صورة روسيا الدولية كقوى عظمى وتبرير الصمود الأوكراني في الميدان بوجه الجيش الروسي.

إن ما تعانيه روسيا اليوم من عزلة دولية، وعقوبات إقتصادية أكثر من أي وقت مضى، فضلاً عن أرتفاع الأصوات في الداخل التي تعارض الحرب التي تورط فيها بوتن والتي اجبرته على تجنيد الشعب وزجهم في المعارك، وتحويل الكثير من الإنتاج إلى المجهود الحربي، وهو ما سينعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للشعب الروسي. ستؤدي حتماً إلى تعرض حكومة بوتن إلى ضغط كبير في الداخل الروسي، قد يجبره في مرحلة ما على أيقاف حربه في أوكرانيا،    خاصة إذا تعرض حكمه إلى ثورة أو انقلاب أو تفكك سياسي.

يدرك الرئيس الروسي بوتن أنه بين ضرورتين: ضرورة الصمود في الحرب حتى الأنتصار للحفاظ على مكانة روسيا الدولية فالحرب تشكل تحدياً لصورة روسيا في الخارج، وضرورة عدم الذهاب في حربه إلى نقطة تعرضه إلى مخاطر سياسية في الداخل، وبالنظر إلى اصرار بوتن على مواصلة القتال حتى الانتصار في حربه ضد الأوكرانيون، فمن المحتمل أن يكون الرئيس الروسي قد رسم نهاية حكمه بيده، وأنه ذاهب وجيشه إلى نقطة لا يستطيع معها التمدد أكثر خارج روسيا، وهو ما يعني انهيار جيشة وعدم قدرته على مواصلة القتال. إن بقاء الرئيس بوتن في السلطة أصبح مرتباطاً بهذه الحرب، ولذلك فهي حرب مصيرية بالنسبة له، لن يتراجع عنها مهما كلفه الأمر.

جدير بالذكر أن بعض المحللين والقادة في الغرب يشعرون بالقلق من أن احتمال الانهيار العسكري والهزيمة في أوكرانيا قد يدفع بوتن إلى استخدام الأسلحة النووية، إذ تدعو العقيدة العسكرية الروسية إلى استخدام الأسلحة النووية عندما تكون روسيا معرضة للخطر. كما أن بوتن إذا كان يعد المناطق “التي تم ضمها” مؤخراً من أوكرانيا كجزء من روسيا، أو يعتقد أن الخسارة في أوكرانيا تهدد نظام حكمه، فيمكن استخدام هذا كمبرر. وبناءً على ذلك، يتعامل الغرب بحذر مع هذه الحرب. ومع ذلك، ينبغي في هذا السيناريو عدم اغفال الدور الصيني، إذ أن الصين لن تسمح بانهيار نظام بوتن الذي يشاركها مواقفها و وجهات نظرها بشأن النظام الدولي وتحدي الهيمنة الغربية على العالم.

السيناريو الرابع: استمرار الحرب كحرب استنزاف لسنوات طويلة

يرجح هذا السيناريو مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة الذي يرى أن المسار الأكثر احتمالاً للحرب الروسية الأوكرانية هو حرب استنزاف يمكن أن تستمر لسنوات طويلة مع عدم قدرة أي طرف من الجانبين على إجراء عملية حاسمة تنهي الحرب. وما يدعم هذا السيناريو، هو السياسة التي اتبعتها الدول الغربية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية منذ بداية الحرب والتي تمثلت في الموازنة ما بين ضرورتين: مساعدة اوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي لكي لا تسقط بيد الروس، وتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا والتي قد تنزلق إلى حرب شاملة قد تدفع روسيا إلى استخدام ترسانتها النووية. جدير بالذكر أن هذا النوع من الحروب يرتبط بمدى قدرة الطرفين على مواصلة القتال، فلابد أن يصلوا في نهاية المطاف إلى حالة من الإرهاق المتبادل قد تفتح أبواباً للتفاوض أمام الروس والأوكرانيون.

 

الخلاصة

تشهد الحرب الجارية في أوكرانيا تطورات ميدانية مع كل يوم جديد، ويبدو أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستظل قائمة في المدى القريب والمتوسط، وربما تتفاقم في بعض الأحيان. وبناءً على ذلك، يبقى الوضع غير واضح ولا يمكن التنبؤ بمستقبل الحرب الروسية الأوكرانية بدقة، مما يجعل تلك السيناريوهات تعتمد على المعطيات والمستجدات التي تحدث في أرض المعركة.

المصادر

  1. Melissa de Witte, How will the Russia-Ukraine war end?, Stanford University, February 17, 2023, On the Website:

https://news.stanford.edu/2023/02/17/will-russia-ukraine-war-end/

  1. Comfort Ero, Global Politics in the Shadow of Ukraine, Crisis Group, 22 MARCH 2023, On the Website:

https://www.crisisgroup.org/global-ukraine/global-politics-shadow-ukraine

  1. Brian Michael Jenkins, Consequences of the War in Ukraine, RAND Corporation, February 24, 2023, On the Website:

https://www.rand.org/blog/2023/02/consequences-of-the-war-in-ukraine.html

  1. Brian Michael Jenkins, Consequences of the War in Ukraine: Escalation, RAND Corporation, February 27, 2023, On the Website:

https://www.rand.org/blog/2023/02/consequences-of-the-war-in-ukraine-escalation.html

  1. Brian Michael Jenkins, Consequences of the War in Ukraine: A Bleak Outlook for Russia, RAND Corporation, February 28, 2023, On the Website:

https://www.rand.org/blog/2023/02/consequences-of-the-war-in-ukraine-a-bleak-outlook.html

  1. David Miliband, The World Beyond Ukraine, Foreign Affairs, April 18, 2023, On the Website:

https://www.foreignaffairs.com/ukraine/world-beyond-ukraine-russia-west

3/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى