الاجتماعية والثقافيةالدراسات البحثيةالشرق الأوسطعاجل

أنا … ما بين نعوم تشومسكي ورونالدو مونك

أجرى الحوار وترجمه وعلق عليه : حسام جاسم – كاتب وباحث من العراق

  • المركز الديمقراطي العربي – حصريا

١. نعوم تشومسكي:

١.١. مقدمة:
لم تطرق مسامعي كلمة (تشومسكي) الا بعد الحرب، الغزو الأمريكي للعراق او ما يعرف ب (معركة الحواسم) او (حرب الخليج الثالثة) 2003، كنت طفلاً، يحملني أبي أثناء بيعه للكتب في شارع المتنبي او أثناء تنقلاته في أزقة مدينتي الشعبية التي شبعت من الحصار الدولي ودمار الغزو، من خلال المكتبة المتنقلة التي أسسها لنشر المعرفة في المدينة، تستقر في إحدى الأزقة او الشوارع لبيع الكتب واقتنائها بسعر رمزي، لم يكن التدريسي التربوي الاستاذ والشاعر جاسم يريد ابتغاء الربح المادي منذ عمله بمجال بيع الكتب في ثمانينات القرن الماضي سوى نشر المعرفة والاستيقاظ من الجهل، اصبح مكان البيع سواء في شارع المتنبي او في مدينتي مكانًا يكتظ بالشباب والطلبة والمثقفين بشتى المجالات دفع ذلك أبي لتأسيس منظمة (فقراء بلا حدود الثقافية) مع الكاتب ناظم السعود في شارع المتنبي لتضم كوكبة من مثقفين وكتاب وشعراء الطبقة الكادحة وبعض الصعاليك الهاربين بكتاباتهم من الوضع العام المزري، تاركين كل شيء وراءهم، فوجدوا ضالتهم في هذا المجلس الثقافي.

أصبحت أفكار تشومسكي تدخل العراق بشكل أكبر ويشتد ذهن الناس لسماع آراءه السياسية وتحليلاته للوضع الدولي والعراقي قبل الغزو وبعده.
وأصبحت كتبهُ تطلب بشكل متكرر وملح إلى درجة القيام باستنساخ كتبه ومقالاته لتوزع بسعر ارخص من الطبعات الأصلية لتصل إلى الطبقات المتوسطة والمهمشة.
ومنها عرفت من هو (تشومسكي) دون أن اعرف كيف يبدو شكله او عمره!!!
فبدأت اطلع على كتاباته السياسية، لا سيما فيما يخص قضايا الساعة حول العراق او القضية الفلسطينية.
كيف لطفل ان يفهم ما تحتويه هذه الكتب التي نقلت إلى العربية بما فيها من كم هائل من المعلومات والمصطلحات؟!!!
لم يخطر على بالي حينها بأنه فيلسوف اللسانيات، كنت اعتقد انه سياسي أمريكي يحاول تصحيح المسار الذي تعقد بعد غزو العراق.
أخذ أبي يشرح لي بشكل مختصر عن كل ما اطالعه خصوصًا عندما أقف في معنى غير مفهوم لدي.
فاكتشفت عالمه الغني والمثير بالإنسانية ودعم الحريات
وإبداء الرأي المعارض والوقوف بعيدًا عن الحياد.

ففي حوار له قبل الغزو سنة 2002 مع ديفيد بارساميان، ذكر ان الإطاحة بحكم صدام حسين سيفتح حقول نفط جديدة وغنية في العراق أمام الحكومة الأمريكية. ووصفها بالجائزة الهائلة لهم:
( كان من الواضح دائمًا أن الولايات المتحدة ستحاول، بطريقة أو بأخرى، القيام بشيء ما لضمان عودة هذه الجائزة الهائلة (النفط) تحت سيطرة الولايات المتحدة.
يبدو أن سيل الأحاديث عن الحرب، ليس فقط حول العراق، ولكن كما قلت، حول دول أخرى، حيث تعمل كسلاح لإلهاء جماعي، وتحويل انتباه الناس عن موجة جرائم الشركات، وفضيحة إنرون (Enron scandal) (٢)، وعلاقة بوش بكينيث لاي. والتعاملات المالية لبوش عندما كان مديرًا لشركة هاركن للطاقة (Harken Energy)، من تورط تشيني (Cheney) مع هاليبرتون (Halliburton) (٣)، التي لديها الآن عقد مع إدارة بوش للقيام بعمل في خليج غوانتانامو، أو أن شركة هاليبرتون لا تزال تستورد النفط العراقي إلى الولايات المتحدة.
نعم، إنهم يرغبون في تشتيت الانتباه عن ذلك، لكن ما زلت أشعر أنهم يرغبون في المقام الأول في صرف انتباه الناس عن الاعتداء الذي يشنونه ضد عامة السكان.
إنهم يقوضون الأساس لمجتمع يعمل بشكل لائق بالنسبة لمعظم السكان، باستثناء الأغنياء جدًا.  وهذا ليس بالشيء الهين) (٤).

وفي حوار آخر سنة 2006 مع ستيفن شالوم، عندما سأله عن ( سبب غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003)، أجاب:
(في نوفمبر 2003 القى بوش خطبة بليغة في مقر الصندوق الوطني للديمقراطية، إلى أنه كان يزاول مهمته كمسيح مخلص لإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط وان ذلك هو السبب الكامن وراء الغزو، ولكنني اعتقد إلى حد كبير، الدافع كان لأجل السطو على نفط العراق، فالعراق لدية احتياطات هائلة للطاقة، في العموم انها ثاني أكبر احتياطي في العالم، بعد السعودية، كما أنها زهيده التكلفة، وسهلة المنال.
وقد ناقشنا بالفعل كيف فطن صانعو السياسة إلى أن السيطرة على منابع الطاقة في المنطقة، ستمنحهم قوة هائلة. ومن ثم فأن النفط يجعل واشنطن قوة هائلة، فضلاً عما يعنيه ذلك من ان الشركات الأمريكية والبريطانية سيكون لديها المسار الداخلي للموارد في العراق أكثر من الشركات الفرنسية او الروسية. أضف أن العراق سيؤمن موقعاً مميزًا للقواعد العسكرية الأمريكية، واضعين في الاعتبار ما اعترف به البنتاغون من أن الأميركيين لا يمكنهم الاحتفاظ بقواعدهم العسكرية في السعودية.
ومن ثم كانت جميع دوافع الغزو الممكنة حاضرة، إذا كنت تنوي السيطرة على العالم. كما أن المسألة بدت سهلة جدا، فقد حدست بأن الحرب ستنتهي في غضون ثلاثة ايام، وأنهم سيكونون قادرين بسهولة على إعادة البناء. وقد بدا الغزو اسهل فتح في التاريخ، لكنه تحول إلى واحدة من أسوأ الكوارث العسكرية في التاريخ). (٥)

وذكر في كتابه (الدول الفاشلة):
(تسارعت أكثر فأكثر وتيرة الهروب إلى الدين الناجم  عن نظام العقوبات الوحشي الذي فرضته الدولتان (الولايات المتحدة الأمريكية- بريطانيا)، إلى جانب حدوث ارتداد معاكس للاتجاهات الديمقراطية العلمانية التي كانت موجودة قبل استيلاء البعثيين على السلطة في عام 1963 والتي حظيت مع ذلك بتأييدهم. لكن حتى وإن تمكن العراقيون من استعادة ما كانوا قد حققوه بالرغم من الهيمنة الإمبريالية، فإنه يلزم ثمة إيمان هائل للاعتقاد بأن أرباب الهيمنة الحاليين سوف يسمحون بمثل هذه الخيارات وبما يتعدى المعنى التقليدي للحكم الفوقي الذي تتولاه نخب مرتبطة بالقوة الأمريكية، ويتخذ أشكالاً ديمقراطية ذات مضمون جوهري هزيل، هذا ما لم يضطروا إلى ذلك اضطراراً، من جانب شعوبهم هم على وجه الخصوص) (٦).

وفي سنة 2013 ذكر (بالنسبة للجميع ما عدا المتحمسين عقائديّاً، كان السبب واضحاً جداً حيث أننا عمدنا إلى غزو العراق لا لحبنا للديمقراطية وإنما لأن  هذا البلد يمثل ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم، والذي يقع في قلب أكبر منطقة إنتاج لهذا الأوكسجين الأسود في العالم) (٧).

(لقد كان الأيديولوجيون على حق حين دعموا سياسة واشنطن تجاه العراق باعتبار ذلك ايذانا بنظام عالمي جديد. ولعل الدرس الأول الذي تقدمه هذه السياسة يتمثل في أن الولايات المتحدة لا تزال دولة خارجه عن القانون، يشهد عليها في ذلك حلفاؤها وزبائنها الذين يفهمون حقا أن القانون الدولي حيلة وقناع يضعه الأقوياء على وجوههم حين الحاجه، ويحددون درجة الشفافية الملائمة لكل حالة. اما الدرس الثاني فيكمن في أن ذلك السلوك له من الحصانة ما يحميه لدى المجتمع الثقافي الذي له من الحدود القليلة التي يمكنه أن يخدم بها السلطة. وعلينا أن نلتفت إلى دكتاتوريات العالم الثالث لنستمع إلى الحقيقة البديهية التي نتجاهلها في المجتمعات المتحضرة ومفادها أن النظام العالمي الجديد (جديد) فقط في تبنيه سياسات قديمة من الهيمنة والاستغلال مع اختلافات شكلية عارضة، بهدف الإبقاء على دول وشعوب العالم في أماكنها الصحيحة التي تخدم مصالح الغرب.
قد تكون القوارير جديدة، لكن الخمر هو ذاته…قديم معتق) (٨).

ولمعرفة آراء تشومسكي حول غزو العراق بعد مرور عشرين عاماً، يجب مراجعة حواره مع عالم الاقتصاد السياسي والصحفي (بوليكرونيو)، 2022، في مؤسسة (Truthout) (٩).

عندما قررت عمل الحوار ونشره مجانًا كذلك، اعترض الأصدقاء المقربين مني، الطلبة والكتّاب، بأنني لا يمكن بأي حال من الأحوال من إجراء حوار مع تشومسكي، لأنه لا يرد على أحد ومهما حاولت فإنني لا استطيع ان اصل إلى جواب وان العديد قبلي حاولوا فعل ذلك ولم ينجح الأمر، لأنه يعتذر كثيرًا من إجراء حوارات مع البلدان البعيدة او لأنه مشغول بأعماله وندواته العديدة فلا مجال لديه للرد من الأساس على الكتاّب الجدد.
لكن التحذيرات لم ثني عزيمتي من اقناعه لأجراء الحوار معي وان كان قصيرًا، وها أنا الان استعد لنشر الحوار. (١٠).
حيث (أن مسؤولية الكاتب بوصفه عاملاً اخلاقياً (او أداة اخلاقية) هو ان يسعى إلى أن ينقل الحقيقة المتصلة بأمورٍ ذات أهمية بشرية إلى جمهور قادر على التصرف إزاءها) (١١).

أنه عالم اللسانيات، الفيلسوف والمفكر العالمي، الأستاذ الفخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نشر أكثر من 150 كتابًا في اللغويات والفكر السياسي والاجتماعي والاقتصاد السياسي والدراسات الإعلامية والسياسة الخارجية الأمريكية والعالم.
أدى عمله الريادي في اللغة، (البنى التركيبة النحوية) عام 1957 ومراجعته المدمرة لأحد كتب سكنر (السلوك اللفظي)، عام 1959 إلى ثورة في الإدراك المعرفي، وانتهاء المذهب السلوكي في علم النفس.
تتحدد اللغات عبر بناها، لذا فإن اللسانيات بنظره هي دراسة بنية اللغات البشرية. علاوة على ذلك فهو يبين أن نظرية اللغة هي نظرية في معرفة المتحدث باللغة، هي معرفة ممثلة في فكر الفرد.
هكذا تصبح النظرية اللغوية دراسة لتلك البنى اللغوية الممثلة في أذهان متكلميها والتي تكوّن معرفتهم باللغة.
وهذا يعني أن اللسانيات فرع من علم النفس المعرفي الذي يدرس البنى الذهنية المسؤولة عن الكفاءة اللغوية. (١٢).
أنه، نعوم تشومسكي (1928- ).

٢.١. نص الحوار:
التواصل الأول بتاريخ  14/4/2021:

حسام جاسم: مرحبًا دكتور، لقد بحثت لفترة عن أي طريقة للاتصال بك. أنا طالب جامعي من العراق.
وأنني أتقدم بطلب أتمنى أن توافق عليه، وهو إجراء حوار قصير لتعريف الطلاب العراقيين بأفكارك وأنشطتك الإنسانية.  أنت شخصية ملهمة لجميع الأجيال، وهناك العديد من الأسئلة التي يجب الكشف عنها لإيصال الأفكار إلى وطني العراق.
سيكون الحوار مجانًا وسأترجمه وأنشره في إحدى المجلات العربية مجانًا وبشكل تطوعي لخدمة العلم والتعليم.
قال لي الكثير من الناس إنك لا تشارك في محادثات مع طلاب من مناطق بعيدة، لكني أتمنى أن توافق على طلبي.

نعوم تشومسكي: من الجيد أن اسمع منك.  لا أعرف من اخبرك عن عدم مشاركتي في محادثات مع مناطق بعيدة.  في الواقع، أنا أعطي الأولوية لهم.  أود تناول هذا الأمر، لكنها فترة صعبة.  حيث فوق رأسي العديد من الالتزامات.  هل يمكنني التأخير حتى الصيف، قد اتفرغ عندما تتباطأ الأمور قليلاً.

حسام جاسم: شكرا على الرد، انني سعيد جدا بكلماتك.
أتفهم أعمالك العديدة وأنشطتك المستمرة، لكن الحوار سيكون قصيرًا ويتكون من خمسة أسئلة في الوقت الحالي، وإذا لم تستطع بسبب جدولك المزدحم، فأنا أفهم ذلك جيدًا وسأنتظر للصيف.
شكرًا لك.

التواصل الثاني بتاريخ 23/7/2021 :

حسام جاسم: مرحبا دكتور، هل انت جاهز للحوار؟  نحن في منتصف الصيف.  لا تنسى أنك وعدتني بذلك.
أنا متحمس جدا.

نعوم تشومسكي: تسعدني المحاولة.

حسام جاسم: بادئ ذي بدء، أود أن أشكرك على دعمك وكلامك اللطيف وعلى السماح لي بإجراء هذا الحوار بالرغم من اعمالك وانشغالاتك الفكرية العديدة (١٣).
الأسئلة التي أريدك أن تجيب عليها:

السؤال الأول/ هل تعتقد أن هناك تداخلًا بين قيم الاشتراكية (بعد الحرب الباردة) مع قيم الليبرالية القائمة على التوسع داخل الأنظمة الأبوية؟
هل تشعر أن الليبرالية الاجتماعيةSocial liberalism) ) تتقدم في القاموس السياسي على وجه الخصوص؟

نعوم تشومسكي: يتم استخدام هذه المصطلحات بشكل فضفاض بحيث يصعب الرد عليها.  إذا أخذنا الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فإن مصطلح (الليبرالية) (liberalism) يستخدم بشكل شائع ليعني ما يسمى في مكان آخر بـ (الديمقراطية الاجتماعية) (social democracy) (١٤). صفقة روزفلت الجديدة  ( Roosevelt’s New Deal)، مثال على ذلك (١٥).
إنها تقريباً نفس ما يسمى بـ (الاشتراكية) (socialism) في الولايات المتحدة. مثال على ذلك، برامج بيرني ساندرز (Bernie Sanders) (١٦).
أيا كان ما يريد المرء تسميته، فإن الدعم الشعبي لمثل هذه البرامج قوي ومتزايد.

حسام جاسم: ما هو اقتراحك لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل المستجدات الحالية (١٧)، آخذين في نظر الاعتبار استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات (خارج القانون الدولي) وحصار غزة اقتصاديًا وانسانيًا في قارورة الفصل العنصري؟

نعوم تشومسكي: منذ 40 عامًا، كان هناك إجماع دولي ساحق على دعم حل الدولتين (١٨)، على أساس الحدود الدولية (الخط الأخضر)، الذي يربط بين غزة والضفة الغربية ككيان إقليمي واحد.  إسرائيل بالطبع تجاهلت ذلك، كما يشهد على ذلك برنامج الاستيطان الواسع والحصار القاسي لغزة.  لا يزال (حل الدولتين) هو أفضل الخيارات الممكنة.

حسام جاسم: بماذا استفادت اللسانيات (linguistics) (١٩)  من عصر التكنولوجيا الحالي؟ وهل تعتقد أن هناك ازالة للضمائر اللغوية في ضوء التكنولوجيا والحقوق الجنسية الحديثة والجندر؟

نعوم تشومسكي: تعكس هذه الممارسات مخاوف حقيقية بشأن التمييز.  ليس لديها صلة باللسانيات.  ولا أرى الكثير من تأثير التكنولوجيا عليها.

حسام جاسم: هل تعتقد أن هناك علاقة خفية بين الحكومات الأمريكية المتعاقبة والميليشيات الدينية المتطرفة وتغذيتها من قبلهم؟  ما هو رأيك؟

نعوم تشومسكي: ………. (٢٠).

حسام جاسم: نعاني في العراق من المليشيات الدينية المسلحة المدعومة من إيران والولايات المتحدة، وازدات حدة العنف ضد المتظاهرين السلميين في ثورة تشرين العراقية منذ عام 2019 وحتى الآن، القتل الممنهج والاختفاء القسري والتعذيب للنشطاء المدنيين المطالبين بالحريات والحقوق.  فيما تحمي الحكومة المجرمين وترفض الكشف عنهم وتسليمهم للعدالة.
ما السبيل في رأيك لإنجاح الثورات عمومًا والثورة العراقية التي ما زالت سلمية حتى الآن؟

نعوم تشومسكي: ………….(٢١).

حسام جاسم: شكرًا دكتور، سعيد جدًا بهذه المقابلة.

٣.١. التعليق:
تم التأخير في نشر هذا الحوار لعده أسباب منها، دراستي الجامعية والعديد من الأعمال العالقة.

في بداية الحوار مع نعوم تشومسكي، خصوصًا في السؤال الأول نلاحظ كيف يرفض المصطلحات الفضفاضة التي تحمل المعنى ونقيضه وتتعدد ايضاحاتها باختلاف الوضع السياسي او الثقافي لبلد ما.
أو تكون ملتبسة لغويًا، (فيقال ان كلمة ما (ملتبسة) اذا تضمنت معاني او احاسيس مختلفة أو إذا كانت تمثل أفكارًا مختلفة. وفي سياق أكثر تحديدًا توصف كلمة بالالتباس اذا كانت لها قراءات معجمية مختلفة، أي اذا ارتبطت بتعبيرات فعلية مختلفة في المعجم. لكن أي معجم نختار، وكيف يؤلف؟ هل يمكن صياغة المبادئ التي اختيرت بها قراءاته بوضوح: هل يمكن أن نثق في أنها لا تلجأ إلى أحكام غير تحليلية عن الالتباس يصدرها المعجم؟
وعلينا أيضًا، أن نسأل عما يتكون منه الاختلاف المرتبط بالقراءات. لا يفترض فقط أن تكون مختلفة لكن يفترض أيضًا الا تكون مترادفة.
نعلن غالبًا، حين نصف تعبيرًا بأنه (ملتبس)، أن هناك مشكلة في التوصل إلى تفسيره في حالة معينة، وأن بعض التردد يصيب النموذج المفرد. وكثيرًا ما لوحظت هذه النقطة. يكتب هوسبرز، على سبيل المثال، (أن كلمة الالتباس نفسها تكون أحيانًا محدودة لتعني مجرد التباس مضلل).
ويميز ريتشمان (الالتباس السيمنطيقي)، بوصفه امتلاك تعبير لأكثر من معنى، عن (الالتباس السيكولوجي)، بوصفه حدوث تعبير ملتبس سيمنطيقيًا في سياق يكون فيه التفسير المقصود غير واضح) (٢٢).

والكلمات لا تستمد معانيها من طبيعتها المادية، باعتبارها سلسلة من الأصوات على سبيل المثال، ولكنها تستمدها من الأغراض التي تؤديها في نقل المضمون غير المادي.
ولكن هناك افتراض أن الصورة المادية- وليس الوظيفة- هي المصدر الذي ينبثق منه المعنى، وهذا يعني أن الكلمات الأساسية عبارة عن تقليد لأصوات الطبيعة.
ومن خلال الاعتقاد في التطابق بين الكلمة وما تشير إليه، أو في الارتباط الضروري بينهما، فإن الافتنان بالكلمات قد أدى أيضًا إلى الحكم الخاطئ على الطبيعة الحقيقية للمعنى اللغوي باعتباره علاقة بين الصيغة والمحتوى تقوم في العرف الاجتماعي الذي يتمثل شرطه المسبق في إمكان ان يكون مختلفًا (٢٣).
وبالنسبة إلى برتراند رسل، فإنه لم يعتقد بان الكلمات تمثل على نحو خاص موحد افكارًا تدور في الذهن (على الرغم من أن كلمات مثل (فكرة) او (الغضب) كانت تشير حسب مفهومه إلى كيانات عقلية)، بل تمثل أشياء مختلفة.
إن مدى هذه الأشياء شامل وواسع لأشياء كثيرة ومختلفة بما فيها الأشياء المحسوسة وأشياء حقيقية ولكنها غير محسوسة من الثوابت المنطقية والكليات والأوهام والصور العقلية وبل حتى الرموز (٢٤).

ولكي تصبح المفردات مسخرة  لخدمة أغراض التواصل، من الضروري أن تثير في نفس السامع الفكرة نفسها في نفس المتحدث.
ويبدو ان الكلمات التي يستخدمها الناس للتعبير عن الأفكار المركّبة نادرًا ما يكون لها عند شخصين مختلفين دلاله دقيقة واحدة.
فاللغة بحسب لوك هي الرافد الأكبر التي من خلالها ينقل الناس الاكتشافات والمنطق والمعرفة من شخص إلى آخر. فالشخص الذي يسيء استعمال المفردات يحطم او يسد المنافذ التي توزع المعرفة لتخدم الصالح العام ومنفعة البشرية.
فينظر لوك إلى الكلمات كونها إشارات تدل على الأفكار (٢٥).
فالأسلوب الذي تنظم به اللغة العالم من حولها، من خلال المعاني التي تقوم بتمييزها، يعتمد في جزء منه على بناء وتنظيم العالم ذاته (٢٦).
ولكن يصر مالينوفسكي: (هل تستعمل الكلمات في المشاركة الوجدانية لإيصال المعنى في المقام الأول، ذلك المعنى الذي يعتبر رمزيًا ملكًا لها؟ بالتأكيد لا. انها لا تنجز وظيفة اجتماعية، وهذا هو هدفها المبدئي، ولكنها ليست نتيجة التفكير العقلاني ولا هي بالضرورة مما يوقظ تفكير المستمع. فاللغة ليس من وظيفتها نقل الفكر).

ومن جانب علم اللغة الاجتماعي فهو يهتم بكيفية قراءة الناس بعضهم لبعض من خلال معنيين: يتمثل الأول في كيفية تأويل المعاني المنطوقة،  ولا يقف عند معاني الكلمات المؤمثلة وقواعد علم النحو كما وردت في القواميس وكتب النحو والصرف فقط، بل يبحث في معانيها انطلاقًا من السياق الذي تحدده هوية المخاطِب والمخاطَب ونوع الحال الذي وردت فيه هذه الكلمات. اما المعنى الثاني، فينصب على كيفية قراءة الغير للمتكلمين أنفسهم انطلاقًا من معاني الهويات الاجتماعية والشخصية التي يشكلها المستمعون عنهم بناء على ما يقولون وعلى الكيفية التي تم بها هذا القول (٢٧).

ان إخضاع عالم الكلمات بالجدل لا يعني طبعًا ان هناك حقًا معرفة بلا كلمات، بل يعني فقط ان الكلمة ليست هي التي تفتح الطريق إلى الحقيقة. وبالعكس، فإن كفاية الكلمة يمكن أن يُحكم عليها من معرفة الشيء الذي تحيل إليه.
حيث يمكن أن يحدث أننا لا نستعمل (الكلمة الصحيحة) لشيء ما بسبب أننا لا نعرف ذلك الشيء. فليست الكلمة الخاطئة هنا بل استعمالها. ويبدو انها تلائم فقط الشيء الذي تُستعمل من أجله. وفي الواقع هي كلمة تُستعمل لشيء آخر، وهي صحيحة بحد ذاتها.
ويبقى عنصر الكلام الحقيقي هو الكلمة، الكلمة نفسها التي تُخفى فيها الحقيقة إلى حد عدم القدرة على تمييزها بل والى حد التلاشي التام (٢٨).

وايضًا تتداخل المصطلحات بما تحمله بحسب مورفولوجيا الثقافة، حيث تكون حدود اللغة هي حدود الثقافة ومناطق اللغة هي مناطق الثقافة، كما عبر فرينجز، فمن خلال ذلك يسخر علم اللغة لمورفولوجيا الثقافة العامة وتصير لها وجهات نظر جديدة وشاملة (٢٩)، ينبغي من خلالها أن يؤسس تاريخ اللغة لبلد ما بناءه بوصفة تعبيرًا عن تاريخ الثقافة والتطور الثقافي لهذا البلد.

ويصف ذلك، تشومسكي بقوله (يعي كل من حاول جمع معجم او اشتغل بالوصف الدلالي أن من الصعب أن نصف معنى أية كلمة، ثم أن مثل هذه المعاني تبلغ حدًا عاليًا جدًّا من التعقيد، وتشتمل على أكثر المسلمات لفتًا للنظر، حتى في أبسط التصورات، كما في حالة الشيء الذي يمكن أن قابلاً للتسمية) (٣٠).

إضافة إلى التدخلات السياسية والاقتصادية التي تفرض وجودها على الكلمة (فتحول مضامينها في المعنى والاستعمال الاجتماعي)، وعلى علم اللغة بشكل عام. فتصبح محكومة بمصائر الخطاب الأيديولوجي.
فلا يكون علم اللغة معقولاً بشكل موضوعي من دون مفاهيم اقتصادية وهذا ما اثبته بيير بورديه.
فتحليل الاتصال اللغوي يعتمد في كثير من النقاط على تحليل التفاعل الاقتصادي.
ومن المفاهيم الاقتصادية التي يحتاجها علم اللغة هي القيمة فبحسب سوسير:
(يمكن أن يستبدل بالكلمة شيء لا يشبهها، هو الفكرة، بالإضافة إلى أنها يمكن أن تقابل بشيء من طبيعتها نفسها، اي بكلمة أخرى، ومن هنا فإن قيمة الكلمة ليست قيمة ثابتة ما دام المرء يقرر ببساطة أن (الكلمة) يمكن أن يستبدل بها تصور معين، أي أن تكون لها هذه الدلالة او تلك: فيجب على المرء أن يقارنها أيضا بالقيم المماثلة أي بالكلمات الأخرى التي تكون في تقابل معها. ومضمونها في الواقع يتحدد فقط بعلاقتها بكل ما هو موجود خارجها، وبكونها جزءاً من نظام فهي لا تختص بدلالة فقط، ولكنها أيضا تختص بقيمة بشكل خاص، وهذا أمر مختلف إلى حد بعيد) (٣١).
فالليبرالية مثلاً، نشأت كتبرير أيديولوجي لظهور الرأسمالية، وأن صورتها للفرد المستقل مجرد تمجيد للسعي وراء المصالح الذاتية في السوق.
فمعظم الليبراليين المعاصرين يرون أن العدالة تتطلب تنظيم السوق لضمان المساواة في الفرص، بل حتى المساواة في الموارد. الذين يستمرون في الدفاع عن السوق الحرة، مثل فريدريك هايك وروبرت نوزك، يسمون اليوم ب الليبرتانيين، في مقابل ليبراليّي الضمان الاجتماعي او دعاة المساواة الليبراليين، من أمثال رولز ودوركين.
في أوربا، غالبًا ما يشير مصطلح ليبرالي إلى نصير السوق الحرة، فيما يشير في امريكا الشمالية إلى نصير الضمان الإجتماعي (٣٢).
وبرغم الليبرالية تستقي أصلها من بواكير القرن التاسع عشر، إلا أن صفة ليبرالي ذات تاريخ طويل. وايحاءات استعمالها الإنجليزي المبكر ذات طابع إيجابي في الأساس. حيث كانت مصطلح الفنون الليبرالية يطلق على الفنون التي يُحكم بأنها قمينة بتحرير الناس.
مع ذلك كان المصطلح دائمًا ينطوي على اقترانات ازدرائية في الظروف التي يُحكم فيها على الحرية من القيود بأنها تمثل اسرافًا من شأنه أن يفضي إلى الابتذال او الفسوق. كما في إشارة توماس كيد إلى إيقاف (الليبراليين المبتذلين في ألسنتهم) (١٥٩٤).
أستعمل المصطلح في بداية القرن التاسع عشر لدى الكتاب الإسبان لوصف زعمائهم السياسيين الذين كانوا يدافعون عن الملكية الدستورية والحكومة البرلمانية، وسرعان ما انتقل إلى بريطانيا، حيث انتقد التوريون (اسلاف حزب المحافظين) خصومهم بأنهم ليبراليون لدفاعهم عن مبادئ سياسية أوربية وليست إنجليزية.
وبحلول أربعينيات القرن التاسع عشر أصبحت الليبرالية ذات شعبية وصارت تدل على نظرة متماسكة اجمالاً إلى الإنسان والمجتمع تتسم برغبة تحرير جميع الأفراد من القيود الاعتباطية وغير الضرورية.
لاحقاً انتقل المصطلح إلى بلدان أوربية أخرى ثم إلى الولايات المتحدة، واكتسب في كل منها معاني مختلفة إلى حد ما، وكان يمثل سياسات مختلفة. في فرنسا تحتفظ الليبرالية بإيحاء قوي من الفوضى الأخلاقية والتمرد، وفي بريطانيا يشدد على الحرية الفردية والحكومة المحدودة، وفي الولايات المتحدة حيث لم يصبح ساريًا حتى بواكير القرن العشرين، فهو يحمل معنى حكومة قوية وفعالة، وتركيز السلطة في يد الحكومة الاتحادية، ودعم المبادرة الإيجابية (٣٣).

وكذلك الديمقراطية فهي مصطلح فضفاض يتضمن كلا من المشاركة والتمثيل.
وحسب النظرية الليبرالية الكلاسيكية، فإن الديمقراطية والرأسمالية نظامان مستقلان، فلكل أهدافه وأنماط تأثيره الا ان التقاطع يكون بإن الديمقراطية لا تقيد العمليات الاقتصادية الا لحماية حقوق أساسية، ولأنها لا تقيد الثراء، فإنها تسمح بدافع الربح لتحفيز الابتكار والإنتاج بكميات هائلة.
وقد خلقت الرأسمالية العالمية الغير مقيدة اجسامًا دولية غير ديمقراطية قادرة على إبطال قيود محلية تتعلق بالبيئة او العمل كانت قد وضعت بشكل ديمقراطي.
بينما توسع الديمقراطية الاشتراكية حقوق المواطنين بحيث تشمل الرعاية الاجتماعية، والإسكان، والتعليم، وبرامج الضمان الاجتماعي وتقيد التأثير المالي على العمليات السياسية (٣٤).
اما الديمقراطية الاجتماعية فإنها تدعو إلى التدخلات الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز العدالة الاجتماعية في إطار نظام حكم ديمقراطي ليبرالي واقتصاد مختلط موجه نحو الرأسمالية.
فهي أيديولوجية سياسية دعت في الأصل إلى انتقال تطوري سلمي للمجتمع من الرأسمالية إلى الاشتراكية باستخدام العمليات السياسية الراسخة. وهي تشترك في الجذور الأيديولوجية المشتركة مع الشيوعية لكنها تتجنب ثوريتها وشموليتها.

فاللغة ليست شيئًا منفصلاً بطريقة ما عن الأفكار التي تحتويها، ولكن الطريقة التي تستخدم بها اللغة توضح الكثير عن كيفية تشكيل الأفكار.  لذلك، عند تحليل لغة النص السياسي، من المهم النظر إلى الطريقة التي تعكس بها اللغة الموقف الأيديولوجي لمن قاموا بإنشائها، وكيف سيؤثر الموقف الأيديولوجي للقراء على استجابتهم أيضًا.

وكثيرا ما يستخدم كل من الاستعارة والكناية في لغة السياسة.  إنها مجرد جانب واحد من جوانب الخطاب السياسي، لكنها تشكل نقاط انطلاق مفيدة للنظر في بعض الطرق التي تعمل بها اللغة السياسية.
تشير الاستعارة إلى استخدام كلمة أو عبارة في إنشاء مقارنة بين فكرة وأخرى.  عندما يُقال أن سياسيًا “يأخذ قذيفة” (قصف جبهة) (ينتقد بشدة) من خصمه، فإن السياسة تُقارن بالحرب، مع إطلاق النار على السياسي مجازيًا.  من ناحية أخرى، قد يكون السياسي هو “المسيء، ويستهدف” خصومه من خلال “شن هجوم” على سياساتهم.
أو قد تتضمن الكناية استبدال اسم شيء ما بشيء متصل به، دون أن يكون هو الأمر برمته.  على سبيل المثال، يتم أحيانًا استبدال رئيس الولايات المتحدة وحكومته ومستشاريه بمصطلح أبسط بكثير (البيت الأبيض)، وهو المقر الرئاسي والمركز الإداري (٣٥).

وان معظم عمليات التلاعب اللفظي تحدث في النص والحديث وان الذين يتم التلاعب بهم بشر ويحدث ذلك عن طريق التلاعب بعقولهم، لذلك يستطيع التحليل الإدراكي تسليط الضوء على عمليات التلاعب، وان عملية التلاعب هي نمط من أنماط التفاعل الكلامي وتنطوي على السلطة وسوء توظيفها.
حيث يقوم النص والحديث بدور محوري في ممارسة السلطة.
وتسيطر السلطة الخطابية على الخطاب نفسه، أي تحدد من الذي يتكلم وفي أية سياقات، ومن يمكنه الوصول إلى وسائل الاتصال المتنوعة. حيث يوجد هناك ارتباطًا مباشرة نطاق الخطاب ونطاق السلطة، فيستطيع الضعفاء السيطرة على محادثاتهم اليومية فحسب، في حين يكونون متلقون سلبيون للخطاب الرسمي خطاب وسائل الإعلام، ويمكن للأقوياء وأصحاب النفوذ الوصول إلى مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأنماط الرسمية من النص والحديث فهم يستطيعون الوصول إلى مجموعات كبيرة من الناس، وهكذا يسيطر أصحاب السلطة على الخطاب عن طريق السيطرة على مكونات إنتاج الخطاب، وصوغه، وتوزيعه (٣٦).
ان النظام الاجتماعي للخطاب يصبح كيانا متماسكًا بفضل التأثير الخفي للسلطة.
وتتسرب الأيديولوجيات إلى الخطاب لا باعتبارها عناصر صريحة في النص بل باعتبارها افتراضات في خلفيته تدفع منتج النص إلى رسم صورة العالم في النص بأسلوب معين، من ناحية، وتدفع مفسر النص إلى تفسيره بأسلوب معين، من ناحية أخرى. فالنصوص لا تصرح عادة الأيديولوجيات، ولكنها تقدم للمفسر مفاتيح معينة تجعله يستعين بالأيديولوجيات في تفسيره للنصوص (٣٧).

ان السلطة التي تُفعّل عبر اللغة، تحدد ثوابت المعرفة التي يمكن استقصاؤها (الإبستيم)، والتي امتد لها التغيير من عصر إلى عصر.
(فالسلطة تنتج المعرفة فلا وجود لعلاقة سلطة دون تأسيس مترابط لحقل من المعرفة. ولا وجود لأي معرفة لا تستلزم ولا تؤسس في الوقت ذاته علاقات السلطة), بحسب ميشيل فوكو (٣٨).

في السؤال الثاني، عبر تشومسكي كثيرًا عن واقع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي  في اكثر من كتاب ومقابلة وأيد حل الدولتين منذ زمن.
ويمكن مراجعة كتبه العديدة التي تناول فيها القضية الفلسطينية  ومنها على سبيل المثال، السلطان الخطير السياسة الخارجية الأمريكية والشرق الأوسط، النظام العالمي القديم والجديد، الدول الفاشلة…..الخ.
وكذلك شارك في مؤتمر (اللاجئون الفلسطينيون حق العودة) عام ٢٠٠٠ ببحث (الولايات المتحدة ومسألة اللاجئين) (٣٩).
وقام بزيارة غزه رغم الحصار الإسرائيلي المفروض عليها عام 2012 للمشاركة في مؤتمر الجامعة الإسلامية في غزه.

فيما وضح  في السؤال الثالث عدم تأثير التكنولوجيا على اللسانيات في ظل الجندر بل ارجع الأمر إلى المخاوف بشأن التمييز.
فالوقائع البارزة حول الإنجليزية، مثلاً، وفرة المصطلحات التي تزدري المرأة جنسياً أكثر من الرجل، والاستعمال غير المتبادل لمصطلحات التحبب من الرجال للنساء، واستعمال الضمائر الذكورية للدلالة الأجناسية الشاملة (٤٠).
وهذا يشمل جميع الأطياف الجندرية  وتمثلاتها داخل المجتمع بما في ذلك مجتمع الكوير.

فالأسس النسوية للبحث في اللسان والجندر والجنسانية، تعتبر اللغة تمظهرًا وتكريسًا لأنظمة الهيمنة المبنية على أساس الجندر، وبهذا، يكون الإنكباب على هذه التمظهرات تمرينًا معقدًا. كيف نفكر في اللغة باستعمال اللغة نفسها؟ كيف نفكك أنظمة الهيمنة والتمييز على أساس جندري؟ وكيف نميز بين (الإعتباطي) و(التفاضلي) في التمييز الجندري في اللغة؟
وقد أفادت العديد من الدراسات اللسانية أن اللغة لا تعكس فقط القوالب النمطية المتعلقة بأدوار الذكور والإناث بل تؤكدها وتنشرها بطريقة تضمن ديمومتها.
حيث أن اللغة تلعب دورا رئيسيا في البناء الاجتماعي للجندر، والى الدور المحوري الذي تلعبه اللغة في التنشئة الاجتماعية للذكور والإناث منذ البداية. وقد تبين أن طريقة حديث الأكبر سنّا مع الأولاد تختلف عن طريقتهم·ـن في الحديث مع البنات. كما أن الرجال يتحدثون مع الأطفال بطريقة تختلف عن تلك التي تتحدثها النساء. فقد وجدت بعض الدراسات أن الآباء يقاطعون الأطفال أكثر مما تفعل الأمهات، ويقاطعون البنات أكثر من الأولاد. كما وجدت دراسات أخرى أن المعلمين الذكور يعطون أوامر للأطفال أكثر بكثير من زميلاتهم المعلمات. وبينت دراسات أخرى أن الأولاد في عمر الأربع سنوات يصدرون الأوامر أكثر من البنات في نفس العمر. إذن، فقد خلصت العديد من الدراسات والدراسات المقارنة الى أن الأولياء يلقنون ويلقنّ أولادهم·ـن وبناتهم·ـن الضوابط الاجتماعية لاستعمال اللغة منذ سنوات التنشئة الأولى، ويستعملون اللغة لتحقيق ذلك.

فالجندر لا يرمز فقط الى ثنائية الاناث والذكور بل يتعداها ليرمز الى تشكيلة من الذكورية والأنثوية تـ·يختار منهم المتكلم·ـة النوع الذي تـ·يبتغيه في أي لحظة تـ·يشاء.

ومنذ أن نشرت روبن لاكوف كتابها الشهير (اللغة ومكانة المرأة) سنة 1975 طور·ـت اللسانيون·ـات أربعة مناهج لدراسة الفوارق الجندرية وهي كالآتي: (1) منهج العجز،(2) منهج الهيمنة، (3) ومنهج الاختلاف، (4) ومنهج البناء الدينامي أو الاجتماعي.
وكذلك مهدت دراسات جوديت بتلر كثيرًا لتأسيس نظرية (ما بعد البنيوي) (Poststructuralist) وجعلت الجسم البشري بناء خطابيًا يمكن تصوره كخط تتعدد فيه الهويات الجندرية بعيدًا عن الحدود المرسومة لاختلاف الثنائيات المتضادة: جسم الأنثى مقابل جسم الذكر. كما تنبه بتلر الى أن اقتصار تعريف الجنس على الذكر والأنثى فقط لا غير مفهوم غربي متجذر في المجتمعات الغربية يضع هذه التفرقة في خانة (الطبيعي) الذي لا يُناقش، وينفي نتائج العلوم البيولوجية التي تؤكد على التعدد لا الثنائية وبذلك يحجب التعددية في الجنس الواحد والاختلافات بين جنس وآخر.
كما أثرت النسوية الليبرالية تأثيرا بيّنا في الأسس الأولى للبحث حول اللغة والجندر والجنسانية، أبرزها المطالبة بإلغاء الفوارق الجنسية الشديدة في اللغة الانجليزية، وإن لم تجد هذه الدعوات صدى كبيرا في المجتمع وتغاضت عنها البحوث الأكاديمية أمام اهتمامها بكيفية استعمال النّساء للغة. وإن كان كتاب لاكوف أول الدراسات المؤسسة لمجال البحث حول اللسانيات النسوية الليبرالية، إلا أنه لم يكن في منأى عن النقد من النسويات وغير النسويات على حد السواء، متهمين·ـات إياها بالتحيز للمبادئ اللسانية الذكورية وبالتقليل من قيمة الممارسات اللسانية للنساء. وفي الحقيقة، لم تتبنّ لاكوف الإيديولوجيا السائدة التي تخفّض من قيمة النساء وتتفه كلامهن، بل قامت فقط بتوصيفها. وبالرغم من كل النقد لكتاب لاكوف إلا أنه ظلّ مرجعا للباحثين·ـات لأكثر من ثلاثين سنة، نظرا لتعريفه (لغة النساء) كممارسات لسانية ملأى بالإيديولوجيا التي تضغط على النساء وتمنعهن من المشاركة في مجالات الرجال.
ولا تـ·يزال الكثيرون·ـات يستشهدون ويستشهدن بجملتها الشهيرة: (تُحرم النساء من الوصول إلى السلطة بشكل منهجي بتعلة أنهن غير قادرات عليها، وأكبر دليل على ذلك تصرفاتهن اللغوية).

أن اللغة المنحازة جنسيا تمثل شكلًا بارزًا للتحيز الجنسي الخفي من حيث أنها تستنسخ الخطاب الذي يعزز ويديم القوالب النمطية الجنسانية والاختلافات في وضع النساء والرجال.
يتعلم الأطفال اللغة المنحازة جنسيا في سن مبكرة، مما يجعلها عادة لغوية. قد تُستخدم اللغة المنحازة جنسيًا لعدة أسباب، منها التقليد، ومنها كون الخطاب المتحيز متأصل ومحفور في المنطوق والمكتوب، مما يصعّب تحديده وتغييره. كما يفتقر الناس إلى معرفة التمظهرات اللغوية للتحيز الجنسي وتحديدها وخاصة المخفية منها. وقد تـ·يعتقد المتحدثون والمتحدثات أنّ ما يشير إليه البعض على أنها لغة متحيزة جنسياً ما هي في الحقيقة إلا لغة عادية. كما يمكن للبعض الآخر أن يستميتوا ويستمتن في إنكار التحيز الجنسي لغة وفعلاً، حماية منهم·ـن للتسلسلات الهرمية الاجتماعية.

هناك نوعين من اللّغة غير المنحازة جنسانيًا، أولهما (التوازن/التأنيث) وثانيهما (التحييد). ويتطلب الحل الأول، أي التأنيث، استعمال كلمات مراعية لخصوصيات الجنسانية وخاصة في اللّغات التي تتميز بالجندر النحوي، مثل الألمانية والفرنسية والعربية، فيقع إضافة المؤنث إلى جانب المذكّر (مثل استعمال “الصّحفيون والصّحفيات” عوضا عن “الصحفيين” فقط). أما الحلّ الثاني وهو التحييد، فيُستعمل عادة مع اللغات الأقل تنصيصا على الجندر مثل الإنجليزية والسويدية والنرويجية، أين تُستعمل كلمات مثل “الوالدين” (parents) عوضًا عن “الأب”  (Father) و”الأم” (Mother) و”الإنسانية” Humankind عوضًا عن Mankind.
بدأت النساء بتحدي سلطة الرجل المطلقة في تقييس وتنميط اللغة مع سبعينات القرن الماضي، كنتيجة للنضال النسوي الذي عرض الصور المتحيزة ضد النساء في اللغة. وبالفعل، بدأت النساء من كافة مناحي الحياة تشير وتندد بالصور النمطية المبطنة في اللغة والمدمرة للمرأة. وقد بينت بودين (1975) كيف تحول ضمير الغائب في الانجليزية “he” إلى ضمير يشير للإناث والذكور معا مع تنامي سلطة الرجال. واختارت بعض المناضلات النسويات تحدي الهيمنة الذكورية من خلال كسر القواعد النحوية منها مثلا، استعمال الضمير المؤنث بالانجليزية (she) للاستدلال على النساء والرجال معا. كما ذهب·ـت بعضهم·ـن إلى وضع كلمة (Herrlein) بالألمانية وتعني حرفيا (الرجل الصغير) لتتماشى مع الكلمة المتداولة (Fraulein) والتي تعني حرفيًا (المرأة الصغيرة) (٤١).

وقد تمتد إلى مشروع إعطاء شكل مؤنث لكل اسماء المهن والوظائف، حيث ترتكز على فرضية مضمنة وهي يجب أن يوجد تشابة شكلي متماثل مطلق بين الحقائق الاجتماعية للجنس والصنف اللساني للنوع: أي مهنة ووظيفة تطلع بها أنثى يجب أن يكون لها اسم مؤنث. هذه الفرضية لا ترتكز دومًا على معطيات اللغة التي تقلب في حالات النوع نسبة للجنس او أنها تعطي اسمًا مذكرًا أو مؤنثًا لكائنات من جنس آخر. مثلاً (خليفة) في العربية (٤٢).

وفيما يخص تأثير التكنولوجيا من جانب الأنظمة الرمزية كلغات الحاسوب والرياضيات، حيث عبر تشومسكي (يبدو أن هناك نقصًا ويكون أكثر دراماتيكية في تصميم اللغة وهو خاصية (الازاحة) التي تشكل جانبًا سائدًا في اللغة: تفسّر العبارات كما لو كانت في موقع مختلف في التعبير، إذ تظهر المفردات المتشابهة احيانًا وتفسّر من خلال العلاقات المحلية الطبيعية. فالصفات الشكلية غير القابلة للتاؤيل تعطي الميكانزم الذي ينفذ خاصية الازاحة.
ان خاصية الازاحة لا توجد مطلقًا في الأنظمة الرمزية المصمّمة لأغراض خاصة، التي تسمى لغات شكلية في الاستخدام الاستعاري الذي يكون مضللاً إلى درجة كبيرة: لغة الرياضيات ولغات الحاسوب او اللغات العلمية. كما ان هذه الأنظمة لا تمتلك أنظمة صرفية، وبالتالي لا تمتلك خصائص شكلية غير قابلة للتأويل. الازاحة والصرف هما خاصيتان من خصائص اللغة البشرية، ضمن الكثير الذي يتم تجاهله عند تصميم الأنظمة الرمزية لأغراض أخرى، لهما الحرية في التغاضي عن شروط الوضوح التي تفرضها على اللغة البشرية بنية العقل/ الدماغ) (٤٣).

٢. رونالدو مونك:

١.٢. مقدمة:
تعود صداقتي بالدكتور رونالدو مونك إلى عام 2020، حينما قرأت له بحث (مقدمة في علاقات الصراع المتضاربة إسرائيل – فلسطين وامريكا اللاتينية) وكانت افتتاحية لعدد كامل من مجلة وجهات نظر امريكا اللاتينية (2019).  يتحدث فيه بشكل تاريخي حول علاقات الصراع (الفلسطيني-الإسرائيلي) وعلاقة أمريكا اللاتينية بذلك، وكنت وقتها ابحث عن بعض المواضيع السياسية لأجل ترجمتها لأحد المؤسسات السياسية.
قدمت له خطاب لأجل السماح لي بترجمة البحث وسمح لي بذلك وقد تم نشره فيما بعد في المركز الديمقراطي العربي (2021) بشكل مجاني (44).
ومنذ ذلك الحين توطدت العلاقة إلى العديد من المواقف النبيلة والإنسانية التي نسجت مسيرة الترجمة لدي فهو من قام بتشجيعي وجعل جميع أعماله (كتب، ابحاث، مقالات، ندوات) بشكل حصري لدي كي أقوم بترجمتها إلى العربية بموافقة رسمية.
قمت بترجمة عمل آخر له وهو (الليبرالية الجديدة والسياسة وسياسة الليبرالية الجديدة) (2022) (45).
لا يمكن انكار فضل ابحاثه التنويرية لأجل المعرفة والتعليم واسهاماته المميزة في علم الاجتماع السياسي وكتاباته حول امريكا اللاتينية والعولمة والاقتصاد وغيرها.
طلبت منه إجراء هذا الحوار معي لأجل إظهار جانب آخر من جوانبه المعرفية واهتماماته وآرائه، فلم يبخل بشيء.
إنه عالم الاجتماع الأرجنتيني ورئيس قسم المشاركة المدنية في جامعة دبلن، وعضو في فريق عمل مجلس أوروبا المعني بالبعثة الديمقراطية المحلية للتعليم العالي. وهو أول رئيس للمشاركة المدنية في (DCU) وقاد (المهمة الثالثة) جنبًا إلى جنب مع التدريس والبحث، المتمثلة في إشراك التعليم والبحث في تلبية احتياجات المجتمع (46). كما أنه أستاذ زائر في مجال التنمية الدولية في جامعة ليفربول وجامعة بوينس آيرس. ولقد كتب على نطاق واسع عن أميركا اللاتينية وعن تأثير العولمة على العمالة والتنمية والهجرة. مشروعه الحالي بشأن آفاق الحركات الاجتماعية الجديدة في أميركا اللاتينية.
الف العديد من الكتب والأبحاث حول علم الاجتماع السياسي والعولمة والتبعية والهجرة ودراسات امريكا اللاتينية…الخ.
وهو عضو في هيئة تحرير المجلات الدولية التالية:
Globalizations, Global Social Policy, Global Discourse, Global Labour Journal, Latin American Perspectives and Review: Journal of the Fernand Braudel Center.
من مؤلفاته:
• إعادة النظر في التنمية: وجهات نظر ماركسية.
• الحركات الاجتماعية والدولة في أمريكا اللاتينية.
• التعليم العالي، أزمة كوفيد والديمقراطية.
• الحوار الصعب: الماركسية والقومية.
• ماركس 2000: وجهات نظر ماركسية متأخرة.
• العولمة والاستبعاد الاجتماعي.
• ماركس 2020: بعد الأزمة.
• التنمية والتغير الاجتماعي.

٢.٢. نص الحوار:
تاريخ إجراء الحوار
/8/2022 22 :

حسام جاسم: هل تعتقد أن هناك تداخلًا بين قيم الاشتراكية (بعد الحرب الباردة) مع قيم الليبرالية القائمة على التوسع داخل الأنظمة الأبوية؟
هل تشعر أن الليبرالية الاجتماعية (Social liberalism) تتقدم في القاموس السياسي على وجه الخصوص؟

رونالدو مونك: إن قيم الاشتراكية وقيم الليبرالية تظهر بالتأكيد بعض أوجه التقارب، أنت على حق.  لا يمكن لليسار أن يدير ظهره للديمقراطية كما فعل من قبل.

لكن عددًا من الأحداث الصادمة، بدءًا من الركود الاقتصادي في عام 2008 وبلغت ذروتها مع أزمة فيروس كورونا، جنبًا إلى جنب مع الكارثة البيئية الوشيكة لتغير المناخ، زعزعت جميع اليقينيات السياسية وأغرقت الرأسمالية الغربية في فوضى سياسية، مما تسبب في هيمنة القلق والخوف على المجتمعات.

يمكننا وصف هذه الأزمة بمصطلح هيجل، (الارتداد العظيم)، وهي فترة يبدو فيها أن إحداثيات التاريخ قد انعكست. الأشياء التي تم اعتبارها أمرًا مفروغًا منه لجيل – العولمة؛ وحرية التنقل؛ والنمو الاقتصادي؛
التحديد الواضح للأصدقاء والمنافسين والأعداء الجيوسياسيين – يبدو انهم أصبحوا في موضع شك وتساؤل.
حيث الشك والتساؤل، خلق الكثير من الارتباك والذعر في الأنظمة السياسية في جميع أنحاء العالم.

نرى كيف (يعود المجتمع إلى ذاته)، عندما تؤدي الصدمة تجاه سلبية العالم إلى توق يائس إلى الداخل (الاستبطان) والاستقلال الذاتي، وعلينا أن نتناول بشكل جماعي الأسئلة التأسيسية المتعلقة بالظروف الأساسية لوجود المجتمع والتكاثر الذاتي.

بالنسبة لي، فإن (الارتداد العظيم) هو استعارة هيغلية تجسد جيدًا عملية التحول الأيديولوجي العميق في لحظة الأزمة البنيوية، مثل تلك التي نعيشها.

لقد شهدنا في أمريكا اللاتينية صعود الحركات التي تناضل من أجل السيادة الوطنية أو الإقليمية، وتلك التي تسعى إلى حماية البيئة، وعدد كبير من الحركات التي تطالب بالعدالة الاجتماعية أو الاعتراف، كلها جزء من هذا التحرك المضاد الواسع.
بطرق مختلفة ولكنها مترابطة، فإنهم يحاولون إعادة دمج الاقتصاد في العلاقات الاجتماعية. في تحدٍ لحركة نحو السلعنة (commodification) (٤7)، حيث يسعون إلى (إزالة السلعنة) (decommodif) من المجتمع وإعادة تأكيد القيم الأخلاقية والثقافية. وضد المادية (materialism) والقيم التي يحددها السوق، فإن التحرك الاجتماعي المضاد الناتج عن العولمة النيوليبرالية، يبرز ديمقراطية المجتمع المدني والقيمة الاجتماعية لكل ما نفعله.

يمكننا أن نجادل بأننا نعيش الآن خلال فترة فاصلة (انتقالية) في أمريكا اللاتينية.
لا يمكن إحياء نموذج الهيمنة القائم على القومية -الحكومة الشعبية- في ظل ظروف العولمة، لكن مشروع الهيمنة النيوليبرالي، من جانبه، منهك واستنفد بشكل واضح. وهكذا فإن المنطقة تواجه فراغًا خلفه فشل المشروع النيوليبرالي. ربما ينطبق هذا أيضًا على مناطق أخرى كما أتصور.

حسام جاسم: كيف تجد العولمة الآن داخل أمريكا اللاتينية، وما هو موقف الحركات العمالية تجاهها؟

رونالدو مونك: أمريكا اللاتينية هي الآن جزء من العالم والعالم الآن جزء من أمريكا اللاتينية.  هذا يقودنا إلى ما وراء المخططات المفاهيمية القائمة على الأضداد الثنائية البسيطة. لم تعد الساحة القومية (الوطنية) (إن كانت كذلك فيما مضى) وعاءًا بديهيًا ومكتفيًا ذاتيًا لكل نشاط اجتماعي وسياسي. لم يعد النظام العالمي – بتدفقه المكثف للأموال والأشخاص والأفكار – شيئًا (خارج) أمريكا اللاتينية، بل نقطة مرجعية خارجية كما كانت. نحن ننتقل من مفهوم ثنائي القطب للسياسة إلى مفهوم يميل أكثر نحو اللامركزية.

فيما يتعلق بالجزء الثاني من سؤالك، أود أن أقول إنه استجابة لهذا الوضع، لم تكن الحركة العمالية فحسب، بل مجموعة كاملة من الحركات الاجتماعية قد ردت بقوة. حيث كانت هناك احتجاجات ومعارضة مستمرة للنظام النيوليبرالي منذ التسعينيات من قبل الحركات الاجتماعية القديمة والجديدة على حد سواء.

يمكن القول إن حقبة ما بعد النيوليبرالية  (Post-neoliberalism) (48) قد بدأت مع انهيار النموذج النيوليبرالي  للأرجنتين في 2001-2002،  مع الأزمة العالمية (global crisis)  2008-2009 التي عززت تلك الأزمة النموذجية (49).  كان انتخاب حكومات يسار الوسط (50) في جميع أنحاء المنطقة بادرة وسببًا لموجة جديدة من تنشيط الحركة الاجتماعية التي كانت مختلفة تمامًا عن كل من الحركات الاجتماعية القديمة والجديدة في السابق، وبالتالي دعت إلى عدسة تحليلية جديدة.
هذا هو التحدي الذي نواجهه وربما في مناطق أخرى هناك جوانب أخرى يجب أخذها في الاعتبار مثل العسكرة والعدوان الخارجي!؟

حسام جاسم: لقد قدمت عرضاً موجزاً للقضية الفلسطينية وعلاقتها بأمريكا اللاتينية.
في حوار لي مع نعوم تشومسكي، قال إنه ما زال يعتقد أن (الحل الأفضل للقضية هو مشروع حل الدولتين، الذي تجاهلته إسرائيل).  ما رأيك بذلك؟ وما هو الحل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني؟

رونالدو مونك: لا أعتقد أنه من مهمة أي شخص خارج فلسطين تقديم «حلول»، مهمتنا الوحيدة هي التضامن وتعزيز الحملات التي ينادي بها الشعب الفلسطيني مثل حركة المقاطعة (BDS) (51).
من الواضح أن هذه القضية هي التحدي الأكبر للسلام في المنطقة بوجود دولة مارقة تتصرف وكأنها فوق القانون.
حيث يجب على إسرائيل إيقاف وحشيتها التي لا تنتهي في فلسطين، من التفجيرات، الهجمات وإطلاق النار، وهدم المنازل، والتهجير والتعذيب.
ويجب سحب 4 ملايين إسرائيلي المتواجدين بشكل غير قانوني في 500 مستوطنة بالضفة الغربية (مع البنية التحتية للطرق المعزولة (الالتفافية) والخدمات) على الفور.  لا يمكن لإسرائيل أن تختبئ وراء قناع (معاداة السامية) (anti-semitism) لتبرير وحشيتها.

نعم، لقد قمت بتنظيم تجمع لصالح مجلة (وجهات نظر أمريكا اللاتينية) حول القضية الفلسطينية فيما يتعلق بأمريكا اللاتينية، حيث احتلت مكانة بارزة دائمًا، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الشتات (diaspora) الكبير في المنطقة (52).

بعد حالة مزاجية مبدئية مواتية تمامًا لإنشاء دولة إسرائيل، تبخرت تدريجياً أي أوهام حول الطبيعة الحقيقية للصهيونية (Zionism).  في حين رفضت غالبية دول أمريكا اللاتينية قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي حدد الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية، إلا أنها كانت بنسبة 10 إلى 5 مع امتناع 10 دول عن التصويت.  ومن الجدير بالذكر أن البرازيل والمكسيك صوتتا لصالح القرار.

وبحلول عام 1975، حققت منظمة التحرير الفلسطينية اعترافًا بوصفها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني من عدد كبير من بلدان أمريكا اللاتينية. وقد انتكس اللوبي الصهيوني في أمريكا اللاتينية بسبب موقف البرازيل والمكسيك من الصهيونية، وبدأت الآن في خوض معركة بائسة ضد التعبئة الاجتماعية والسياسية المتزايدة لصالح حقوق الشعب الفلسطيني.

بدأ ما يسمى بالمد الوردي (pink tide) (53) في أمريكا اللاتينية لإنشاء سلسلة كاملة من الحكومات التقدمية في المنطقة في وقت قريب من الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000. وجدت المقاومة الفلسطينية صدى لها في أمريكا اللاتينية على المستويين الرسمي والشعبي.
بدأ هذا المنعطف اليساري في أمريكا اللاتينية في الانحسار في نفس الوقت الذي اجتاحت فيه إسرائيل قطاع غزة في عام 2015، مع تداعيات مأساوية.
بينما في الماضي، كما ذكرت، كانت هناك درجة معينة من التبرع والثناء تجاه المشروع الصهيوني، بدأ كل هذا يتغير.

مع نهاية الحرب الباردة، بدأت الروابط العسكرية والاستخباراتية بين ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية وإسرائيل تتضاءل. بينما بدأ المزيد من التوازن في الظهور، ففي أواخر عام 1991، صوتت جميع دول أمريكا اللاتينية باستثناء كوبا لإلغاء قرار الأمم المتحدة 3379. وقد تم تعزيز التحول الذي بدأ في عام 2000 بين عامي 2008 و 2013، عندما اعترفت جميع حكومات أمريكا اللاتينية باستثناء حكومات المكسيك وكولومبيا وبنما، رسميًا بدولة فلسطين.

علاوة على ذلك، شهدنا سلسلة من الإجراءات المباشرة التي تدعم حركة المقاطعة عبر أمريكا اللاتينية. ففي عام 2018، أصبحت فالديفيا، في جنوب تشيلي، أول مدينة في أمريكا اللاتينية تنضم إلى المقاطعة ضد إسرائيل بسبب سياسات الفصل العنصري والاحتلال العسكري للضفة الغربية والحصار غير القانوني لقطاع غزة، وبعد ذلك بوقت قصير صوت الكونغرس التشيلي بأغلبية ساحقة لحظر
المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المقامة على الأراضي الفلسطينية المسلوبة.

وفي الأرجنتين رفض فريق ليونيل ميسي لكرة القدم لعب مباراة في القدس، ووصفت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام هذا الأمر بأنها (لحظة فاصلة وحاسمة) بينما قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إنها كانت انتصارًا لـ «المحرضين الذين يكرهون إسرائيل». وعلى الصعيد الثقافي، في مايو 2018، ألغى الموسيقي البرازيلي جيلبرتو جيل عرضًا في إسرائيل بعد إنشاء السفارة الأمريكية في القدس، وفي أغسطس، تظاهر نشطاء عرب وبرازيليون أمام قاعة حفلات ساو باولو للاحتجاج على أداء أوركسترا أورشليم القدس السيمفونية.

حسام جاسم: لماذا نلاحظ في صعود النيوليبرالية (Neoliberalism) عبر السوق الحرة، فرض القيم الأمريكية على السوق العالمية من خلال عدة طرق منها منظمة التجارة العالمية (التي تعتبر تصدير للقيم الأمريكية ونظرتها إلى الأسواق)، وكذلك نلاحظ انتعاش تجارة السلاح على الصعيد العالمي؟!!  ما الرابط؟ وكيف نتجاوزه؟!!!

رونالدو مونك: نعم، بالتأكيد تستمر النيوليبرالية في التوسع حتى عندما نعتقد أنها في حالة تراجع. من المؤكد أنه بعد الأزمة الكبرى في 2008-2009 الناجمة عن الانهيار المصرفي افترض الكثيرون أن أيام السوق الحرة غير المنظمة قد انتهت. لكنها عادت أقوى من أي وقت مضى.
هذا بالنسبة لي، لأنه لا يوجد بديل قابل للتطبيق يُنظر إليه على أنه ذو مصداقية وموثوق به.
حيث لا يمكن للدولة القديمة التي تدير الاشتراكية أن تعود.

يجب علينا إجراء تقييم وإعادة التفكير في الاتجاه الذي نتجه إليه.  في الماضي “كان اليسار آلة لتوليد فجر جديد” (أش أمين ونايجل تريفت) (Amin and Thrift)، حيث كان لديه مقترحات جريئة لتغيير التاريخ. أو كما قال الساندينيون في نيكاراغوا ذات مرة (El amanecer ya no es una tentación) (الفجر الجديد ليس حلمًا).  هذا ليس واضحًا الآن، فالتيارات الاشتراكية خجولة تمامًا، وإن لم تكن كذلك، فهي ضعيفة جدًا.

هناك ثلاثة مجالات رئيسية أعتقد أن هناك حاجة إليها الآن لإعادة التفكير بجدية: من حيث كيفية استعادة لغة التحول، وكيف يمكن للأشكال التنظيمية أن تتجاوز الطبقة التقليدية، والحزب، والثالوث النقابي، وأخيراً، كيف يمكن لليسار استعادة ما يشير إليه أمين وتريفت باسم (تعبئة التأثير)، (أش أمين ونايجل تريفت).

إذا قارنا اليسار الماركسي اليوم بالديمقراطية الاجتماعية الكلاسيكية والشيوعية، يمكننا أن نرى، على الفور، أنه يفتقر إلى قدرة مماثلة لتضفي على خطابه رؤية واضحة للمستقبل يمكن أن تصل إلى الجماهير العريضة. أعتقد أنه يتحدث الآن لغة من لغات الماضي وليس لديه حتى قدرة هيمنة عن بعد، ما نحتاجه الآن ليس أقل من إعادة اختراع لغة اليسار للمطالبة بعالم جديد متجذر في الرغبات الاجتماعية الحقيقية وباستراتيجية للسلطة.

لتطوير بارادايم (paradigm) جديد أكثر انفتاحًا، ربما نحتاج إلى الانتباه إلى مقولة فوكو عام 1979 القائلة: (حيثما توجد سلطة، فهنالك مقاومة، ومع ذلك، أو بالأحرى نتيجة لذلك، فإن هذه المقاومة ليست أبدًا في موضع خارجي فيما يتعلق بالسلطة). إنها ليست مسألة مقاومة تستجيب للسلطة ولكنها مسألة فهم كيفية وجود السلطة والمقاومة بطريقة متكاملة بشكل متبادل ودائم الحركة.
فالسلطة لا تتفاعل مع المقاومة فقط، ولا تسبقها فحسب؛ بل إن التوترات المقاومة (المضطربة) تشكل السلطة في جوهرها. لا ترتبط الاضطهادات والقمع دائمًا بالتقسيم الطبقي الاقتصادي، بل يتم إدامتها من خلال مجموعة من البنيات بما في ذلك الأسرة والإعلام والمجتمع المدني واللغة نفسها.
لقد وجهنا فوكو نحو اقتصاد سياسي جديد لعلاقات السلطة يمكن دراسته تجريبياً. حيث يأخذ أشكال المقاومة لأنواع مختلفة من السلطة كنقطة انطلاق.

هذا هو التحدي الذي نواجهه جميعًا الآن، ولا يقل عن التغيير الجذري لمفهوم ما يعنيه اليسار أو الاشتراكية  في عصر العولمة الحالي.

حسام جاسم: نعاني في العراق من التدخلات الخارجية الأمريكية والإيرانية ونتيجة للظلم الاجتماعي (من فقر وقتل وارهاب وتهجير ) الذي تمارسه السلطة الحاكمة (المدعومة ايرانيًا وامريكيًا) خرج الشعب في مظاهرات عارمة وتحولت إلى ثورة اسمها (تشرين) لكنها قمعت بوحشية وتم تصفية النشطاء والمفكرين المؤيدين لحرية الشعب، بالقتل.
ما هو السبيل الافضل في رأيك لإنجاح الثورات الشعبية في ضوء علم الاجتماع السياسي ؟

رونالدو مونك:  ما تصفه من منظور ثورة تشرين هو الأكثر إثارة للاهتمام.  لسوء الحظ، فهي غير معروفة في أماكن أخرى لأسباب ليس أقلها قضايا وحاجز اللغة.  لكنها بلا شك جزء من المقاومة العالمية للممارسات الجائرة والظلم الذي لا يطاق والذي تفرضه العولمة والأنظمة المحلية الوحشية.

بالنسبة لي، أعتقد أننا بحاجة إلى إعطاء الأولوية للسياسة في أي دراسة للحركات الاجتماعية من منظور التحول الاجتماعي. ففي أمريكا اللاتينية، نتحدث عن كيف أن بناء (الشعب) هو العمل السياسي بامتياز. ربما يكون تطور (الشعبوية) (populism) (54) هو الاختلاف الرئيسي بين التطور السياسي لأمريكا اللاتينية وتطور المناطق الأخرى. النظام القديم تغير تمامًا بظهور هذه الأيديولوجية القومية- الشعبية والرؤية العالمية.  كما يمكن أن تصبح راديكالية في الظروف الرئيسية عندما أصبحت المعارضة (الأوليغارشية- الشعب)                (people-oligarchy) (55) هي الانقسام المهيمن في المجتمع.

تعمل الحركات الاجتماعية اليوم في أمريكا اللاتينية بالتعبير العملي عن تحالفاتها من حيث المعادلات الديمقراطية، ونحن ندرك تمامًا كيف أن مفاهيم مثل (الحرية) (freedom) أو (الديمقراطية) (democracy) هي دلالات فارغة طالما يتم التعبير عنها من قبل قوى سياسية معينة.  كانت الحركات الناجحة المضادة للهيمنة مبنية على مطالب ديمقراطية. وهكذا يمكننا أن نرى كيف يمكن للمطالبة بحقوق الإنسان أو الأرض أو العمالة والتوظيف أن تؤدي إلى منطق متكافئ عبر المجتمع وبالتالي البدء في صياغة حركة مضادة للهيمنة.
سنحتاج إلى دراسة تفصيلية للحركات الاجتماعية في بلدك لتحديد ديناميتها ومنطقها قبل الإدلاء بأي تعليقات جادة.

حسام جاسم: هل تتوافق  المليشيات الدينية في العالم العربي والعالم عمومًا مع السياسات الأمريكية من حيث الرؤى والمصالح المشتركة؟

رونالدو مونك: لقد وجدت الاشتراكية، أو الماركسية، صعوبة بالغة في التعامل مع الحركات الدينية، فهي من ناحية تعارض السياسة العلمانية، لكنها تسعى أيضًا أحيانًا إلى التحالفات أو تسعى إلى استمالة هذه الحركات. فلا تزال الحركات الإسلامية في الأساس حركات سياسية. وبالتالي فهي تعبير عن مصالح اجتماعية وسياسية محددة فهي جزء كبير من هذا العالم وليست (دينية) فقط.

إن الدعوة إلى الفصل بين الدين والدولة مطلب ديمقراطي عادي في معظم البلدان، بما في ذلك أمريكا اللاتينية، ولكن في العالم العربي هو حقًا مطلب راديكالي متطرف.  وأنا لا أؤيد هذا، وإنما فقط للإشارة إلى مدى تميز الموقف عندما تشير إلى الدين والسياسة في بلدك. لطالما كان الإسلام والسياسة لا ينفصلان. نحتاج فقط أن نبدأ من تلك الفرضية عند بناء بديل ديمقراطي. إنه بالطبع جزء لا يتجزأ من الهوية القومية ويجب ألا يُنسى أبدًا.

فيما يتعلق بالأصولية الإسلامية (Islamic fundamentalism)، أي الرغبة في العودة إلى الإسلام، والتطلع إلى (اليوتوبيا) المدينة الفاضلة الإسلامية، يمكننا القول إنه مهما كانت الأهمية التقدمية والقومية و/أو الديمقراطية لبعض النضالات التي تنفذها مختلف التيارات الأصولية الإسلامية، فإنها لا تستطيع إخفاء حقيقة أن أيديولوجيتها وبرنامجها هو في الأساس رجعي (reactionary)، بحكم التعريف.

حسام جاسم: أين نقف من الشيوعية اليوم؟ وما رأيك بقضايا المصالحة مع اليسار لتكوين شيوعية متسامحة ومنفتحة واقل ثورية؟

رونالدو مونك: أود بالتأكيد أن أؤيد دعوتك للمصالحة والتسامح على صعيد اليسار العريض إذا أردنا إيجاد بديل تقدمي قابل للتطبيق لكل من الإمبريالية (imperialism) وجميع أشكال الأصولية (fundamentalism).

حيث من الممكن  ان أبدأ، وستكون حول أهمية الديمقراطية الراديكالية باعتبارها البوصلة الرئيسية لاستراتيجيتنا اليسارية. ومن أبرز آثار الحقبة العسكرية في أمريكا اللاتينية على الخطاب السياسي إعادة احياء الديمقراطية. حيث كان لا بد من تقييمها ليس فقط على أنها نقطة انطلاق نحو الاشتراكية، ولكن بحد ذاتها يجب أن تظهر أيديولوجية ديمقراطية جديدة على أساس المبادئ التالية:
1. نشر وتعزيز الممارسات الفعالة للحكم الذاتي.
2. عملية توسيع مجالات الحياة الخاضعة للتحكم والرقابة الشخصية؛
3. الحاجة إلى عملية تجزئة السلطة أو إضفاء الطابع الاجتماعي عليها؛
4. رد الصفة الجماعية للقدرات الشخصية والإمكانات.

كان هذا الخطاب الديمقراطي الجديد مناهضًا للدولة بشكل واضح.  لقد رفض تركيز السلطة في يد الدولة،
التي ستشهد انحلالها في المجتمع المدني.
إنه معادي لكل أشكال البيروقراطية (bureaucracy) والشرعية الزائفة للأصولي.
حيث يسعى إلى إضفاء الطابع الاحترافي على السياسة والتحرك نحو التنشئة الاجتماعية النهائية.  إذا كانت هذه الموضوعات هي تلك الخاصة بالديمقراطية الليبرتارية (libertarian) أو الراديكالية، فإن البعض الآخر أقرب إلى النيوليبرالية  لميلتون فريدمان (Milton Friedman) (56). وبالتالي، هناك ضغط كبير على الحريات والإمكانيات الشخصية، والتي يُنظر إليها على أنها حتى الآن مصنفة تحت ثقل الدولة والبنيات الاجتماعية. وهكذا غيّرت الحقبة العسكرية مجرى النقاش حول الديمقراطية والتنمية وجعلت من المستحيل العودة إلى نماذج الدولة القديمة والشعبوية للاقتصاد ونظام الحكم.

بالنسبة لي، فإن الطريق إلى التحول الاجتماعي يحتاج إلى اتخاذ الديمقراطية – في المجالات الاقتصادية والسياسية  والاجتماعية  والثقافية – كمحرك رئيسي لاستراتيجياتنا. بالطبع، سيأخذ هذا في مناطق مختلفة شكلاً مختلفًا، ولا يمكننا اعتباره مخططًا عالميًا كما كانت الشيوعية القديمة في السابق.

حسام جاسم: هل تلاحظ أن هناك محاولات لتهميش علم اجتماع المرأة والنسوية الاشتراكية الاجتماعية وفي نفس الوقت يفسح المجال للنسوية الليبرالية بالتمدد في أغلب جامعات العالم ومراكز البحوث؟
وما رأيك بعلم الاجتماع النسوي (كفرع من علم الاجتماع)، من الجانب الذي يحاول فيه أن يطرح مميزات جديدة داخل قضايا الجندر والمثلية الجنسية وربطها سياسيًا؟

رونالدو مونك: مع النسوية (feminism)، لا أتخذ موقفًا ولكني ببساطة أؤيد مطالبها الديمقراطية. معظم هذه الأمور تتعلق بحقوق الإنسان وليست مثيرة للجدل حقًا. لا يمكن أن يكون هناك اشتراكية ليست نسوية.

شهدت معظم دول أمريكا اللاتينية ظهور الحركات النسوية الليبرالية الكلاسيكية في أوائل القرن العشرين.  كانت هذه الحركات، الموجهة نحو قضايا حق الاقتراع، بداية لمحاولة (توليد) المواطنة، وهو شرط مسبق واضح إذا كان لها أن تكون لأجل الصالح العام.  ظهرت الحركات النسوية المعاصرة في أواخر الستينيات، على اقل تقدير، لأسباب متمثلة للتصدي للأنظمة العسكرية وقمعها للحقوق الاجتماعية والفردية.
حيث رأت النسويات بوضوح كيف أن الدولة العسكرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنظام الأبوي، في تناظر وتناسق رهيب يؤثر على جميع المجالات، من الاستهلاك إلى القمع. يمكن القول إن عنف الذكور وعنف الدولة كانا متماثلين، وتم تقليص الحقوق الإنجابية للمرأة بشكل كبير.
لاحقًا، في الثمانينيات، شهدنا ازدهارًا في مشاركة المرأة في الحركات الشعبية وغيرها من الحركات الاجتماعية.
جلبت هؤلاء النساء من الطبقة العاملة (mujeres  populares) ديناميكية مختلفة للنضال مع تركيزهن على ما أصبح يعرف بالاحتياجات الجندرية العملية، بدلاً من الاحتياجات الجندرية الاستراتيجية التي أعطتها النسويات الأولوية (57).

تزامنت هذه الموجة الثانية من تعبئة النساء مع إعادة الهيكلة الثقافية والسياسية والاقتصادية للنيوليبرالية للمجتمع. إن سياسات التجارة الحرة وتقليص خدمات الدولة وإضعاف السياسة الاجتماعية تؤثر جميعها بشكل مباشر وبصورة غير متكافئة على المرأة. في حين أن العديد من النساء المشاركات في هذه الحركات لم يكن، أو لم يرن أنفسهن، كنسويات، فإن مشاركتهن العامة في الحركات الاجتماعية أثرت حتمًا على حياتهن (الخاصة). ومع انتقالهم من السلبية وعدم النشاط إلى القتال والنضال الجديد، بدأوا أيضًا في التعامل مع المواقف الأبوية للرؤساء السياسيين أو النقابيين بالإضافة إلى السمات الدائمة التي في حياتهم اليومية.
في الحركة النسوية الأوسع، كان هناك انقسام متزايد منذ تسعينيات القرن العشرين فصاعدًا بين الاستقلال الحر الذاتي (autónomas) والهوية المؤسساتية (Institucionalistas)، حيث كانت الأخيرة أكثر التزامًا بالعمل داخل المؤسسات الديمقراطية الجديدة، وإلى حد ما، تاركًة وراءها اتجاه الحركة الاجتماعية المتشددة الذي يميز  فترة النضال ضد الديكتاتورية.

من المهم ملاحظة أن الحركات النسائية في أمريكا اللاتينية لا يمكن تفسيرها من خلال النظريات الشمالية (58). وهكذا، على سبيل المثال، كان السياق الذي ظهرت فيه الحركة النسوية من الموجة الثانية في شمال الأطلسي في السبعينيات حالة خاصة للغاية لا يمكن تعميمها. في المقابل، في أمريكا اللاتينية، كانت هذه فترة الديكتاتوريات العسكرية، لذا كانت النسوية هنا أكثر ارتباطًا بالنضال الثوري.
لذلك، لكل منطقة من مناطق العالم، سنحتاج إلى إجراء مثل هذا التحليل إذا أردنا الحصول على فهم مناسب للحركات النسوية المعاصرة.

٣.٢. التعليق:
كان الحوار يطرق أماكن جديدة لدى مونك وهناك  بعض الأسئلة حاول عدم الإجابة عنها لأنه لا يملك أي معلومات أو ربما لا يتشكل لديه رأي حولها. وهناك أيضًا أربعة أسئلة من هذا الحوار تم تأجيلها لوقت آخر، وربما ستنشر مستقبلاً.
ترابط الابحاث العديدة التي عملها، ضمنت له كمية هائلة من الرؤى والاطلاعات.
في بداية طلبي لإجراء هذا الحوار، لم يكن لدى مونك وقت كافي للتفرغ بسبب أعماله وانشغالاته البحثية،
وكذلك انشغالاتي الخاصة بدراستي الجامعية وكتاباتي، لذا تم تأجيل حدوثه لأكثر من مره.

نلاحظ في السؤال الأول، جواب صريح حول ما يدور من وجهة نظر امريكا اللاتينية فيما يخص الليبرالية والعدالة الاجتماعية  وصعود الحركات الشعبية للمطالبة بالحقوق ومحاولاتهم لإعادة دمج الاقتصاد في العلاقات الاجتماعية، وتحد للسلعنة.
فيما كان جواب تشومسكي عن نفس السؤال يدور من وجهه النظر الأمريكية وتمثلات تلك المصطلحات (الليبرالية، الاشتراكية، الديمقراطية الاجتماعية) في النظم الشعبية وكذلك استخداماتها بشكل فضفاض جعل من الصعب الرد عليها.

اما في السؤال الثاني، يسرد مونك جميع ما يراه بعد حقبة ما بعد النيوليبرالية فيما يخص العولمة وتأثيراتها على الحركات العمالية وقد كتب كثيرا حول هذا الأمر يمكن مراجعة كتبه:
• الحركات الاجتماعية والدولة في أمريكا اللاتينية (Social Movements and the State in Latin America).
• العولمة والهجرة والعمل في عصر النيوليبرالية
(Globalization, Migration and Work in the neoliberal era).
•  العمالية والعولمة: النتائج والآفاق
(Labour and Globalisation:  Results and Prospects).

وغيرها العديد من البحوث فيما يخص منطقة امريكا اللاتينية.

في السؤال الثالث، رفض مونك اقتراح تشومسكي (حل الدولتين) لأنه يعتقد أن الحل ليس خارجي يقرره أحد بل الفلسطينيون انفسهم، وذلك بقوله (لا أعتقد أنه من مهمة أي شخص خارج فلسطين تقديم حلول، مهمتنا الوحيدة هي التضامن وتعزيز الحملات التي ينادي بها الشعب الفلسطيني مثل حركة المقاطعة (BDS)).
وقد قدم مونك عرض موجز حول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعلاقته بأمريكا اللاتينية ضمن عدد خاص في مجلة (وجهات نظر امريكا اللاتينية) الذي قمت بترجمته ونشر في المركز الديمقراطي العربي/ 2021.

اما في السؤال الرابع، فيما يخص صعود النيوليبرالية، يرى مونك انها بالتأكيد تستمر في التوسع حتى عندما نعتقد أنها في حالة تراجع. وقدم ثلاثة مجالات رئيسية يعتقد أن هناك حاجة إليها الآن لإعادة التفكير بجدية: من حيث كيفية استعادة لغة التحول، وكيف يمكن للأشكال التنظيمية أن تتجاوز الطبقة التقليدية، والحزب، والثالوث النقابي، وأخيراً، كيف يمكن لليسار استعادة ما يشير إليه أمين وتريفت باسم (تعبئة التأثير).

فيما يرى تشومسكي أن عقيدة النيوليبرالية تأتي في أشكال السوق الحرة، وقد استخدمت واشنطن قوتها لمنع تحقيق اي تنمية مستقلة في أماكن أخرى كما فعلت انكلترا من قبل، فقد توجب ان تكون التنمية في امريكا اللاتينية ومناطق أخرى تنمية (متممّة) لا (تنافسية). كما كان هناك تدخل واسع المدى في التجارة على سبيل المثال  ربطت معونة خطة مارشال بشراء المنتجات الزراعية للولايات المتحدة وهو جزء من السبب الواقف وراء ارتفاع حصة الولايات المتحده من تجارة الحبوب العالمية من اقل ١٠% قبل الحرب إلى أكثر من النصف بحلول ١٩٥٠، بينما انخفضت صادرات الارجنتين بمقدار الثلثين. كما استخدمت أيضًا معونة الغذاء مقابل السلام الأمريكية لدعم المشروعات الزراعية وقطاع الشحن الأمريكيين، وإضعاف المنتجين الاجانب لمنع تحقيق التنمية المستقلة.

وعبر تشومسكي بأن تصدير القيم الأمريكية عبر منظمة التجارة العالمية تكون نتائجه كالاتي:
• أداة جديدة للتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
• استيلاء الشركات الأمريكية على القطاعات التي تشكل عصب اقتصادات الدول الأخرى.
• تحقيق المكاسب لقطاعات البزنس والطبقة الغنية.
• تحويل أعباء التكاليف إلى عاتق عامة الشعب.
• أسلحة جديدة وذات فعالية محتملة في مواجهة خطر الديمقراطية. (59).

في السؤال الخامس درس حالة ثورة تشرين من وجهة نظر الثورات والحركات الشعبية في امريكا اللاتينية لأنه لا يملك اطلاع كافي حول الوضع العراقي الحالي، وقد قارب وجهات النظر بالظلم الاجتماعي والصراع السياسي من جهة الحكومة والمطالبات بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية من جهة الشعب المقابلة.
فقد ذكر (يمكننا أن نرى كيف يمكن للمطالبة بحقوق الإنسان أو الأرض أو العمالة والتوظيف أن تؤدي إلى منطق متكافئ عبر المجتمع وبالتالي البدء في صياغة حركة مضادة للهيمنة.
سنحتاج إلى دراسة تفصيلية للحركات الاجتماعية في بلدك لتحديد ديناميتها ومنطقها قبل الإدلاء بأي تعليقات جادة).
في حين درس الأصولية الإسلامية من وجه نظر ماركسية في السؤال السادس، وبين ان جميع الحركات الإسلامية هي حركات سياسية بالدرجة الأولى ورجعية.

فيما يخص السؤال السابع فإنه يؤيد دعوتي للمصالحة والتسامح على صعيد اليسار، وبين أهمية الديمقراطية الراديكالية باعتبارها البوصلة الرئيسية لاستراتيجيتنا اليسارية. من منظور أمريكا اللاتينية، انه يجب أن تظهر أيديولوجية ديمقراطية جديدة على أساس المبادئ التالية:
1. نشر وتعزيز الممارسات الفعالة للحكم الذاتي.
2. عملية توسيع مجالات الحياة الخاضعة للتحكم والرقابة الشخصية؛
3. الحاجة إلى عملية تجزئة السلطة أو إضفاء الطابع الاجتماعي عليها؛
4. رد الصفة الجماعية للقدرات الشخصية والإمكانات.

ولابد من  مراجعة  كتبه المهمة حول الماركسية:
• ماركس 2000:  وجهات نظر ماركسية متأخرة.
• ماركس 2020: بعد الأزمة.
• الحوار الصعب: الماركسية والقومية.
• إعادة التفكير في التنمية: وجهات نظر ماركسية.

وفي السؤال الثامن، سرد تجربة النظرية النسوية في أمريكا اللاتينية ومحطات نضالها الثوري الذي يراه مختلفًا عن النظريات الشمالية (ذات الرؤى الامريكية) لذا يجب إجراء تحليل للخصوصيات التقاطعية النسوية لكل بلد ونضاله الخاص لمعرفة اكثر شمولاً.
وفي هذا الصدد يرجى مراجعة بحثه حول النسوية لمعرفة المزيد:
(ما وراء الأحمر والأخضر؟  الاشتراكية والنسوية والبيئة).

الهوامش:

١. حسام جاسم/ كاتب وباحث من العراق.
تم الاتفاق مع نعوم تشومسكي ورونالدو مونك، بأن الحوار سيكون متاح بشكل مجاني ليستفيد منه الباحثين والطلبة العرب. ولم أجد افضل من المركز الديمقراطي العربي ليتم النشر فيه لما يتميز به من الحرية الفكرية للنشر ودعم الكتاب والمفكرين الشباب وذلك بفضل الإدارة المميزة من قبل الصديق والأستاذ (عمار شرعان) مدير المركز الديمقراطي العربي.

٢. فضيحة إنرون (Enron scandal)/ عبارة عن  فضيحة محاسبية لشركة  إنرون، وهي شركة طاقة أمريكية مقرها هيوستن في ولاية تكساس. أُعلن عنها في أكتوبر 2001، وأدت إلى إفلاس الشركة، والحل الفعلي لشركة آرثر آندرسن، التي كانت واحدة من أكبر خمس شركات تدقيق ومحاسبة في العالم. بالإضافة إلى كونها أكبر عملية إعادة تنظيم إفلاس في التاريخ الأمريكي في ذلك الوقت، وصارت إنرون موضع اشتشهاد باعتبارها أكبر فشل في التدقيق.

٣. هاليبرتون (Halliburton)/ هي شركة عالمية في مجال الطاقة وتعمل في 120 دولة حول العالم، يقع المقر الرئيسي لها في قسمين: القسم الغربي هيوستن، تكساس – التي هي عاصمة البترول في الولايات المتحدة الأمريكية، القسم الشرقي  دبي في دولة الإمارات.  تعمل هاليبرتون في شريحتين كبيرتين وهما: مجموعة خدمات الطاقة والتي تقدم المنتجات والخدمات التقنية لصناعة استكشاف وأنتاج النفط والغاز والثانية (KBR)‏ وهي شركة إنشاءات عملاقة لمصافي البترول وحقول البترول وخطوط الأنابيب الكيماويات.
لمعرفة المزيد راجع:
https://www.nytimes.com/2004/09/28/us/a-closer-look-at-cheney-and-halliburton.html

٤.راجع:
Barsamian, David. (2002). “U.S. intervention from Afghanistan to Iraq”. International Socialist Review. (25).

٥. راجع: شالوم، ستيفن. (2007). السلطان الخطير، السياسة الخارجية الأمريكية والشرق الأوسط، (ترجمة ربيع وهبه). ط1. دار الساقي. بيروت، لبنان. ص ١٣٤-١٣٦.

٦. راجع: تشومسكي، نعوم. (2007). الدول الفاشلة، إساءة استعمال القوة والتعدّي على الديمقراطية، (ترجمة سامي الكعكي). دار الكتاب العربي. بيروت، لبنان. ص ٢١١.

٧. راجع: نيل سميث، ونيكولاس آلوت. (2020). تشومسكي، الأفكار والمثل، (ترجمة الهادر المعموري). ط1. دار الرافدين. بيروت، بغداد. ص ٥٣٧.

٨. راجع: تشومسكي، نعوم. (2014). النظام العالمي الجديد القديم والجديد، (ترجمة عاطف معتمد عبد الحميد). ط3.  دار نهضة مصر للنشر. مصر، الجيزة. ص ٣٩.

٩. راجع:
C.J. Polychroniou. (2022). “Chomsky: 20 Years After Iraq War Vote, US Continues to Flout International Law”. Truthout.
https://truthout.org/articles/chomsky-20-years-after-iraq-war-vote-us-continues-to-flout-international-law/

١٠. لا يرد تشومسكي فعلاً على الأشخاص المتحمسين والمندفعين بدافع الشهرة فقط أو الغير مدركين لقيمه الدعوة الفكرية والثقافية وكذلك لانشغالاته العديدة بحكم عمله ومؤتمراته.
يعتبر هذا الحوار الأول لي وأنها قيمة عظيمة ان تكون بدايتها مع نعوم تشومسكي.

١١.راجع: تشومسكي، نعوم. (1996). الكتّاب والمسؤولية الثقافية، (ترجمة سماح إدريس). مجلة الآداب. العدد (٧/٨) تموز-اب. ص٦.

١٢. راجع: هندرتش، تد. (2021). دليل أكسفورد في الفلسفة، الجزء الأول، (ترجمة نجيب الحصادي). ط1. هيئة البحرين للثقافة والآثار. مملكة البحرين، المنامة. ص ٥٣٥-٥٣٦.

١٣. العديد من الكلام الهامشي والثانوي بيننا وتحديد موعد الحوار وطريقة إجراءه وغيرها من الأمور التي لا تخص صلب المواضيع المطروحة لأجل الحوار. لم اذكرها هنا.

١٤. الديمقراطية الاجتماعية (social democracy)/ هي فلسفة سياسية واجتماعية واقتصادية  داخل الاشتراكية تدعم الديمقراطية السياسية والاقتصادية.  كنظام سياسي، وصفه الأكاديميون بأنه يدعو إلى التدخلات الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز العدالة الاجتماعية في إطار نظام حكم ديمقراطي ليبرالي واقتصاد مختلط موجه نحو الرأسمالية. في النصف الثاني من القرن العشرين، ظهرت نسخة أكثر اعتدالًا والتي تبنت بشكل عام تنظيم الدولة، بدلاً من ملكية الدولة، لوسائل الإنتاج وبرامج الرعاية الاجتماعية  الشاملة. استنادًا إلى اشتراكية القرن التاسع عشر ومبادئ كارل ماركس وفريدريك إنجلز، تشترك  الديمقراطية الاجتماعية في الجذور الأيديولوجية المشتركة مع الشيوعية لكنها تتجنب نضالها وشموليتها .

١٥. صفقة روزفلت الجديدة (Roosevelt’s New Deal)/ هي مجموعة من البرامج الاقتصادية التي أطلقت في الولايات المتحدة بين عامي 1933م  و1936م. تضمنت هذه البرامج مراسيم رئاسية أو قوانين قام بإعدادها الكونغرس الأمريكي أثناء الفترة الرئاسية الأولى للرئيس فرانكلين روزفلت. جاءت تلك البرامج استجابة للكساد الكبير وتركزت على ما يسميه المؤرخون الألفات الثلاثة وهي: (الإغاثة والإنعاش والإصلاح). وتشير تلك النقاط الثلاث إلى إغاثة العاطلين والفقراء، وإنعاش الاقتصاد إلى مستوياته الطبيعية، وإصلاح النظام المالي لمنع حدوث الكساد مرة أخرى. حيث شهدت الأيام الأولى لإدارة روزفلت إقرار قوانين الإصلاح المصرفي، وبرامج الإغاثة الطارئة، وبرامج الإغاثة في العمل، والبرامج الزراعية.  لمعرفة المزيد راجع: إريك راشواي، (2014). الكساد الكبير والصفقة الجديدة، (ترجمة ضياء وراد). مؤسسة هنداوي.

١٦. بيرني ساندرز (Bernie Sanders)/ (1941) هو سياسي أمريكي وسيناتور من فيرمونت، توجهه  ديمقراطي اشتراكي وتقدمي، دخل في المنافسة لمرشح الرئيس في انتخابات الولايات المتحدة الرئاسية لعام 2016 وعام 2020 عن الحزب الديمقراطي، وحلّ ثانيًا في كل منهما، يُفضل السياسات المشابهة للأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا خاصةً تلك التي تم تأسيسها في دول شمال اوروبا.  ساندرز صوت متقدّم وقائد في قضايا مثل عدم المساواة في الدخل، والرعاية الصحية العالمية، وتغيّر المناخ، وحقوق  المثليين في الولايات المتحدة الأمريكية، وإصلاح الحملات المالية السياسية لدعم المرشحين، وبرز محلياً بعد تعطيله عام 2010 طلب تمديد تخفيضات بوش الضريبية. ويعبّر ساندرز عن رأيه بصراحة في مجال الحقوق والحريات المدنية، وانتقد بالتحديد سياسات الرقابة العامة الأمريكية مثل قانون الوطنية، وأيضاً التفريق العنصري في نظام العدل الجنائي، ويعدّ من منتقدي السياسة الخارجية الأمريكية، وكان من أوائل المتحدثين والمعارضين للحرب في العراق.

١٧. مواجهات القدس 2021 وهي اشتباكاتٌ بدأت بتوترٍ بين متظاهرين فلسطينيين وشرطة إسرائيل في 6 مايو 2021 نتيجة قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بشأن إخلاء سبع عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في القدس لإسكان مستوطنين إسرائيليين. تمت على اثرها الحرب على غزة 2021 أو كما سمتها إسرائيل عملية حارس الأسوار أو كما سمتها المقاومة الفلسطينية معركة سيف القدس.

١٨. بدأ الحديث عن حل الدولتين بعد هزيمة مصر  والعرب القاسية عام 1967، فهو حل اقتُرح لتسوية  الصراع العربي الإسرائيلي على أساس قيام دولتين إحداهما إسرائيل وتقوم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، والأخرى فلسطين وتقوم على أراضي حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 قبل هزيمة العرب في الحرب الشهيرة التي عرفت تاريخيًا باسم النكسة. وأراضي 67 تضم مناطق الضفة والقدس الشرقية وغزة وما يربطها، وتشكل 22% من أراضي فلسطين التاريخية. وقبول هذا الحل يشترط الاعتراف بدولة إسرائيل وسيطرتها على 78% من أراضي فلسطين التاريخية.

١٩. اللسانيات (linguistics)/ حقل من حقول الدراسة موضوعه اللغة، حيث يدرس اللغويون اللغة على أنها قدرة الشخص على التواصل والتعبير عن الذات والتراث المشترك لمجتمع يتكلم لغة ما.
تتضمن الفروع الرئيسية للمعرفة اللغوية الفونولوجيا والقواعد (المورفولوجيا والنحو) وعلم المفردات.
كان التحول نحو النماذج (التوليدية- التحويلية) للغة ارتبطت بتشومسكي. حيث أقترح وجود مقدرة بشرية بيولوجية او مركبة آليًا على نحو تولّد الأنساق النحوية الجزئية كلها وميز ثلاثة مستويات لهذا النسق: مجموعة عميقة وكلية من الاستعدادات النحوية، ومجموعة سطحية وجائزة من القواعد الجزئية، وقواعد تحويلية تتوسط بين الاثنين. ويتمثل الطموح العلمي للألسنية التشومسكية في تفسير هذه البنية النحوية العميقة. أصبحت وجهة نظر تشومسكي او نسخها المحدثة، إطار البحث في كثير من الدراسات الألسنية وفي المجالات المتصلة بها من العلوم المعرفية.
لمعرفة المزيد راجع: كالهون، كريغ. (2021). معجم العلوم الاجتماعية، (ترجمة معين رومية). المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. قطر. ص ١١٩-١٢٠.

٢٠& ٢١. لم يجب على هذين السؤالين وسؤالين اخرين كذلك، ولم اشأ الضغط علية او تكرار الطلب للإجابة عليهما. حيث يعتقد بأن اجاباته عن الاسئلة السابقة تعتبر كافية. وانتهى الحوار على ذلك.

٢٢. راجع: شيلفر، إسرائيل. (2016). العوالم الرمزية، الفن والعلم واللغة والطقوس، (ترجمة عبد المقصود عبد الكريم). ط١. المركز القومي للترجمة. القاهرة. ص ٣٧-٤٣.

٢٣. راجع: كولماس، فلوريان. (2000). اللغة والإقتصاد، (ترجمة احمد عوض). عالم المعرفة. الكويت. ص ١١-١٢.

٢٤. راجع: بيكر، غوردن. (2009). برتراند رسل وفلسفة اللغة. في اتجاهات في النقد الأدبي الحديث، (ترجمة محمد درويش)، ص٢٥. دار المأمون. بغداد.

٢٥. راجع: هاريس، روي و جي تيلر، تولبت. (2004). لوك ونقص المعنى. في اعلام الفكر اللغوي، الجزء الأول (ترجمة احمد شاكر الكلابي)، ص ١٦٦، ص ١٧٠. دار الكتاب الجديد. بيروت، لبنان.

٢٦. راجع: هدسن. (1987). علم اللغة الاجتماعي، (ترجمة محمود عبد الغني عياد). دار الشؤون الثقافية. العراق، بغداد. ص ١٦١.

٢٧. راجع: جوزيف، جون. (2007). اللغة والهوية، (ترجمة عبد النور خراقي). عالم المعرفة. الكويت. ص ٣٩، ص٥٤.

٢٨. راجع: غادامير، هانز جورج. (2007). الحقيقة والمنهج، (ترجمة حسن ناظم، علي حاكم صالح). دار أويا. طرابلس، ليبيا. ص ٥٣٢-٥٣٣، ص ٥٣٦.

٢٩. راجع: هلبش، جرهارد. (2003). تاريخ علم اللغة الحديث، (ترجمة سعيد حسن بحيري). مكتبة زهراء الشرق. القاهرة، مصر. ص ٣١.

٣٠. راجع: تشومسكي، نعوم. (2005). آفاق جديدة في دراسة اللغة والذهن، (ترجمة حمزة بن قبلان المزيني). المشروع القومي للترجمة. القاهرة، مصر. ص ١٨٦.

٣١. راجع: كولماس، فلوريان. (2000). اللغة والإقتصاد، (ترجمة احمد عوض). عالم المعرفة. الكويت. ص ٢٨٣.

٣٢. راجع: هندرتش، تد. (2021). دليل أكسفورد في الفلسفة، الجزء الثاني، (ترجمة نجيب الحصادي). ط1. هيئة البحرين للثقافة والآثار. مملكة البحرين، المنامة. ص ١٣٠٢-١٣٠٣.

٣٣. راجع، طوني بينيت، وآخرون. (2010). مفاتيح اصطلاحية جديدة، (ترجمة سعيد الغانمي). المنظمة العربية للترجمة. بيروت، لبنان. ص ٥٦٣-٥٦٤.

٣٤. راجع: هندرتش، تد. (2021). دليل أكسفورد في الفلسفة، الجزء الأول، (ترجمة نجيب الحصادي). ط1. هيئة البحرين للثقافة والآثار. مملكة البحرين، المنامة. ص ٧٠٧-٧٠٨.

٣٥. راجع:
Beard, A. (2000). The Language of Politics. New York: Routledge. P18-19.

٣٦. دايك، توين فان. (2014). الخطاب والسلطة، (ترجمة غيداء العلي). المركز القومي للترجمة. القاهرة، مصر. ص ١٤٤-١٤٥، ص ٤٢٩.

٣٧. فيركلف، نورمان. (2016). اللغة والسلطة، (ترجمة محمد عناني). المركز القومي للترجمة. القاهرة، مصر. ص ٨٤، ص ١٢١.

٣٨. جوزيف، جون. (2007). اللغة والهوية، (ترجمة عبد النور خراقي). عالم المعرفة. الكويت. ص ١٠٩، ص ١١٠.

٣٩. راجع:
• تشومسكي، نعوم. (2014). النظام العالمي الجديد القديم والجديد، (ترجمة عاطف معتمد عبد الحميد). ط3.  دار نهضة مصر للنشر. مصر، الجيزة.
• تشومسكي، نعوم. (2007). الدول الفاشلة، إساءة استعمال القوة والتعدّي على الديمقراطية، (ترجمة سامي الكعكي). دار الكتاب العربي. بيروت، لبنان.
• تشومسكي، ادوارد سعيد وآخرون. (2003). اللاجئون الفلسطينيون حق العودة. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت، لبنان. ص١٣٥.

٤٠. راجع: جون جوزيف، وتالبوت تيلر. (2008). الأيديولوجيا واللغة، (ترجمة باقر جاسم محمد). دار الشؤون الثقافية. بغداد، العراق. ص ١٧٢.

٤١. راجع: روضة بن عثمان، وآخرون. الجندر في اللغة بين السلطة والمقاومة. موقع انكفاضة، (اربعة اجزاء) على الرابط:
https://inkyfada.com/ar/webdoc/%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D9%86%D8%AF%D8%B1-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9/

٤٢. هذه الملاحظة فيما يخص اللغة الفرنسية على سبيل المثال. راجع، اريفيه، ميشال. (2014). لاكان واللغة، اللساني واللاّوعي، (ترجمة محمد امطوش). دار نيبور. الديوانية، العراق. ص ١٧٣.

٤٣. تشومسكي، نعوم. (2005). اللغة والعقل، واللغة والطبيعة، (ترجمة رمضان مهلهل). دار الشؤون الثقافية. بغداد، العراق. ص ٦٦-٦٧.

٤٤. راجع: رونالدو مونك، بابلو بوزي. (2021). “مقدمة في علاقات الصراع المتضاربة  بين (إسرائيل _ فلسطين) وامريكا اللاتينية”، (ترجمة حسام جاسم). المركز الديمقراطي العربي.
https://democraticac.de/?p=74017

٤٥. راجع: رونالدو مونك. (2022). “الليبرالية الجديدة والسياسة وسياسة الليبرالية الجديدة”، (ترجمة حسام جاسم). مجلة حكمة.
https://hekmah.org/%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/

٤٦. الموقع الرسمي: رونالدو مونك في جامعة دبلن
https://www.dcu.ie/civic-engagement/people/ronaldo-munck

٤٧. السلعنة (commodification)/ هي عملية تحويل بضائع أو خدمات أو أفكار، أو أي نوع آخر لا يعتبر من أنواع البضائع، إلى سلعة تباع وتشترى. يتم سلعنة البشر بسياقات معينة مثل الهندسة الوراثية، الهندسة الاجتماعية، الاستنساخ، تحسين النسل، الداروينية الاجتماعية، الفاشية، التسويق الجماعي، والتوظيف. واقصى تطرف للسلعنة البشرية هي العبودية والتي تجعل الفرد نفسه سلعة يباع ويشترى. وعلى نفس المعيار، فسلعنة الحيوان هو تحويله إلى مادة استهلاكية للغذاء أو للكساء أو للترفيه أو للتجارب. إحدى أبرز الأمثلة على التسليع في مجتمعنا هي الظاهرة التي وصفها الاقتصادي إدوارد لازير بالإمبريالية الاقتصادية. الإمبريالية الاقتصادية هي عندما يغزو الفكر الاقتصادي ويستعمر المجالات التي كان يشغلها المنطق سابقًا، مثل الأسرة، والأذواق، والسياسة، والثقافة، والدين، والجريمة، والقانون، والحرب، والعلوم، إلخ. بعض اتجاهات التسليع الشائعة التي ظهرت في المجتمعات النيوليبرالية في جميع أنحاء العالم تتعلق بتحويل السلع العامة إلى سلع خاصة، وتسليع العلاقات الاجتماعية، والعالم غير البشري (ما يسمى “الطبيعي”). فعلى سبيل المثال، تعتبر موارد الطبيعة (الماء أو الهواء) والتعليم من المنافع العامة في معظم المجتمعات. ومع ذلك، بسبب هيمنة النيوليبرالية في معظم المجتمعات الصناعية، يتم التعامل معها بشكل متزايد كسلع من قبل النخبة السياسية والاقتصادية الموجهة نحو السوق. وكانت عواقب هذا التسليع مدمرة بالنسبة للمجتمعات المحلية الأكثر تهميشًا والمحرومة.

٤٨. ما بعد النيوليبرالية (Post-neoliberalism)/والمعروفة أيضًا باسم مناهضة الليبرالية الجديدة، هي مجموعة من المُثُل التي تتميز برفضها للنيوليبرالية  والسياسات الاقتصادية التي يجسدها إجماع واشنطن في حين أن هناك جدلًا علميًا حول السمات المحددة لما بعد النيوليبرالية ، فإنه غالبًا ما يرتبط بالسياسات الاقتصادية للتأميم وإعادة توزيع الثروة، ومعارضة إلغاء القيود، والتمويل، والتجارة الحرة، وإضعاف علاقات العمل، و سياسة اليسار بشكل عام. كان للحركة تأثير خاص في أمريكا اللاتينية، حيث أدى المد الوردي إلى تحول كبير نحو الحكومات اليسارية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. تشمل الأمثلة على حكومات ما بعد النيوليبرالية الحكومات السابقة لإيفو موراليس في بوليفيا ورافاييل كوريا في الإكوادور .

٤٩. الأزمة العالمية (global crisis)/ الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في سبتمبر 2008، اعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة  1929م، ابتدأت الأزمة أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي، وقد وصل عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008م إلى 19 بنكاً، كما توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400 بنكاً.

٥٠. يؤمن الأشخاص الموجودون في يسار الوسط بالعمل داخل الأنظمة القائمة لتحسين العدالة  الاجتماعية، ويشجع يسار الوسط درجة من المساواة الاجتماعية التي يظن أنها قابلة للتحقيق عن طريق تشجيع تكافؤ الفرص، حيث يقوم يسار الوسط بالتأكيد أن تحقيق المساواة يحتاج مسؤولية شخصية في المناطق التي يهيمن عليها الفرد، عن طريق قدراته ومواهبه وكذلك المسؤولية الاجتماعية في المناطق الخارجة عن سيطرة الشخص في قدراته أو مواهبه.
ويعارض يسار الوسط وجود فجوة كبيرة بين الطبقات ويشجع التدابير المعتدلة للتقليل من الفجوة الاقتصادية مثل: ضريبة الدخل التصاعدية والقوانين التي تحظر عمالة الأطفال، وقوانين الحد الأدنى للأجور والقوانين المنظمة لظروف العمل والقيود على ساعات العمل وقوانين تضمن حق العمال في التنظيم، حيث يدعي يسار الوسط عادة أن المساواة الكاملة في النتائج غير ممكنة، ولكن بدلاً من ذلك فإن تكافؤ الفرص يحسن درجة من المساواة في النتائج في المجتمع.
ظهر مصطلح “يسار الوسط” خلال (ملكية يوليو) الفرنسية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وهي مرحلة سياسية تاريخية خلال مملكة فرنسا عندما حكم آل أورليان في ظل نظام شبه برلماني، حيث كان يسار الوسط متميزاً عن اليسار ويتألف من جمهوريين بالإضافة إلى يمين الوسط المكون من الحزب الثالث والعقائد الليبرالية المحافظة.

٥١. حركة المقاطعة (BDS)/ حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات
(Boycott, Divestment and Sanctions Movement) (BDS)
تشير إلى الحملة الدولية الاقتصادية والتي بدأت في 9 يوليو 2005 بنداء من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية، «… للمقاطعة، وسحب الاستثمارات وتطبيق العقوبات ضد إسرائيل حتى تنصاع للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان». الأهداف الثلاثة المعلنة للحملة هي:
• انهاء «الاحتلال الإسرائيلي واستعماره لكل الأراضي العربية»، فضلا عن «تفكيك الجدار العازل؛»
• الاعتراف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية «للفلسطينيين المواطنين العرب في إسرائيل  بالمساواة الكاملة»،
• قيام إسرائيل باحترام وحماية وتعزيز «حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.»

٥٢. راجع: رونالدو مونك، بابلو بوزي. (2021). “مقدمة في علاقات الصراع المتضاربة  بين (إسرائيل _ فلسطين) وامريكا اللاتينية”، (ترجمة حسام جاسم). المركز الديمقراطي العربي.
https://democraticac.de/?p=74017

٥٣. المد الوردي (pink tide)/ يشار إليها أيضًا باسم حكومات (يسار الوسط) و (ذات الميول اليسارية) و (الديمقراطية الاجتماعية الراديكالية) في أمريكا اللاتينية. ظهر المصطلح لأول مرة في الخطاب العام بعد فوز هوغو شافيز في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية لعام 1998. بعد ذلك، أدى انتخاب الحكومات في تشيلي والبرازيل والأرجنتين وأوروغواي وبوليفيا ونيكاراغوا والإكوادور وغواتيمالا إلى تعزيز المد الوردي. وفيما يتعلق بسياساتها الإقليمية والدبلوماسية، حاولت حكومات المد الوردي أن تكون أكثر حزمًا في استجابتها لمقتضيات السياسة الأمريكية والهيمنة التاريخية لتلك الدولة في المنطقة. ومع ذلك، فإن قدرتهم على العمل معًا أعيقت بسبب حقيقة أن دولًا أخرى – مثل المكسيك وكولومبيا وبيرو – ظلت قريبة من واشنطن وأيضًا بسبب العديد من الخصومات والقضايا الخلافية.

٥٤. الشعبوية (populism)/ آلت الشعبوية لتدل على نمط في الخطابة السياسية يفضل الفعل الجمعي للناس في مواجهة التهديدات النخبوية. وثمة للشعبوية نسختان، يمينية ويسارية، على الرغم من أن المكون المتواتر فيهما هو رفض المواقف الأيديولوجية الصارخة، ومن ثم فإن السياسة الشعبوية تظهر تنوعًا كبيرًا.
تعد الشعبوية في جوهرها خطابًا دخيلًا يقوم على مسافة حقيقية أو مفترضة عن السياسة المؤسساتية. وارتبطت دائمًا بالسياسة الجماهيرية، وفي شكلها الأكثر ديمقراطية بإصلاحات تشجع المزيد من الانخراط والمحاسبة في العملية السياسية. توافق معظم البحوث عن الشعبوية على أنها تأتي إلى حد كبير ردًا على التحولات الاجتماعية التي ترافق التحديث الاقتصادي. لمعرفة المزيد راجع: كالهون، كريغ. (2021). معجم العلوم الاجتماعية، (ترجمة معين رومية). المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. قطر. ص ٤٠٢-٤٠٣.

٥٥. الأوليغارشية (oligarchy)/ الأوليغارشية أو حكم الأقليِّة، وهي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية.
وكلمة (أوليغارشية) مشتقة من الكلمة اليونانية: ὀλιγαρχία أوليغارخيا. وغالباً ما تكون الأنظمة والدول الأوليغارشية يسيطر عليها من قبل عائلات نافذة معدودة تورث النفوذ والقوة من جيل لأخر.

٥٦. ميلتون فريدمان (Milton Friedman)/ (1912 – 2006) هو عالم اقتصاد أمريكي، فاز بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1976 لإنجازاته في تحليل الاستهلاك والمعروض النقدي ونظريته في شرح سياسات التوازن. وبالاشتراك مع جورج ستيجلر وآخرون، كان فريدمان من بين القادة الفكريين للجيل الثاني من نظرية سعر شيكاغو (مدرسة شيكاغو للاقتصاد)، وهي نزعة منهجيّة نشأت في جامعة شيكاغو قسم علم الاقتصاد، وكلية الحقوق وكلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال من الأربعينيات فصاعدًا.

٥٧. مواصفات الحاجات الجندرية العملية:
1. استجابة لضرورة آنية تمت ملاحظتها.
2. جرت صياغتها من الظروف والأوضاع المادية الحقيقية.
3. استخلصت من وضع النساء داخل بنية التقسيم (الجندري) للعمل بين الرجال والنساء، مثل أن عمل النساء في المنزل لا يعد عملاً.
4. لا تهتم بتحدي ومعارضة الوضع الخاضع والثانوي للنساء، وإن كانت منبثقة عنه.
5. تنبثق بصورة رئيسة من وضع النساء الإنجابي والإنتاجي، وتعمل على تعزيزه.
يمكن للحاجات (الجندرية) العملية أن تشمل ما يلي: الرعاية الصحية لأفراد الأسرة والحصول على الدخل لتوفير متطلبات الأسرة والإسكان والخدمات الأساسية وتزويد الأسرة بالغذاء. وهي حاجات يشترك فيها جميع أعضاء الأسرة، مع أنها محددة بوصفها حاجـات جندرية عملية مخصصة للنساء، وذلك نتيجة كون النساء هن اللواتي يحملن مسؤولية تلبيتها.

اما الحاجات (الجندرية) الاستراتيجية:
حاجات تمت صياغتها اعتمادُا على تحليل حالة التمييز ضد النساء في المجتمع، فحين يتم التصدي للتعامل معها، ينبغي أن تؤدي إلى تحويل وتغيير التقسيم الجندري للعمل مثلاً. هذه الحاجات عادة ما تتحدى طبيعة العلاقات السائدة بين الرجال والنساء، وتستهدف التخلص من حالة التمييز التي تعيشها النساء.
ويمكن للحاجات الجندرية الاستراتيجية أن تشمل ما يلي: إلغاء التقسيم الجندري للعمل والتخفيف من العبء المرهق للعمل المنزلي ورعاية الأطفال وإزالة الأشكال المؤسسية للتمييز ضد النساء، مثل حقوق الملكية أو تملك الأرض وإمكانية الحصول على القروض المالية وغيرها من الموارد والتمتع بحرية الاختيار بالنسبة لإنجاب الأطفال والإجراءات التي يتوجب اتخاذها ضد عنف وهيمنة الرجال على النساء.

٥٨. يقصد هنا بالنظريات الشمالية، النظريات النسوية ذات الطابع الأمريكي الطاغية على قارة امريكا الشمالية فهي تختلف عن الطابع النسوي اللاتيني الثوري لارتباطه بالحقوق السياسية ضد الأنظمة الديكتاتورية.

٥٩. راجع: تشومسكي، نعوم. (2011). الربح مقدمًا على الشعب، النيوليبرالية والنظام العالمي، (ترجمة لمى نجيب). منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة. دمشق، سوريا. ص ٥٧-٥٨، ص ١١٦.

5/5 - (6 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى