الدراسات البحثيةالعلاقات الدولية

صناعة العدو في العقل الامريكي

اعداد  : د. حسن سعد عبد الحميد عبد المجيد

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تمهيد:
أعادت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م إلى الوجود الإرهاب كعدو عالمي جديد ، حيث طلب من كل دول العالم قاطبة محاربة ذلك العدو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وطبقاً لتوجهاتها وإملاءاتها ، إذ تم تجسيد ذلك العدو في المرحلة الإولى وواقعياً في جميع المراحل تحت عنوان ( الإرهاب الإسلامي ) ، حيث أعادت الولايات المتحدة لهجتها القوية في أوائل الحرب الباردة ( من ليس معنا فهو ضدنا ) ، وفي سبيل توضيح ذلك تم الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي وما قد ينتج عنه من مداخيل أو مدخلات من أجل أثبات هذه الفرضية .

مع زوال الأتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية في روسيا وفي بلدان أوربا الشرقية ، تحول العالم من نظام ثنائي القطبية إلى نظام القطبية الأحادية المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ، فهذا التوحل وجه أنظار الغرب – وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية – إلى الأهتمام الجاد بطبيعة المرحلة الجديدة التي أتسمت بغياب الكتلة الشيوعية المنافسة أو العدو للرأسمالية الغربية ، وإلى أحتمالات بروز أطراف جدد

يمكن أن يمارسوا دور المنافسة الحضارية ، ولعل الغرب توصل إلى قناعة ببروز الإسلام في الساحة العالمية ورجحان كفتهُ كبديل عقائدي وحضاري ، وتوسع أحتمالات أنتشاره كنظام سياسي ، مما قد يفسر توجه المنهج الثقافي السياسي الغربي إلى أستعداء الإسلام من جهة ، وبروز نسق ثقافي سياسي ينظر إلى الإسلام على أنهُ الخطر الجديد بعد الشيوعية(1) .وسنحاول في هذه الورقة الأجابة على بعض الأسئلة المهمة التي من الممكن أن تثار ضمن هذا السياق منها ، أذا هزم الأتحاد السوفيتي هل سيكون قصف المسلمين الهدف التالي ؟ لماذا يحتاج المرء إلى عدو ؟ هل هو إدمان مرضي يهدف إلى تنشيط العدوان ؟ ……….
صناعة العدو في العقل الأمريكي :
تحاول الأدبيات الإستراتيجية الأمريكية وبجهد تاريخي متواتر بناء مقتربات محددة أن لم نقل معينة لوصف مفهوم ( العدو ) منطلقة من إدراكها لعمق أرتباط ذلك المفهوم بالأمن القومي الأمريكي وما يتطلبهُ من توصيف للمصالح والأهداف ، إذ تشير التجربة التاريخية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية صنفت أعدائها تبعاً لطبيعة ونوعية مصالحها القومية التي يطالها التهديد ، ففي السابق كان العدو يشخص في الأتحاد السوفيتي الذي يعد طرفاً مناهضاً للولايات المتحدة الأمريكية في دورها الكوني ، لكن أنتهاء الحرب الباردة وأنتفاء الخطر الشيوعي برز للولايات المتحدة الأمريكية عدو آخر من نوع المنافسة الأقتصادية والمتمثل في ألمانيا واليابان ، لكنهُ لم يصل إلى مستوى التهديد الذي يشكلهُ الإسلام كمنظومة حضارية متكاملة ، وهنا نجد أن أحداث (11\9) طرحت بقوة في الحياة السياسية الدولية وبقوة ظاهرة الأرهاب والتي أخذتها الولايات المتحدة تلصقها لا لأفراد وجماعات بل لأمم وحضارات وثقافات بعينها ليصبح العدو الفعلي وعلى كافة الأصعدة هو الإسلام ، ذلك الطرف الذي يشكل فعلهُ عائقاً أمام ضبط التغييرات التي تستهدف الولايات المتحدة إتمامها في بنية النظام الدولي(2) .وهنا وجدت الولايات المتحدة الأمريكية بصناعة العدو منفذاً لتمكينها من إدخال فيروسات متعددة ذات وظيفة محددة بقصد إخلال النسيج الأجتماعي للعديد من الدول لاسيما الدول التي تراها صعبة الأخضاع ولا تتواءم مع المطامح الأمريكية سياسياً وأقتصادياً وثقافياً .

وفي الوقت الذي أشرت فيه أحداث أيلول جاهزية الولايات المتحدة لخوض الحروب وربحها بعد أن قدمت الحرب الباردة الدليل على أستعدادها لمثل هذه المهمة ، فأنها من جانب أخر وضعت الولايات المتحدة أمام مسؤولية تحسين نواحيها التنظيمية …، ومن هنا بدت صناعة العدو ، الإطار الأستراتيجي للمرحلة المقبلة القائم على مجموعة من الآليات منها :-(3)

1- تحديد من ينطبق عليهم وصف الأعداء ، وهو أمر يتصل بالبعد الفلسفي وفقاً لمقومات القوة الأمريكية التي تعتبرها تشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي توجب ردعه .

1) مصطفى الكاظمي ، مسألة العراق المصالحة بين الماضي والمستقبل،ط1،الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت،2012م ، ص 83 .
2) للمزيد ينظر ، منعم صاحي العمار ، صناعة العدو في السياسة الخارجية الأمريكية ( دراسة في عمليات الإرهاب ) ، مجلة أبحاث عراقية ، عدد\1\ ، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الستراتيجية ، السنة السابعة ، 2007م ، ص 7 ، ص 10 .
3) المصدر نفسه ، 19 ، ص 22 .
2- إيجاد مخطط تمهيدي لكيفية التعامل مع ( الأعداء ) والذي غالباً ما يكون جاهزاً أمام صناع القرار .
3- المباشرة بأعداد التجهيزات اللازمة التي تطلبها المواجهة مع الأعداء .
4- التهيؤ للأنفتاح على ما أسمتهم ( الأعداء ) وغالباً ما تحدد البيئة الداخلية الأمريكية مبررات الأندفاع نحو هذا التبرير ، من أجل فهم طبيعة الحراك الأجتماعي داخل المجتمع الأمريكي ، ذلك المجتمع الذي أعلن دخولهُ مرحلة ما بعد الحداثة (post – modernism) أخذ يعاني من تعاظم تأثير أتجاهات التفكك في البنية المجتمعية والتي أرست مع سيادتها على مختلف الصعد . وبهذا الصدد نجد أن الأدارات المتعاقبة بدأت بتصدير الأزمات للخارج لتثقل بها كاهل الآخرين وتولد لها أعداء جدد ، حيث قدمت هنا صناعة العدو نفسها كخيار لابدً منهُ لضبط التحول الكبير والمقصود في بنية الأندماج السائد داخل المجتمع الأمريكي ذاته .
5- الشروع ببناء مقتربات أداة تتواءم مع ظروف المواجهة ، وغالباً ما تكون عملية البناء تلك ميسورة نظراً لنجاح الولايات المتحدة في خلق المواءمة بين متطلبات الأداء الحياتي في سياساتها عبر نجاحها في أستيعاب مجالات التكنولوجيا الخارقة (super- tech) تلك المواءمة التي ظلت عصية على كثير من الدول وشعوبه……
6- تكيف العقدة الإستراتيجية لمتطلبات المواجهة ، من المعلوم أن العقيدة الإستراتيجية الأمريكية أقترنت ومنذُ أمد بعيد بأستراتيجية الردع التي أبدع الأمريكيون في توظيفها لصالحهم آبان الحرب الباردة ، نظراً لموصوفية العدو الذي يواجهونه ، لكن هذه الأستراتيجية أصابها نوع من الخطأ بعد الحرب الباردة ليس بسبب القصور في التوصيف وإنما بسبب الغموض الذي لف فكرة العدو ووصفها الواقعي ، فبعد أنهيار الأتحاد السوفيتي واجهت الولايات المتحدة أجناساً متعددة من الأعداء لم يصلح معهم نموذج ردع الحرب الباردة الأمر الذي دعاها إلى تطوير ستراتيجية ردع جديدة لم تتضح معالمها بعد لا لعدم أكتمالها بل لتعدد أنماطها تبعاً لخصوصية العدو الذي تواجهه.

ويشير أحدهم أن العقلية الأمريكية المتعالية تنظر إلى الأسلام كما كانت تنظر إلى الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين من كونهم وثنيين مجردين من أنسانيتهم ومن حقوقهم ولا يستحقون العيش ، فهم بكل بساطة تحت قبضة الشيطان ، ويتربصون بالولايات المتحدة شراً ويريدون لها أن تصير أرضاً نظيرة الجحيم ، فهم تحت أمرة أبليس هدفهم الأساسي منع الأناجيل من فرض سلطانها المطلق(1) ، فالعقل السياسي الأمريكي أخذ يؤمن بالأيمان بأنهُ أمسك سر البقاء والدوام واخذ يتحكم بالتاريخ ، حيث بات يتلاعب بالمعرفة التي أصبحت بحد ذاتها قوة سلطة على حد تعبير ( بيكون ) والتي أصبحت أعلى سلطة في أمريكا ، فمن يعرف الأسرار يملك المعرفة ومن يملك المعرفة يمتلك زمام القوة على حد تعبير ( ستيوارت آلسوب ) ، مع تقديس لمبدأ الصراع ، فالعدو حسب تعبير ( هيدجر ) ليس من هو أمامنا الآن ، بل هو الدازاين* ، إذ يجب عليه أن يخلق لنفسه عدوه الذاتية كي لا يسقط في العطالة ، فكل ما هو موجود يخظع لمبدأ الصراع ، وحيث لا وجود للصراع والهيمنة هنالك تفسخ وأنهيار(2) .أن أقتباسنا لهذا النص والذي ورد في سياق معين ما كنا

1) عبد الغني عماد ، صناعة الإرهاب ، ط1 ، دار النفائس ، بيروت ، 2007م ، ص 74 .
* الدازاين مصطلح ألماني يقصد به الوجود أي الأنسان الموجود هنالك .
2) سعد سلوم ، العقل الأمريكي تخيل القوة ، مجلة النبأ ، عدد\77\ ، بغداد ، حزيران – 2005م ، ص 72 .
لنستخدمهُ في سياق آخر لولا إيماننا بأن ما يصدق على الذات يصدق على الحضارة ، ومت ثم فأن الأعتراف بمبدأ الصراع يفقد العقل السياسي تماسكهُ وبدون وجود عدو خارجي تصبح الأستراتيجية عمياء ، فالدور الذي يلعبهُ العدو الخارجي هو دور حاسم ويغذي ديناميكية الحضارة الأمريكية التي بدون توفر مبرر لوجودها تتعرض للتفسخ والأنهيار ، فالأفق الذي ترتسم فيه العدو الخارجي يوفر للأنا المتمركزة في حالة الدفاع ما يلي:-(1)

 توفير الهدف والدافع ، وبخصوص ذلك يذهب ( هنري كيسنجر ) إلى أن وجود عدو يعمل على تقليل مظاهر الغموض أو التناقض التي تقع فيه الأستراتيجية الأمريكية ، فتمييز العدو أسهل من تمييز الصديق ، فهو الدافع الأساس لتحرك بشكل مكثف في أطار السياسات العالمية .
 حفظ التماسك الداخلي ، من خلال الأنشداد إزاء عدو خارجي في نوع من التعبئة العامة التي تدعم لكيان الدولة الداخلي وتشد أجزاءه إلى بعضها إزاء خطر خارجي محتمل أو مؤكد .وتبعاً لذلك حسب تعبير الكاتب (سيكستولوبيز) (( أن أمريكا غاية الله في التاريخ )) ، وهي القوة التي يجب أن تكون قادرة على فرض شروطها على العالم التي ربما وصلت إلى حد إقامة السلام الأمريكي الشامل ويجب أن يوسع مفهوم مصالحها الأمنية ليشمل مناطق ضرورية من الناحية الأستراتيجية للسيطرة على العالم .
 تعزيز الأنا ونظامها القيمي ، حيث تم توظيفها ورسمها في قالب محدد ……..، بحيث يكون الآخر دائماً رمز إله الظلام وهذا الآخر هو العالم الخارجي الغير أمريكي ، وهذا الآخر أو العدو مسؤول عن سائر الأثام والشرور التي أصابت أو ستصيب الإنسانية وعلى أمريكا تكليف نفسها للتصدي لهُ لحماية القيم الانسانية ، وهذا العدو ليس عدواً سياسياً فحسب بل هو عدو أخلاقي أيضاً وبالتالي أستخدام كافة الوسائل بما في ذلك الغير قانونية لمواجهته .
وفي بعض الأحيان تجسد الولايات المتحدة صناعة العدو قيما عرف بأسم (( الأسلاموفوبيا )) ، إذ يشير مصطلح ((phobia)) إلى خوف لا شعوري مغير مبرر من مواقف أو أشخاص أو نشاطات أو أجسام معينة ، وعند إضافة هذه الكلمة إلى الإسلام والمسلمين يشير إلى النتائج العملية المترتبة على العداء للإسلام سواء على صعيد الأفراد أو المؤسسات ، وكأن الأمر بمرض أصاب المجتمع الغربي أعراضهُ مشاعر سلبية تجتاحهُ تجاه المسلمين ، وبهذا الصدد قامت مؤسسة تدعى ((the Runnymede Trust)) التي تعنى بحقوق الإنسان والأقليات والعرقيات في المجتمع البريطاني بوضع تقرير لها بعنوان ( الإسلاموفوبيا تحدِ لنا جميعاً ) بوضع مجموعة من المحددات التي متى وجدت وجد الإسلاموفوبيا والتي سبق وأن أعلنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة مراراً وتكراراً ، وهي :-(2)

_ النظر إلى الإسلام على أنهُ دوني بالنسبة للغرب وغير عقلاني وجنسي النزعة .
_ النظر إلى الإسلام على أنهُ كتلة واحدة متجانسة أحادية جامدة لا تستجيب للتغيير .
_ النظر إلى الإسلام على أنهُ كائن مستقل ليس لهُ قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى وهو لايتأثر بها أو يؤثر عليها .
1) سعد سلوم ، مصدر سبق ذكره ، ص 74 ، وما بعدها .
2) http://www.runnymede trust.org\publications\11\32.
_ أعتبار الإسلام إيديولوجية سياسية لتحقيق مصالح سياسية وعسكرية .
_ أعتبار الإسلام عدوانياً ودين يجنح للصدام بين الحضارات .
_ أعتبار العداء للإسلام والمسلمين أمراً عادياً وطبيعياً ومبرراً .
ومن هذا المنطلق عندما يشير ( بوش الإبن ) بأن العالم الإسلامي عبارة عن فاشية إسلامية ، وأن الحرب ضد العراق تدخل ضمن دائرة الحروب الصليبية هو أمر منطقي أستناداً للمحددات السابقة ، لا بل في أسوأ الأمور لاتعدو إلاَ مجرد زلة لسان في كل المقاييس كما يعتبرها البعض ، ففكرة الحديث عن الإسلام هنا يجعنا نسلم بالمعادلة التي تتبنى فكرة أن الأسلام = الأرهاب(1) ، وهذا يعني تحول شعار مكافحة الأرهاب إلى إيديولوجيا ، وتحوله إلى إيديولوجيا يعني لابدَ من عدو مفترض تفتح الحرب ضده ، وهو اليوم يتمثل في ( محور الشر ) ، بعد أن كان يمثل في السابق ( أمبراطورية الشر ) المتجسدة في الأتحاد السوفيتي سابقاً .
أن عملية ربط التفجيرات والأرهاب والأعمال الأجرامية بالإسلام ليس أمراً حديثاً في الولايات المتحدة ، فقد تم برمجة الرأي العام الأمريكي عليه لفترة طويلة أبتداءاً من تفجير مركز التجارة العالمي في شباط (1993م) ، حيث تم الحديث عندها عن شبكة عالمية فائقة التنظيم مكونة من مجموعات من الأرهاب الإسلامي يتربصون للأنقضاض غلى أمريكا ، وكذلك حادث تفجير المبنى الفدرالي الأمريكي في أوكلاهوما عام (1995م) ، حيث سارع عندها خبراء الإرهاب إلى ربط المسلمين بعملية التفجير ، وبهذا الصدد يشير (( ريتشارد بوليات )) الخبير في الشؤون الأسلامية ((بأنهُ لسوف نصل في وقت ما إلى فكرة عدم حاجة الناس إلى أدلة لتصديق أن أي خطر إرهابي هو من متطرفين دينيين أسلاميين))(2) .

هذه السلوكيات تعتبر من أهم المآخذ التي تشخص في العقل السياسي الأمريكي ، فضلاً عن صناع القرار السياسي الأمريكي ، التي رسخت عندهم ضرورة وجود عدو خارجي لغرض تحشيد الطاقات والهمم من أجل تماسك المجتمع الذي هو بالأصل مجتمع مهاجرين ، وقد يكون من أهم أسباب الأهتمام الامريكي بـِ ( العدو الخارجي ) متأتِ من الأساس التاريخي الذي تكونت بموجبه هذه الدولة ، والذي كان معياراً أساسياً ومهماً في حياة الولايات المتحدة الأمريكية ، فالمجتمع الأمريكي طور نفسه ودولته من خلال الأعتماد على التحشيد الجماعي ضد عدو قريب أو بعيد ، فالعدوان على وأن كان وهمياً مطلوب وجوده لقدرته على خلق مستوى عالي من التعبئة الجماهيرية الداخلية التي تحتاجها الدولة في حشد القدرات والأمكانات من أجل تحقيق الأنتصار ، ففي فترة سابقة كان ( الهنود الحمر ) وفي أخرى كان المستعمر البريطاني ، وثالثه كان الأسبان وتبعها الأتحاد السوفيتي الذي أحتل المكانة الأبرز ، وبعد سقوطه كان الأسلام من شغل لب الأهتمام الأمريكي(3) .هذا السلوك أو النمط السياسي الذي دأبت عليه الطبقة السياسية الأمريكية أزاء شعبها ، غايته

1) شمس إسماعيل حسين ، هذا العالم … لمن ؟ زيف الإسلاموفوبيا ، ط1 ، الدار العربية للعلوم ، بيروت ، 2010م ، ص 23 .
2) نقلاً عن ، عبد الغني عماد ، مصدر سبق ذكره ، ص 84 ، ص 85 .
3) حميد حمد السعدون ، السلوك السياسي الخارجي الأمريكي ومرتكزاته الثقافية ، مجلية السياسية الدولية ، عدد\21\ ، كلية العلوم السياسية – الجامعة المستنصرية ، 2012م ، ص 12 ، ص 13 .

رفع مستوى التحدي والأستناد لها من أجل تحقيق مصالحها الخارجية ، حتى وأن كانت خالية من الأعتبار القانوني والأخلاقي ، مما يجعل سلوكياتها مبررة ومقبولة من الرأي العام الداخلي ، فالثقافة الأمريكية تفترض دوماً وجود عدو خارجي يهدد المجتمع وسلامتهُ الأمر الذي يستوجب الأتكاء على فهم نظري بأمكانه تحقيق التحشد والقبول العام بمداخله ومخارجه(1) .
وعلى الرغم من أن هنالك تعددية في الأتجاهات المفسرة لظاهرة خلق الأعداء ، كأن يكون أداة لحماية الأمن القومي الأمريكي أو أداة لتجميع المغانم على الصعيدين الداخلي والخارجي ….، إلاَ أن الولايات المتحدة ظلت في حيرة حول كيفية تسويق تلك الصناعة وتحديد من هو العدو ، وبغض النظر عن ذلك أنهُ من الثابت أن الولايات المتحدة لم تزل ترى أن الطرف الآخر ليس غير مكافئاً لها فحسب بل هو عدو يحاسب على نياته وأفعاله معاً ، فضلاً عن أن العالم كما يراه المسؤولون في الأدارة الأمريكية لم يزل غير مستوعب حقيقة التفوق الأمريكي والتي تحكمها عقلية التفوق على الآخر(2) .

ومع تبني الإدارات الأمريكية المتعاقبة مبدأ وإستراتيجية صناعة العدو كأساس سلوكي لأدائها الخارجي أزدهرت العلاقات وبشكل ملفت للنظر مع المؤسسات الأكاديمية حتى بدت السياسة الخارجية الأمريكية أسيرة ظاهرة أطلق عليها سياسة ( الباب الدوار ) التي أعدها الأكاديميون ….، فقد أوكلت إدارة ( بوش الإبن ) لبعض الأكاديميين بعد أحداث (2001م) حيث أستعاضت بالعديد منهم اتصدير الجدل حول أسلوب الرد في ميادين النخبة الضيقة إلى فضاءات إعلامية أرحب بهدف جذب أكبر قدر ممكن من قطاعات الرأي العام للتفاعل مع شأن سياسي معين ، حيث أستعانت إدارة ( بوش الإبن ) بالأكاديميين لتصدير رؤاها بشأن غزو العراق سواء في وسائل الأعلام أو حتى داخل الكونغرس(3)، وهكذا غدت العلاقة بين الإدارات الأمريكية والمؤسسات الأكاديمية علاقة وطيدة ، فهي وأن كانت متخمة بعناصر الأختلاف إلاَ أنها متفقة تماماً مع رؤية الطرفين في ضرورة صناعة الأعداء وربما خلقهم للحفاظ على حوافز الوجود في قمة الهرم الدولي(4) .

وفي الحقيقة أن عقلية أبتكار الأعداء وصناعتهم لم تكن وليدة اليوم أو الأمس أو أول أمس ، بل ترجع جذورها إلى القرن السابع الميلادي حيث الحروب الصليبية وحتى هذه اللحظة ، حيث لا تزال تلك الذاكرة حية وحاضرة في الثقافة الغربية الحديثة وأعتبار الإسلام والمسلمين لاسيما العرب منهم ، ذلك الآخر الذي نافس الغرب في الماضي ومازال ينافسهُ في الحاضر ، وإذا كان وجود الأتحاد السوفيتي وتهديدهُ للغرب الرأسمالي يغطي على هذه الذاكرة من جراء أنشغال الولايات المتحدة به ، فأن زوال الخطر الشيوعي جعل الرأسمالية معنية بأستعادة ذاكرتها فتلقفتها الولايات المتحدة المتعطشة دوماً لصناعة العدو كوسيلة لابدً منها لترسيخ مصالحها وأطماعها في الهيمنة الكونية على العالم(5).
1) حميد حمد السعدون ، السلوك السياسي ……..، مصدر سبق ذكره ، ص 13 .
2) منعم صاحي العمار ، صناعة العدو ………، مصدر سبق ذكره ، ص 6 ، ص 7 .
3) المصدر نفسه ، ص 28 ، وما بعدها .
4) المصدر نفسه ، ص 29 . 5) المصدر نفسه ، ص 35 .

ويشير أحد الباحثين إلى أن السعي الأمريكي الحثيث على تجديد الحروب الصليبية أو محاولة تقديس ماضي تلك الحروب هو من باب الأنحطاط الأخلاقي والتخلف الفكري ، فالحروب الصليبية تحفل بميراث تاريخي مروع كشوي الأطفال وأكل لحمهم ، وقد صدمت هذه الممارسات المسلمين أنذاك ، وعندما جاء ( صلاح الدين الأيوبي ) وسيطر على مدينة القدس لم يقم فحسب بالحفاظ على الميراث المسيحي في القدس لكنهُ قال للمسيحيين أن بأمكانكم البقاء في المدينة وممارسة طقوسهم بكرامة(1) .لكن أحد منظري مشروع القرن الأمريكي الجديد المدعو ( نورمان بودزورتر ) الذي وضع قائمة الدول التي أعتبرتها الولايات المتحدة ( محور الشر ) (( انهُ عمل يتعلق بالأصلاح الداخلي للأسلام وتحديثهُ واللذين قد تأخرا ، فالدافع لهذه الحرب هو أيديولوجي في طبيعته ، وهي حملة صليبية لأصلاح الدين الإسلامي الموجود في حكومات ومجتمعات الشرق الأوسط ، وبمجرد أن يتم ذلك سيغدو الطريق إلى الأمبراطورية مفتوحاً…))(2) .

وبقدر تعلق الأمر بالموضوع نجد أن الدافع وراء صناعة العدو لا يغدو أن يكون دافعاً حضارياً والتي تنحصر في الفرضية التي غالباً ما تروج لها مراكز البحوث الأمريكية المهنمة بدراسة تاريخ الحضارات مثل ( معهد أولين ) للدراسات الأستراتيجية الذي يشرف عليه ( هنتنغتون ) صاحب فكرة صراع الحضارات الذي أكد على أن النزاع الذي سيشهدهُ العالم لن يكون نزاعاً إيديولوجياً أو أقتصادياً بل سيكون ثقافياً ، وأن خطوط الألتحام بين الثقافات ستشهد نزوع شعوبها لتجذير صراعاتها حضارياً ….، ولما كانت الولايات المتحدة هي زعيمة الحضارة الغربية المتمدنة ، فأنها ونظراً لما تمتلكهُ من نزعة تفوق على الآخرين ، معنية بأستثمار ذلك التميز أمام حضارات ترغب أن تكون متمدنة حتى وأن لا ترغب بمعايشة الحضارة الغربية ، وعلى هذا الأساس بدأت أتجاهات سياسية داخل الولايات المتحدة تثير جدلاً محتوماً ليس حول النظرة لإمكانية خلق نوع من التوافق على البزوغ ، فرياح التغيير الدولية بهولها لم تستطع تحقيق تبعية واضحة للغرب مثلما لم تستطع تحقيق ولو مقدمات الأندماج التي أشرها ( فوكوياما ) في كتابه ( نهاية التاريخ )(3) .

وبناءاً على ما تقدم نجد أن البيئة الدولية والأقليمية التي تشكلت بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي لم تعد تتحمل وجود قطب أو منازع آخر يزاحم الولايات المتحدة في سيعيها الكوني ، أو يهدد طوموحها في إقامة السلام الأمريكي ، وأن أي ظهور لمثل ذلك القطب أو المنازع سيعني بمجماه تهديداً للأمن القومي الأمريكي ، وهنا أدركت الولايات المتحدة أن صناعة العدو لم تعد مجرد سياج ضد التهديدات التي تتعرض لها بل وسيلة مجربة ، وكما أثبتت ذلك سنوات الحرب الباردة لتوضيح الطموحات والحصول على الدوافع الأساس للتحرك بشكل مكثف على مسرح السياسة الدولية الأمر الذي جعل البعض يقرر أن الولايات المتحدة لم تزل تعيش حرباً باردة لا بل تبحث عنها وأن لم تجدها لصنعتها بيدها(4) .
1) شمس إسماعيل حسين ، مصدر سبق ذكره ، ص 130 .
2) المصدر نفسه ، ص 132 .
3) سالم البيض ، من الأستشراق إلى نهاية التاريخ ، الفكر الغربي والآخر ، مجلة المستقبل العربي ، عدد\112\ ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1996م ، ص 18 ، ص 34 .
4) للمزيد ينظر ، منعم صاحي العمار ، صناعة العدو ………..، مصدر سبق ذكره ، ص 4 .

أن الولايات المتحدة تحتاج إلى عدو توجه ضدهُ المدافع الإعلامية والسياسية والعسكرية ، هذه الآلة الضخمة يجب أن تعمل وتنتج ، وإلاَ أصابها التآكل ، لابدَ لها من عدو يجسد الشر ، فإذا لم يكن موجوداً يفقد الخير المفترض مبرر وجوده ، لذلك ولو لم يكن العدو موجوداً وجب أختراعه ، فسقوط الأتحاد السوفيتي كاد أن يحرمها من هذه المعادلة ، لكنها سرعان ما أعادت إنتاج مقولة (( أمبراطورية الشر )) بتعديلها لتصبح (( محور الشر ))(1) ، فهذه الصورة أعادت الجدل حول طبيعة العلاقة بين الأسلام والغرب ، وهي محور لأتجاهات متناقظة تتراوح بين الدعوة للحوار والتعاون ، ونفي الآخر وأعتباره عدواً يسوغ وجوده الأحلاف العسكرية لمواجهته ، وهي دعاوي صادرة من مصدر قوة صانع القيم التي تحرك المجتمع الدولي وما على الآخرين سوى أتباعها .

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى