الدراسات البحثيةالمتخصصة

الصراع الدولي ومستقبل النظام الدولي الجديد

اعداد : م.م. هاله سالم خلف محمد – العراق/ جامعة كركوك/ كلية علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات

المركز الديمقراطي العربي :- 

  • مجلة اتجاهات سياسية : العدد الثاني والثلاثون أيلول – سبتمبر 2025 المجلد 8 , دورية علمية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي “ألمانيا –برلين”  تعنى بنشر الأوراق البحثية والتقارير والتحليلات السياسية والقانونية والإعلامية حول الشؤون الدولية والإقليمية ذات الصلة بالواقع العربي بصفة خاصة والدولي بصفة عامة.
  • تعتمد مجلة ” اتجاهات سياسية ” على تقصي الحقائق وتقديم التحليلات العلمية عن طريق مساهمة نخبة من الكوادر في متابعة والإشراف على ما يصلها من تقارير وتحليلات حيث يترأس أقسامها أساتذة في العلوم السياسية والإعلام والقانون، من الجامعات العربية ذوي الخبرة.
Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland 
ISSN  2569-7382

Journal of Political Trends

للأطلاع على البحث  “pdf” من خلال الرابط المرفق :-

https://democraticac.de/wp-content/uploads/2025/09/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%84-%E2%80%93-%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%85%D8%A8%D8%B1-2025.pdf

المستخلص :

يهدف هذا البحث إلى تحليل الدور المحوري للصراع الدولي في إعادة تشكيل النظام الدولي الجديد، مع التركيز على الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية للصراعات وتأثيرها على توازن القوى العالمي، يدرس البحث كيف تعمل الصراعات الدولية كآلية دفع لإعادة ترتيب العلاقات بين الدول والأقطاب الكبرى، من خلال دراسة التحولات الجيوسياسية التي تترتب على النزاعات العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى الأزمات الإقليمية والدولية التي تعيد تعريف الحدود الاستراتيجية والمصالح الوطنية.

يعتمد البحث على منهج تحليلي استقرائي يجمع بين الدراسة التاريخية للصراعات الدولية منذ معاهدة ويستفاليا حتى الحروب المعاصرة، وتحليل الاتجاهات الحديثة في النظام الدولي متعدد الأقطاب، مع التركيز على تأثير الصراعات في ظهور أقطاب جديدة وصعود نفوذ الدول الإقليمية الفاعلة. كما يتناول البحث دور التحالفات الدولية، مثل الناتو والتحالفات الأمنية في آسيا، والمؤسسات الدولية في ضبط وإدارة الصراعات، والتفاعل بين الديناميات الاقتصادية والسياسية في إعادة تشكيل النظام العالمي.

تشير نتائج البحث إلى أن الصراعات الدولية ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي عوامل رئيسية في إعادة الهيكلة السياسية والاقتصادية للأقطاب العالمية، وتسهم في تشكيل سياسات الدول الخارجية، وتحديد الأولويات الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي. كما يبرز البحث أن فهم طبيعة الصراعات وتطوراتها يعد أساسياً لوضع استراتيجيات دولية استباقية، يمكنها التخفيف من آثار النزاعات وتعزيز الاستقرار العالمي، بما يضمن تكيف النظام الدولي الجديد مع المتغيرات المستمرة في بيئة دولية معقدة ومتقلبة.

Abstract

This study aims to analyze the pivotal role of international conflict in reshaping the new international system, with a focus on the political, economic, and security dimensions of conflicts and their impact on the global balance of power. The research examines how international conflicts act as a driving mechanism for reorganizing relations among states and major powers, through the study of geopolitical transformations resulting from military and economic disputes, as well as regional and international crises that redefine strategic boundaries and national interests.

The study adopts an inductive analytical approach that combines the historical examination of international conflicts from the Treaty of Westphalia to contemporary wars with an analysis of modern trends in the multipolar international system. It emphasizes the influence of conflicts on the emergence of new poles and the rise of regional powers. Additionally, the research addresses the role of international alliances, such as NATO and security partnerships in Asia, and international institutions in managing and regulating conflicts, as well as the interaction between economic and political dynamics in reshaping the global order.

The findings indicate that international conflicts are not merely transient events but are key drivers in the political and economic restructuring of global powers. They contribute to shaping foreign policies and determining strategic priorities at both regional and international levels. The study also highlights that understanding the nature and evolution of conflicts is essential for developing proactive international strategies that can mitigate the effects of disputes and enhance global stability, ensuring the adaptability of the new international system to continuous changes in a complex and volatile international environment.

المقدمة

يشكل الصراع الدولي أحد أهم الظواهر المحورية التي رافقت تطور العلاقات بين الدول منذ نشوء النظام الدولي الحديث في أعقاب معاهدة وستفاليا عام 1648، إذ كان ولا يزال عاملاً رئيسًا في إعادة تشكيل الخريطة السياسية للعالم. فالتاريخ الدولي يكشف أن أنماط التوازن والهيمنة لم تكن نتاج التوافقات السلمية وحدها، بل ارتبطت في كثير من الأحيان بصراعات وحروب أعادت توزيع القوة بين الفاعلين الدوليين. وفي العصر المعاصر، ومع تراجع القطبية الأحادية التي تزعمتها الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، أخذت الساحة الدولية تشهد تحولات متسارعة نحو نظام عالمي جديد يتسم بدرجة عالية من السيولة والمرونة، حيث تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى والإقليمية، وتتداخل أدوار الفاعلين من الدول وغير الدول على حد سواء.

لقد أظهرت الأزمات الدولية الراهنة ــ مثل الحرب الروسية–الأوكرانية، وتصاعد التنافس الأميركي–الصيني، وتنامي دور التحالفات الأمنية والإقليمية ــ أن الصراع الدولي لم يعد مقصورًا على أدوات القوة الصلبة، بل أصبح يتجاوزها ليشمل مجالات الاقتصاد، التكنولوجيا، الفضاء السيبراني، وحتى الأمن الطاقوي والغذائي. هذه التحديات مجتمعة دفعت إلى إعادة النظر في بنية النظام الدولي القائم، بحيث لم يعد من الممكن اختزاله في نموذج القطبية الأحادية أو الثنائية الكلاسيكيين، وإنما بات يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا يقوم على التنافس متعدد الأبعاد وتشكيل تحالفات مرنة ومؤقتة.

ومن ثم، فإن مستقبل النظام الدولي الجديد يظل رهينًا بكيفية إدارة الصراع الدولي، سواء من خلال مؤسسات الحوكمة العالمية أو عبر التوازنات الاستراتيجية بين القوى الفاعلة. فالصراع لم يعد مجرد مواجهة عسكرية بين جيوش، بل أصبح عملية شاملة تعكس تنافسًا على الموارد والشرعية والقيم والنفوذ. وعليه، فإن دراسة الصراع الدولي في علاقته بمستقبل النظام العالمي الجديد تمثل مدخلًا أساسيًا لفهم طبيعة التحولات الجارية وتوقع مآلاتها على استقرار النظام الدولي واتجاهاته المستقبلية.

هدف البحث

يهدف هذا البحث إلى تحليل طبيعة الصراع الدولي في المرحلة الراهنة، واستكشاف انعكاساته على ملامح النظام الدولي الجديد، وذلك من خلال الوقوف على أنماط التنافس بين القوى الكبرى والفاعلين الدوليين، وتحديد كيف تسهم التحالفات، والأزمات الجيوسياسية، والتغيرات التكنولوجية والاقتصادية في إعادة تشكيل البنية العالمية. كما يسعى البحث إلى تفسير الاتجاهات المحتملة لمستقبل النظام الدولي، بين سيناريوهات التعددية القطبية، أو استمرار محاولات الأحادية، أو بروز نظام أكثر تعقيدًا يقوم على التوازنات المرنة والتحالفات المتغيرة.

أهمية البحث

تنبع أهمية هذا البحث من كونه يتناول واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في حقل العلاقات الدولية، والمتمثلة في العلاقة الجدلية بين الصراع الدولي وإعادة تشكيل النظام العالمي. فالتحولات الجارية في بنية النظام الدولي، في ظل صعود قوى كبرى كالصين وروسيا، وتراجع الهيمنة الأميركية، وتنامي دور الفاعلين من غير الدول، تجعل من الضروري فهم الكيفية التي يسهم بها الصراع في إعادة توزيع موازين القوة عالميًا، كما تكمن الأهمية في أن البحث يقدم إطارًا تحليليًا يساعد على تفسير ديناميات الصرع الدولي الراهن، وفهم آليات تشكل النظام الدولي الجديد، بما يفتح المجال أمام دراسات أكاديمية أعمق ويزوّد صناع القرار برؤى استشرافية حول السيناريوهات المحتملة لمستقبل النظام العالمي.

إشكالية البحث

تتمثل إشكالية هذا البحث في الكشف عن طبيعة العلاقة بين الصراع الدولي والتحولات الجارية في بنية النظام العالمي، وتحديد الكيفية التي يسهم بها الصراع في صياغة ملامح النظام الدولي الجديد، فمع أن النظام الدولي يشهد منذ نهاية الحرب الباردة تحولات متسارعة، إلا أن ملامحه المستقبلية ما تزال غامضة، حيث تتراوح التفسيرات بين بروز تعددية قطبية واضحة، أو استمرار محاولات الأحادية الأميركية، أو نشوء نظام أكثر سيولة يقوم على تحالفات متغيرة وتوازنات مرنة. ومن هنا، تبرز الإشكالية الجوهرية في السعي إلى الإجابة عن التساؤلات الاتية: –

  1. ما هو مفهوم الصراع الدولي؟ وما هي مراحله؟ وما هي أسباب الصراع الدولي؟ وما هي أساليب إداراتهُ؟
  2. ما هو الاطار المفاهيمي للنظام الدولي؟ وما هي عناصر النظام الدولي وخصائصه؟
  3. كيف يؤثر الصراع الدولي الراهن على مستقبل النظام الدولي الجديد، وما هي السيناريوهات الأكثر ترجيحًا لشكل هذا النظام؟

فرضية البحث

تفترض هذه الدراسة أنّ الصراع الدولي الراهن، بتعدد أبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية، يشكل العامل الأكثر تأثيرًا في إعادة تشكيل النظام الدولي الجديد، وأن هذا النظام لن يتجه نحو أحادية قطبية مستقرة، بل نحو تعددية قطبية مرنة تقوم على تنافس استراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، مع بروز أدوار متزايدة لقوى إقليمية وتحالفات دولية متغيرة. وبذلك، فإن مستقبل النظام الدولي الجديد سيكون انعكاسًا لتوازنات القوة الناتجة عن هذه الصراعات، أكثر من كونه نتيجة توافق مؤسساتي أو تعاون جماعي.

مناهج البحث

  1. المنهج التاريخي: لتحليل جذور الصراع الدولي وتطور النظام العالمي منذ الحرب الباردة وحتى التحولات الراهنة، بما يساعد على فهم الخلفيات التاريخية التي قادت إلى الوضع الحالي.
  2. المنهج الوصفي–التحليلي: لاستعراض وتحليل طبيعة الصراع الدولي المعاصر، وأبعاده العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، مع التركيز على انعكاساته على شكل النظام الدولي.
  3. المنهج المقارن: لمقارنة نماذج الصراع في فترات مختلفة (مثل الحرب الباردة مقابل الصراعات المعاصرة)، وكذلك المقارنة بين أدوار القوى الكبرى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا) لفهم تباين استراتيجياتها.
  4. منهج الاستشرافي: لاستشراف مستقبل النظام الدولي الجديد، عبر وضع تصورات محتملة مثل: استمرار الأحادية الأميركية، أو الانتقال إلى تعددية قطبية واضحة، أو بروز نظام هجين قائم على تحالفات مرنة.

هيكلية البحث

يقسم البحث الى مبحثين:

المبحث الأول: الاطار المفاهيمي للصراع الدولي

المبحث الثاني: مستقبل النظام الدولي الجديد

المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للصراع الدولي

يمثل الإطار المفاهيمي للصراع الدولي مدخلاً تحليليًا لفهم طبيعة التفاعلات بين الدول في ضوء المصالح المتناقضة والهويات المتعارضة، بعيدًا عن التفسيرات التقليدية التي تحصره في البعد العسكري. إذ يسلط الضوء على الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية بوصفها عناصر بنيوية تسهم في تشكيل أنماط جديدة من الصراعات الدولية في النظام العالمي المعاصر.

المطلب الأول: مفهوم الصراع الدولي ومراحله

الصراع في اللغة مأخوذ من مادة (صرع)، وتعني التغلب أو إسقاط الخصم أرضًا، ويُقال “صرعه” أي غلبه وقهره، كما يأتي بمعنى التزاحم والتدافع بين طرفين أو أكثر لتحقيق غاية معينة ” هو النزاع والخصام والخلاف والشقاق” (منظور ج.، 1981).

الصراع اصطلاحاً: يشير مصطلح الصراع الى انه ذلك النشاط الانساني الذي ينشأ نتيجة رغبة طرفين او اكثر للقيام بأعمال وأهداف متعارضة فيما بينهم، او هو حالة سببها تعارض حقيقي أو متصور للاحتياجات والقيم والمصالح بين طرفين أو اكثر ونتيجة هذا الصراع يسعى طرفا الصراع للسيطرة وعلى قدرات الطرف الاخر والتحكم به (سميع، 2022).

من بين الباحثين والكتاب العرب عرف “إسماعيل صبري” الصراع على انه “تنازع الارادات الوطنية، وهو التنازع الناتج عن الاختلاف في دوافع الدول، وفي اتخاذ قرارات وانتهاجات سياسات خارجية تختلف أكثر مما تتفق” (مقلد، 2010).

وقد عرفه “مازن رمضاني” بأنه “انعكاس لعلاقات تفاعل منسق بين جانبين تتميز أنماط سلوكهما بالإصرار على تحقيق اهداف محددة، تتصف بوصفها متعارضة” (مقلد، 2010).

عرّف “جوزيف فرانكل” الصراع بأنه “ناجم عن الاختلاف في الأهداف والمصالح القومية، معتبراً أن الاهتمامات المشتركة والاختلاف هي أساس أية علاقة بين المجتمعات” (Joseph, 1969).

في حين عرفه “ستيفن سيبيل” بأنه: “شكل من أشكال الصدام بين ثقافات ومصالح غير متجانسة لأطراف غير قادرين على التعايش في البيئة المتواجدين فيها”، أما “جون بورتون” فقد عرّفه بدلالة “التناقض لمجموعة قيم ومدركات لأطراف متعددة” (فهمي، 1990).

واكتسب المصطلح مفهوماً سياسياً واسعاً واتخذ طابع النظرية في القرن التاسع عشر وكما موضح ادناه:

  1. المدرسة الواقعية (Realism): يرى هانز مورغنثاو (Hans Morgenthau) أن الصراع الدولي هو انعكاس لطبيعة السياسة القائمة على “صراع مستمر على القوة” بين الدول، إذ تسعى كل دولة إلى تحقيق مصالحها الوطنية حتى لو أدى ذلك إلى المواجهة مع غيرها، “مورغنثاو” يعتبر أن الصراع الدولي “حالة طبيعية” في النظام الدولي لغياب سلطة مركزية عليا تنظّم العلاقات بين الدول.
  2. الواقعية البنيوية (Neorealism): عند كينيث والتز (Kenneth Waltz) يُفهم الصراع الدولي سياسيًا بوصفه نتيجة مباشرة لبنية النظام الدولي”الفوضوي” (Anarchy)، حيث لا توجد سلطة عليا فوق الدول، ما يدفعها إلى الاعتماد على ذاتها (self-help) وتعزيز قوتها لضمان البقاء، الصراع إذن ليس ناتجًا عن طبيعة بشرية أو رغبة فردية، بل عن بنية النظام نفسه(الخزندار، 2014، صفحة 133)
  3. المدرسة الماركسية (Marxist and Neo-Marxist Approaches): يعتبر الماركسيون أن الصراع الدولي سياسيًا هو انعكاس للبنية الاقتصادية للرأسمالية العالمية، حيث تتنافس الدول (خصوصًا الكبرى منها) للسيطرة على الأسواق والموارد، ما يفرز حروبًا وإمبريالية وصراعات بين المركز والأطراف، إذ ورد في البيان الشيوعي “لماركس إنجلز” الذي جاء فيه “ان تاريخ المجتمع كله حتى اليوم هو تاريخ صراع الطبقات”.
  4. المدرسة الليبرالية (Liberalism): الليبراليون لا ينكرون الصراع، لكنهم يرون أن الصراع الدولي سياسيًا يحدث بسبب غياب المؤسسات والقوانين الكافية، وأنه يمكن تقليصه من خلال التعاون الدولي، الديمقراطية، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، عند روبرت كيوهان Robert Keohane)، الصراع الدولي سياسيًا هو نتاج فشل في تحقيق التعاون، ويمكن تجاوزه عبر بناء مؤسسات دولية قوية

سياسيًا، يُعرَّف الصراع الدولي بأنه حالة تنازع على السلطة، الموارد، أو النفوذ بين الدول والفاعلين الدوليين داخل نظام دولي فوضوي يفتقر إلى سلطة مركزية ملزمة، بينما تختلف المدارس الفكرية في تفسير أسبابه (طبيعة بشرية – بنية النظام – اقتصاد عالمي – غياب المؤسسات)، فإنها تتفق على أنه ظاهرة مستمرة وملازمة للعلاقات الدولية.

واستناداً إلى ما سبق فإن الصراع الدولي يعرف على أنه موقف خاص مدرك ومتبادل ومتناقض بين دولتين أو أكثر، حول المصالح المادية أو القيم الأساسية، ويمس بشكل خاص قضايا السيادة الوطنية، الأمن الهوية، وغير ذلك مما يفضي بالدول الأطراف إلى تبني استراتيجيات ومواقف تتعارض مع المصالح المحتملة للدولة أو الدول الأخرى (الجميلي، 2016).

توجد بعض المفاهيم التي قد تقترن مع مفهوم الصراع وتعرف بدلالته، إلا أنها تختلف من حيث المضمون عن الصراع، فقد يكون الصراع أحياناً محصلة ونتيجة لها كالمنافسة والتوتر وإن كانت بعض مراحل الصراع تتضمن هذين المفهومين فضلاً عن الأزمة والنزاع. وبعضها يكون نتيجة للصراع عندما يصل إلى أشد مراحله وأكثرها عنفاً كالحرب (العنزي، 2016)، وعليه سنتطرق إلى أهم هذه المفاهيم وهي :

  1. التنافس: هو حالة وسطية بين الصراع والتعاون فالإرادات هنا لا تسعى إلى التصادم التام أو إلغاء بعضها بل السباق والاحتكاك للحصول على منافع متنوعة دون تطبيق شروط النظرية الصفرية المتعلقة بالربح التام والخسارة التامة (البدوي، 1993) .
  2. الكفاح وهو بالرغم من كونه أحد صور الصراع، إلا أنه يختلف عن الصراع في كونه يستعمل غالباً عند تناول مسائل النضال من أجل الاستقلال الوطني، أو لوصف نضال فئة معينة داخل الدولة من أجل الحصول على حقوق أو مزايا، وفي الكفاح يمكن التوصل إلى نهاية أو حل بمجرد تحقيق المطالب المرجوة، وأحياناً تتحول العلاقة إلى علاقة تعاون وصداقة، مثل تلك التي نشأت بين انجلترا ومستعمراتها السابقة تحت اسم رابطة دول الكومنولث(علي ج.، 2013)
  3. التوتر هو حالة من المخاوف والشكوك وعدم الثقة المتبادلة، والناجمة عن تبدل مواقف الدول وسياسات بعضها تجاه البعض الآخر، فبينما يشير الصراع إلى تعارض فعلي وأفعال متبادلة بين الدول للتأثير على بعضهم البعض، فإن التوتر لا يعدو أن يكون حالة تخوف وعداء وتصور بتباين المصالح، وقد يتصاعد التوتر إلى شكل خطير ويكون بدوره عامل مساعد أو رئيس لحدوث الصراع نتيجة لتوتر علاقات التفاعل، وهو بذلك حالة سابقة للصراع وكثيراً ما تقترن أسبابه بأسباب الصراع(العلي، 2019).
  4. الأزمة ويعرفها البعض ومنهم هنري كيسنجر بأنها مجرد عارض لوصول مشكلة ما إلى المرحلة السابقة مباشرة على الانفجار، ما يقتضي ضرورة المبادرة بحلها قبل أن تتفاقم عواقبها (التامر، 2015).
  5. النزاع: ويقصد بالنزاع الدولي الخلاف على نقطة قانونية، أو واقعية، أو تعارض وتناقض الادعاءات القانونية بين دولتين أو أكثر، ولا يتسم هذا النوع من الخلافات عادة بالديمومة، فغالباً ما يتم التوصل إلى حل قانوني عبر التحكيم أو الوساطة أو التسويات السلمية، أما إذا لم يستجب أطراف النزاع لهذه الحلول وتم الالتجاء إلى القوة، فقد يتطور النزاع إلى صراع(الياس، 2011).
  6. العنف: يمثل العنف أحد أوجه وأبعاد الصراع، ويتضمن على الأغلب استعمالاً غير مشروع للقوة، أي غير مطابق للقانون، لفرض إرادة طرف ما على الآخر، وتختلف صور العنف ما بين أفعال ومفردات وسلوكيات تسبب إيذاء جسدياً ونفسياً واجتماعياً وبيئياً، فللعنف اتجاهان، الأول: العنف المباشر، ويتضمن أعمال القتل والاضطهاد والقمع والتعذيب وما عداها. والثاني هو العنف البنيوي، ويتضمن التمييز والخوف والاستغلال وغيرها، وعادة ما يكون هذا الأخير كامناً وغير ظاهر، ويعمل ببطء في تآكل قيم المجتمع(الخزندار، 2014).
  7. الحرب : وهي شكل من أشكال العلاقات الدولية يتم فيها استعمال العنف المسلح والقوة بين دولتين أو أكثر لهم مصالح متعارضة، إلا أنها في حالات معينة قد لا تتضمن استعمال أدوات العنف المادي كالحرب الاقتصادية والإعلامية وغيرها، ويختلف مفهوم الحرب عن العنف في كونه عمل تحكمه قواعد قانونية تشريعية أو عرفية، فالحرب ليست كسائر أعمال العنف العشوائية أو الفردية، بل هي عمل تنظيمي جماعي، كذلك فإن الحرب عادةً ما تكون عملية مؤقتة، فلا توجد دولة أو مجتمع يستطيع أن يكون في حالة حرب دائمة (حسين، 2013).

والصراع بالمفهوم السياسي يعني التصادم والتعارض بين طرفين او أكثر بينهما اختلاف قيمية ومصلحية ينخرطان في سلسلة من الأفعال وردود الأفعال الإرغامية التي تهدف الى الحاق الضرر او شل حركة الطرف او الأطراف الأخرى مع سعي كل طرف الى تعظيم مكاسبه على حساب الاخرين وتأمين مصادر قوته، ويمكن تصنيف الصراعات وفق دوائر ومستويات متباينة تتدرج من المستوى الفردي وصولاً إلى المستوى الدولي، وذلك على النحو الآتي (المصلحى و عبد الرحمن محمد عبد السميع، 2021):

1.    المستوى الفردي أو الشخصي: يتجلى هذا المستوى من الصراع في العلاقات اليومية بين الأفراد، مثل ما يحدث بين الأقران، أو الأزواج، أو الأبناء، أو الأصدقاء والجيران. وتتمثل خصوصية هذا النمط في كونه يؤدي غالباً إلى خسائر مباشرة في الروابط الاجتماعية والشخصية، قد تستمر انعكاساتها على المدى الطويل.

2.    المستوى المجتمعي: يشمل الصراع في هذا المستوى المنظمات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة مثل الكنائس، والنوادي، واتحادات الملاك، والجمعيات الأهلية، وكذلك أماكن العمل التي تشهد صراعات بين الموظفين والمديرين أو بين العاملين وأصحاب الأعمال. وغالباً ما تتطور هذه النزاعات من صراعات فردية أو جماعية محدودة إلى خلافات أكثر اتساعاً قد تمتد إلى المستويات القيادية والإدارية العليا.

3.    المستوى المؤسسي والاقتصادي: يظهر الصراع هنا بين رجال الصناعة وأصحاب رؤوس الأموال، وبين جمعيات حماية المصلحة العامة والهيئات الحكومية. ويتسم هذا المستوى بخطورته البالغة، إذ إن تداعياته قد تترك آثاراً مدمرة على البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.

4.    المستوى الدولي: يُعَدّ هذا المستوى أكثر تعقيداً وتشابكاً، حيث تتداخل فيه الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية. وتتميز الصراعات الدولية بتعدد أطرافها وتنوع أشكالها، مما يجعلها ذات طابع معقد يصعب احتواؤه أو حسمه بسهولة.

وعليه يمكن القول بأن الصراعات تتوزع عبر مستويات متعددة تبدأ من الدائرة الفردية المتمثلة في العلاقات الشخصية، ثم تمتد إلى المستوى المجتمعي والمؤسسي بما يشمله من منظمات وأماكن عمل، كما تتصاعد حدتها لتشمل الصراع بين المؤسسات الاقتصادية والحكومية، وصولاً إلى المستوى الدولي الذي يتسم بالتعقيد والتشابك بين الأبعاد السياسية والاقتصادية، وبذلك تعكس هذه المستويات تدرج الصراع من البسيط إلى الأكثر خطورة واتساعاً.

ومن مراحل الصراع الدولي (سميع، 2022):

  1. التوتر: يمثل المرحلة الأولية للصراع، ويعود إلى مواقف وميول تتسم بالشك وعدم الثقة بين الأطراف. وفق ميرل، فإن التوتر يشمل مواقف صراعية لا تصل إلى استخدام القوة المسلحة، وهو حالة عداء وشكوك وتصور بتباين المصالح، ويعد بمثابة مرحلة سابقة للنزاع الفعلي.
  2. الأزمة: تمثل نقطة تحول حرجة في العلاقات الدولية، حيث تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر، تعرف الأزمة بأنها تصعيد حاد للفعل ورد الفعل يؤدي إلى زيادة درجة التهديد والإكراه، لكنها لا تؤدي دائمًا إلى الحرب، إذ يمكن حلها سلمياً أو تجميدها. يستخدم المفهوم للإشارة إلى اللحظة الحاسمة التي يحدد فيها مصير التطورات: سلم أو صراع، حياة أو موت. إدارة الأزمة تعتمد على التلاعب بعناصرها لتحقيق مصالح الأمن القومي.
  3. النزاع: النزاع الدولي هو خلاف بين دولتين أو أكثر حول مسائل قانونية، موارد، سلطة، هوية، أو قيم، ويعتبر استمرارًا للتوترات والأزمات غير المحلولة. وفق جوزيف ناي، دراسة النزاعات الدولية أساسية لفهم تعقيدات السياسة الدولية، بينما يشير ريمون أرون إلى أن النزاع الدولي نتيجة لتضاد المصالح التاريخي.
  4. الحرب تمثل المرحلة النهائية للصراع الدولي، وتتمثل في التحام مباشر واستخدام القوة المسلحة لحسم النزاعات الجذرية التي لم يعد بالإمكان حلها بالوسائل الأخرى.

وان للصراع الدولي فوائد يمكن إدراكها، حيث يُعتبر أداة لتوزيع القوة والموارد، ويُسهم في إعادة ترتيب النظام الدولي، كما يُحفز الدول على تحسين قدراتها العسكرية والاقتصادية، ويُعزز من قدرتها على التكيف مع التغيرات العالمية (الفتلاوي و السعدي، 2025)، وان دالة المثلث للصراع الدولي، وفقًا لنظرية العالم النرويجي “يوهان غالتونغ”، تُعرف باسم “مثلث الصراع”، وتتكون من ثلاثة أبعاد أساسية (الرمضاني، 2025):

  1. التناقض: وجود خلافات جوهرية بين الأطراف.
  2. المشاعر: الانفعالات والمشاعر السلبية بين الأطراف.
  3. السلوك: التصرفات والأنشطة التي تُظهر الصراع.

ولا يُطلق على أي مواجهة بين الدول وصف الصراع الدولي إلا بتوافر شروط وخصائص معينة، يمكن تلخيصها كما يلي (الرمضاني، 2025) :

  1. تعدد الأطراف: اندلاع الصراع بين دولتين على الأقل، نتيجة إدراكهما لتناقض مصالحهما في لحظة زمنية محددة، مع احتمالية توسّع الصراع عبر استقطاب الحلفاء وتشكيل تحالفات جديدة.
  2. التتابع السلوكي (الفعل ورد الفعل): يقوم الصراع على التفاعل المتبادل بين الإرادات، إذ تعكس مواقف الأطراف اختلافًا في الدوافع والمدركات والقدرات، مما يؤدي إلى تبني سياسات متعارضة.
  3. قابلية التصعيد أو التسوية: يتميز الصراع الدولي بمرونة مساره، فقد يتصاعد إلى الحرب أو ينخفض إلى التسوية السلمية.
  4. تنوع المخرجات: قد تكون نتائجه ربحًا لطرف وخسارة لآخر، أو ربحًا وخسارة مشتركة لجميع الأطراف.
  5. ممارسة النفوذ: يسعى كل طرف إلى توسيع نفوذه ومكانته عبر أدوات الترغيب والترهيب، مستندًا إلى قدراته السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وبناءً على ذلك، يُفهم الصراع الدولي باعتباره علاقة تفاعلية منسقة بين دولتين على الأقل، تسعى كل منهما لتحقيق مصالح عليا متناقضة، باستخدام أدوات متعددة تعكس نوعية قدراتها، بمخرجات قد تتراوح بين الحرب والتسوية، أو بين المكاسب والخسائر المتبادلة

المطلب الثاني: أسباب الصراع الدولي وأساليب إدارته

الصراع الدولي هو ظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد، تتداخل فيها العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ويمكن تصنيف أهم مسبباته على النحو التالي (المصلحى و عبد الرحمن محمد عبد السميع، 2021):

  1. صراع المجال الحيوي (الجيوبولتيكي): – تشمل الجغرافيا بمعناها الواسع جملة من العوامل الطبيعية التي تؤثر بصورة مباشرة في سلوك الدولة ومكانتها، مثل المناخ، طبيعة الأرض، الموارد المعدنية، وموارد الطاقة، إضافة إلى الموقع الجغرافي. وتمثل حركة الدول على الصعيد الخارجي انعكاساً لضغوط البيئة المكانية المتمثلة في الموقع الجغرافي، وفرة المياه، والنمو السكاني، وهي عوامل تدفع الدول في أحيان كثيرة إلى انتهاج سياسات توسعية وصراعية مع غيرها من الدول. وفي هذا السياق، برزت في ميدان الجغرافيا السياسية مجموعة من النظريات التي أولت اهتماماً خاصاً بدراسة الدولة من حيث نموها وتطورها وازدهارها، ومن أبرزها “نظرية المجال الحيوي” لفريدريك راتزل، التي شبَّه فيها الدولة بالكائن الحي الذي ينمو ويتمدد بصورة مستمرة، معتبراً أن الحدود السياسية القائمة ما هي إلا مخرجات مادية لصراعات القوى على المستوى الدول.
  2. الصراع على الموارد الطبيعية، تُعرف ظاهرة “لعنة الموارد الطبيعي (Curse of Natural Resources) بأن وفرة الموارد مثل النفط والمعادن النفيسة في بعض الدول النامية لم تؤدِّ إلى رفاهية اقتصادية للشعوب، بل كانت سببًا في اشتعال الحروب وتفاقم الصراعات الداخلية. وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يرتبط ما لا يقل عن 40% من النزاعات الداخلية في العقود الماضية بالموارد الطبيعية، وهو ما يضاعف احتمالات تصاعد الصراع في السنوات الأولى له. منذ عام 1990، ارتبطت استغلال الموارد مثل النفط، الذهب، الألماس، والأراضي الخصبة بما لا يقل عن 18 صراعًا، كما حدث في أنجولا (1972-2002) حيث أدت السيطرة على الألماس إلى حرب أهلية أسفرت عن مقتل نحو 1.5 مليون شخص، وتجلى هذا الصراع في أحداث منطقة شرق المتوسط أيضًا.
  3. الصراعات العرقية والإثنية: ينشأ الصراع الإثني أو العرقي بين مجموعات مختلفة حول الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو السعي للحصول على حكم ذاتي. وغالبًا ما يكون مرتبطًا بتوزيع الثروات والمشاركة في السلطة، وقد يتحول إلى عنف مسلح. أمثلة على ذلك: النزاع اليوغسلافي، الإبادة الجماعية في رواندا، نزاعات الطوائف في العراق، والمطالبات بالانفصال في إقليم الكيبيك بكندا وإيرلندا الشمالية، تؤثر العوامل الجغرافية والثقافية والاجتماعية بشكل كبير في تصاعد هذه الصراعات.
  4. الصراع التكنولوجي وسباق التسلح: يساهم التقدم التكنولوجي في إعادة تشكيل ميزان القوة بين الدول المتقدمة والدول الأقل قدرة، مما يحفز الدول الكبرى على افتعال الحروب استغلالًا للفارق التكنولوجي. سباق التسلح يثير الشكوك ويخلق بيئة صراعية مستمرة، حيث تسعى جماعات المصالح المرتبطة بالتسليح للحفاظ على أزمات معينة بما يضمن مصالحها.
  5. الصراع على الحدود البرية والبحرية: تظل الحدود مصدرًا رئيسيًا للتوتر بين الدول، لأنها تمثل الإطار الذي تُمارس فيه الدولة سيادتها وتحدد مصالحها الاقتصادية. ومن أبرز الأمثلة: النزاع الهندي-الباكستاني حول كشمير، والنزاع اليوناني-التركي حول جزر بحر إيجه، هذه الصراعات غالبًا ما تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية وثقافية معقدة.
  6. الصراع الإيديولوجي: يحدث عندما تتناقض رؤى الدول حول القيم والمبادئ والسياسات، ما يجعل التسوية شبه مستحيلة عبر المساومة. التباين في الأفكار الإيديولوجية يؤدي إلى صراعات مصالح متشابكة تزيد من تعقيد النزاعات، ويجعل الحلول مرضية لجميع الأطراف صعبة التحقيق.
  7. صراع البحث عن الدور أو المكانة الدولية: يرتبط هذا الصراع بالدول التي تسعى لتغيير مكانتها في النظام الدولي بما يتوافق مع مصالحها.

تظهر هذه العوامل أن الصراع الدولي ليس نتاج عامل واحد، بل هو تفاعل معقد بين الموارد الطبيعية، الانقسامات العرقية والإثنية، السباق التكنولوجي والعسكري، النزاعات الحدودية، التباين الإيديولوجي، ورغبة الدول في تعزيز مكانتها الدولية. فهم هذه المسببات يتيح صياغة سياسات دولية أكثر فعالية لتقليل احتمال اندلاع النزاعات وتعزيز الاستقرار العالمي.

ان إدارة الصراع الدولي هي مجموعة من التحركات والجهود المنسقة بهدف السيطرة على الصراعات أو احتوائها بين الفاعلين السياسيين داخل الدولة أو بين الدول، وغالبًا ما يتم إدماج طرف ثالث لتحقيق هذا الهدف، وتكمن الغاية الأساسية لإدارة الصراع في تقليل حجم الخسائر للأطراف المعنية ومنع تصاعد حدة النزاع، خصوصًا في الحالات التي تتعذر فيها التسوية النهائية للصراع، يعتمد الطرف الثالث في إدارة الصراع عادة على أحد الأربعة أساليب الرئيسة (Sushmith, 2020):

  1. الأسلوب الدبلوماسي: يتضمن الاعتماد على كافة أنواع الدبلوماسية التقليدية وغير التقليدية، ويشمل التفاوض، الوساطة، المساعي الحميدة، التحقيق، والتوفيق بين الأطراف المتنازعة. ويهدف هذا الأسلوب إلى الوصول إلى اتفاق يقلل من التوتر ويحد من احتمالات التصعيد.
  2. الأسلوب القضائي: يقوم على اللجوء إلى المؤسسات والهيئات القضائية الدولية لتطبيق القوانين وفرض القرارات، بما يضغط على الأطراف للالتزام بحل النزاعات. وتشمل هذه المؤسسات محكمة العدل الدولية والمحكمة الدولية لقانون البحار، لا سيما في النزاعات الحدودية أو النزاعات البحرية.
  3. الأداة الاقتصادية (العقوبات الاقتصادية): تُستخدم الإجراءات الاقتصادية القسرية مثل الحصار والحظر لفرض تغيير في التوجهات السياسية للطرف المتنازع بما يتوافق مع مصالح الطرف الذي يفرض العقوبات، وتهدف العقوبات إلى توجيه السلوك السياسي دون اللجوء المباشر إلى استخدام القوة المسلحة.
  4. التهديد باستخدام القوة أو الاستخدام الفعلي لها: يُعد استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها الاسلوب الأخير في إدارة الصراع الدولي، ويهدف إلى إجبار الطرف الآخر على الرضوخ للمتطلبات السياسية للطرف القوي، ويُعتبر هذا الأسلوب جزءًا من الدبلوماسية القسرية، لكنه الأكثر عنفًا واحتدامًا مقارنة بالأساليب الأخرى.

توضح هذه الأساليب أن إدارة الصراع الدولي تتدرج من الحلول السلمية والدبلوماسية إلى الوسائل القسرية والعسكرية، ويعكس هذا التدرج طبيعة تعقيد العلاقات الدولية وضرورة توظيف أدوات متعددة لتحقيق الاستقرار ومنع التصعيد نحو الحرب.

المبحث الثاني: مستقبل النظام الدولي الجديد

يشكل مستقبل النظام الدولي الجديد أحد أبرز القضايا الفكرية والسياسية المطروحة في الدراسات المعاصرة، نظراً لما يشهده العالم من تحولات بنيوية في موازين القوى الدولية، فالتطورات التكنولوجية، والتغيرات الاقتصادية، وتصاعد التنافس الجيوسياسي، كلها عوامل تعيد رسم معالم النظام الدولي، وعليه يتناول هذا المبحث تحليل الاتجاهات المحتملة لشكل النظام الدولي المقبل وآثاره على الاستقرار الدولي.

المطلب الأول: الإطار المفاهيمي للنظام الدولي وتطوره عبر المراحل التاريخية

اولاً: الإطار المفاهيمي للنظام الدولي

إن التعريف بمفهوم النظام الدولي، يقتضي بناء بداية النظر في مفهوم النظام، فالنظام في اللغة العربية: هو التأليف، نَظَمَه يَنْظِمُه نَظْماً ونظاماً ونظمه فانْتَظَم وتَنَظَّم (منظور ا.، 2007)، والنظم هو ضم الشيء الى شيء آخر، ويقال مثلاً نظم الاشياء ينظمها، نظماً : ألفها، وضم بعضها الى بعض، ونظمت اللؤلؤ، أي جمعته في السلك، والتنظيم مثله، ومنه نظمت الشعر ونظمته، أي الف كلاماً موزوناً مقفى، وكل شيء قرنته بآخر، أم ضممت بعضه الى بعض، فقد نظمته (آبادي، 2008).

أما النظام اصطلاحاً : فيعد لفظة النظام من أكثر الالفاظ شيوعاً ورواجاً في الادبيات السياسية، وتعود جذوره الى العصور القديمة، إذ ترتبط بدايته حسبما يرى بعض المؤلفين والكتاب بالفلسفة التنويرية التي تعود الى اصحاب نظرية العقد الاجتماعي، وهذه النظرية تذهب الى الافراد ورغبتهم في الابتعاد عن حالة الفوضى والانضمام الى حالة يسودها الاستقرار والامن، وفي سبيل ذلك يتنازلون عن بعض مصالحهم او حتى كلها لصالح حاكم يكون بمقدوره تأمين هذه الغاية (امين، 2023).

يُعدّ “النظام الدولي” من أكثر المفاهيم تداولًا في حقل العلاقات الدولية، إذ يشير في جوهره إلى جملة القواعد والهياكل التي تنظّم التفاعلات بين الوحدات الفاعلة، وعلى رأسها الدول ذات السيادة. وقد تطوّر استخدام هذا المفهوم تاريخيًا ليرتبط ببنية القوة وتوزيعها بين القوى الكبرى، بينما يُستخدم مفهوم “النظام العالمي” للدلالة على صورة أشمل تتضمن القوى الكبرى، والمؤسسات، والفواعل غير الدوليين مثل الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات العابرة للحدود، كما أنّ النظام الدولي يعبّر عن “البنية السياسية والأمنية للعلاقات بين الدول”، في حين أنّ النظام العالمي يمتد إلى الأبعاد الاقتصادية والثقافية والرمزية التي تعكس موازين القوى العالمية.

يشهد العالم المعاصر تحولات عميقة في بنية النظام العالمي وتوازنات القوى الدولية، تتجاوز في تأثيرها وعمقها التغيرات التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة، وكما يشير هنري كيسنجر (2014) في كتابه النظام العالمي “نحن نعيش في فترة تاريخية يتم فيها إعادة تشكيل جذرية للنظام العالمي، حيث تتزامن أزمة في مفهوم النظام ذاته مع تحولات في موازين القوى العالمية”، هذه التحولات تتجلى في صعود قوى عالمية جديدة، وتراجع نسبي للهيمنة الغربية، وتغيرات جذرية في طبيعة القوة ومصادرها، وتحديات غير مسبوقة تواجه المؤسسات الدولية التقليدية (كيسنجر، 2014).

يُعرّف النظام العالمي بأنه “مجموعة المبادئ والقواعد والمؤسسات التي تنظم العلاقات بين الفاعلين الدوليين، وتحدد أنماط توزيع القوة وآليات إدارة الصراعات وتحقيق الاستقرار على المستوى العالمي” (بول، 2010)، ويعرف النظام العالمي على إنه يتشكل من ثلاثة عناصر أساسية: هيكل توزيع القوة، المؤسسات والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية، والقيم والمبادئ التي تضفي الشرعية على هذا النظام” (عيد، 2025).

في حين ان النظام الدولي هو: “تجمع يضم وحدات سياسية مستقلة تتفاعل فيما بينها بتواتر معقول وفقاً لعمليات منتظمة، وتلعب القوة دوراً رئيسياً في التفاعل بين هذه الوحدات. وإذا كانت معظم الدراسات التي تناولت النظام الدولي قد اعتبرت الدولة هي الفاعل الأساسي في السياسة الدولية، فإن هناك عدداً آخر من الدراسات تتبنى وجهة نظر أشمل، وتركز على المجتمع العالمي الذي لا تكون فيه وحدة التحليل الأساسية هى الدولة، إذ أن هناك فاعلون آخرون قادرون على لعب دور على الساحة الدولية مثل: المنظمات الدولية، والشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى الأفراد وهو ما نتناوله في النقطة التالية” (عودة، 2005).

يرى مورتون كابلان (Morton Kaplan) أن النظام الدولي هو”نسق من العلاقات يتسم بدرجة معينة من الثبات والاستقرار، ينظم سلوك الوحدات الدولية”، أما هيدلي بول  (Hedley Bull)، فيعرّفه بأنه “مجموعة من القواعد والمؤسسات التي تخلق نظامًا بين الدول، حتى في غياب حكومة عالمية”، واعتبره كينيث والتز(Kenneth Waltz)  “بنية من التفاعلات بين وحدات متساوية في السيادة لكنها متفاوتة في القوة” (امين، 2023، صفحة 35).

كما يعرفه “يورغ سورنسن” بأنه “ترتيب للحكم داخل الدول وفيما بينها، بمشاركة من لاعبين آخرين وفيما يتصل بنظام دولي مستقر وجيد الأداء هناك قيود نسقية، ولكن هناك ايضاً قيود داخلية ولابد من معالجة البعدين معاً لانجاز استقصاء سليم للنظام الدولي” (سورنسن، 2020).

يُعَدُّ النظام الدولي في العلاقات الدولية مجموعة من العناصر الأساسية التي تُمَكِّن من فهم بنيته ووظائفه، يمكن تلخيص هذه العناصر في النقاط التالية (الجبوري، 2016):

  1. الدولة: تُعتبر الدول الفاعل الأساسي في النظام الدولي، حيث تمتلك السيادة والسلطة القانونية على أراضيها، تتفاعل الدول مع بعضها البعض من خلال العلاقات الدبلوماسية، التحالفات، والاتفاقيات الدولية.
  2. المنظمات الدولية: تلعب المنظمات الدولية دورًا مهمًا في تنظيم العلاقات بين الدول، مثل الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي. تُسهم هذه المنظمات في تعزيز التعاون الدولي وحل النزاعات.
  3. القوى الكبرى: تشكل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا محاور رئيسية في النظام الدولي، حيث تؤثر سياساتها في تشكيل التوازنات الدولية.
  4. الاقتصاد العالمي: يُعتبر الاقتصاد العالمي عنصرًا حيويًا في النظام الدولي، حيث ترتبط الدول من خلال التجارة، الاستثمار، والتمويل الدولي. تُسهم العولمة الاقتصادية في تعزيز الترابط بين الدول.
  5. القانون الدولي: يُعدُّ القانون الدولي مجموعة من القواعد والمبادئ التي تنظم سلوك الدول والمنظمات الدولية. يهدف إلى الحفاظ على النظام والعدالة في العلاقات الدولية.
  6. التكنولوجيا والمعلومات: أصبحت التكنولوجيا والمعلومات عنصرًا مؤثرًا في النظام الدولي، حيث تُسهم في تغيير ديناميكيات القوة والتأثير بين الدول.
  7. المجتمع المدني والشركات متعددة الجنسيات: يلعب المجتمع المدني والشركات متعددة الجنسيات دورًا متزايدًا في النظام الدولي، حيث تُسهم في تشكيل السياسات العالمية من خلال الضغط والمشاركة في صنع القرار.

وقد عرفت الدراسات في العلاقات الدولية عبر التاريخ أنماطًا متعددة للنظم الدولية، إلا أن الأبحاث أبرزت ثلاثة أنماط رئيسية لكل منها خصائصه المميزة (عودة، 2005، الصفحات 12-13)

  1. نظام القطبية الأحادية (Unipolarity): يشير هذا النمط إلى سيطرة فاعل دولي واحد أو تحالف يملك حوالي 40% من القدرات الكلية للنظام الدولي، بحيث لا تمتلك أي وحدة أخرى قوة مماثلة. ويتميز النظام بالاستقرار النسبي، إذ يصعب تغييره بمجرد نشأته، ويحدد القطب المسيطر قواعد التفاعل بين الدول الأخرى. ورغم أن كابلان لم يذكر هذا النظام صراحة في دراسته عن النظم الدولية، فقد أشار إليه ضمنيًا من خلال مفهوم “النظام الدولي التدريجي”، حيث يتميز بوجود ترتيب هرمي للفاعلين الدوليين تحت قيادة القطب المسيطر. المثال الأبرز في الوقت الحاضر هو الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمثل القطبية الأحادية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات.
  2. نظام القطبية الثنائية (Bipolarity): ظهر هذا النظام نتيجة الحرب العالمية الثانية، حيث برزت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي كقطبين متكافئين في القوة، يهيمنان على النظام الدولي. ويتميز هذا النمط بخاصيتين أساسيتين:
  • التوزيع الثنائي لعناصر القوة الدولية في شكل معسكرين متقابلين سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا.
  • قلة المرونة في التحالفات أو الانسحاب منها، نتيجة الجمود الأيديولوجي وتشابك المصالح الاقتصادية، مما يحد من قدرة الدول على تشكيل تحالفات بديلة بسهولة.
  1. نظام تعدد الأقطاب (Balance of Power): يُعرف هذا النمط بتعدد محاور القوى الدولية، حيث يعتمد على تكافؤ القوى بين هذه المحاور كوسيلة لردع أي محاولة من أي محور لتغيير ميزان القوى بشكل أحادي. ومن أبرز خصائص هذا النظام استقلالية الدول ومرونتها في الانضمام أو الانسحاب من التحالفات، وتمتعها بسلطة كبيرة في تقرير مصالحها الوطنية ضمن إطار التوازن العام للقوى. وقد ساد هذا النظام المسرح الأوروبي منذ معاهدة وستفاليا وحتى منتصف القرن العشرين.

يمكن تلخيص وضعية النظام الدولي الجديد وفق المستويات الأساسية التالية (علي ص.، 2021):

  1. الصعيد الدولي: يشير النظام الدولي الجديد إلى نظام متعدد الأقطاب، يتميز بصعود عدة قوى دولية تتشكل عبر تحالفات مؤقتة تقريبًا بين هذه الأقطاب. ومع ذلك، فإن هذا التعدد لا يظهر بصورة مباشرة وفورية، فقد تسبق مرحلة من المركزية تقوم فيها الولايات المتحدة الأمريكية بوضع الأساس السياسي للنظام، دون هيمنة اقتصادية واضحة. وتعكس المعطيات الراهنة أن هذا الوضع لا يتوقع أن يستمر لفترة طويلة، نظرًا لتغير موازين القوة وتفاعلات القوى الصاعدة.
  2. الصعيد العسكري: يتميز النظام الدولي الجديد بتطبيق مبدأ الحد الأدنى من الفعل العسكري، الذي يقوم على ما يمكن تسميته بـ “إطفاء المناطق المشتعلة”. ويعني ذلك أن الأزمات السياسية والعسكرية تُهيأ عادةً للحل خلال فترة زمنية قصيرة، مع إمكانية استمرار بعض المناطق المتوترة في حالة عدم التوصل إلى حلول توافقية، وهذا النهج يتيح تهيئة الظروف الإقليمية لتطبيق حلول جذرية تلائم الواقع الدولي والإقليمي الراهن.
  3. الصعيد السياسي: يميل النظام الدولي الجديد إلى تعزيز العقلانية السياسية كقاعدة أساسية في ممارسة السياسة العالمية، مع تقليل اختراقات السلوكيات غير العقلانية. كما يسعى هذا النظام نحو مزيد من المأسسة، بما يضمن ضبط السلوك السياسي والعسكري على الصعيد العالمي، مع توجه نحو أنظمة سياسية تعتمد على الضبط أكثر من الاعتماد على الإكراه. ويمثل هذا الاتجاه خطوة نحو تعميم الأطر الديمقراطية، أو على الأقل دمج عناصرها بشكل تدريجي في الممارسة السياسية الدولية.
  4. الصعيد الجيوسياسي: يعتمد النظام الدولي الجديد على التعامل على أساس الكتل بدلاً من الدول الفردية، بخلاف النظام الدولي القديم الذي اتسم بالاستقطاب الدولاني المباشر. وتهدف هذه الكتلة إلى تعزيز قوة الفاعلين الرئيسيين بحيث لا تستطيع الدول الصغيرة تحدي النظام السياسي الدولي المتمثل في كتلة عظمى. كما يؤدي هذا النهج إلى تحوّل الاستقطاب العالمي من استقطاب دولة مقابل دولة إلى استقطاب كتلة مقابل كتلة، وهو ما يعزز من فعالية آليات الضبط الدولي مقارنة بما كان معمولًا به في النظام الدولي السابق.

ويمكن تلخيص الفروق الجوهرية بين الصراع الدولي والنظام الدولي من خلال الاتي:

  1. من حيث النطاق، يمثل الصراع الدولي ظاهرة جزئية داخل العلاقات الدولية، إذ يقتصر على حالات التنافس أو المواجهة بين طرفين أو أكثر حول قضايا محددة مثل الحدود، الموارد الطبيعية، النفوذ الجيوسياسي، أو الأيديولوجيا. وهو قد يكون محليًا أو إقليميًا، لكنه يأخذ صفة “الدولي” عندما تتورط فيه دول أو فاعلون عابرون للحدود، في حين ان النظام الدولي هو الإطار الأوسع الذي يحتضن تلك الصراعات، حيث يتضمن مجموعة من القواعد والأنماط التي تنظم التفاعلات بين الدول والفاعلين. بمعنى أن النظام الدولي هو الكل، بينما الصراع الدولي أحد أجزائه.
  2. من حيث الطبيعة، الصراع الدولي بطبيعته يقوم على التنافس والتنازع، وقد يتخذ أشكالًا سلمية (مثل المنافسة الدبلوماسية والاقتصادية) أو عنيفة (كالحروب والصراعات المسلحة). جوهره يقوم على تحقيق المصالح الوطنية حتى على حساب استقرار النظام الأوسع، الا ان النظام الدولي بطبيعته يسعى إلى الترتيب والانتظام، عبر قواعد مكتوبة (كالقانون الدولي والمواثيق) وغير مكتوبة (كأعراف القوة والتوازن). الهدف الأساسي هو منع انهيار التفاعلات الدولية إلى فوضى مطلقة، حتى لو ظلّ الصراع قائمًا داخله.
  3. من حيث المستوى التحليلي، يُدرس الصراع الدولي على مستوى “الوحدات الدولية” مثل الدول، التحالفات، أو حتى الفاعلين من غير الدول (حركات مسلحة، منظمات عابرة للحدود)، التحليل يركز على أسباب، أدوات، ونتائج الصراع بين هذه الأطراف، اما النظام الدولي: يُحلَّل على مستوى “البنية الكلية” للعلاقات الدولية، أي الشكل الذي تنتظم فيه القوى الدولية (أحادي القطبية، ثنائي القطبية، متعدد الأقطاب). التحليل هنا لا يقتصر على طرفين متصارعين، بل يدرس العلاقات بين جميع الوحدات في نسق مترابط.
  4. من حيث الهدف، يهدف الصراع الدولي بالدرجة الأولى إلى تحقيق المصلحة الوطنية الخاصة لكل طرف، حتى لو أدّى ذلك إلى زعزعة الاستقرار الدولي. ولهذا فإن بعض الصراعات (مثل الحرب الباردة) كانت مدفوعة برغبة في التفوق الأيديولوجي والعسكري، اما النظام الدولي: يهدف إلى تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار والتوازن، بحيث يضمن استمرار النظام العالمي وعدم انهياره، لذا ظهرت آليات مثل توازن القوى، القوانين الدولية، والمنظمات الدولية (الأمم المتحدة، مجلس الأمن) التي تعمل على احتواء الصراعات ضمن أطر مقبولة.
  5. من حيث الزمن والديمومة، الصراع الدولي غالبًا ما يكون مرحليًا أو مرتبطًا بقضية محددة، وقد يُحل أو يتجمد أو يتجدد وفقًا لموازين القوى، والنظام الدولي يتميز بـ استمرارية نسبية، إذ يبقى قائمًا كإطار عام على الرغم من تغيّره عبر الزمن (من النظام الويستفالي، إلى نظام الحرب الباردة، وصولًا إلى النظام الدولي المعاصر متعدد الأقطاب).
  6. من حيث الفاعلون، ينشأ الصراع الدولي بين دول فقط، أو بين دول وفاعلين من غير الدول (مثل الحركات الإرهابية أو الشركات متعددة الجنسيات)، اما النظام الدولي يشمل جميع الفاعلين الدوليين بشكل منظم داخل إطار من القواعد والأنماط، بحيث يحدد مواقع القوة، وأدوار الدول الكبرى، والعلاقات مع الفاعلين غير الحكوميين.

وعليه يمكن القول بأن الصراع الدولي ظاهرة جزئية، محكومة بالمصلحة الوطنية والتنافس، بينما النظام الدولي إطار كلي، يسعى إلى الحد من الفوضى وضمان استمرارية التفاعل بين جميع الفاعلين

ثانياً: تطور النظام الدولي عبر المراحل التاريخية

إن دراسة تطور النظام الدولي تكشف عن مسار تاريخي معقد، اتسم بتحولات في بنية القوة، وتغير أنماط التفاعلات بين الفاعلين الدوليين، وتبدل القواعد الناظمة للعلاقات الدولية، ومما لا شك فيه ان النظام الدولي قد مرة بمراحل عديدة حتى يومنا هذا والتي هي على النحو الآتي (امين، 2023):

  1. المرحلة الأولى ١٦٤٨ – ۱۹۱٤: تبدأ هذه المرحلة من معاهدة وستيفاليا عام ١٦٤٨ والتي انهت الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت الاوروبيين التي استمرت لمدة ثلاثة عقود، وأقامت النظام الدولي الحديث المبني على تعدد الدول القومية واستقلالها، كما اخذت بفكرة توازن القوى كوسيلة لتحقيق السلم والامن والاستقرار والسلام، وتنتهي هذه المرحلة بنهاية الحرب العالمية الأولى.
  2. المرحلة الثانية ١٩١٤ ١٩٤٥: بدأت هذه المرحلة منذ الحرب العالمية الأولى وتنتهي بنهاية الحرب العالمية الثانية، إذ كانت السمة المميزة لهذه المرحلة هي زوال أربع امبراطوريات (النمساوية والهنغارية والعثمانية والامبراطورية القيصرية الروسية، كما اقتحمت أوروبا موجة جديدة من الجمهوريات وتحول عدد كبير من الدول الأوروبية في تلك المرحلة الى النظام الدكتاتوري.
  3. المرحلة الثالثة ۱۹٤٥ – ۱۹۸۹ : تبدأ هذه المرحلة مع الحرب العالمية الثانية، وامتدت حتى عام ۱۹۸۹ والتي وصفت تحت مسمى الحرب الباردة)، كما تمثلت هذه المرحلة بظهور النظام الدولي ثنائي القطبية وكانت دعامته الاساسية كلا من الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الامريكية، ومن اهم خصائص هذه المرحلة هي استقلال عدد من دول العالم الثالث، وتحدد أطراف النظام الدولي، وأتساع قاعدة النظام الدولي ومراكز القوى خارج أوربا، وأخيراً ظهور الايديولوجية الشيوعية والرأسمالية كإحدى أهم الظواهر المؤثرة في النظام الدولي
  4. المرحلة الرابعة ۱۹۹۰ حتى احداث ۱۱ ايلول عام ۲۰۰۱: تبدأ هذه المرحلة من نهاية عام ۱۹۸۹ بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق وحتى أحداث ۱۱ سبتمبر، ويطلق عليها النظام الدولي الجديد، وتعود بدايات شيوع ورواج هذا المصطلح الى حرب الخليج الثانية عام ۱۹۹۰ إذ بدأت الدعاية الامريكية بالترويج لهذا المصطلح، وظهر لأول مرة عندما أعلن عنه الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الاب) من على منصة قاعة اجتماع الهيئة التشريعية لمجلس النواب الأمريكي في ۱۷ كانون الثاني عام ١٩٩١.
  5. المرحلة الخامسة من احداث ۱۱ ايلول ۲۰۰۱ – ۲۰۱۰: تبدأ هذه المرحلة من أحداث 11 سبتمبر، وامتدت حتى عام ۲۰۱۰، وقد تميزت هذه المرحلة بتشكيل تحالف دولي تقود الولايات المتحدة الامريكية ضد ما سمي بالإرهاب الدولي، ولقد توضحت في هذه المرحلة انفراد الولايات المتحدة الامريكية بالتحكم بالنظام الدولي الجديد.
  6. المرحلة السادسة من عام ۲۰۱۱ وحتى اليوم: تبدأ هذه المرحلة من عام ۲۰۱۱ وتستمر حتى يومنا هذا، إذ ظهرت العديد من القوى الدولية لمواجهة الانفرادية الامريكية في قيادة النظام الدولي، كما بدأت تظهر بوادر البروز قوى عالمية جديدة بدأت تتشكل على المسرح الدولي، مثل الصين والهند وروسيا واليابان وأخيراً الاتحاد الأوروبي، وهذه القوى بدأت تشكل ورقة ضغط على الولايات المتحدة تنازعها وتنافسها على قيادة النظام الدولي.

  المطلب الثاني: الرؤية المستقبلية للنظام الدولي الجديد

تستند دراسة مستقبل النظام الدولي إلى تحليل السيناريوهات المحتملة لتطور العلاقات الدولية وتأثير الصراعات الجيوسياسية عليها وكالاتي:

اولاً: سيناريو استمرار الوضع الراهن والذي يشير إلى استمرار الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، مع تزايد تأثير القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي، إذ تمثل الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية القوة المهيمنة على النظام الدولي، وذلك استنادًا إلى مجموعة من المرتكزات البنيوية التي مكّنتها من فرض نفوذها على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، هذه المرتكزات لم تقتصر على التفوق العسكري أو الاقتصادي فقط، بل امتدت لتشمل أدوات القوة الناعمة والتكنولوجية التي سمحت لها بإدارة النظام الدولي ضمن قواعد الليبرالية الدولية، ومن المعطيات التي ترجح هذا السيناريو: –

  1. الهيمنة الأمريكية المستمرة: والتي تتمثل بالتالي:
  • التفوق العسكري: إذ يُعد الجيش الأميركي الأداة الأبرز للهيمنة الأمريكية، حيث تمتلك الولايات المتحدة شبكة قواعد عسكرية عالمية تتجاوز 750 قاعدة في أكثر من 80 دولة، ما يمنحها القدرة على التدخل في أي منطقة استراتيجية خلال وقت قصير (Global Fire Power, 2025)، كما أن إنفاقها العسكري يتجاوز تريليون دولار سنويًا، وهو ما يعادل إنفاق الدول الكبرى مجتمعة تقريبًا، ويعد التدخل العسكري الأميركي في العراق عام 2003 وحرب أفغانستان (2001–2021) مثّلا دليلاً على قابلية توظيف القوة الصلبة في فرض الهيمنة.
  • القوة الاقتصادية، يحافظ الاقتصاد الأميركي على موقعه الريادي بفضل امتلاكه أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، إضافة إلى سيطرته على المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما يظل الدولار الأميركي العملة الأكثر استخدامًا في التجارة والاحتياطيات العالمية، إذ يشكّل نحو 60% من الاحتياطي النقدي العالمي (IMF, 2024)، ومن الأمثلة على ذلك العقوبات الاقتصادية على روسيا بعد غزو أوكرانيا عام 2022 أظهرت كيف يمكن توظيف النظام المالي العالمي الخاضع لهيمنة واشنطن كسلاح جيوسياسي.
  • التفوق التكنولوجي والعلمي، تشكل التكنولوجيا أحد أهم أدوات استمرار الهيمنة الأميركية، حيث تتصدر الولايات المتحدة مجالات الذكاء الاصطناعي، الفضاء، والبيوتكنولوجي. كما تسيطر الشركات الأميركية، مثل على ذلك البنية التحتية الرقمية والابتكار التكنولوجي العالمي، ومن الأمثلة على ذلك، فرض قيود على تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة إلى الصين عام 2023 مثّل أداة استراتيجية للحفاظ على التفوق التكنولوجي (Freifeld & Potkin, 2024).
  • القوة الناعمة والهيمنة الثقافية: لم تقتصر الهيمنة الأميركية على القوة الصلبة، بل امتدت إلى القوة الناعمة من خلال نشر الثقافة الأميركية، نموذج الحياة الاستهلاكية، والليبرالية السياسية. الجامعات الأميركية تُعد وجهة رئيسة للطلاب الدوليين، بينما تظل هوليوود والإعلام الأميركي أدوات لنشر القيم الغربي (Nye, 2022).، ومن الأمثلة على ذلك استخدام وسائل الإعلام الأميركية للتأثير في الرأي العام العالمي خلال الحرب الأوكرانية حيث رُوِّج لخطاب التضامن مع أوكرانيا باعتباره دفاعًا عن “الديمقراطية الليبرالية”
  • التحالفات والشبكات الدولية، إذ تحافظ الولايات المتحدة على شبكة تحالفات واسعة تضمن لها نفوذًا متجددًا في مناطق مختلفة من العالم، مثل حلف الناتو في أوروبا، والتحالفات الأمنية في آسيا، هذه التحالفات تُضاعف من قدرة واشنطن على إدارة الأزمات الدولية بفاعلية(Hardt, 2024) (وان الحرب الروسية–الأوكرانية أظهرت الدور الحاسم للناتو بقيادة واشنطن في إعادة هيكلة ميزان القوى الأوروبي.

يتضح مما سبق، أن الهيمنة الأميركية قائمة على مزيج من القوة الصلبة والناعمة، وأن استدامتها مرهونة بقدرة واشنطن على الحفاظ على هذه المرتكزات في مواجهة التحديات التي تفرضها القوى الصاعدة، فالعوامل العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية تمنحها الأفضلية، في حين أن التحالفات الدولية تضيف بعدًا مؤسساتيًا يعزز من موقعها ضمن النظام الدولي.

  1. الصعود التدريجي للصين: اقتصادياً تُعتبر الصين قوة اقتصادية صاعدة(كابلان، 2019)، فالصين باتت ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وتمتلك شبكة كبيرة من الشركاء التجاريين والعقود الاستثمارية في آسيا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، الكتاب يؤكد أن القدرة الاقتصادية ليست فقط في الحجم، بل في كيفية توجيه هذه الموارد نحو مشاريع بنية تحتية استراتيجية ومبادرات تتجاوز الحدود مثل مبادرة الحزام والطريق، ومن الأمثلة على ذلك استثمار الصين في بناء شبكات سكك الحديد والموانئ في دول مثل باكستان وكينيا، مما يمنحها نفوذًا جغرافيًا وتجاريًا في تلك المناطق (محمد، 2025) تكنولوجياً ، تستثمر الصين بكثافة في البحث والتطوير، الذكاء الاصطناعي، الاتصالات، والتقنيات الرقمية. الكتاب يشير إلى أن جزءًا من صعودها يكمن في قدرتها على دمج التكنولوجيا في هياكل الإنتاج والتوزيع العالمية، والمنافسة الصينية في مجال شبكات الجيل الخامس (5G) وتطوير رقائق أشباه الموصلات، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة ودول أخرى إلى فرض قيود التصدير وإجراءات تجارية ردا على ذلك. وتتمتع الصين بالقوة البنيوية في النظام الدولي (Structural Power) ، فهي لا تسعى فقط للتوسع المادي، بل لتحويل قواعد النظام الدولي في مجالات التجارة، المالية، المعايير التكنولوجية، وحتى الثقافية. هذا الصعود البنيوي يُمكّنها من التأثير في السياسات الدولية من خلال مؤسسات عالمية أو من خلال إنشاء بدائل، وخير مثال على ذلك مشاركة الصين الفعالة في مؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى دعمها لتشكيل مؤسسات مالية بديلة مثل بنك التنمية الآسيوي والبنوك التنموية في إطار البريكس، سياسياً تستفيد من موقعها الجغرافي الممتد، من شرق آسيا إلى المحيط الهندي، كما تستفيد من البحر الجنوبي الصيني وممراته البحرية. بالإضافة إلى سياساتها في بناء تحالفات اقتصادية ودبلوماسية من جنوب إلى جنوب للدول النامية، فالعلاقات الصينية مع دول إفريقيا تتميز بالاستثمار في البنى التحتية والبترول والمعادن، ما يوفر للصين موارد استراتيجية ومواقع جيوسياسية مهمة، كما ان أحد العوامل المهمة في صعود الصين هو استقرارها السياسي النسبي، قدرة الحزب الحاكم على توحيد السياسات طويلة الأمد، وإدارة التحديات الداخلية كالتنمية الاقتصادية والفقر والخلافات المحلية بطريقة مركزية (مجيد، 2024).
  2. تحديات الاتحاد الأوروبي: على الرغم من قوة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، إلا أنه يواجه تحديات سياسية داخلية وخارجية، مثل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد (بريكست) والأزمات الاقتصادية في بعض الدول الأعضاء، هذه التحديات تُقلل من قدرة الاتحاد الأوروبي على منافسة الهيمنة الأمريكية(ف.ي.كرلوف، 2007).
  3. الاستقرار النسبي في النظام الدولي: على الرغم من وجود بعض النزاعات الإقليمية، إلا أن النظام الدولي يشهد نوعًا من الاستقرار النسبي، حيث لا توجد حرب عالمية أو صراع شامل بين القوى الكبرى (ف.ي.كرلوف، 2007)، هذا الاستقرار يُعزز من استمرار الوضع الراهن.

يواجه سيناريو استمرار الهيمنة الأميركية رغم تفوقها الحالي تحديات متزايدة على المستويات الاقتصادية، التكنولوجية، الجيوسياسية والداخلية، فعلى الصعيد الاقتصادي، يبرز التمدد التجاري الصيني وتنامي أسواق القوى الصاعدة كمصدر تهديد للتفوق الأميركي (الصباغة، 2015)، أما في المجال التكنولوجي، فإن جهود الصين وروسيا لتقليص الفجوة عبر الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والاتصالات الرقمية تشكل تحدياً لمكانة الشركات الأميركية العملاقة، وفي الجانب الجيوسياسي، تمثل أزمات مثل الحرب الروسية–الأوكرانية وتوترات مضيق تايوان اختباراً لقدرة واشنطن على إدارة أزمات متزامنة، كما تسعى تحالفات بديلة كمنظمة شنغهاي وبريكس لتقويض النفوذ الأميركي في النظام الدولي، يضاف إلى ذلك التحديات الداخلية التي تعانيها الولايات المتحدة مثل الاستقطاب السياسي، وأزمة الديون، وتراجع الثقة الشعبية بالمؤسسات. كل هذه العوامل تجعل استمرار الوضع الراهن مشروطاً بمدى قدرة الولايات المتحدة الامريكية على تعزيز تحالفاتها، والحفاظ على تفوقها التكنولوجي، ومعالجة أزماتها الداخلية لتأمين موقعها القيادي.

ثانياً: سيناريو التغيير الإيجابي هذا السيناريو على افتراض حدوث تحولات تدريجية في بنية النظام الدولي تؤدي إلى تعزيز التعاون متعدد الأطراف، وتراجع منطق الصراعات الصفرية لصالح شراكات تقوم على التوازن والمصالح المشتركة، ويُنظر إلى هذا السيناريو باعتباره انتقالاً من نظام أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة، إلى نظام متعدد الأقطاب أكثر توازناً، حيث تتوزع مراكز القوة بين الولايات المتحدة، الصين، الاتحاد الأوروبي، والهند، بما يتيح فرصاً أكبر لتحقيق الاستقرار العالمي ،إنّ احتمال تحقق سيناريو التغيير الإيجابي يرتبط بمجموعة من المعطيات البنيوية والموضوعية التي يشهدها النظام الدولي في العقدين الأخيرين، والتي تدفع باتجاه نظام أكثر تعاوناً وتعددية ومنها:

  1. تشابك الاعتماد الاقتصادي المتبادل، حيث أدى التوسع الكبير في العولمة الاقتصادية وتكامل سلاسل التوريد العالمية إلى خلق حالة من الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، هذا الترابط يجعل من الصعب على أي قوة دولية أن تتبنى استراتيجيات الانفصال الكامل أو المواجهة المفتوحة، إذ إن أي أزمة اقتصادية أو تجارية سرعان ما تنعكس على الجميع(سينغ، 2024)، فعلى سبيل المثال، أزمة أشباه الموصلات التي اندلعت عام 2021 أظهرت مدى اعتماد الاقتصاد العالمي على سلاسل إمداد عابرة للقارات، وهو ما يعزز الحاجة إلى التعاون بدل الصراع.
  2. تنامي التحديات العابرة للحدود، إذ تشكل قضايا مثل التغير المناخي، الأوبئة العالمية، الأمن السيبراني، والهجرة تحديات مشتركة لا يمكن لدولة واحدة التصدي لها منفردة، فمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، على سبيل المثال، تستدعي مشاركة جميع الفاعلين الدوليين عبر اتفاقيات من قبيل “اتفاق باريس للمناخ” كما أنّ جائحة كوفيد-19 أبرزت أهمية التضامن الصحي العالمي، حيث اضطرت الدول الكبرى إلى التعاون في إنتاج وتوزيع اللقاحات، رغم التنافس السياسي والاقتصادي القائم(فائق، 2025). هذه التحديات تمثل قوة دفع نحو تعزيز التعاون متعدد الأطراف، لأنها تهدد الأمن القومي لجميع الدول دون استثناء.
  3. صعود قوى مسؤولة ذات توجهات تعاونية، تُظهر بعض القوى الصاعدة ميلاً واضحاً لتبني سياسات أقل تصادمية وأكثر تعاوناً. فالاتحاد الأوروبي يركز على ما يسمى “القوة المعيارية” من خلال فرض معايير بيئية وحقوقية واقتصادية تؤثر في النظام العالمي دون اللجوء إلى القوة العسكرية. كما تحاول الهند تقديم نفسها كقوة صاعدة معتدلة، تلعب دور الوسيط بين الغرب وآسيا(محمود، 2024)، وهو ما يعزز فرص التوازن الدولي بعيداً عن الصراعات الحادة. هذه القوى تساهم في بناء بيئة دولية أكثر استعداداً للتعاون الإيجابي.
  4. تطور المؤسسات والتكتلات متعددة الأطراف، رغم التحديات التي تواجه المؤسسات الدولية، فإنّها لا تزال تمثل إطاراً حيوياً لإدارة النظام العالمي، فقد برزت مجموعة العشرين (G20) كمنصة مهمة لإدارة الأزمات الاقتصادية العالمية، خصوصاً خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، وكذلك في التعامل مع التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، إضافةً إلى ذلك، باتت التكتلات الإقليمية مثل “آسيان” و”الاتحاد الإفريقي” تلعب دوراً متزايد الأهمية في معالجة النزاعات وتعزيز التكامل الاقتصادي(مختار، 2023)
  5. التجارب السابقة للتعاون الدولي، أثبت التاريخ الحديث أن الدول الكبرى قادرة، ولو بشكل انتقائي، على تجاوز خلافاتها والعمل سوياً لتحقيق مكاسب جماعية فمثلاً، التعاون الأميركي–الصيني في ملف التغير المناخي عام 2015 ساعد على إبرام اتفاق باريس، كما أن التنسيق بين واشنطن وبكين وموسكو في ملف إيران النووي عبر “خطة العمل المشتركة الشاملة” عام 2015 عكس إمكانية التلاقي حتى بين قوى متنافسة.
  6. التحولات في أولويات الأمن الدولي، لقد تزايد إدراك المجتمع الدولي بأن الأمن لم يعد مقتصراً على البعد العسكري، بل أصبح يشمل الأمن الإنساني، الغذائي، الصحي، والبيئي. هذا التوسع في مفهوم الأمن العالمي يفرض التعاون والتنسيق كشرط أساسي للحفاظ على الاستقرار، الأمر الذي يعزز احتمالية تحقق التغيير الإيجابي

في سيناريو التغيير الإيجابي للنظام الدولي الجديد، تواجه الدول والمجتمع الدولي مجموعة من التحديات التي قد تعرقل تحقيق الاستقرار والازدهار المشترك، أبرزها الصراعات الإقليمية المستمرة التي قد تقوض التحالفات الجديدة وتعيد إنتاج التوترات بين القوى الكبرى، إضافة إلى التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الدول المتقدمة والنامية الذي يحد من الاستفادة المتساوية من التغيرات الإيجابية، وكذلك الأزمات البيئية والمناخية التي تفرض ضغوطاً على السياسات الدولية وتتطلب تنسيقاً عالمياً فعالاً. كما تشكل التهديدات السيبرانية وتقنيات المعلومات مصدر قلق يزعزع استقرار النظم الاقتصادية والسياسية، فيما يظل التطرف الفكري والإرهاب الدولي عاملاً مزعزِعاً يتطلب تعزيز الأمن الفكري والثقافي، في ظل صعود سريع لبعض القوى الصاعدة الذي قد يؤدي إلى صراعات على النفوذ والمصالح ويستلزم إدارة ذكية للتحولات الدولية. ويضاف إلى ذلك ضعف المؤسسات الدولية والتعددية الفاعلة، والأزمات الصحية العالمية مثل الجائحات التي تعرقل التعاون الدولي وتستنزف الموارد، فضلاً عن تأثير الإعلام والتكنولوجيا على الرأي العام العالمي الذي قد يسرع من نشر المعلومات المضللة ويخلق ضغوطاً سياسية غير محسوبة، وأخيراً غياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى بعض الأطراف، مما يبقى أحد أبرز معوقات تحويل هذا السيناريو الإيجابي إلى واقع ملموس ومستدام

يمثل سيناريو التغيير الإيجابي خطوة نحو إعادة توازن القوى العالمية بطريقة لا تلغي نفوذ الولايات المتحدة، ولكنها تحد من انفرادها بالقرار، لصالح توزيع أكثر عدالة للقوة والنفوذ كما يسهم هذا السيناريو في تعزيز شرعية المؤسسات الدولية، وفتح المجال أمام معالجة النزاعات بطرق سلمية، ما يعزز الاستقرار والأمن الدوليين.

ثالثاً: سيناريو التغيير السلبي المعتدل، يعكس حالة عدم استقرار نسبي دون انهيار كامل للنظام، يتسم بالاضطرابات التنافسية المستمرة بين القوى الكبرى، وتزايد النزاعات الإقليمية والدولية، حيث تؤدي الصراعات الجيوسياسية، الأزمات الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي إلى تقويض النظام الدولي الحالي وعودة الهيمنة الإقليمية أو الانقسامات القطبية في هذا السيناريو، يصبح التعاون الدولي محدودًا، مما يزيد من احتمال اندلاع صراعات واسعة النطاق، ومن المعطيات التي ترجح سيناريو التغيير السلبي: –

  1. تفاقم النزاعات الجيوسياسية ومنها التوترات بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، وروسيا يمكن أن تتصاعد، خاصة في مناطق النزاع الاستراتيجي مثل بحر الصين الجنوبي، الشرق الأوسط، وأوكرانيا، بالإضافة الى الصراعات الإقليمية المستمرة التي تُضعف قدرة المؤسسات الدولية على التدخل الفعّال، وتزيد من احتمالية التصعيد العسكري(فرج، 2025).
  2. الأزمات الاقتصادية العالمية تتمثل بالانكماش الاقتصادي العالمي، التضخم المفرط، وانهيار الأسواق المالية يؤدي إلى تراجع التعاون الدولي ويجعل الدول أكثر انغلاقًا على مصالحها الوطنية(الجزيرة، 2024)، مثل هذه الأزمات تعيق تنفيذ الاتفاقيات البيئية أو الاقتصادية الدولية وتزيد من التنافس على الموارد.
  3. فشل المؤسسات الدولية والتي تتبين من ضعف الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي، ومنظمات التجارة العالمية في فرض القواعد الدولية يفتح المجال للدول القوية لتجاهل الالتزامات الدولية، هذا الفشل يؤدي إلى تفكك التحالفات التقليدية وظهور محاور جديدة تعتمد على القوة العسكرية والاقتصادية.
  4. الأزمات البيئية والصحية: تغير المناخ المستمر، الأوبئة، ونقص الموارد الطبيعية تُفاقم التوترات بين الدول، خاصة في مناطق الصراع على المياه والطاقة، وعدم القدرة على إدارة هذه الأزمات بشكل جماعي يزيد من احتمالية النزاع والعداء بين الدول.
  5. تصاعد القومية والعزلة الدولية إذ ان زيادة النزعات القومية، الانغلاق السياسي، وسياسات الحماية الاقتصادية تعزز من صعوبة التوصل إلى حلول مشتركة للأزمات العالمية.

ومن العوامل التي تحد من حدة هذا السيناريو أو تقلل احتمالية انزلاق النظام الدولي إلى فوضى كاملة، وتشمل الترابط الاقتصادي بين الدول الكبرى والمتوسطة، الذي يجعل من الصعب الانزلاق إلى صراعات مفتوحة قد تضر بمصالحها الاقتصادية؛ بالإضافة إلى قدرة القوى الكبرى على التفاوض وعقد تحالفات مؤقتة لاحتواء النزاعات ومنع التصعيد الكامل، كما تلعب المؤسسات الدولية، رغم محدودية فعاليتها، دورًا مهمًا في ضبط النزاعات وتقديم حلول سلمية جزئية، بينما يسهم الوعي الاستراتيجي للدول الكبرى، خصوصًا فيما يتعلق بالمجال النووي والتكنولوجي، في ضبط تصرفاتها، إضافة إلى ذلك، تمثل الضغوط الشعبية والإعلامية أداة مهمة للحد من التصعيد العسكري والسياسي.

السيناريو الأكثر احتمالاً للنظام الدولي هو التغيير السلبي المعتدل، يتميز بتزايد التوترات الإقليمية، وصعود القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا، وتحالفات مؤقتة بين الأقطاب الكبرى، فبالرغم من النزاعات المحتملة، يظل النظام الدولي قابلاً للضبط جزئيًا بفضل المؤسسات الدولية والاعتماد الاقتصادي المتبادل، ضعف الالتزام بالقانون الدولي وفعالية ضبط النزاعات يزيد من احتمالية حدوث أزمات متفرقة، بالتالي، السيناريو الأكثر ترجيحًا يعكس حالة عدم استقرار نسبي دون انهيار كامل للنظام الدولي.

الخاتمة

إن تناول الإطار المفاهيمي للصراع الدولي ومستقبل النظام العالمي الجديد يكشف أن دراسة الظواهر السياسية لا يمكن أن تتم بمعزل عن فهم طبيعة الصراع باعتباره المحرك الأساسي للتفاعلات بين الدول. فالصراع الدولي، بمستوياته المختلفة من التوتر إلى الحرب، ليس مجرد حالة عارضة بل يمثل سمة ملازمة للعلاقات الدولية منذ نشأتها وحتى يومنا هذا. إذ أظهر التحليل أن التوتر غالبًا ما ينشأ من الشكوك وعدم الثقة، ثم يتطور إلى أزمات حادة تتطلب إدارتها بطرق مختلفة، وقد يتفاقم في بعض الأحيان إلى نزاعات مفتوحة أو حروب شاملة، وهو ما يجعل من فهم هذه المراحل ضرورة علمية لفهم ديناميكيات النظام الدولي.

من جانب آخر، فإن النظام العالمي الجديد الذي يتشكل في العقود الأخيرة يعكس حالة من السيولة الجيوسياسية، حيث لم تعد الأحادية القطبية التي ميَّزت مرحلة ما بعد الحرب الباردة قادرة على الاستمرار بالزخم ذاته، في ظل صعود قوى جديدة مثل الصين والهند وروسيا، إلى جانب أدوار فاعلة للاتحاد الأوروبي وقوى إقليمية أخرى، ولقد أبرزت الورقة البحثية أن إدارة الصراع الدولي تظل مرهونة بمدى قدرة الفاعلين على توظيف الوسائل السلمية والدبلوماسية، إلا أن الواقع الدولي يظهر في كثير من الأحيان هيمنة الأدوات القسرية مثل العقوبات الاقتصادية أو التهديد باستخدام القوة. وهذا بدوره يطرح إشكالية متكررة تتعلق بمدى فعالية المنظمات الدولية في حفظ السلم والأمن الدوليين، ومدى استعداد القوى الكبرى للتنازل عن مصالحها من أجل تحقيق استقرار عالمي أوسع.

فيما يتعلق بمستقبل النظام العالمي، فإن تحليل السيناريوهات الثلاثة – الاستمرار في الوضع الراهن، التغيير الإيجابي، والتغيير السلبي – يوضح أن النظام الدولي أمام مفترق طرق. فاستمرار الوضع الراهن يعكس حالة من عدم الاستقرار حيث تحافظ القوى الكبرى على توازن هش يمنع الانفجار لكنه لا يحقق استقرارًا دائمًا. أما التغيير الإيجابي فيمثل سيناريو طموحًا يعزز التعاون الدولي وإصلاح المؤسسات متعددة الأطراف بما يحقق عدالة أكبر في توزيع الموارد والمسؤوليات. في المقابل، يظل التغيير السلبي ماثلًا كاحتمال واقعي، إذ قد تؤدي الأزمات الاقتصادية والمناخية والتكنولوجية إلى تصعيد التنافس والنزاعات، مما يهدد الأمن والاستقرار العالميين.

وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إن فهم الصراع الدولي في أبعاده المفاهيمية والعملية هو المفتاح لفهم مسارات النظام العالمي الجديد. فالمستقبل لا يتوقف على ميزان القوى وحده، بل على مدى قدرة المجتمع الدولي على إدارة خلافاته، والتوجه نحو حلول مبتكرة تتجاوز المنطق الصفري للصراع. وهنا تبرز أهمية تبني مقاربات جديدة تتضمن التعاون متعدد المستويات، وتعزيز دور القانون الدولي، وتفعيل الآليات الوقائية لإدارة الأزمات قبل تحولها إلى نزاعات أو حروب.

إن استشراف المستقبل يتطلب النظر إلى النظام العالمي كمنظومة ديناميكية قابلة للتغير المستمر، حيث يظل التفاعل بين الصراع والتعاون هو العامل الحاسم في تحديد ملامحه. ومن ثم فإن تحدي العلوم السياسية لا يقف عند حد الوصف والتحليل، بل يمتد إلى اقتراح استراتيجيات عملية تسهم في بناء نظام عالمي أكثر عدالة واستقرارًا، يستوعب التحولات الجارية ويستجيب للتحديات المشتركة للبشرية جمعاء

الاستنتاجات

  1. إن الصراع الدولي يمر بمراحل متدرجة تبدأ بالتوتر ثم الأزمة فالنزاع وصولًا إلى الحرب، ما يجعل فهم هذه المستويات ضروريًا لاستباق الأحداث ومنع تفاقمها.
  2. تظل أدوات إدارة الصراع – الدبلوماسية، القضائية، الاقتصادية، والعسكرية – محكومة بمدى توازن القوى ومصالح الأطراف الدولية، ما يحدّ من فعاليتها أحيانًا ويجعلها عرضة للتسييس.
  3. يبرز النظام العالمي الجديد كإطار لمعادلة قوى متغيرة، حيث تسعى القوى الصاعدة مثل الصين والهند وروسيا إلى تقليص هيمنة الغرب وفرض تعددية قطبية.
  4. السيناريو الإيجابي لمستقبل النظام العالمي يقوم على تعزيز التعاون الدولي وإصلاح المنظمات متعددة الأطراف بما يضمن عدالة أكبر في توزيع الأدوار والموارد.
  5. السيناريو السلبي يظل محتملًا في ظل تصاعد النزاعات التجارية والعسكرية والتكنولوجية، إضافة إلى تحديات البيئة والمناخ التي قد تزيد من حدّة التنافس على الموارد.
  6. استمرار الوضع الراهن يظل ممكنًا بفعل تمسك القوى الكبرى بمصالحها وعدم استعدادها للتنازل، مما قد يكرّس حالة من عدم الاستقرار في النظام الدولي.
  7. إن استشراف مستقبل النظام العالمي لا ينفصل عن دراسة أنماط الصراع، إذ إن طبيعة الصراع الدولي هي التي تحدد اتجاه النظام نحو التعاون أو المواجهة.

المصادر والمراجع

المصادر العربية

  1. آبادي, م. ب. (2008). القاموس المحيط. القاهرة: دار الحديث. Retrieved 4 8, 2025
  2. امين, م. ع. (2023). المكانة الجيوسياسية لسنغافورة: “دراسة في تراتيبية القوى المتوسطة وتأثيرها في النظام الدولي. برلين, المانيا: المركز الديمقراطي العربي. Retrieved 7 8, 2025
  3. البدوي, م. م. (1993). مفهوم الصراع دراسة في الاصول النظرية للأسباب والانواع. مجلة دراسات مستقبلية(العدد3), p. 36. Retrieved 4 4, 2024
  4. بول, ه. (2010). المجتمع الفوضوي بعد ستين عاماً. مجلة العلاقات الدولية, 94(1), p. 77. Retrieved 5 5, 2025
  5. التامر, ع. م. (2015). سياسة الولايات المتحدة وإدارة الازمات الدولية (ايران- العراق- سوريا-لبنان انموذجا). بيروت: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات. Retrieved 4 4, 2024
  6. الجبوري, ا. ض. (2016). إدارة الازمات الدولية. عمان: دار الاكاديميون للنشر والتوزيع.
  7. الجزيرة. (2024, 10 9). الصراعات الجيوسياسية تهدد العالم بخسارة 14.5 تريليون دولار في 5 سنوات. Retrieved 3 4, 2025, from الجزيرة: https://www.aljazeera.net/amp/ebusiness/2024/10/9/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%87%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
  8. الجميلي, ص. م. (2016). صراع الدول الكبرى للهيمنة على النظام العالمي. دار المنهل اللبناني. Retrieved 3 3, 2025
  9. حسين حسين صالح سميع. (9, 2022). الصراع السياسي الدولي مفهومه واسبابه وانواعه. مجلة آداب الحديدة(2022)، صفحة 161. تاريخ الاسترداد 12 2, 2025
  10. حسين, خ. (2013). الاستراتيجيا: التفكير والتخطيط الاستراتيجي واستراتيجيات الامن القومي والحروب واستراتيجية الاقتراب غير المباشر. بيروت: منشورات الحلبي الحقوقي. Retrieved 6 4, 2025
  11. الخزندار, س. ا. (2014). ادارة الصراعات وفض المنازعات اطار نظري. الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات. Retrieved 3 5, 2025
  12. الرمضاني, م. (2025, اغسطس 9). الصراع الدولي: رؤية في المفهوم والتطور الكمي والنوعي بعد انتهاء الحرب الباردة. Retrieved 9 3, 2025, from الحصاد: https://alhasad.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7/?utm_source=chatgpt.com
  13. سورنسن, ي. (2020). إعادة النظر في النظام العالمي الجديد. (ا. الغزولي, Trans.) الكويت: عالم المعرفة.
  14. سينغ, ج. ن. (2024, 6 17). الاعتماد المتبادل الاستراتيجي. Retrieved 5 4, 2025, from الارض العمل رأس المال: https://alsifr.org/strategic-dependence?utm_source=chatgpt.com
  15. الصباغة, ح. ع. (2015). مستقبل النظام العالمي الجديد دراسة سياسية استراتيجية (Vol. ط1). الكويت : منشورات ذات السلاسل . Retrieved 4 5, 2025
  16. عبدالقادر فهمي. (1990). الصراع الدولي وانعكاساته على الصراعات الاقليمية. بغداد: بيت الحكمة. تاريخ الاسترداد 3 4, 2025
  17. علي, ج. س. (2013). تحليل العلاقات الدولية دراسة في ادارة الصراع الدولي. القاهرة: دار النهضة العربية.
  18. علي, ص. ح. (2021). النظام السياسي الدولي في ظل التحالفات الدولية التحالف الاستراتيجي الروسي الصيني انموذجا. مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية(المجلد 10، العدد 36), pp. 161-163. Retrieved 2025
  19. العلي, ع. ز. (2019). الصراع والامن الجيوسيبراني في السياسة الدولية “دراسة في استراتيجيات الاشتباك الرقمي“. عمان: دار امجد للنشر والتوزيع.
  20. العنزي, ا. (2016). الصراع الدولي في العقد الاول للهيمنة والقطبية الاحادية. بغداد: مكتب الهاشمي للكتاب الجامعي. Retrieved 6 7, 2024
  21. عودة, ج. (2005). النظام الدولي نظريات واشكاليات (Vol. ط1). القاهرة: دار الهدى للنشر والتوزيع. Retrieved 2 8, 2025
  22. عيد, م. ا. (2025). تشكل النظام العالمي الجديد: تحولات القوة وآفاق المستقبل. الجزيرة. Retrieved 5 5, 2025, from https://www.mominoun.com/articles/%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A9-%D9%88%D8%A
  23. ف.ي.كرلوف. (2007). امبراطورية كل الارض او “خفايا النظام العالمي الجديد (Vol. ط1). (م. يونس, Trans.) سوريا: دار علاء الدين. Retrieved 4 6, 2025
  24. فائق, م. (2025, 9 12). الجرائم العابرة للحدود: تحديات الولاية القضائية. Retrieved 4 4, 2025, from القانون المصري: https://www.menafayq.com/transnational-crimes-jurisdictional-challenges/
  25. الفتلاوي, م. م., & السعدي, ق. ح. (2025, 4). الصراع الدولي: مدخل مفاهبيمي ومعرفي. مجلة اتجاهات سياسية, p. 115. Retrieved 4 4, 2025
  26. فرج, م. ا. (2025, 8 18). التحولات الجيوسياسية في الشرق الاوسط من صدام المحاور الى توازن المصالح. Retrieved 8 20, 2025, from السياسة الدولية: https://www.siyassa.org.eg/News/22084.aspx
  27. كابلان, ر. (2019). الحرب والاستراتيجية والمصالح الامريكية في القرن الحادي والعشرين. (ا. مغربي, Trans.) الرياض: العبيكان للنشر. Retrieved 3 14, 2025
  28. مجيد, م. ع. (2024, نوفمبر). مستقبل القرن الافريقي في ظل الصراعات الدولية. مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية, المجلد 13(العدد 51), pp. 638-640. Retrieved 7 3, 2025
  29. محمد, م. ع. (2025, اغسطس). الدبلوماسية الاقتصادية ودورها في صعود الصين. مجلة كلية القانون والعلوم السياسية, المجلد14(العدد54), pp. 157-158. Retrieved 6 8, 2025
  30. محمود, ح. س. (2024, 11 2). عالم ما بعد الهيمنة: صعود القوى الجديدة وانحسار النفوذ الامريكي. Retrieved 4 4, 2025, from المركز الديمقراطي العربي: https://www.menafayq.com/transnational-crimes-jurisdictional-challenges/
  31. مختار, ا. ا. (2023, 8 31). الإطار النظري التكتلات الاقتصادية مفاهيم ونظريات. Retrieved 4 4, 2025, from مركز المعلومات: https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8825
  32. المصلحى, ا. م., & عبد الرحمن محمد عبد السميع. (2021). التعريف بالصراع الدولي مراحله واساليب ادارته. المانيا: المركز الديمقراطي العربي. Retrieved 6 3, 2025, from https://democraticac.de/?p=72099#_ftn12
  33. مقلد, ا. ص. (2010). العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الاصول والنظريات. القاهرة: المكتبة الاكاديمية.
  34. منظور, ا. (2007). لسان العرب. القاهرة: دار المعارف. Retrieved 3 5, 2025
  35. منظور, ج. ا. (1981). لسان العرب. مصر: دار المعارف.
  36. هنري كيسنجر. (2014). النظام العالمي: تأملات حول طلائع الامم ومسار التاريخ. (فاضل جكتر، المترجمون) بيروت: دار الكتاب العربي. تاريخ الاسترداد 6 4, 2025
  37. الياس, ا. ا. (2011). سلطات مجلس الامن في تسوية المنازعات الدولية. القاهرة: دار محمود للنشر والتوزيع. Retrieved 5 5, 2025

المصادر الاجنبية

  1. o halt shipments to China of chips used in Al applications. Retrieved 3 4, 2025, from Reuters: https://www.reuters.com/technology/us-ordered-tsmc-halt-shipments-china-chips-used-ai-applications-source-says-2024-11-10/?utm_source=chatgpt.com
  2. Global Fire Power. (2025, 1 1). Retrieved 5 1, 2025, from https://www.globalfirepower.com/
  3. Freifeld, K., & Potkin, F. (2024, 10 10). Exclusive: US ordered TSMC t
  4. Hardt, H. (2024). NATO after the invasion of Ukraine: how the shock changed alliance cohesion. International Politics . Original Article. Retrieved 3 4, 2025, from chrome://downloads/s41311-024-00629-x%20(1).pdf
  5. (2024). Resilience in the face of change. Retrieved 3 4, 2025, from International Monetary Fund: https://www.globalfirepower.com/
  6. Joseph, f. (1969). International politics: conflict and Harmony. Press: Allen Lane The Penguin.
  7. Nye, J. (2022). Soft Power and American Hegemony. Foreign Affairs.
  8. PhD, M. A. (2013). Characterizing Sustainability Assessment. Retrieved 3 4, 2025, from https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/B97801240719640000
  9. (2020). Guide to Conflict Managment Approaches. Sprintzeal. Retrieved 4 3, 2025, from https://www.sprintzeal.com/blog/conflict-management-approaches
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى