مقترب الخيانة في الدولة: الأسباب والدوافع والأثر

بقلم: التجاني صلاح عبد الله المبارك – المركز الديمقراطي العربي
القائد الذكي (في تقديري) هو الذي يضع كل اعتبارات ومآلات الحرب في الحسبان، بل انه يكون متوقعا لكل الاحتمالات والفرضيات، كما يتوقع النصر فهو يتوقع الهزيمة، وكما يتوقع الإخلاص والاتقان، فهو يتوقع فرضية الخيانة والخذلان، وفي كل الأحوال ينطلق القائد الذكي من خطط محكمة تتميز بالمرونة، وتقبل التغيير والتعديل والتبديل، وفقا لمتطلبات ميدان الحرب ومتطلبات كافة السيناريوهات.
تعريف الخيانة:
الخيانة في اللغة: خون: ان يؤتمن الانسان فلا ينصح، خانه خونا وخيانة وخانة ومخانة، واختانه فهو خائن وخائنة وخوان، والجمع :خانة وخونة وخوان، وقد خانه العهد والأمانة. [1]
وفي الاستعمال السياسي، يمكن القول ان الخيانة هي تغير نفسي وسلوكي كامل يطرأ على شخصية الفرد، نتيجة عدة عوامل ومسببات قد تكون ظاهرة وحديثة، أو مستترة ومتراكمة، وتكون محصلته اختلافا كاملا أو جزئيا عن الشخصية الأولى، التي كانت تتميز بالانتماء والشعور بالولاء الوطني.
تعريف الخيانة الوطنية:
الخيانة الوطنية تمثل أفعالا أو تصرفات تهدف إلى الإضرار بمصالح الدولة، سواء من خلال التعاون مع قوى خارجية، أو التحريض على الفوضى والاضطرابات الداخلية، وفي كثير من الأحيان، يتم تبرير هذه الأفعال تحت ذرائع سياسية، أو اجتماعية. [2]
وتعرف الخيانة في الدستور الامريكي: بانها شن حرب ضد الولايات المتحدة، أو الانضمام الى اعدائها، أو تقديم العون والمساندة لهم.
وقد يأخذ معنى الخيانة أسماء عديدة، يجمع بينها السرية والعمل في الخفاء أو العلن ضد مصلحة الدولة، منها العملاء أو المتعاون أو الخونة أو الطابور الخامس.
تعريف الطابور الخامس:
الطابور الخامس (بالإنجليزية: Fifth column) مصطلح متداول في أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية، نشأ أثناء الحرب الأهلية الإسبانية التي نشبت عام 1936 واستمرت ثلاث سنوات، وأول من أطلق هذا التعبير هو الجنرال “إميليو مولا” أحد قادة القوات الوطنية الزاحفة على مدريد، وكانت تتكون من أربعة طوابير من الثوار، فقال حينها إن هناك طابورًا خامسًا يعمل مع الوطنيين لجيش الجنرال “فرانكو” ضد الحكومة الجمهورية التي كانت ذات ميول ماركسية يسارية من داخل مدريد، ويقصد به مؤيدي “فرانكو” من الشعب، وبعدها ترسخ هذا المعنى في الاعتماد على الجواسيس في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
يصف مصطلح الطابور الخامس مجموعة من الناس تعمل غالبًا على محاولة محاصرة المدينة من الداخل، وتكون إما في صالح جماعة العدو أو في الدولة. أنشطة الطابور الخامس قد تكون علنيةً أو سريةً. وفي بعض الأحيان تقوم هذه القوات السرية بمحاولة حشد الناس علنًا لمساعدة هجوم خارجي. ويمتد هذا المصطلح أيضًا إلى الأنشطة التي ينظمها الأفراد العسكريين. ويمكن لأنشطة الطابور الخامس السرية أن تنطوي على أعمال تخريب وتضليل وتجسس يُنفذها مؤيدوا القوة الخارجية ضمن خطوط الدفاع بكل سرية. [3]
ظهور الطابور الخامس في ميدان المعركة مثير للقلق ليس بسبب أنه فرضية غير متوقعة أو محتملة الحدوث، لكن لصعوبة التنبؤ بأفراد الطابور الخامس أو عملياته، كما أنه يدخل في عداد الطابور وقتيا وفي حالة اندلاع الحرب عناصر لا ترقى للشبهات على الإطلاق، وفي حالات عسيرة يكون الطابور الخامس أو الخلايا النائمة ليسوا أفردا من داخل الدولة يمكن التعامل معهم ورصد تحركاتهم ونواياهم، لكن يكون بحجم دولة أخرى تزيد من لهيب الحرب المشتعلة بالوكالة، فتدعم قوات الطرف الآخر بالمال والأسلحة والذخائر وكافة انواع الدعم اللوجستي، وربما بأفراد من عتاة المرتزقة الذين يقاتلون في الحروب أشد القتال وباحتراف، ليس من أجل النصر والحاق الهزيمة النكراء بالطرف الآخر، لكن من أجل دراهم تسيل اللعاب هم في أمس الحاجة إليها. [4]
انحراف الفرد للخيانة وخيانة الدولة في حد ذاته، له عدة أسباب ودوافع يمكن ان نسجل منها الاتي:
أولا: القمع المتواصل من الانظمة الدكتاتورية:
يمثل القمع المتواصل والكبت وتضييق الحريات وعدم اتاحتها، وملاحقة ذوي الراي، الذين لديهم اراء تختلف عن الرأي العام الذي تتبناه السلطات الدكتاتورية، وتعذيب الافراد وسجنهم، ربما يمثل سببا في الميل الي العمل في الخفاء والسرية، والوقوع في الخيانة وتمثيل الطابور الخامس وقت نشوب الحرب.
ثانيا: التهميش المتعمد:
يمثل سلوك التهميش المتعمد الذي ربما تسلكه بعض الانظمة المستبدة عاملا من عوامل تكون بذور الخيانة والتمرد لاحقا، ومن الدوافع النفسية الكامنة وراء الخيانة الوطنية، لذا فان من متطلبات الحكم الرشيد هي العدل في كل الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومحاربة الفساد الاداري، لان الظلم وعدم العدل يولد الغبن والشعور بالتهميش، الذي ربما يزداد يوما بعد يوم وعاما بعد عام.
ثالثا: انخفاض مستويات التعليم وازدياد معدلات الامية:
ان انخفاض مستويات التعليم وازدياد معدلات الامية، من شأنه ان يجعل البعض عرضة وفريسة سهلة للوقوع في ايدي أنظمة أخرى تناصب الدولة العداء، ومن ثم فانهم يصبحون خاما سهل التشكل وموجها ضد الدولة ذاتها، بعد اعدادهم اعدادا جديدا وبمفاهيم مغايرة.
رابعا: الجهل وارتفاع معدلات البطالة:
مع انعدام فرص العمل وازدياد معدلات البطالة والجهل، فإن بعض الافراد الذين يتطلعون إلى الثراء والمكاسب الشخصية المادية، وتكوين الثروة، أو تحقيق مكاسب تتعلق بالنفوذ والسلطة، فان خيانة الدولة ربما تكون هي الباب الموارب لتحقيق كل ذلك.
خامسا: العامل الاقتصادي:
تكثر الاضطرابات والخيانة في الدولة في اغلب الاحوال، نتيجة الفقر والمستويات الاقتصادية المتدنية في الدولة، ويعتبر الفقر والأجور المتدنية سببا رئيسا في دفع بعض الافراد الذين تغلب عليهم الامية والجهل، في الوقوع في الخيانة الوطنية من اجل مكاسب واغراءات مالية.
سادسا: العوامل الدافعة الأيدلوجية:
تحت تأثير معتقدات وأفكار متطرفة تختلف وتتعارض مع المعتقد العام والايدولوجيا السائدة في الدولة، فان بعض المجموعات ربما تقع في خيانة الدولة، نتيجة تفضيلهم الايدولوجيا الخارجية على الولاء الوطني.
سابعا: الاستقطاب الخارجي:
يقع بعض الافراد، وربما بحجم أكبر مؤسسات أو أحزاب سياسية، تحت ضغط جهات خارجية، واستقطاب خارجي، يقدم لهم كافة التسهيلات المادية والعسكرية واللوجستية والإعلامية والمعنوية، للقيام بأعمال ضد إرادة الدولة وتوجهاتها القومية وأمنها، وهو أيضا مما يقع في بند الخيانة والخيانة العظمى.
ثامنا: تكون الروح الانتقامية لدى الافراد:
يعتبر تكون الروح الانتقامية ومشاعر الاستياء والغضب لدى الافراد، سببا رئيسا في القيام بأعمال الخيانة ضد الدولة ومكوناتها، وفي اغلب الأحوال فان رد الفعل الانتقامي هو نتيجة الظلم الذي وقع عليهم من الدولة ذاتها، أو مجتمعاتهم، نتيجة المعاملة غير العادلة، أو اذلالهم، أو ما اعتقدوا انه ظلم صريح، أو في أحوال أخرى نتيجة الجهل المطبق.
تاسعا: اشباع وارضاء الذات:
بعض الافراد توجد لديهم تقديرات خاصة عن ذواتهم، وفي رغبتهم الجامحة للسيطرة وارضاء الذات، وعلى الأرجح هم يعانون من مشاكل واضطرابات نفسية، وفي رؤيتهم أن كل ما يقومون به من اعمال التعاون أو الخيانة هي اعمال صائبة، ولا يقومون إلا بواجبهم المفترض، ويملأ هذا الشعور بالذات، فراغا نفسيا كبيرا لديهم، ويحقق ذواتهم المفقودة والضائعة.
عاشرا: شخصيات تبحث عن الاثارة والظهور الطاغي وتحب المغامرات:
وهي شخصيات ايضا تعاني من انحراف نفسي سلوكي، ولا تتردد في المشاركة في اعمال الخيانة ضد الدولة، وتجد في القيام بذلك سعادة ورضا كبيرين.
حادي عشر: الاضطرابات الشخصية:
يعاني بعض الافراد الذين يرتكبون اعمال الخيانة ضد الدولة، من اضطرابات شخصية وعلل نفسية، مثل الاكتئاب والقلق، والاحباط المستديم، وعدم الرضا، والحاجة المستديمة الى الاعجاب، والشعور بالعظمة والاهمية، والنرجسية، وعدم القدرة على تنظيم تقدير الذات، وبنفس المقدار المتكون داخلهم من هذا الشعور أو الانحراف النفسي، تكون اعمال الخيانة على قدر قريب منها، لتحقيق التوازن لهذه النفسية المنحرفة المختلة.
ثاني عشر: وقوع الافراد تحت تأثير الضغوط الخارجية والابتزاز:
في بعض أسباب الخيانة ضد الدولة، قد تكون خيانة الأفراد نتيجة تأثير ضغوط خارجية، أو تعرضهم للابتزاز، ورغم أنهم ارتكبوا اعمال خيانة ضد الدولة، لكن ليست بدوافعهم الشخصية، انما تحت الإكراه والجبر والتهديد.
ثالث عشر: تنامي الولاء لدولة أو دول خارجية ذات غرض ومصالح وطموحات:
يعتبر الوصول للتعاطف والولاء لدولة أو دول خارجية على حساب مصالح وتوجهات الوطن، هو من أخطر انواع درجات الخيانة والخيانة العظمى، لأنه في هذه الحالة يعتبر قوة مستترة وسرية غير ظاهرة داخل الدولة، وتنفذ متطلبات الدولة العدو الخارجية، التي لها عدة مصالح واهداف سياسية واقتصادية، تبتغي تحصيلها عبر الخونة والعملاء من داخل الدولة.
رابع عشر: الانقسامات المجتمعية العميقة والصراع الطبقي:
تؤثر الانقسامات المجتمعية والطبقية سلبا على النسيج المجتمعي في الدولة، ومع ازدياد حدة الانقسامات والصراعات المجتمعية، ومع غياب دور الدولة أو فشلها في تسكين وتهدئة هذه الصراعات الداخلية، من الطبيعي ان تكون قد ساهمت في وجود بيئة مهيئة للخيانة والتمرد، وربما التفكير في الانفصال لاحقا.
ان القائد الذكي هو الذي يضع كل اعتبارات الحرب في الحسبان، بل انه يكون متوقعا لكل الاحتمالات والفرضيات، كما يتوقع النصر فهو يتوقع الهزيمة، وكما يتوقع الإخلاص فهو يتوقع الخيانة والخذلان، وخيانة الدولة ضررها وأثرها أعظم من اشكال الخيانة الأخرى التي قد تؤثر على حيز صغير محدود، اما خيانة الدولة فيمتد أثرها إلى حيز أكبر بحجم الدولة ويهدد أمنها ووجودها.
المصادر:
[1] _ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادى، القاموس المحيط [2] _ د.لولوه البورشيد، عندما تصبح خيانة الوطن جزءاً من الصراع السياسي، موقع صحيفة السياسة، 01مارس/اذار 2025،(تاريخ الدخول: 10 مايو/ايار 2025):https://tinyurl.com/2akjv4nm
[3]_انظر:الموسوعة الحرة ويكيبيديا،الطابور الخامس،(تاريخ الدخول: 10 مايو /ايار 2025):https://tinyurl.com/mr2k9sjr [4] _ التجاني صلاح عبد الله المبارك، الطابور الخامس: الاسباب والدور والأثر، مركز السياسة العالمية، 17سبتمبر/ايلول 2023،(تاريخ الدخول: 10 مايو/ايار 2025): https://tinyurl.com/5n97jz9s يرجى استعمال برنامج لتخطي الحجب