الشرق الأوسطعاجل

الأزمة الصحية في تونس: مؤشرات من وحى الهاوية

بقلم : محمد العربي العياري – تونس – المركز الديمقراطي العربي

 

لاتزال أزمة الكوفيد في تونس تُلقي بضلالها على الواقع الصحي والاجتماعي والنفسي لعموم الشعب. حيث تتواتر الأخبار اليومية عن مئات من المصابين الجدد والموتى، في الوقت الذي تُعلن فيه اغلب المؤسسات الصحية عن عجزها على استيعاب المزيد من المصابين مع نقص حاد في المستلزمات الصحية والوقائية. يأتي ذلك في الوقت الذي لازالت فيه أزمات السياسة في تونس رابضة عند نقطة الاعودة التي حدّدها الفاعلون السياسيون منذ مدة بتأجيل الحوار الوطني تارة ورفضه تارة أخرى، مع مناورات سياسية استُعملت فيها كل أدوات الهيمنة ومحاولات فرض الرأي من أغلب الفاعلين. بالعودة إلى مسألة الوباء المستجد وما فرضه من إجراءات استثنائية يُطالب البعض بجعلها أكثر صرامة، في حين يتساءل البعض الآخر عن تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية، فإن ما يمكن استخلاصه من تداعياتها، يتجاوز البعد الاقتصادي والاجتماعي والصحّي، ليعصف بالدولة بأكملها إن لم تتحول السياسة في تونس إلى سياسة أزمة بما تعنيه من تجاوز كل نقاط الاختلاف وتحويل كل الموارد والطاقات نحو القضاء على مخلفات الكوفيد نهائيا وقبل كل شيء.

رغم تفاعل مؤسسات الدولة وجزء كبير من منظمات المجتمع المدني مع الأزمة الصحية، ومحاولة معاضدة المجهود الوطني لمكافحتها، إلا أن سرعة انتشار الفيروس مع عدم توفر التلاقيح بالقدر الكافي، مع تناقض المعطيات الإحصائية الرسمية وتصريحات المسؤولين، زائد الحجم المرعب للمعطيات التي تُقدّمها مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك، مكّن من تكوّن صورة عن الدولة الواهنة والعاجزة عن حماية شعبها من تداعيات فيروس لا مجال للتهاون معه أو التفاعل بآليات قديمة وبالقدر المتوفر من الموارد البشرية واللوجيستية.

أمام هذه الوضعية الحرجة، يتنافس الفاعلون السياسيون حول من كان له السبق في توفير البعض من التلاقيح أو تقديم المساعدات الطبية لبعض مراكز الصحة العمومية. كما يتزايد الإصرار من يوم لآخر على استثمار الأزمة الصحية لربح نقاط تموقع جديدة على حساب الخصم السياسي. من ذلك ما حصل مؤخرا من تنافس إعلامي حول شحنة المساعدات القطرية لتونس، أو معدات الأكسجين المُرسلة من ألمانيا، وأخيرا، تكليف الجيش التونسي بمسح شامل لكامل التراب الوطني لتلقيح المواطنين وتقصّي الوباء.

من الضروري والمستعجل أن تُعقد المجالس الوزارية وتجتمع اللجان المختصة من أجل تدبّر الحلول الكفيلة بالقضاء على الأزمة الصحية، لكن أن تتحوّل هذه اللقاءات إلى مجال للمزايدة السياسية وتكرار نفس الخطابات وشحن النفوس بمفردات الاتهام والإدانة للخصم السياسي، وأن يتداعى أنصار الفاعلين السياسيين نحو نُصرة شق دون آخر، فلن يزيد ذلك سوى من تعمق الأزمة وانصراف الجميع نحو الاهتمام بمربع السلطة وربح أمتار إضافية في سباق الانفراد بقيادة البلاد.

في حالة الأزمة، يصبح كل شيء خاضع لقانون الاستثناء، استثناء في الوقت والقرارات والإجراءات، وأن يُترك شأن المغالبة السياسية إلى زمن تتوفر فيه ظروف الفعل السياسي الطبيعي في ظروف حياتية طبيعية. من أجل ذلك، وحتى لا يغيب عن ذهن الفاعلين السياسيين في تونس مآلات الأزمة الصحية إن استمر الوضع كما هو عليه، فإننا نقترح ما يلي:

  • تحويل اللجنة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا إلى لجنة طوارئ صحية تجتمع بصفة مستمرة وتصبح مقترحاتها ذات صبغة تقريرية وليس استشارية كما هو الحال علية اليوم، وتتلقى كل المعطيات حول الوباء من لجان على مستوى الولايات والهياكل الصحية.
  • تكليف وزارة الشؤون الخارجية بتفعيل الديبلوماسية عبر الاتصال بالسفارات التونسية بالخارج وبالدول والتونسيين المقيمين بالخارج من أجل توفير ما أمكن من التلاقيح والمعدات الطبية.
  • دعوة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى تحويل نشاط أنصارها ومنخرطيها نحو مساعدة الفرق الطبية في المستوى المحلي والجهوي على التوعية والتحسيس والتقصي وغيرها من الأنشطة التي قد تساهم في الحد من انتشار الوباء.
  • تخصيص ميزانية استثنائية “ميزانية أزمة” لتوفير ما يلزم من أدوات طبية وتوزيعها على جميع مراكز الصحة العمومية.
  • دعوة القطاع الخاص للعمل بنسق أكبر والمساهمة في مكافحة الوباء باعتباره شريكا للدولة في سياسة مجابهة الأزمة، مع إفراده بإجراءات استثنائية لتغطية ما قد يتعرض له من عجز أو ما شابه ذلك.

من خلال المقترحات الواردة أعلاه، شرط أن يعي الفاعل السياسي بخطورة المرحلة، يمكن أن تتمكن الدولة التونسية من مجابهة تداعيات الفيروس، وأن تتجاوز مرحلة الانهيار والذي سوف يتطلب ترميمه سنوات طوال وإمكانيات لا نخال أننا قادرون على توفيرها نظرا للأزمة الاقتصادية ولماراطون التنافس السياسي الذي يسير بسرعة نحو عامه الثاني، ويجُر معه البلاد والعباد نحو تسجيل مؤشرات من وحي الهاوية.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى