الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

قمة المناخ الإفريقية الثانية (إثيوبيا 2025): نحو دور إفريقي فاعل في الحوكمة المناخية العالمية

إعداد: هبة المُعز – باحثة دكتوراه، كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

تشهد القارة الإفريقية في العقود الأخيرة تحديات مناخية متنامية انعكست بصورة مباشرة على أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، حيث تزايدت حدة موجات الجفاف والتصحر وارتفعت معدلات الفيضانات والكوارث الطبيعية، الأمر الذي ساهم في تفاقم أزمات الأمن الغذائي والمائي والصحي، وتأتي هذه التطورات في ظل محدودية إمكانات معظم الدول الإفريقية على مواجهة التداعيات المناخية مقارنة بغيرها من مناطق العالم، وهو ما جعل قضية المناخ تحتل موقعًا مركزيًا في الأجندة الأفريقية الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق، تبرز قمة المناخ الأفريقية الثانية (ACS2) التي تستضيفها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في سبتمبر 2025 كإحدى أهم المبادرات القارية الهادفة إلى صياغة رؤية موحدة للقارة في مواجهة التغير المناخي، فالقمة، المنعقدة تحت شعار: “تسريع حلول المناخ العالمية: تمويل التنمية الخضراء والمرنة في إفريقيا”، لا تقتصر أهميتها على كونها منصة لمناقشة التحديات البيئية، بل تمثل أيضًا فرصة استراتيجية لإعادة تموضع أفريقيا كفاعل رئيسي في صياغة الحلول المناخية العالمية، من خلال التركيز على قضايا التمويل العادل، ونقل التكنولوجيا، وتعزيز الحلول القائمة على الموارد الطبيعية المتجددة.

وتسعى القمة إلى إقرار إعلان أديس أبابا للمناخ باعتباره وثيقة مرجعية تحدد أولويات القارة وتؤكد على حقها في الحصول على التمويل والدعم التقني لمواجهة آثار التغير المناخي، مع إبراز دورها القيادي في تطوير نماذج تنمية خضراء قابلة للتطبيق، وعليه فإن دراسة هذه القمة تكتسب أهمية أكاديمية وعملية، لكونها تمثل حلقة وصل بين التوجهات العالمية والمحلية في معالجة القضية المناخية، وتوفر إطارًا لفهم مواقف القارة تجاه التحديات والفرص المرتبطة بالتحول الأخضر والتنمية المستدامة.

المحور الأول: خلفية عن القمة وأهدافها العامة.

جاء انعقاد قمة المناخ الأفريقية الثانية (ACS2) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الفترة من 8 إلى 10 سبتمبر 2025، في سياق دولي وإقليمي يتسم بتصاعد المخاطر المناخية وتنامي الحاجة إلى تحرك جماعي أكثر فاعلية، فقد سبقتها القمة الأولى التي انعقدت في نيروبي (كينيا) عام 2023، والتي وضعت اللبنات الأولى لرؤية إفريقية موحدة في ما يتعلق بالتمويل المناخي والتحول نحو الطاقة النظيفة، غير أن محدودية التزام المجتمع الدولي بتعهداته المالية، واستمرار الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، دفعت الدول الأفريقية إلى تعزيز موقفها الجماعي عبر قمة ثانية تركز على الحلول العملية، واختتمت بـ إعلان نيروبي الذي دعا إلى تسريع تنفيذ استراتيجية الاتحاد الإفريقي للمناخ والتنمية المرنة (2022–2032)، كما طالب الإعلان بإصلاح الهيكل المالي العالمي، بما في ذلك إعادة هيكلة ديون الدول الإفريقية، لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها التنموية والمناخية في آن واحد، وقد أرسى الإعلان أيضًا مبدأ عقد القمة الإفريقية للمناخ كل عامين لتوجيه العمل المناخي الجماعي للقارة(1).

إضافة إلى ذلك، يلاحظ أن اختيار إثيوبيا كمقر للقمة يحمل دلالات خاصة، إذ تمثل الدولة نموذجًا لمزيج من التحديات المناخية (مثل الجفاف وتراجع الموارد المائية) والفرص الواعدة (كالاستثمار في الطاقة الكهرومائية والمتجددة)، ومن ثم فإن احتضان أديس أبابا للقمة يعكس رمزية مزدوجة: فهي مقر الاتحاد الأفريقي من جهة، ومن جهة أخرى تمثل منصة لإبراز الطموحات التنموية الخضراء للقارة بأكملها.

يمكن تلخيص الأهداف العامة لقمة المناخ الأفريقية الثانية في المحاور الآتية(2):

  1. إبراز القيادة الإفريقية في العمل المناخي العالمي

التأكيد على أن القارة ليست مجرد ضحية للتغير المناخي، بل قادرة على تقديم حلول مبتكرة وفعالة.

  1. تعبئة التمويل المناخي العادل

الضغط من أجل تفعيل التعهدات المالية للدول المتقدمة، وضمان تدفق الاستثمارات إلى مشاريع التكيف والتخفيف في أفريقيا.

  1. تعزيز الحلول القائمة على الطبيعة والتكنولوجيا

دعم مشروعات الطاقة المتجددة، والزراعة الذكية مناخيًا، والبنية التحتية المرنة.

  1. إقرار إعلان أديس أبابا للمناخ
  2. باعتباره وثيقة استراتيجية موحدة تحدد الأولويات الإفريقية في المحافل الدولية مثل مؤتمر الأطراف (COP30)  ومجموعة العشرين.
  3. بناء شراكات متعددة الأطراف

ربط الجهود الإفريقية بالمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، لتسريع التحول الأخضر في القارة.

المحور الثاني: إعلان أديس أبابا للمناخ: المضمون والأبعاد السياسية والاقتصادية

يعد إعلان أديس أبابا للمناخ من أبرز المخرجات الأخيرة للحراك الإفريقي في ملف التغير المناخي، حيث يمثل وثيقة سياسية واقتصادية تعكس توافقًا قاريًا على رؤية مشتركة لمواجهة التحديات المناخية، وفي الوقت ذاته محاولة لإعادة صياغة دور إفريقيا في المفاوضات الدولية المتعلقة بالمناخ.

المضمون الرئيس لإعلان أديس أبابا:

  • الاعتراف بالمسؤولية التاريخية غير المتكافئة: أكد الإعلان أن إفريقيا تتحمل أقل نسبة من الانبعاثات الكربونية عالميًا (أقل من 4%)، لكنها الأكثر تضرراً من آثار التغير المناخي.
  • المطالبة بالعدالة المناخية: شدد على ضرورة التزام الدول الصناعية بتمويل الانتقال الأخضر في إفريقيا، ودفع التعويضات عن الخسائر والأضرار.
  • أولويات التنمية المستدامة الإفريقية: ربط الإعلان بين مكافحة التغير المناخي وتحقيق الأمن الغذائي، مكافحة الفقر، وتحفيز الاستثمار في الطاقة النظيفة.
  • تعزيز التكامل الإقليمي: الدعوة لتنسيق المواقف الإفريقية في قمم المناخ الدولية مثل (COP)، بما يجعل إفريقيا كتلة تفاوضية موحدة.
  • آليات التمويل المناخي: المطالبة بإنشاء آليات أكثر شفافية وسرعة في الحصول على التمويل الدولي، مع التركيز على المنح بدلاً من القروض.

الأبعاد السياسية للإعلان:

  • تعزيز الموقف التفاوضي الإفريقي: يهدف الإعلان إلى توحيد الصوت الإفريقي في مواجهة الدول الصناعية، بدل تشرذم المواقف الوطنية.
  • إبراز دور إفريقيا كلاعب دولي: محاولة لإظهار القارة كطرف فاعل لا متلقٍ فقط في قضايا المناخ.
  • البعد السيادي والسياسي: رفض التبعية لشروط التمويل الغربية التي قد تُقيد خيارات السياسات التنموية للدول الإفريقية.
  • علاقات الجنوب – الجنوب: فتح المجال لتعزيز التعاون مع الصين، الهند، ودول أمريكا اللاتينية في مجالات التكنولوجيا والتمويل الأخضر.

الأبعاد الاقتصادية للإعلان:

  • فرص استثمارية جديدة: تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح والطاقات المائية).
  • تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري: دعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، مما قد يقلل المخاطر الاقتصادية مستقبلًا.
  • التمويل الأخضر: السعي لجذب الصناديق الدولية والإقليمية لتمويل مشروعات البنية التحتية المستدامة.
  • البعد الزراعي والغذائي: الاستثمار في الزراعة الذكية مناخيًا لمواجهة الجفاف والتصحر.
  • التنمية المشتركة: ربط الإعلان بين مكافحة التغير المناخي وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وهو ما يعطيه بعدًا مزدوجًا (بيئي-اقتصادي).

المحور الثالث: الدور الإفريقي في الحوكمة المناخية العالمية

يشهد النظام الدولي اليوم تحولات كبرى في مقارباته لقضايا التغير المناخي، حيث لم تعد هذه القضية مجرد شأن بيئي، بل غدت محوراً للتفاعلات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بين الدول. وفي قلب هذا المشهد تبرز القارة الإفريقية كأحد أكثر الأقاليم عرضة لتداعيات الظاهرة المناخية، رغم مساهمتها المحدودة في الانبعاثات الكربونية العالمية. وبينما تواجه إفريقيا تهديدات متصاعدة للجفاف والتصحر والأمن الغذائي، فإنها في المقابل تسعى لإعادة تموضعها كطرف فاعل في صياغة قواعد الحوكمة المناخية العالمية، وفي هذا السياق، تأتي قمة المناخ الإفريقية الثانية، المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في سبتمبر 2025، لتُشكل محطة مفصلية بعد قمة نيروبي الأولى عام 2023، فالقمة لا تقتصر على استعراض التحديات، بل تسعى إلى تقديم حلول “مصنوعة في إفريقيا”، وتعزيز الموقف التفاوضي الموحد للقارة في المحافل الدولية المقبلة، مثل مؤتمر الأطراف (COP30) واجتماعات مجموعة العشرين والأمم المتحدة.

وتهدف القمة إلى تعزيز موقع القارة بصفتها طرفًا نشطًا وفاعلًا في حوكمة المناخ العالمية، عبر نقل المرحلة من الضعف إلى الوكالة في المنظومة الدولية. إنها ليست مجرد مؤتمر؛ بل منصة استراتيجية من أجل:

  • عرض الحلول الإفريقية المبتكرة في مجالات التنمية المستدامة، والهياكل القائمة على الطبيعة، والطاقة المتجددة، والتنقل النظيف، والمناخ الذكي.
  • فتح آفاق تمويلية جديدة تحول مسار الدعم من القروض إلى الاستثمار القائم على الخصائص الإفريقية.

ولقد سعت القارة  خلال العقدين الماضيين، إلى الانتقال من موقع “الضحية” إلى موقع “الفاعل” في منظومة الحوكمة المناخية العالمية، وقد ظهر ذلك في المبادرات القارية المشتركة مثل “إعلان نيروبي للمناخ 2023″، و”إعلان أديس أبابا للمناخ 2025″، إلى جانب تعزيز التنسيق في قمم المناخ الدولية (COP)، ويعكس هذا التحول إدراكًا متزايدًا لدى صانعي القرار الأفارقة بأن التحديات المناخية ليست مجرد تهديدات، بل يمكن أن تشكل أيضًا فرصًا استراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة، وجذب الاستثمارات الخضراء، وتوطيد الشراكات جنوب–جنوب وشمال–جنوب، وتعزيز الأنظمة الوطنية والمحلية والمنصات القُطرية لإدارة التمويل المناخي وتوصيله بفاعلية(3).

فالقمة الإفريقية الثانية (ACS2) توفّر منصة للقارة لتعريف أجندتها المناخية من خلال رؤية إفريقية خالصة، تركّز على الحلول القائمة على الطبيعة، والتكنولوجيا والابتكار، والتصنيع الأخضر، والطاقة المتجددة، والتمويل المناخي، واستراتيجيات التكيّف التي تحمي الفئات السكانية الأكثر هشاشة(4).

ختامًا: يتضح من خلال ما سبق أن الدور الإفريقي في الحوكمة المناخية العالمية يشهد تحولاً ملحوظاً من موقع التلقي والهشاشة إلى موقع الفاعلية والتأثير، فإفريقيا رغم ضعف مساهمتها في الانبعاثات الكربونية، استطاعت عبر القمم المناخية القارية والإعلانات المشتركة أن تبلور خطابًا موحدًا يطالب بالعدالة المناخية، ويدعو إلى إعادة النظر في آليات التمويل الدولي بما يراعي احتياجات القارة التنموية.

ولقد مثل انخراط إفريقيا المتنامي في مفاوضات المناخ، وإطلاقها لمبادرات إقليمية مثل إعلان نيروبي 2023 وإعلان أديس أبابا 2025، خطوة استراتيجية نحو تعزيز حضورها ككتلة تفاوضية موحدة، قادرة على الدفاع عن مصالحها وطرح حلول مبتكرة “مصنوعة في إفريقيا”، كما أن امتلاك القارة لثروات طبيعية ضخمة، وإمكاناتها في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة الذكية مناخيًا، يمنحها أوراق قوة إضافية يمكن أن تترجم إلى فرص تنموية واستثمارية كبرى.

ومع ذلك، فإن تعزيز هذا الدور يظل مرهونًا بمعالجة عدد من التحديات البنيوية، مثل ضعف القدرات المؤسسية، محدودية البنية التحتية، وتباين المواقف بين الدول الإفريقية نفسها. لذا، فإن المستقبل المناخي لإفريقيا يتوقف على قدرتها في توحيد الصفوف داخليًا، وبناء شراكات دولية عادلة، واستثمار مواردها بطريقة استراتيجية تجعل منها لاعبًا مركزيًا في صياغة مستقبل الحوكمة المناخية العالمية.

المصادر:

  1. MFA Ethiopia Blog,” Ethiopia to Host Second Africa Climate Summit in Addis Ababa“, 5 September 2025, Available at: https://mfaethiopia.blog/2025/09/05/ethiopia-to-host-second-africa-climate-summit-in-addis-ababa/ (Accessed in 8 September,2025).
  2. ECA, “ECA at the Second Africa Climate Summit”, 8 September, 2025, Available at: https://www.uneca.org/eca-events/eca-second-africa-climate-summit   (Accessed in 8 September,2025)
  3. African Union,” Second Africa Climate Summit“, Available at: https://au.int/en/newsevents/20250908/second-africa-climate-summit (Accessed in 8 September,2025).
  4. United Nations,”Ethiopia to Host the Second Climate Week of 2025 (CW2) an the Second Africa Climate Summit (ACS2)“, 14 August 2025, Available at: https://2h.ae/dUGh (Accessed in 8 September,2025).
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى