العنصرية ضد الاسيويين وتسمية ترامب لفيروس كورونا بالفيروس الصيني

اعداد : نوران سيد عبد الفتاح , د . نادية مصطفي , د. رغده البهي
- المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
يمكن أعتبار القضية التي يتناولها التقرير من من قضايا الأمن المجتمعي التي تندرج تحت قضايا الأمن الغير تقليدي والتي يتم تعرفيها علي أنها: انماط القضايا التي يتخطي تأثيرها حدود الدول القومية وتستلزم تدخل علي المستوي العالمي وليس علي المستوي الدولي فقط.
اولا : نبذه تاريخية:
العنصرية ضد الأسيوين ليست أمر حديث بل هو تاريخ طويل من العنف والتمييز : كانو يطلقون علي المهاجرين الأسويين الخطر الأصفر لأعتقادهم أنهم يمثلون خطر علي العرق الأسود . ويتضح هذا بشكل اكبر في الحقائق التالية :
اولا اليابانين: أن حالة اليابانيين الأمريكيين أثناء الحرب العالمية الثانية أثبتت بوضوح فشل المنظومة الاخلاقية للمجتمع الأمريكي ففي الوقت الذي حارب 33 ألف ياباني جنبا إلى جنب مع المواطنين الامريكين في كل الجبهات ، كان اليابنيون يتعرضون للسجن بلا سبب وفشل الدستور في توفير اي ضمانات قانونية تحمي كل من يحمل الجنسية الأمريكية . اقتصرت الإجراءات التعسفية وسياسة الحجز التحفظي على مواطني الولايات المتحدة والمقيمين من الأصول اليابانية فقط ولم تشمل جميع الأقليات التي دخلت دولها في الحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية، كالأقلية الايطالية والألمانية على سبيل المثال، وهذا ي دل على أن النظرة العنصرية المسبقة كانت السبب في كل ما لحق بالأقلية اليابانية من ظلم وتعسف.
وشملت تلك الإجراءات التعسفية جميع النواحي الأمنية والأقتصادية والتعليمية والدينية . وقد امتلاءت الشوارع والأماكن العامة بمنشوارت عنصرية ضد اليابانين . ومن ابرز القوانين تعسفا وبشاعة التي تم إصدارها من قبل الرئيس روزفلت هو القارر التنفيذي رقم 9066وبموجب هذا الق ارر اصبح للقيادة العسكرية الحق في اعتبار اي منطقة هي منطقة عسكرية واللقيادة الحق في اعتقال او ترحيل الأشخاص التي تري في وجودهم في تلك المناطق تهديدا للأمن القومي والمقصود ب ذلك اليابانين ، كما أنه تم إصدار مجموعة من القرارات التي تم بموجبها ترحيل اليابانين من عدد كبير من الولايات منها سان فرانسسكوا
كاليفورنيا ومنع أي من السكان بإيواء أي من مواطن من أصل ياباني في مساكنهم . ويجب التأكيد علي أنكل هذه الإجراءات التعسفية ضد أي مواطن من اصل ياباني كانت بتأييد شعبي من السكان البيض وتم إصدار تعليمات بعدم استقبال أي عائد من اليابان حتي و إن كان يحمل الجنسية الأمريكية وتم تحديد
10م اركز توطين في عدد من الولايات يحذر عليهم السكن في غيرها وإلا تم اعتقالهم وترحليهم وأتخاذ الإجراءات المش ددة ضدهم .
ويجب الملاحظة أنه لم يكن هناك أي سبب واضح لأتخاذ تلك الإجراءات) السجن ، الأعتقال ، الترحيل، التقييد ( تجاه مواطنين الولايات المتحدة من الأصول اليا بانية ، وهي مجرد تعبير عن ثقافة عدم التقبل أو بمعني ادق عدم الرغبة في التعايش مع أي مواطنين من أي عرق أخر ، والحرب كانت بمثابة السبب
الرئيسي في ظهور الفكر العنصري الكامن في المجتمع الأمريكي منذ تأسيسه والذي يظهر في كل محاولة من المجتمع في استبعاد أي عرق أخر يشكل في أعتقادهم خطر علي مجتمعهم . [1] ثانيا الصنيين :
كان الصينيون يشكلون اقلية علي الساحل الغربي منذ القرن ال19 و يتم تصوريهم علي أنهم مجرد عمالة رخيصه ويشكلون خطر علي الوظائف و الأجور منذ هجرتهم الي الولايات المتحدة . ولذلك بدأت القوانين والقرارات التي تقيد تدفق الصنييون الي الولايات المتحجة في الظهور كان اهمها قانون) الاستبعاد الصيني ( وهو قانون لمنع العمال الصينين من دخول البلاد ، ومنع الصنيين الذين غادروا من الولايات المتحدة من العودة مرة أخري وهذا القانون اساسه مشاعر العداء والعنصرية . عام 1882 اقر الكونجرس قانون الاستبعاد الصيني . وفي عام 1910 تم إنشاء محطة للهجرة في خليج سان فرانسسكو يمكن فيها احتجاز اي مهاجر صيني اسابيع أو سنوات لقبول دخوله أو رفضه وحدثت تغيرات في المجتمعات الصينية بسبب القيود المفروضة علي الهجرة وكل هذه التغيرات لم تكن في صالح أي من المهاجرين ، وكل هذا أدي الي ظهور الهجرة غير الشرعية كأحد الوسائل للتخلص من كل الضغوط التي يتم فرضها علي الهجرة ، وتعتبر الهجرة
غير الشرعية من أهم النتائج الملموسة لقانون الاستبعاد الصيني . تم الغاء هذا القانون عام 1943 مع مرور القانون الذي يسمح فقط ب 150 مهاجر سنويا فقط .2
يمكن اعتبار الدافع الاساسي للعنصرية والكره ضد الاسييوين هو شعور الأمريكيين اصحاب البشره البيضاء أنهم يمثلون تهديد لهم وتهديد اكبر للاقتصاد الامريكي باستلائهم علي كافة الوظائف والمناصب وسيطرتهم علي الأقتصاد ، كما أن خطابات الكراهية كانت سبب رئيسي في ترسيخ هذا الأعتقاد بالأضافة إلي ثقافة المجتمع الأمريكي منذ تأسيسه و دفعه بكل صور التمييز والعنص رية ضد أي عرق مختلف داخل المجتمع الامريكي ، ايضا تسليط الضوء علي معاناه الأمريكان الأفارقه ومعاناتهم عن الأمريكان الأسيويين . تفشي وباء العنصرية بعد جائحه فيروس كورونا
التطوارت بعد جائحه فيروس ك ورونا :
إن الولايات المتحدة من أكثر الدول التي تضررت منذ تفشي الفيروس ، ولقد شهد تعامل الرئيس السابق دونالد ترامب مع الأزمة فشل ذريع في احتوائها حيث أنها من أكثر الدول التي سجلت عدد إصابات ووفيات في العالم ، فلقد استغرق البيت الأبيض عدة أشهر لبدء التعامل مع الأزمة ، كان اكثر ما يثير قلق ترامب هو الاقتصاد الأمريكي وليس صحة الشعب وسلامتهم ، وبناء علي ذلك لم يكن هناك اي تحذير بشأن خطورة الفيروس ، غير أن ترامب حاول التقليل من شدة الوباء وأعتباره مجرد أنفلون از وهذا ما جعل الولايات المتحدة تتصدر دول العالم في الإصابة بالفيروس والوفاة به . ورغم كل هذه المحاولات التي قام بها لإخفاء حقيقة خطورة الفيروس إلا انه ايضا لم يستطيع الحفاظ علي صلابة الأقتصاد الأمريكي ، فلقد حقق الأقتصاد الأمريكي انكماشا بنسبه 4.8 % وهذه النسبة أسوء مما حدث في الازمة المالية عام 2008 ، وبدأ عدد الأمريكيين الذين يطالبون بأعانه بطالة يزداد بعد أنتشار الفيروس ، كما أنه قام بتخصيص حوالي 2.2
2 https://www.alarabiya.net/last–page/2019/06/03/%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7–
%D8%B7%D8%B1%D8%AF–%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%86–
%D9%85%D9%86–%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7–
%D9%88%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%88%D8%A7–%D9%85%D9%86–
%D8%AF%D8%AE%D9%88%D9%84%D9%87%D8%A7–60–%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7– هكذا طرد 2021-5-31 الصنيون من أميركا ومنعوا من دخولها 60 عاما ، تاريخ الاطلاع
تريليون دولار لمواجهه الظروف الأقتصادية الناتجه عن الأزمة ، وتم تخصيص مي ازنية لدعم المستشفيات و تطوير لقاح كوفيد 19.
مع كل هذا التراجع العالمي وأنهيار المكانة الأم ريكية بين الدول ، حاول ترامب إيجاد أي وسيلة لأخفاء فشله وبدأ في أتهام الصين بتزييف الحقائق عن الفيروس للتهرب من تحمله نتيجة إخفاقة وعدم القدرة علي القيادة السياسية الناجحة للأزمة .قام الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب بوصف فيروس كورونا” بالفيروس الصيني،” وأطلق عليه وزير خارجيته ” فيروس وهان . وعلي الرغم من أنه وباء عالمي أصاب جميع
الدول بما فيها الصين إلا أن ترامب بهذا الوصف العنصري حرك مشاعر الكارهية ضد الاسييوين بشكل أكبر ولم يفشل في التعامل فقط مع وباء فيروس كورونا بل فشل في التعامل مع وباء العنصرية ، وظهر ما يعرف” بالكرونوفوبيا ” وهو مصطلح استخدمه البعض لتجسيد حاله الخوف من كل من هم ذو ملامح أسيوية وهو تعبير مغلوط ليس له اساس سوي مرض العنصرية المتفشي في المجتمع الأمريكي . ولقد ترامب في تصريحاته علي تقاعس الحكومة الصينية في الم ارحل الأولي لأنتشار فيروس كورونا وعدم التعامل معه بالشكل الصحيح مما أدي الي تحول هذا الوباء الي جميع أنحاء العالم بما فيهم دولة أمريكا.[2]
وتعددت الأسباب وارء ارتفاع عدد الجارئم ضد الاسييوين بعد الجائحه بشكل ملحوظ اهمها : اولا تزايد نشاط الجماعات اليمينية المتطرفة والتي تعتبر العنصرية من أهم مبادئها وأن التفوق دائما يكون للعرق الابيض ، ويدعم ذلك خطابات تارمب العدائية والتي يمكن اعتبارها السبب الرئيسي لزيادة الهجمات العنصرية ضد الامرييكين من أصول أسيوية ، والدليل علي ذلك تسمية ترامب فيروس كورونا بالفيرس الصيني كانت سبب اساسي في ارتفاع اعداد جارئم العنف ضد الاسييوين الأمريكي ن . كما أن العلاقات الأمريكية الصينية لا تخلو من المواجهات والخلافات . وكانت جائحه فيروس كورونا فرصة عظيمة لكل من الطرفين لتبادل الاتهامات وتصاعد التوتارت بين واشطن وبكين حول كثير من القضايا .
منذ بداية جائحه فيروس كورونا ، شهدت الولايات المتحدة ارتفاع ملحوظ في حوادث العنف ضد الأمريكين من أصول أسيوية ، فخلال الفترة من مارس الي مايو 2020 تم الإبلاغ عن أكثر من 800 حادث عنف تجاه الأمريكين من أصول أسيوية في ولاية كاليفورنيا فقط وهي الولاية التي تضم أكبر نسبة من الأسيويين
في الولايات المتحدة . ولقد تم تسجيل ما لا يقل عن 3800 حادث عنف تجاه الأسيوين من بينهم 503
حادث بين شهري يناير وفب ارير 2021 . ومن الملاحظ من الاحصائيات ان النساء تشكل النسبة الأكبر في التعرض لحوادث العنف فلقد شكلو حوالي 68 % من الاسيويين الأمريكين المستهدفين من تلك الجرائم. [3]
ولقد وصف بايدن ترامب بالرئيس العنصري وأنه يتعامل مع الناس علي اساس لونهم ومن اين جاءوا حتي الوباء تعامل معه هذا الاساس . ولقد اثارت تصريحات ترامب بأن فيروس كرونا “فيروس صيني ” غضب الحكومة الصينية وبدأت في الرد علي ذلك بشائعات مضاده وهي أن الفيروس اساسه برنامجا أمريكيا ولكنها مجرد شائعات للرد علي الأتهامات الصادرة عن ترامب ووزير خارجيته ، ولكن لم يكن الرد كافيا لمنع جرائم العنف التي يتعرض لها الاسييوين من أصل أمريكي ومن ابرز احداث العنف التي حدثت هذا العام هي قيام مسلح أمريكي ب ماهجمه ثلاث منتجعات صحية في منطقة اتلانتا وقام بقتل 8 اشخاص منهم 6 من أصول اسيوية ، الأمر الذي جعل الأسيوين في صدمة ولكنهم علي علم أن ما حدث هو استكمالا للعداء الذين يتعرضون له منذ بداية الجائحه. وقد عبر عدد كبير من الأسييوين عن غضبهم بعد القبض علي المتهم
وعدم توجيه الأتهام له بدافع الك ارهية والعنصرية ، حيث أكدت ” مارجريت هوانج ” المديرة التنفيذية لمركز قانون الفقر الجنوبي أن التبرير للمتهم علي أنه لم يكن عنصريا بل فقط يواجه يوما سيئا هو يعتبر ترويج للجريمة ويشجع علي زيادة عدد الهجمات علي الاسييوين في الولايات المتحدة .
وردا علي كل هذه الاحداث فلقد ندد الرئيس بايدن بج ارئم العنف ضد الأسيويين وصرح أن هذه الأحداث ليست أمريكية ، كما بدأ بايدن في أتخاذ اجراءات لتعديل قوانين حيازة وبيع الأسلحة في البلاد . علي عكس الرئيس السابق دونالد ترامب الذي غرس العنصرية في كل خطاباته للشعب ، أكد الرئيس بايدن أنه حتي وأن كان المجتمع الأمريكي مجتمع عنصري ولكن هذا لا يبيح ج ارئم العنف والتمييز التي انتشرت بكثرة بعد جائحه فيروس كورونا وأنه سوف يقوم بأتخاذ كأفة الإج ارءات حتي يقلل من تلك الحوادث ويقضي عليها تماما
اجراءات جو بايدن للتعامل مع العنصرية ضد الأسيويين :
قام بايدن بإتخاذ بعض الإج ارءات التي تمنع إنتشار مثل هذه الجرائم الا وهي اهمها :
1: قام بإصدار امر تنفيذي يحظر استخدام عبا ارت أو مصطلحات مثل ” الفيروس الصيني ” داخل الحكومة الفيد ارلية ، وذلك للتأكيد علي أنه لا يمكن إلقاء التهمه علي كل من هو أسيوي بأنه هو سبب إنتشار الوباء وأنه يستحق الإدانه.
2: طلب الرئيس بايدن من المشرعين تمرير قانون جرائم العنف والك ارهية المتعلقة بفيروس كورونا والغرض من القانون هو تتبع تلك الج ارئم وجمع المعلومات عنها ، وتكثيف الجهود اللازمة للإبلاغ عن تلك الج ارئم وتعقبها ومقاضاه من يرتكبها .
3: وشملت خطوات بايدن تخصيص 49.5 مليون دولار من أموال تخفيف آثار الجائحة لصالح خدمات وب ارمج على أسس مجتمعية وموجهة للناجين من العنف والاعتداء الجنسي، وكذلك تشكيل فريق عمل جديد معني بمواجهة ك ارهية الأجانب ضد الآسيويين في قطاع الرعاية الصحية.[4]
الخاتمة
لا يمكن إنكار حقيقة أن المجتمع الأمريكي مجتمع عنصري منذ تاريخ طويل ، ولكن في الفترة الحالية مستقبل العنصرية يرتبط بمدي تأثير جائحة كرونا علي الوضع في الولايات المتحدة ، خاصة في عهد الرئيس بايدن والذي يختلف بشكل تام عن الرئيس السابق ترامب الذي لم تستطيع سياساته إنقاذ الولايات المتحدة من الأزمات التي توالت عليها بل كانت سبب في تفاقمها . و نري أن الرئيس بايدن حاول وضع مجموعة من القارارت التي تستطيع بها الدولة الخروج من جائحه كورونا ليس لغرض الحفاظ علي صحة الشعب الأمريكي فقط ولكن في التوقيت ذاته حاول الحفاظ علي أمن وسلامة الأسييوين الذين يتعرضون لهجمات عنف وعنصرية منذ بداية الجائحه ، واستنكاره لكل اوجه العنصرية
التي تحدث بشكل أو بأخر . ومن الواضح أن الولايات المتحدة أنخفضت فيها نسبة الأصابات بفيروس كورونا ، من المتوقع أن يتم القضاء علي وباء العنصرية المنتشر ضد الأسييوين و مع كل هذه الإجراءات فمن الممكن أن نري الولايات المتحدة في مرحلة جديدة يمكن أن نسميها مرحلة ” ما بعد العنصرية ” وهي المرحلة القادمة التي قد تعيد كتابة تاريخ الولايات المتحدة من جديد .
[1] مقال منشور في مجلة اتحاد الجامعات العربية للأداب ،” سياسة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تجاهمواطنيها ذوي الاصول اليابانية خلال الحرب العاملية ا الثانية بقلم محمد عبد الرحمن بني سلامه ، المجلد
13 العدد 2 ،2016 ،ص ص 733 -7
[2] الصين والولايات المتحدة يتحاربان خلف الكواليس ، تاريخ 52022843–https://www.bbc.com/arabic/world الأطلاع 15-5 -2021
[3] تعليق: زيادة جرائم الكراهية ضد http://arabic.news.cn/2021–03/25/c_139836108.htm الاسيوين وتأصل الخطايا المتعلقه بحقوق الانسان في الولايات المتحدة
[4] https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=27032021&id=9789b79e–b33f–4feb–a9a0f8693a6fc6372021-5-16 كراهية الاسيوين في الولايات المتحدة ، تاريخ الأطلاع